|
الانتخابات المبكرة باعتبارها مقامرة اكيدة
حارث رسمي الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 6639 - 2020 / 8 / 7 - 15:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شأنها شأن الاحداث الكبرى التي افضت الى تغييرات جذرية راديكالية، أو حتى تلك الاحداث التي لم يكتب لها أن تحقق ما قامت من أجله، تبقى حركة تشرين الاول 2019 محط اهتمام وتمحيص كبير، ولعلنا هنا نستطيع استعارة ما قاله نيكولاس بولانتزاس "ان كل نظرية منذ ماكس فيبر اما حوار مع الماركسية أو هجوم صريح عليها"، الاستعارة هنا تفيدنا كتشبيه أرى انه مهماً، فمنذ انطلاق الحركة الاحتجاجية العراقية بوجهها الأبهى ونسختها الأكثر تطوراً ووعياً في 2019 سواء اقتنع البعض من انها استطاعت أن تحدث صدعاً كبيراً في جدار اللا مفكر فيه أم لم يقتنع فإن جميع الفعاليات والمواقف سواء تلك التي أقدمت وتقدم عليها الحكومة أو تلك الخاصة بالأحزاب السياسية العاملة والحاضرة على الساحة السياسية العراقية هي خطوات جاءت اما بدفع من مخرجات الحراك التشريني أو إتقاءً لما ممكن أن يحدثه هذا الحراك الذي لم يهدأ الى الآن مخرجات يرى الحاكمون على مقاليد السلطات السياسية والاقتصادية انها من الممكن أن تطيح بما اكتنزوه منذ 2003 ولغاية اليوم. بالمختصر ان كل ما نعيشه ونشهده لا يخلو من احدى بصمات تشرين 2019. نرى ذلك الوعي المتطوّر هذه المرة حين نعيد الى الاذهان المطلب الأول والرئيس في هذا الحراك وهو محاولة اعادة انتاج الدولة واظهارها الى حيز الوجود بعد أن غابت تدريجياً بفعل سياسات متعمّدة منذ الاحتلال الامريكي ولغاية الآن، هذا الشعور الذي اكتسح الغالبية تقريباً بالحاجة الملحة للدولة كان واحداً من ابرز اسبابه هو ان الجماعة الوطنية/الامة أو ما اطلقه البعض تندراً "الجالية العراقية في العراق" فطنت هذه المرة الى غياب ما يوحدها، هذه الوحدة التي تفرقت الى جماعات تتناحر بعنف وعلانيةً أحياناً وفي احيان أخرى كان هذه التناحر ناعماً خفيفاً يجري ظاهرياً وكأنه بعيداً عن الشارع الا إن مخرجاته لا تصيب في الدرجة الاولى الا الشارع نفسه. من هنا كان شعار (نريد وطن) تتويج لكل الحراكات التي سبقت الحراك الأخير والتي كانت قد رفعت شعارات أقل خطورةً ووعياً من هذا. حلم أو هدف استعادة الدولة أو انتاجها من جديد والتي كان المحتجون يتحركون باتجاهها كانوا قد رسموا وبصورة واضحة لا لبس فيها الطريق المؤدي الى مبتغاهم، فقالوا إنها تأتي عبر الطرق السلمية، الطرق الديمقراطية التي تضمن تداولاً غير عنفياً للسلطة يكون فيه المواطن العراقي حراً في أن يقول ما يعتقد انه صحيحاً وضامناً لهدفه المرتجى، فكان مطلبهم بعد محاكمة المتورطين بدم المحتجين هو اجراء انتخابات مبكرة، وأرى ان التأكيد مهماً هنا على ان ما طرحوه – الانتخابات المبكرة- تمثل الوسيلة الى استعادة الدولة التي يريدونها لا الغاية التي ينتهي اليها الحراك أو التي قام من أجلها. فمحرّكات تشرين ودوافعه لا علاقة لها بادئ الأمر بعبد المهدي شخصياً أو حكومته بصورة عامة، بل كانت ترتبط بالدولة ككل، سياستها وماهيتها، علاقتها مع الجماعة الوطنية/الأمة ومدى تمثيلها لهم، نعم فقد تطوّر الأمر بعد حمام الدم الذي أمر به عبد المهدي أو شارك فيه أو حتى انه لم يشترك ولكنه عجز عن ايقافه، الحراك كان اساساً ينظر الى ماهو أبعد من عبد المهدي وحكومته، كما انه لا يفكر الآن بالكاظمي وكابينته، النقطة التي يقع عليها نظر الحراك التشريني هو الدولة والنظام السياسي فيها. من هنا يبدو واضحاً ان مطلب الانتخابات المبكرة المراد منه احداث تغيراً مهماً جذرياً وواضحاً يطال النظام السياسي، انتاجه من جديد ليتلائم مع تطلعات الشارع المحتج، أو ارجاعه الى الجادة التي يجب أن يسير فيها بعد أن شطح بعيداً. ومنذ أعلن الكاظمي عن نيته والحكومة اجراء انتخابات مبكرة في السادس من حزيران 2021 فقد اعاد الى الأذهان كل تلك التساؤلات عن جدواها وأهميتها، عن قانونها الخاص والذي سلق سلقاً وتم الادعاء زوراً بأنه يمثل رغبة وتطلعات المحتجين، وهو في جوهره قانوناً يعيد انتاج هذه الطبقة السياسية التي رحبت به وصوتت له، قانون لا يقتصر على تقسيم العراق على دوائر متعددة تمثل كل محافظة من المحافظات دائرة انتخابية واحدة، بل جرى ايضاً تقسيم تلك الدائرة والواحدة/المحافظة الواحدة الى دوائر متعددة يمثلها القضاء والناحية. وهذا القانون سيصب في صالح هذا التحالف الطبقي المتحاصص القائم الآن. وليس بعيداً عن قانون الانتخابات والذي فصّل على مقاسات من اوغلوا بدماءنا ونشير اليهم دائماً باعتبارهم اباطرة الفساد، هناك المال السياسي والذي لا يمتلكه سوى هؤلاء الذين استغلوا مواقعهم الكبيرة والمهمة في الدولة وعلى امتداد السبعة عشر عاماً الماضية والذي يفعل فعلته في شراء الذمم وما يمتلكه من قدرة فائقة على تغيير مجرى أي عملية انتخابية لا يفرض القائمون عليها شروطاً واضحة وصارمة وجدية على استخدامه، ناهيك عن السلاح المنفلت القادر على تحويل العراق الى جحيم لا يبرد وبلداً لا يستقر في حال جاءت نتائج الانتخابات على غير ما يتوقعه وينتظره مالكي هذا السلاح. اضافةً الى النفوذ الأجنبي الذي لم نستطع الخلاص منه بعد. في ظل كل ما ورد اعلاه، فإن الانتخابات المبكرة سيكون الخاسر الوحيد فيها هو الشارع المحتج، والرابح هي تلك الاحزاب السياسية والتحالف الطبقي القائم حتى وإن اختلفت النسب في الحصول على مقاعد في البرلمان القادم. الانتخابات الجيدة وكما يراها غيورغ سورنسن ترتبط بما يحدث خلال فترة الاعداد لها والتي تسبق الحدث بقدر ما ترتبط بالعملية السياسية التي تلي الحدث، ولا اعتقد ان هناك من يرى في البيئة السياسية والاجتماعية اليوم ما يمكن اعتباره مقدمات ناجحة لانتخابات جيدة ممكن أن يعوّل عليها في تحقيق ما خرج الشارع من أجله وقدم كل تلك الدماء في سبيله. شخصياً، لا ارى في أي انتخابات قادمة (مبكرة أو دورية) حدثاً ممكن أن ينقلنا من حالة الضياع التي نعيش الى برٍ آمن طالما لم يكن للحركة الاحتجاجية وجوداً فيها، هذا الوجود المقصود به أن يؤطر الشارع المحتج نفسه باطار يساعده على أن ينخرط من خلاله في الفعل الانتخابي، سواء كان ذلك عن طريق انبثاق حزب سياسي جديد، اهدافه كل تلك المطالب التي رفعت في سوح الاحتجاج، أو ائتلافات انتخابية على مستوى المحافظات. وهي الأقرب الى الواقع والاضمن والأسرع تقريباً، اذا تمتلك ساحات الاحتجاج رؤىً واضحة حول محافظاتها، وكل ساحة باستطاعتها أن تؤشر على مواطن القوة والضعف في المحافظة كما انها الوحيدة القادرة على معرفة وجهات التحرك، خزيناً يتبلور منذ بداية الاحتجاج ولغاية الآن، وهذا من شأنه أن يسهّل عملية التشكيل والاختيار والمشاركة وطرقه. المعنييون بالحركة الاحتجاجية افراداً كانوا أم احزاباً وفعاليات سياسية امامهم المزيد من بذل الجهود لتشكيل صوتاً سياسياً رسمياً قادراً على المنافسة في الانتخابات من الآن استعداداً لخوضها في حزيران2021 واذا تعذر ذلك لأي سبب كان من ضيقٍ للوقت أو غيره فخيار مقاطعة الانتخابات القادمة هو الأرجح، ولينخرط الجميع في عمل شاق وطويل لتشكيل شيئاً من هذا القبيل استعداداً للانتخابات الدورية. غير ذلك اعتقد ان الانتخابات القادمة مقامرة كبرى بمستقبل طويل، وتضحيات كبرى وسنوات طوال من الصبر والعمل، الانتخابات القادمة تشبه لعبة الروليت الروسي، الا ان الاختلاف هنا ان اسطوانة المسدس هذه المرة تحتوي على خمس طلقات من أصل ستة. هذا يعني ان نسبة النجاة هي (1/6).
#حارث_رسمي_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الريع النفطي وغياب حوامل الديمقراطية ( تحديان أمام التجربة ا
...
-
متى تغيب الدولة ومتى تحضر؟!
-
مشهدية حزيران ٢٠١٤
-
مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية ومرتكزاتها وأبرز المعوقات
-
قراءة في الحراك التشريني
-
شئ من ذكرى اليوم
-
الانتفاضة التي نخرت الكونكريت ( تنصيب الزرفي نموذجاً)
-
ماراثون مع الموت!!!
-
ماذا يعني أن تعيش في بغداد 2020
-
خمسة عشر يوماً من تشرين
-
كي لا يقتلنا النفط
-
سلام عادل .. الاستثناء في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي
-
الوطن هو أنتم، الوطن هو أنا
-
ملاحظات من عطلة العيد
-
القفز من مركب الرئيس !!!
-
من حفل التنصيب !!
-
فندق حامد المالكي الذي شغلنا !!
-
قادةُ مروا بعد فهد ، لهم وعليهم
-
كيف خيبت سائرون حلماً كان قريباً ؟
-
الذاتي والموضوعي في تشكيل فهد
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|