أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضى حليم - قراببين الحكمة














المزيد.....

قراببين الحكمة


رضى حليم
باحث وصحفي مغربي

(Rida Halim)


الحوار المتمدن-العدد: 6639 - 2020 / 8 / 7 - 04:01
المحور: الادب والفن
    


الغلام: لماذا كل هذا الثقل على ظهري؟ فهل أنا مسافر يا أمي؟
الأم: قالت، وعيناها تدمعان فرحا: سر يا بُني على هذه الخطى، ولا تزغ عن هذا الطريق، فكل تلك الخطى هي خطاك. أسرع يا بني، أسرع، وفكر فيما تريد أن تصير!
الغلام: وعيناه تدمعان حائرتين، بين الفزع والدهشة والفرح والخوف. ولكن، يا أمي إلى أين؟
الأم: أجابته، بأشعار لمحمود درويش:
"أيها المستقبل! لا تسألنا: من أنتم؟ وماذا تُريدون مني؟ فنحن أيضا لا نعرف.
أيها الحاضر! تحمَّلنا قليلا. فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل!"
الغلام: ولكن يا أمي، لماذا أنا محمل بهذا الثقل على ظهري؟
الأم: لا يا بني، ذاك ليس بثقل، تلك الحكمة، ستفتنك وتعشقها. أسرع يا بني، أسرع، لقد تأخرت، والحكمة كالموت، لا تحب الانتظار، وفكر في فيما تريد أن تصير.
الغلام: انطلق كالسهم مسرعا بضع خطوات، وتوقف، فالتفت إليها قائلا: لا أعرف، ولكن سأصير كل شيء!
الأم: كل شيء؟ لا يا بني لا نصير كل شيء! اختر شيئا واحد فقط.
الغلام: كلا يا أمي، سأصيرُ كل شيء! فانا لم أنسى حلاق بغداد، في حكايات "ألف ليلة وليلة" التي سبرنا أغوارها ذات ليلة، ما زلت أتذكره يقول: "ستجدني أحسن حلاق في بغداد، حكيم ومُجرب، وصيدلي عميق، ومنجم لا يخطئ، ضليع في النحو والبلاغة، ومؤهل في العلوم الرياضية، في الهندسة والحساب، وكل مسائل الجبر، وفي التاريخ، أعرف تاريخ الممالك في العالم، وأعرف أيضا جميع أبواب الفلسفة..."
الأم: دعك من الإجابة عن هذا السؤال الآن، دع الإجابة للمستقبل. الذي سيعلمك أنه ليس هناك شيء واحد يفسر كل شيء! فكل شيء نسبي! أسرع يا بني، أسرع، فالحكمة لا تحب الانتظار.
الغلام: اخلعي هذا الثقل عن ظهري؛ إذا كانت هذه الحكمة التي تقدميني إليها قربانا، لن تفسر لي كل شيء، ولن أتحصّل عليها كُلها. جرديني من هذا الثقل، وحُجي أنت نحو الحكمة، فأنت أنا، وأنا أنت، لن يَفرق ذلك في شيء، لماذا أنا؟ كوني انت قربانا للحكمة! لماذا انا؟
الأم: أسرع يا بني، الحكمة اختارتك انت، لتعلمك معنى الحياة، ولماذا تعيش؟ وكيف تعيش؟ أما أنا فقد شخت، وعشت على فطرة الدهشة وحب الاستطلاع والتأمل، محاولة التغلب على "هكذا يجب أن تعيش!"، ولم أجد في عمرك من يقدمني قربانا للحكمة، لم أعش كما كان ينبغي أن أعيش، إلا ما علمتني الحياة، وما بقي مترسخا في عقلي من حكايات وأُحجيات أمي وجدتي، في عز ليالي الشتاء والصيف.
الغلام: رمى الثقل من على ظهره قائلا: لا يا أمي، قطعا، قد نشيخ، ولكن العقل لا يشيخ، سنحج معا نحو الحكمة، وأنا وأنت، وإلا لن أقدم نفسي قربانا للحكمة، طاعة لك. وسأختار أن أعيش على طعم الفطرة، مكتفيا بالدهشة وحب الاستطلاع والتأمل، وسأتعلم وحدي لماذا أعيش؟ وكيف أعيش؟
الأم: وضعت الثقل على ظهرها، ومسكته من يديه، متحسسة إياه كسند لها، مرددة أشعارا لمحمود درويش:
أَنا للطريق
هُنَاكَ من سبَقَت خُطَاهُ خُطَايَ
من أملى رُؤَاهُ على رُؤاي
هُنَاكَ من نَثَرَ الكلام على سَجيَّته ليدخل في الحكاية
أو يُضيئَ لمن سيأتي بعدَهُ



#رضى_حليم (هاشتاغ)       Rida_Halim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صرخة من منفى الأشباح
- 13 مارس ذكرى مولد -شاعر الثورة والمقاومة-
- نحو الحق في الإبداع: رسالة عبد الرحمن طه إلى أهل الحكمة والف ...
- حدُّ الفن وملامحه في الكشف عن حقيقة ومأساوية الوجود
- دور الفكر التأملي والنقدي الحر في تقويم الثورات العلمية؛ في ...
- أزمة الصحافة ووسائل الإعلام المغربية: نحو تنامي ظاهرة التشهي ...
- االدلالة التاريخية والإبيستيمولوجية للتوحيد بين القوى الطبيع ...


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضى حليم - قراببين الحكمة