|
هل يمكن تبرير القتل كغاية، لوضع نهاية للقتل كمبدأ أو كفكرة مجردة ؟؟
دعد دريد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 6627 - 2020 / 7 / 25 - 23:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل عقود وفي محاولاتي العديدة لتحسين سيرتي الذاتية من أجل الحصول على عمل، وبسبب هجرتي القسرية من بلد لآخر وإضطراري لترك كل ما أبدأ به أو أحوز عليه خلفي، من لغة الى تأقلم الى أصدقاء وذكريات، أنضممت الى كورس لتقوية اللغة الإنكليزية. وبعد إمتحان المستوى تقرر الحاقي بالمستوى المتقدم. وبعد فترة زمنية وبرغم أن مستواي وأنا في مرحلة الدراسة الإعدادية كان أكثر من المتفوق، لكني لم أكن راضية عن نفسي وأنا في هذا الصف، لأنني الوحيدة التي لم تكن الألمانية لغتها الأم، فكنت أجد صعوبة كبيرة بسبب طول المدة التي لم أمارس بها التكلم بالإنكليزية، حين أقمت في يوغسلافيا للدراسة وبعدها أنتقلت الى المانيا، بالتحدث بطلاقة بالإنكليزية. فكنت حين أحاول إخراج جملة تخرج كلمات يوغسلافية أو المانية بعقلي قبل الإنكليزية. وبسبب تعلقي المجنون للمثالية طلبت من المدرسة نقلي الى الصف الأقل مستوى ( تصوروا ذلك أن يطلب إحدهم النقل الى مستوى أقل)، وبعد أن علمت مني عن السبب رفضت ذلك، وأخبرتني أنني من أكثر الطالبات والطلاب مستوى، وعليّ أن اصبر وأعطي نفسي مهلة لتجاوز هذا الأمر. على كل حال، أمتثلت لرأيها وبقيت، وفي إحدى المرات، أتت المدرسة وأعطتنا فريضة وقسمتنا الى مجموعتين تمثلان المحلفين في محكمة. والقضية هي أن هناك شخصا ما أثبتت عليه جريمة إغتصاب وقتل، وعلى المجموعة الأولى أن تقنع الثانية بضرورة إعدامه، والثانية بالعكس أن ترفض الإعدام مع حجج منطقية، قانونية وإنسانية لماذا مع أو ضد. وتقرر أن أكون في المجموعة التي ترفض الإعدام. وأصبحت كمن بلع عظمة السمكة، لا أنا أستطيع بلعها ولا إخراجها. فكل الجرائم لا تتقبلها روحي وترفضها بشدة وخاصة جرائم الإغتصاب سواء ضد الأطفال أو النساء والرجال. لأنها ليست كجريمة القتل التي برغم فداحتها على الضحية وأهل الضحية والمقربين له، الا أنها لاتترك ندبة وشرخ عميق في نفس الضحية وتلازمه طوال حياته وتترك تشوهات نفسية وفي معظم الأحيان تؤثر على مجرى حياة هذه الضحية وقد تحول هذه الضحية الى مجرم في المستقبل يمارس نفس الدور الذي مورس عليه، أو تسبب بإنتحاره أو أمراض نفسية وحتى بالمحيطين منه، لشعورهم بالذنب لعدم قدرتهم على حمايته من هذا الجرم. ومن جهة أخرى، لا أستطيع فكرة تحمل الخسارة المعنوية والمنطقية، في مثل هكذا تنافسات. هو نوع من الطموح والعناد اللذان يركباني، والذي يدفعني للأمام برغم كل الصعوبات والتحديات والخسارات التي واجهتها في حياتي، جعلتني أزيد إصراراً، على التغلب عن الوقوع بمطبات اليأس والعزلة من خلال تحديات أما مع نفسي أو بمواجهة الآخرين وإن كانوا الأقوى والأكثر عدداً. فقد أُثبت لي أني وإن كنت وحدي ولكن بالمنطق أجعل الآخرين وإن لم يأخذوا جانبي فعلى الأقل أستطيع الصمود برأيي. طيب الموضوع الأهم كيف أحصل على الأمرين معاً، إن لم أكن أنا نفسي مقتنعة وبصدق من حججي ومنطقي. لأن الأهم هو الصدق مع الذات وليس أن تفوز فقط. وبهذا الأساس أي الصدق ستكون أدلتي مقنعة للمقابل الضد من رأيي. إذاً علي أن أكون مقتنعة لأقنع غيري. قلت لنفسي لأبدأ وأرى ماسيكون عليه الوضع، فأما الفوز او الخسارة، بالرغم من أني أمقت مجرد التفكير بهذه المفردة، ولكن للظروف أحكامها. نسيت أن أذكر لكم أني طلبت من المدرسة أن تضعني في المجموعة الثانية، وربما بدهائها علمت بسرها السبب أو ربما أرادت أن تفرض رأيها ولاتغيره، حتى لايقال أنها تعاملني معاملة خاصة، ويطلب غيري أن يبدل موقعه، فرفضت إبدالي الى المجموعة الأخرى. فكان بداية النزال، وابتدأت المجموعة التي تطالب بالإعدام بعرض حججها وسبب طلبها للإعدام، من أن هذه جريمة لاتغتفر وبحق نفس أضعف شوهت وقتلت نفساً وإن لن تقتله جسدياً، ولكنها دمرت حياته بالكامل وحياة المحيطين به، وأن هذا المجرم لا أمل في شفائه إن لم يعدم، فربما سيخرج من السجن ويعيد الكرة، والعين بالعين والسن بالسن. وبدأت الكفة في الفوز تميل لهذه المجموعة وأنا ليس فقط أسمع مايقولوه بإذنيّ وإنما بروحي تتغلغل الكلمات وأتقمص وأمتص الحالة وكأنها بالفعل وقعت وأنني محلفة، حتى أبتدأت أعي أني ماكنت أؤمن به تماما وأعتبره صحيحاً، إنما لم يكن الا بدافع الإنتقام والألم والأمنية بإيذاء من آذاني أو آذى غيره. وبعد هذا الصراع الداخلي وبعد سكوتي في البداية أنطلقت بالتفنيد لآراء المجموعة المضادة. قلت لهم أولاً انكم بإعدامكم لهذا الشخص، قد مارستم نفس الدور الذي مارسه هو، لمجرد أنكم أمتلكتم السلطة والقوة لذلك، فما فرقكم عنه في الجريمة، سوى أنكم تمارسون جريمتكم بإسم القانون، الذي يشرع لكم إستعمال القوة ضد شخص أو مجموعة أضعف وأقل عدداً منكم؟ ثانياً، أنكم بإعدامه، لن تجعلوه يعلم بمقدار الألم أو الذنب الفادح الذي أرتكبه تجاه الضحية ومن حولها من أهل وأحبة، لأنه سيفكر فقط بلحظة الموت والتي لن تدوم سوى لحظات قد تكون دهراً له، لأنها ستقيده عن الرؤية بوضوح سوى خوفه من هذا الموت أو ربما هو مايتمناه بسبب تشوهات نفسية بداخله، فليس هناك سويُ ومتزن يفعل مثل هذه الجرائم. إذاً بإعدامه لن يعرف مقدار وبشاعة جريمته، عكس إن بقي على قيد الحياة. سيكون لديه الوقت الطويل جداً، لإعادة شريط جريمته المرة تلو الأخرى بعقله، والتي مع العلاج النفسي المناسب والعمل بمشاريع مدنية، ربما ستعيد تأهيله فرداً متزناً أو على الأقل سيعيش مع ضمير أنه تسبب لآخرين بآلام لم يكونوا يستحقوها فقط لعقله المريض الذي دفعه لذلك وبكل أنانية إرضاء لشبق إنسان مختل، وهذا الصراع مع جريمته التي ارتكبها طوال حياته هو أفضل عقاب له من ناحية وإنساني وأخلاقي من جهة الآخرين ممن يمتلكون السلطة القضائية والمدنية. ثم دخلت زميلة من المجموعة المنافسة، وحاولت إرباكي وإفحامي، بسؤالها، هل كنت سأقول هذا الكلام وأطلب له الحياة، لو كان الأمر متعلقاً بإبنتي على سبيل المثال؟ ولا أعلم للآن ماهي سرعة البديهة والخاطرة، وأنا التي كنت قبلها بدقائق أؤمن بالعكس، التي جعلتني أقتنع بكل كلمة أقولها بل مصرة عليها لليوم، وأجبتها: هل سيعيد إبنتي لها روحها المرحة وحياتها وحياتي أنا التي دمرت معها، لو قتلته؟ لو كان ذلك لطلبت إعدامه ملايين المرات. فلم تجيبني لأنها علمت أن لاشئ سيعيد بكرة الحياة للوراء، فهي ليست كفيلم نعيد تدويره أو قص الأجزاء المؤذية أو الغير مناسبة لنا، وعلينا العيش مع كل هذا والتعلم من خلال هذا الألم أن نصوغ لنا طرق جديدة في التعامل والحياة، والتي عليها أن تكون من المرونة بحيث أننا نحورها ونعيد صياغتها المرة تلو الأخرى، فلا توقف ولا سقوط ربما فقط للحظات أو أيام، ولكن علينا المضي للأمام، لأن اللحظة التي مرت قد ماتت ولا نفع منها بتاتا، والا سنصبح أموات الأحياء وأن قناعات اليوم أو الأسلاف ليست هي أمور جامدة وغير قابلة للتغير. وهكذا أنتهت المناقشة وطبعا كان كل النقاش بالإنكليزية وحين كنت أجد صعوبة في ترجمة فكرتي بسبب إزدحام عقلي بلغات أخرى وبلغتي الشخصية، كنت أعبّر بعينيّ ويديّ وربما حتى قدميّ وفاز فريقي وظفر المجرم بحياته مع السجن لأجل غير معروف لحين مناقشة أخرى لم تتم إن كان سيعاد تأهيله للمجتمع أم لا . نظرت لي المدرسة وعينيها متوجهتان نحوي تقولان لي بطرفيها، هل ترين ماعنيت، الا زلت تشكين في مقدراتك وتريدين الذهاب للصف الآخر؟
#دعد_دريد_ثابت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إحدى تلك الليالي
-
الليل وأشلاء الأشواق
-
هَلّ هلال العيد في المانيا
-
إن قرأت إمرأة، فهمت الحياة!
-
ماهو الوعي؟
-
وباء الإسهال العقلي !
-
رسالة بلا صوت
-
كم عقلي جبان
-
كن الصخر
-
إله....
-
إعلام غير حر في بلاد تتدعي الحرية
-
حبايبي
-
إلهام التضحيات وسحر العبر
-
والديّ أكلا العنب وأنا أضرس
-
هل يصح بالفعل أن يطلق علينا - إنسان -
-
هذيان وجودي
-
بغي ذكور باهظ الثمن
-
مرآة الكأس
-
هموم ظل
-
ريم تشحذ الفكر
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|