سالم حسنات
الحوار المتمدن-العدد: 6629 - 2020 / 7 / 27 - 19:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لطالما كانت العشائر البدوية في منطقة الشرق الأوسط عائقا يحول دون تطبيق القوانين الوضعية لهذه الدولة أو تلك، لذلك فعند الدك بالدولة العثمانية، كان الالتفاف على العشائر أساسيا للتمكن من الفتك بكيان الدولة وهكذا كان من نجد للحجاز لإمارة شرق الأردن للعراق. لذلك منحت العشائر أفضلية في التوظيف وامتلاك الأراضي المسماة واجهات عشائرية وفي المناصب الحكومية وغيرها. يرجع الأمر إلى أن للعشائر قوانين عرفية لا تحيد عنها، وهي بذلك لا تنصاع لقوانين الدولة مالم ترضها الدولة، حيث للعشائر ثقل ديموغرافي وهي التي يتجاوز تعدادها عشرات الآلاف للعشيرة الواحدة.
تبدل الحال اليوم، فقد بدأ أبناء العشائر يعون ما يحاك ببلادهم، وبدأ وعيهم يتجاوز أعطيات الدولة، وبما أنهم لا يخشون الدولة استنادا إلى ثقلهم الذي يدركونه، فقد حان وقت التخلص منهم في المنطقة.
في تكتيك طويل الأمد، بث بين العشائر فرقة من النوع الذي تؤججه العصبية القبلية. فتكاد لا توجد عشيرة تتقبل الأخرى من باب التنافس على الصيت، وتجد العشائر كتكتلات تتعامل مع مثيلاتها تعامل الند لا الود. كذلك فقد انتشر بين العشائر انعدام تطبيق القانون حينما يتعلق الأمر بجريمة يرتكبها ابن العشيرة ضد ابن عشيرة أخرى لكي يترك لهم المجال لالتهام بعضهم البعض في خلافات تستمر عقودا بحسب العرف البدوي الذي لا ينسى ولا يسامح.
في الأردن كما في السعودية، ينطبق الحال نفسه على العشائر ذائعة الصيت. تتنافس فيما بينها على الأعطيات الحكومية، وتجد رجل الأمن لا يحرك ساكنا عندما يجرم ابن عشيرة بابن عشيرة أخرى أو بمواطن لا ينتمي لعشيرة، الأمر الذي يعزز تلك التكتلات المتناحرة ويسهل قيادها.
اليوم وقد وعت العشائر أن الظلم لا يفرق بين نسب وحسب ولا بين مكانة اجتماعية ومالية، أصبحت تدرك حجم المؤامرات التي تحاك ضد البلاد، والتي تتلخص جميعها بصفقة القرن. فمن يقف عائقا دون تطبيق صفقة القرن هي العشائر، ولذلك كان لابد من تحييدها.
في السعودية، كانت تجربة الريتز كارلتون، أشيع عنها أنها تمت لاستئصال الفساد، ولكن الفساد ما زال يستشري، وبهذا يعرف السبب الحقيقي وراءها وهو كسر الرؤوس التي قد تعترض. تلا ذلك قتل عبد الرحيم الحويطي الذي اعترض صراحة على مشروع نيوم وتم اعتقال العشرات من عشائر الحويطات في إسكات لأي اعتراض عشائري، فسكتت العشائر التي أصبحت مكانتها في البلاد فخرية لا فعلية، الأمر الذي سيمرر نيوم وصفقة القرن وغيرها.
في الأردن، استنسخت التجربة باختلاف طفيف، ففي انطلاقة أولية تمت السيطرة على أطياف المجتمع وخاصة العشائر منه باسم الكورونا، وقد أبلى الأردن بلاء حسنا، فلم يخرج على قراراته الكورونية أحد من أبناء العشائر. حشروا صباحا ومساء عند توقيت الدولة فانصاعوا باسم الخوف على النفس وتقدير نعمة الصحة. خرج الأردن بنتيجة مفادها أن السيطرة ممكنة، وأن الخوف سلاح أكثر فتكا من الرشاشات.
بدأت الآن الخطوة الثانية، تطبيق تجربة الريتز كارلتون في الأردن التي أشيع أن الهدف منها اجتثاث الفساد من جذوره فلاقت صدى عند ناشدي الحق. ولكن هل الأمر كذلك؟
إذا نظرنا للشخصيات التي تتم محاسبتها، سنجد أن فسادها كان سائدا منذ عقود وأنها كانت صديقة لرموز الدولة التي علمت علم اليقين بفسادها، فلماذا سكتت عنها ونطقت اليوم بالتحديد؟ إذا نظرنا للشخصيات ذاتها، سنجد أن القائمة استثنت رموز فساد معروفة مقربة للسلطة وانتقت آخرين، فكيف يميز الفساد بين الفاسدين؟
عاطف الطراونة اليوم لقمة سائغة، ليس لأنه بريء من الفساد واتهم ظلما، بل لأن العلة ليست الفساد، بل موقفه من صفقة القرن وهو رئيس مجلس النواب الأردني ورئيس الاتحاد البرلماني العربي الذي رد صراحة وبحزم على رئيس مجلس الشورى السعودي عبدالله بن محمد آل الشيخ الذي ثغا علي استحياء يريد التطبيع مع الكيان الصهيوني، فكان رد الطراونة "نحن كبرلمانيين بمنأى عن السياسيين نمثل الشعوب، الشعوب لا ترغب بالتطبيع مع إسرائيل ونتعامل بأنه كيان محتل مغتصب لأرض عربية فلسطينية".
عاطف الطراونة المناهض بثقة وإقدام للتطبيع ولصفقة القرن ولضم أراضي الغور هو واحد من أبناء الكرك المعبرين عن موقفهم الثابت من القضية الفلسطينية، وليس في انتقائه للمحاسبة بحجة الفساد ونشر عناصر الدرك المبالغ به للتصدي لأبناء العشيرة -وهم الذين أثبتوا تفوقهم في السيطرة إبان الكورونا- إلا تحييد للدور العشائري في رفض صفقة القرن، فإن كسر رأس الحربة، انتهت الحاجة منها. إن اتهم هذا الذي رفض التطبيع بالفساد وتم التشهير به علي هذا الأساس، سقط صوته.
بدأت محاربة العشائر الأردنية ببث روح العصبية القبلية بين أفرادها، ثم بنشر السلاح والمخدرات بين أبنائها بإشراف حكومي، ثم ببث دواعي الفساد باسم التفوق العشائري، ثم بنشر الجريمة بين أبناء العشائر دون حسب أو رقيب واليوم بقتل قانون العرف باسم محاربة الفساد.
في إحدى مقابلاته، قال إيدي كوهين – النائحة الإسرائيلية المستأجرة- أن الكيان الصهيوني سيتمكن من تحقيق مخططه مستهدفا القبائل. في السعودية، لم تعد تقوم للقبائل قائمة بفضل ابن سلمان الحزم والعزم والهزم، واليوم تقف العشائر الأردنية صمام الأمان الأخير ضد احتلال الأردن القائم على قدم وساق، فهل ستتمكن من الوقوف بوجه الطاغوت؟
#سالم_حسنات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟