أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - أجنحة الموت














المزيد.....

أجنحة الموت


نواف خلف السنجاري

الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 07:14
المحور: الادب والفن
    


في أسواق البصرة كانت عيوننا معلقة تبحث عن لعبة، أو ثوب جميل نحمله لأطفالنا أنا و صديقي (ماركار) الذي يسكن مدينة بغداد، و هو أب لطفلة جميلة اسمها (سهى) تصغر ابني الحبيب (يوسف) بشهر واحد.. كثيرا ما كنت أمازح صديقي و أقول له: ابني سيتزوج ابنتك عندما يكبران، فيقهقه عاليا و يقول: لن أعطيها له لأنه سيكون مثلك جبانا.. تركنا صورتيهما معلقتين فوق صندوق المئونة في ملجئنا وانطلقنا.
كنا فرحين لان أجازتنا تصادف دائما في نفس الوجبة _ التي تتأخر لتستمر أكثر من خمسين يوما أوقات الإنذار_ و هذا يهيئ لنا فرصة "العيش سوية أو الموت معا".. كنت اعد الأيام، انتظر أن أضع (نموذج الإجازة) في جيبي و احمل حقيبتي وسط توديع زملائي الجنود و تمنياتهم لي بقضاء إجازة سعيدة، و عيونهم مليئة باللهفة و الأمل لأوصل رسائلهم و أخبارهم إلى عوائهم و أحبائهم الذين ينتظرون عودتهم بفارغ الصبر. كم كنت أود لو احلق بطائرة تحملني إلى قريتي الجميلة التي تنام بهدوء شمال مدينة الموصل، لاختصر الزمن و اكسب ساعات ثمينة أضيفها فوق عمر الإجازة القصير.
أكملنا شراء حاجياتنا و استقلينا سيارة (تاكسي) من كراج البصرة باتجاه العاصمة، كل منا يقلّب الهدايا التي اختارها غير مصدقين بها من (الفرح) الذي تعلمنا أن نستعيره بغريزتنا، لنرمي وراء ظهورنا (مؤقتا) كل مناظر القتل و بشاعة الموت و الدم المتيبس المجبول بالتراب و رائحة البارود، و مرارة الترقب و القلق الذي يسكن أرواحنا طوال الوقت، و لا نستطيع انتزاعه منّا حتى أيام الإجازات، فكم مرة فززت من نومي على صوت قذيفة مدفع مزّقت بقايا أحلامي الهادئة و انتزعتني من فراشي لاصطدم بنظرات زوجتي المذهولة و الممزوجة بالشفقة و المرارة.
جلسنا في المقعد الخلفي للسيارة نسمع أغاني الجنوب منطربين (بالأبوذية) التي كان يغنيها داخل حسن.. كانت الأحاديث تدور عن آخر مستجدات الحرب و الهجوم المزمع شنّه على القاطع القريب من مدينة الفاو.. تلك المدينة التي تحولت إلى محرقة ابتلعت آلاف الجنود و أبيدت (ألوية) بأكملها على مشارفها دون أن تحقق شيئا يذكر.. قاطعنا السائق و كان رجلا تجاوز الستين من عمره، تبدو على محيّاه علامات المرح و اللامبالاة، يضع في زاوية فمه سيجارة تهتز كلما تكلم. و من المرآة المقابلة لوجهه بانت ندبة واضحة فوق حاجبه الأيمن أعطت وجهه تميّزا و قوة و قال ضاحكاً: سأحكي لكم عن حادث وقع ليلة البارحة، كان سببه (دبابة مشئومة) معطلة تربض على جانب الطريق في منطقة لا تبعد أكثر من ربع ساعة عن هذا المكان.. تصوروا غباء السائق الذي لم يميّز الدبابة و اصطدم بها! فتحولت سيارته إلى (خردة) و الركاب الذين معه إلى أشلاء.. ثم أكمل بعصبية:" كم اكره تلك الدبابة اللعينة التي لا يسلم منها الأبرياء حتى و هي معطلة"!. استمتعنا بحديث السائق و ضحكاته و نكاته الماجنة، و بدأ التعب و النعاس يداهمان جفوني المتعبة من (واجب) الليلة الماضية، فاستغرقت في إغفاءة لذيذة... فتحت عينيّ بعدها لأجد صديقي ممددا على سرير بالقرب مني و ساقه معلقة إلى أعمدة فوق سريره!! سألت الممرضة باستغراب: ما الذي أتى بنا إلى هنا بحق السماء؟!. ابتسمت و قالت: انتم محظوظون لأنكم نجيتم بأعجوبة من حادث اصطدام مروّع بدبابة معطلة على الطريق بين البصرة و بغداد.. الحمد لله على نجاتكم. قلت لها بسخرية ممزوجة بالألم:
"ما الفائدة من نجاتنا ما دامت أجنحة الموت ترفرف فوقنا أينما كنّا؟!."



#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بمناسبة عيد العمال
- أقصوصتان
- مرافىء
- مقطعان
- علبة السردين
- قبل فوات الأوان
- أغنية الغراب
- نصوص
- ظل ٌفي المرآة
- مسافات
- سفر الأحفاد
- خارج السرب
- اختيارات
- الضياع
- الحي الميت
- حيرة
- قصص قصيرة جدا/7
- هستريا
- المحامية الفاشلة
- قصص قصيرة جداً/6


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - أجنحة الموت