|
الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 6635 - 2020 / 8 / 3 - 13:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الأدوات والمفاهيم النظرية تشكل أهمية كبيرة، إنها المدخل اللازم لإجراء قراءة تاريخية نقدية مقارنة لأفكار وممارسات الأحزاب السياسية في المشرق العربي تجاه قضايا المسألة القومية. 1- التنوير: وهو خروج الإنسان من حالة القصور، التي هي حالة العجز عن استخدام العقل خارج قيادة الآخرين. فقد كان شعار التنوير، حسب كانط " لتكن لديك الشجاعة على استخدام عقلك بنفسك ". وبمعنى آخر فالتنوير هو امتلاك نظري للواقع ونقد للفكر بارتباط مع هذا الامتلاك، إنه وهو يمارس مهمته على هذا النحو فإنما يطمح لأن يكون الشكل الأرقى للوعي، وأن يتحول إلى وعي مهيمن منطلقاً من أهمية الوعي بوصفه عنصراً من عناصر تغيير العالم. وبذلك، فإنه " يؤسس لحرية ارتياد الإنسان للواقع بكل عناصره " (1). يطرح التنوير السؤال الأساسي: هل الدولة القائمة متطابقة مع مستوى تطور المجتمع بكل أبعاده وفي حاضره، فتقوم بدور الدافع لحركة الحاضر نحو الأعلى، إذ ذاك تكتسب صفة الدولة العقلانية. أم أنها على العكس من ذلك متخلفة عن مستوى تطور المجتمع فتكبح حركة الحاضر وبالتالي تغدو دولة لا عقلانية؟ لقد جددت فلسفة الأنوار الوعي كي يستجيب للإطار المجتمعي، الذي أخذ في التكوّن انطلاقاً من عصر النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر، فهي لم تتطلع إلى تكوين الدولة - الأمة على أنه ناتج " طبيعي " للتطور، بل اتخذت موقفاً مبدئياً وأنمت خطاباً آخراً، فأعلنت أنّ الدولة -الأمة هي فعل عقد اجتماعي يربط مواطنين أحراراً بعضهم ببعض، ولا وجود لها في غياب هذا العقد، أي من دون القرار الواعي من قبل " مواطنين " وليست ناتج تطور " طبيعي " يفرض نفسه من دون عمل الوعي. كُنْ شجاعا واستعمل ذهنك، هذا هو " رصيد التنوير ". وعصر الأنوار يحيل إلى هذه الظاهرة الفكرية، الواسعة الانتشار، التي عرفتها أوروبا في القرن الثامن عشر، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا، التي تجلت في عدة جوانب، منها: النقد الديني الذي تجلّى في حركة الإصلاح البروتستانتي، التي دعت إلى حرية تأويل النصوص المقدسة، وحاربت الطغيان الكنسي، ورفضت فكرة التوسط بين الرب وعباده. كما قامت هذه الظاهرة على تأكيد أولوية الإنسان ودعم استقلاله وإرادته، ورفعه إلى مستوى يكون فيه مرجع سلوكه، والقاعدة المعيارية لممارسته الاجتماعية. لقد مثّل " عصر الأنوار " نقطة تحوّل كبرى في النظام المعرفي، وشكّل - في الآن نفسه - قاعدة التفكير للحداثة كلها، إذ أنه الفضاء الذي يقوم على أربعة محددات (2): 1- العقلانية، التي ترى في الذات مصدر المعرفة. 2- التاريخانية، أي أنّ الحداثة قامت على معقولية التحوّل، وأفضت إلى تصوّر حركي للمجتمع، يحدد مراحلاً لنموه وتطوره، وهو نمو يخضع لمعيار التقدم ويبشّر به كسلاح أيديولوجي. 3- الحرية، كأرضية تعيّن شرعية السلطة، وتؤكد حق الإنسان في تقرير شؤونه المدنية، دون إكراه أو قيد، كما توفِّر المقولة ذاتها محدّدات الممارسة الاقتصادية، وتشكل أيضاً منطلقاً للتعبئة الأيديولوجية. 4- العلمانية، أي فصل السلطة السياسية عن المؤسسة الدينية، وفي مقابل ذلك الانطلاق من " الإنسان " كمفهوم مرجعي للممارسة النظرية والسلوك الأخلاقي والسياسي. لكنّ مشروعَي " فلسفة الأنوار " و" الثورة الفرنسية " اصطدما بواقع التوسع الرأسمالي الذي تحدد مغزاه في بعدين اثنين (3): أولهما، ما ترتب على أساليب انتشار الرأسمالية في أوروبا نفسها. فلم تفتح الرأسمالية سبيلاً لها خارج انكلترا وفرنسا وهولاندا من خلال ثورات بورجوازية، بل بالاعتماد على إقامة الدول الوطنية (الدولة - الأمة) لأوروبا الحديثة. ففي حالة ألمانيا مثلاً كان تكوين هذه الدولة ناتجاً مركّباً لاستخدام القوة لمملكة بروسيا وانضمام ارستقراطيات الدويلات الألمانية لمشروع بسمارك، وإن تحققت ثورة بورجوازية تدريجياً. وثانيهما، يخصُّ التوسع الرأسمالي في الأطراف الآسيوية والأفريقية. فلم يخطر ببال أصحاب الحكم الاستعماري أن يعاملوا شعوب المستعمرات طبقاً للقيم الديمقراطية لفلسفة الأنوار. بل وجد هؤلاء الحكام من مصلحتهم إبقاء تلك الشعوب خاضعة لـ " تقاليدها "، وتوظيف هذه التقاليد - أكانت أصلية أم مفبركة - من أجل تكريس حكم الاستعمار. وفي سياق تعرّفنا على انعكاسات فلسفة الأنوار على المسألة القومية يجدر بنا التعرّف على كيفية تعامل الفكر العربي معها، وهنا يمكن أن نميّز ثلاثة مواقف (4): 1- لقد بلور المصلحون المصريون والسوريون والمغاربة اختيارات فكرية تدعو إلى قيم التنوير، وتسلّم بأهمية المفاهيم التنويرية في تطوير الفكر العربي والواقع العربي، ومن أبرز السوريين: فرح أنطون وشبلي الشميّل. 2- مقابل حماسة الموقف الأول للأنوار نعثر في الفكر العربي على مواقف رفض ومعاداة فكر الأنوار، ففي نصوص النزعة الإصلاحية السلفية نجد رفضاً صريحاً للأطروحات التنويرية. 3- في العقود الأخيرة ثمة اتجاه في الفكر العربي لإعادة إنتاج فكر الأنوار بطريقة تتميز عن الموقفين السابقين، وذلك في إطار تدعيم العقلانية والحرية والتقدم في الفكر العربي والواقع العربي. ففي الأعمال النقدية لمحمد أركون وجورج طرابيشي ملامح للبعد الأنواري في فكرهما، رغم تنوّع نتائج أبحاثهما. أما في المسائل السياسية، فإنّ الجهود الفكرية التي بذلها عبدالله العروي والياس مرقص وياسين الحافظ وسمير أمين في الدفاع عن دروس الحداثة المتشبعة بفلسفة الأنوار، قد ساهمت في بلورة دعوة سياسية مستوعبة لأهم دروس الأنوار في المجال السياسي. 1- د. برقاوي، أحمد: مقدمة في التنوير/العلمانية – الدولة -الحرية، الطبعة الأولى - دمشق، دار معد للطباعة والنشر-1996، ص 19. 2- د. أمين، سمير: (حول مفاهيم القومية/ إعادة طرح المسألة القومية العربية) عن: مجلة الطريق - بيروت، العدد (3) - مايو/أيار 1994، ص ص17-19. 3- د. ولد اباه، السيد: (أزمة التنوير في المشروع الثقافي العربي المعاصر/ إشكالية نقد العقل نموذجاً) - عن: مجلة المستقبل العربي - بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد (145) - مارس/آذار1991، ص 38-39. 4- عبد اللطيف، كمال: (من أيديولوجيا التنوير إلى فلسفة الأنوار) - عن : مجلة الوحدة - الرباط، المجلس القومي للثقافة العربية، العدد(81) - يونيو/حزيران1991، ص ص 84-90.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعاريف ومفاهيم أهم قضايا المسألة القومية (3)
-
تعاريف ومفاهيم أهم قضايا المسألة القومية (2)
-
تعاريف ومفاهيم أهم قضايا المسألة القومية (1)
-
عن مفاهيم إشكاليات المسألة القومية
-
توصيف عام للمشرق العربي المعاصر
-
أصول التجزؤ العربي
-
توصيف عام للعالم العربي المعاصر
-
الهوية من منظور علماني (3)
-
الهوية من منظور علماني (2)
-
الهوية من منظور علماني (1)
-
من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (5)
-
من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (4)
-
عن الحريات الأكاديمية في - سورية الأسد -
-
ثلاث وخمسون عاماً على هزيمة العرب الكبرى
-
من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (3)
-
مقوّمات نبذ الكراهية والعيش المشترك بين المكوّنات السورية
-
من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (2)
-
من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (1)
-
لماذا وصلت الثورة السورية إلى كل هذا الخراب؟
-
في الأسباب العميقة للثورة السورية
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|