|
قانون الجنسية: خطوة فاشلة في الحرب الديمغرافية
ميخال شفارتس
الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 09:46
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
حقوق الانسان قانون الجنسية: خطوة فاشلة في الحرب الديمغرافية
لعبة قانون الجنسية المؤقت مستمرة منذ اكثر من اربع سنوات، ولا تبدو للعبة نهاية. رغم الانتقادات الا ان الاحتمال الوارد ان تجد المؤسسة الاسرائيلية طريقة "قانونية" لمنع الزواج بين المواطنين العرب وبين فلسطينيي المناطق المحتلة، حمايةً للطبيعة اليهودية للدولة.
ميخال شفارتس
كما في لعبة كرة القدم، كذلك الحال مع التعديل المؤقت لقانون "المواطنة والدخول الى اسرائيل". القانون الذي ينتهك حق المواطنين العرب الطبيعي في ممارسة حياتهم العائلية ويمنع لم شملهم بازواجهم وزوجاتهم الفلسطينيين من المناطق المحتلة، اصبح كالكرة تتقاذفها الحكومة والكنيست ومحكمة العدل العليا. كل جهة تركلها للجهة الاخرى، هربا من تحمل المسؤولية عن القانون العنصري الذي يميز بشكل صريح ضد العرب، ويفتقر للاساس الدستوري والشرعي.
ولكن خلافا للعبة كرة القدم التي تستغرق 90 دقيقة ولا تكون نتائجها معروفة سلفا، فلعبة القانون المؤقت مستمرة منذ ايار 2002، أي اكثر منذ اربع سنوات، ومع ان نهايتها غير واردة، الا ان نتيجتها معروفة. المؤسسة الاسرائيلية ستجد الطريقة "القانونية" لمنع زواج العرب مواطني اسرائيل بفلسطينيي المناطق المحتلة، ولتفكيك وتشريد العائلات العربية الفلسطينية. الاستياء من الاطفال الرُضّع العرب الذين تعتبرهم اسرائيل اسلحة فتاكة في حربها على الاغلبية اليهودية للدولة، يغلب على الاعتبارات الاخرى بما فيها الحرب على الطابع الديمقراطي.
مماطلة
في 14/5 قررت محكمة العدل العليا باغلبية 6 قضاة مقابل خمسة، رفض الالتماس الذي طالب بالغاء التعديل المؤقت لقانون الجنسية. وقال القاضي ادموند ليفي، الذي حسم قرار العليا، انه لا يجوز الغاء قانون مؤقت سينتهي مفعوله في 30/6 الوشيك. كما اوصى ليفي بإمهال الكنيست تسعة اشهر لسن قانون ثابت يسمح بالغاء التعديل المؤقت. رئيس المحكمة العليا، القاضي اهارون براك، الذي كان في موقف الاقلية التي رفضت التعديل المؤقت، اوصى بامهال الكنيست ستة اشهر.
بدأت ملابسات القضية في ايار 2002، عندما قرر وزير الداخلية حينها، ايلي يشاي، تجميد كل معاملات لمّ الشمل بين المواطنين العرب وسكان المناطق المحتلة. في تموز (يوليو) 2003 عدّل الكنيست الاسرائيلي قانون الجنسية على نحو مؤقت لسنة واحدة. ونص التعديل على منع فلسطينيي المناطق المحتلة من الحصول على الجنسية الاسرائيلية من خلال اجراء لم الشمل. منذ تموز 2004 وحتى ايار (مايو) 2005، مدد الكنيست القانون المؤقت ثلاث مرات.
في تشرين ثان (نوفمبر) 2003 قدمت "جمعية حقوق المواطن في اسرائيل" وجمعية "عدالة" واشخاص مستقلون، التماسا للعليا بطلب الغاء التعديل المؤقت لقانون الجنسية. ولكن في كانون اول (ديسمبر) 2004، قررت محكمة العدل العليا الا تقرر في الالتماس، بحجة قرب موعد انتهاء مفعول التعديل.
بالاضافة الى هذه الاجراءات، وبهدف منع الفلسطينيين من حقهم في المكوث باسرائيل، مُنع المواطنون الاسرائيليون من دخول المناطق المحتلة على اعتبار انها اراض عسكرية مغلقة، الا اذا تخلوا عن مواطنتهم الاسرائيلية. وادى هذا الترتيب الى تفريق الازواج وتمزيق العائلات، وعدم تمكينها من العيش كوحدة واحدة لا في اسرائيل ولا في المناطق المحتلة. وما زاد من قسوة القانون انه يعتبر ساري المفعول باثر رجعي على الازواج التي تزوجت وكوّنت عائلات منذ سنوات عديدة وتسكن حاليا في اسرائيل.
في تموز 2005 ادخل الكنيست تسهيلات على القانون، وذلك للتسهيل على محكمة العدل العليا إقراره. وتمكن التسهيلات الرجال الفلسطينيين في سن ال35 فما فوق والنساء الفلسطينيات في سن ال25 فما فوق، من تقديم طلب للحصول على اقامة في اسرائيل بعد الزواج. ونص تسهيل آخر على السماح بتسجيل الاولاد حتى سن الرابعة عشرة، والذين يعيشون تحت رعاية احد الزوجين القاطن داخل اسرائيل، في سجل السكان الاسرائيلي.
ولكن من جهة اخرى، صدر امر عسكري ينفي اعطاء هذه التسهيلات لمن وُجد في عائلته الموسعة شخص تعتبره المخابرات الاسرائيلية "مرفوضا امنيا". في حالة كهذه يُمنع الفلسطيني من المكوث داخل حدود الدولة بما فيها القدس الشرقية، او تقديم طلب للحصول على مكانة قانونية، بغض النظر عن سنّه. وبما ان المخابرات تعتمد على "مواد سرية" لا يمكن الطعن فيها، فان هذا يفرغ التسهيلات من اي مضمون ولا تغير جوهريا القانون العنصري.
يسيء القانون الى سمعة اسرائيل في العالم. وقد أدانته لجان حقوق الانسان في الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وطالبت بالغائه، كونه ينتهك قواعد القانون الدولي ومواثيق حقوق الانسان العالمية. لهذا السبب لمحت محكمة العدل العليا للكنيست في قرارها الاخير، انه في حالة عدم سن قانون دائم، لن تتمكن العليا من الدفاع مرة اخرى عن القانون المؤقت. لذلك تبحث اسرائيل عن صيغة قانونية تمنع لم الشمل وتخفي في نفس الوقت طبيعته العنصرية.
وزير العدل الجديد، حاييم رامون، صرح مؤخرا بنيته سن قانون اساسي ينظم موضوع الهجرة لاسرائيل، على نمط قانون الهجرة المتبع بهولندا والذي يعتبر قاسيا جدا. ينوي رامون منع لم الشمل ليس بين العرب والفلسطينيين فحسب، بل بين الاسرائيليين وعامة الشعوب والبلاد (باستثناء اليهود)، على ان يشمل بندا خاصا يمنع لم الشمل مع مواطني "دول العدو". ولكن حزب المتدينين "شاس" يرفض مبدئيا سن اي قانون اساسي لاسباب دينية. وعلى كل حال فلا احد يستعجل لسن مثل هذا القانون ما دام العرب محرومين من لم الشمل. والمتوقع ان يقوم الكنيست في 30/6 بتمديد التعديل المؤقت بستة اشهر اضافية، وهكذا دواليك.
نفاق
المشكلة الرئيسية في اقتراح رامون انه يعتبر لم الشمل بين المواطنين العرب في اسرائيل وبين فلسطينيي المناطق المحتلة، كما لو كان هجرة من دولة الى دولة، وهذا بعيد عن الواقع. الفلسطينيون ليسوا مواطني دولة يحاولون التسلل الى اسرائيل من خلال الزواج باسرائيليات، بل هم مواطنون يعيشون في مناطق تحتلها اسرائيل منذ 40 عاما. الجهتان منتميتان لنفس الشعب الفلسطيني، واحيانا لنفس العائلة. القاضي براك اكد هذا الاتجاه عندما قال بوضوح: "ان الحديث يدور عن حق المواطنين في الدولة بممارسة الحياة العائلية مقابل الحق بالامن، وليس عن هجرة الفلسطينيين الى اسرائيل".
المثير ان براك المعارض للتعديل والقاضي ميشائيل حيشين المؤيد له، يرفضان الاعتبار الديمغرافي وراء تعديل قانون الجنسية، ويقبلان الاعتبارات الامنية. وفي حين يرى حيشين في كل فلسطيني خطرا على سلامة وامن مواطني الدولة، يقول براك ان القانون يصدر قرارا على نحو جماعي وجارف، ويمنع امكانية الفحص العيني لكل حالة على حدة.
لا شك ان الحجة الامنية واهية. فعدد الناس الذين قدموا طلبا للم الشمل منذ عام 1993، لم يتجاوز ال16.000. ومنذ 1967 تم التحقيق الامني مع 26 شخصا طلبوا لم شمل، ولم يتم الافصاح عن عدد الذين تمت ادانتهم بتهم امنية في المحكمة. هذا العدد الضئيل لا يبرر معاقبة عشرات آلاف العائلات.
ان تحويل موضوع لمّ الشمل الى مشكلة هجرة او مشكلة امنية، هي محاولة للتغطية على الدافع الحقيقي وراء القانون، وهو الموضوع الديمغرافي، او سعي اسرائيل للحفاظ على الاغلبية اليهودية للدولة بكل ثمن. رئيس الحكومة السابق، اريئل شارون، كان قد صرّح اثناء مناقشة القانون في 4/4/2005، انه "لا حاجة للتستر خلف ادعاءات امنية. ثمة حاجة لتحقيق وجود الدولة اليهودية".
رعب دائم
الدوافع الحقيقية وراء كثرة طلبات لم الشمل، بعيدة كل البعد عن النواحي الامنية. هناك قصص حب كما هي الحال مع الشعوب، ولكن في معظم الحالات يتزوج رجال من المناطق المحتلة بنساء عربيات من مواطني اسرائيل، ويطلبون المواطنة الاسرائيلية بحثا عن مصدر الرزق والحياة الكريمة. فاسرائيل لم تسمح بقيام اقتصاد فلسطيني في غزة والضفة، ولم تنشر هناك سوى البؤس والفقر والفوضى. لذا فان منع لم الشمل يسيء تحديدا الى الطبقة العاملة والطبقات الفقيرة. ولكن المؤسسة الاسرائيلية لا تهتم بفقراء اسرائيل، فكم بالحري بفقراء الفلسطينيين.
كان لنا حديث مع هناء (27 عاما) من المكر، التي تزوجت عام 2001 بشاب (33 عاما) من نابلس. سكن الزوج الجديد في بيت مستأجر بالمكر، وقدما طلبا للم الشمل. ولكن بعد شهرين من الزواج بدأت ضربات الدولة تنهال عليهما. تقول هناء: "في الساعة الواحدة ليلا، داهموا منزلنا ونحن نائمين، واقتادوا زوجي لسجن الدامون، وأصبت انا بصدمة نفسية عنيفة."
بعد شهرين من السجن، في 20/12/2001، رحل زوج هناء للضفة الغربية، وانضمت اليه. في نصف السنة الاولى سكن الزوجان في قلقيلية، ومنها تسلل الزوج للعمل في اسرائيل. ولكن بعد بناء الجدار الفاصل صار من الصعب الدخول الى اسرائيل، فاضطر الاثنان للعودة الى السكن في نابلس، حيث انجبا طفلين.
تقول هناء: "ازور اهلي في المكر مرة كل ثمانية اشهر، بسبب الصعوبات عند الحواجز. فانا ممنوعة من دخول الضفة بسبب كوني مواطنة اسرائيلية، وكثيرا ما منعني الجنود من عبور الحاجز. ومع هذا لا اتمتع بحقوق المواطنة بحجة عدم دفع رسوم التأمين الوطني. وعندما انجبت طفلي في نهاريا طلبوا مني ان ادفع النفقات للمستشفى. كما انهم لم يسجلوا اسم الاب في سجلات الطفلين. الوضع الاقتصادي صعب جدا، فزوجي يعمل سائق سيارة اجرة في نابلس، ويتقاضى 30 شيكلا يوميا، واحيانا اقل. طفلاي يحبان المكوث مع اهلي في المكر، ووالدي يقترح علي البقاء في اسرائيل، ولكني احب زوجي، ولا استطيع العيش دونه".
محمد (28 عاما) هو مواطن اسرائيلي وزوجته (23 عاما) من اريحا. تزوج الاثنان في 2004، بعد سن القانون، ولذلك لم يقدما طلبا للم الشمل. لهما طفلة عمرها عشرة اشهر، والام حامل. يقول محمد: "تزوجنا بدافع الحب، رغم اعتراض عائلتي. حين وُلدت ابنتي حاولت تسجيلها في وزارة الداخلية، ولكن الداخلية رفضت طلبي لان امها دون هوية اسرائيلية، ولم تعطني املا ان يتم تسجيلها مستقبلا. حتى اليوم الطفلة دون رقم هوية، والطفل الثاني في الطريق. لا اعرف ماذا سيكون مستقبل اطفالي، وفي كل زيارة الى اريحا اخاف ان تُمنع زوجتي من الرجوع الي".
قررت اسرائيل بناء السور العازل بين العائلات العربية-الفلسطينية، وحوّلت حياة عشرات الآلاف الى جحيم. ولكن محاولة الدولة اغلاق نفسها عن العالم العربي والفلسطيني، لا تسير ضد حقوق الانسان فحسب، بل ضد قوانين الطبيعة والتاريخ نفسه. اسرائيل هي التي جعلت المجتمع الفلسطيني المجاور لها فقيرا وغير راض ومختنقا من الضغط الديمغرافي، وهي التي احبطت كافة المحاولات لبناء دولة فلسطينية ذات سيادة ومقومات اقتصادية. محاولتها اليوم وقف الموجة القادمة، محكومة بالفشل. فمع مرور الوقت تضطر اسرائيل للجوء الى قوانين وممارسات اكثر قسوة وعنصرية، وتتنازل شاءت ام ابت عن سعيها للظهور كرمز للديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط.
#ميخال_شفارتس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة الفلسطينية من فتنة الى حكومة وحدة؟
-
حكومة حماس، تكون او لا تكون
-
حماس والعالم في إرباك
-
فتح تنقلب على منظمة التحرير
-
خلل قيادي في فتح
-
القدس في خطر
-
اخلاء غزة: المنتصر والمهزوم
-
الصهيونية في ازمة ايديولوجية عميقة
-
المرأة الضحية الاولى للفقر
-
كل الاساليب لانتزاع اعتراف من طالي فحيمة
-
الانتخابات الفلسطينية لن تحل المشاكل الاساسية
-
رواية -شيفرة دافنشي- ممنوعة في لبنان
-
وثيقة حزب دعم - العرب في اسرائيل 1999-2004: من الانتفاضة الى
...
-
اعتقال طالي فحيمة اداريا دليل هستيريا
-
المشكلة: الجدار وليس المسار
-
قانون الجنسية يعزل اسرائيل عن العالم
-
السلطة الفلسطينية - حركة فتح: من الثورة الى الفوضى
-
جدار عند آخر الطريق المسدود
-
الجدار الفاصل الضفة الغربية في الزنزانة
-
التعديل في قانون التجنس الزواج من الفلسطينيين مسموح، ولكن...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|