أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة10















المزيد.....

ظل آخر للمدينة10


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6619 - 2020 / 7 / 15 - 17:42
المحور: الادب والفن
    


أعود أدراجي إلى شارع صلاح الدين.
على اليسار يمتد شارع الزهراء (بور سعيد سابقاً). أتذكر مجلة (الأفق الجديد) وكتّابها الذين شاطروني الأحلام نفسها. أتذكر ماجد أبو شرار وهو يذرع شارع الزهراء إلى نهايته، يدلف إلى داخل بناية قديمة، لكي يدفع إلى المجلة الثقافية بقصة جديدة، ثم يخرج إلى المدينة، يجوب شوارعها مع صحبه الكتاب، ولا يكتفي بذلك، بل تأخذه القضية التي نذر نفسه من أجلها إلى امتدادات لا حصر لها، ويذهب ذات يوم إلى روما (أمضيت في روما ليلة واحدة في الطريق إلى الجزائر لحضور المؤتمر التوحيدي لاتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين، وسيكون ماجد هو االغائب الحاضر أثناء ذلك، وستكون قصيدة محمود درويش: صباح الخير يا ماجد حاضرة في ذهني وأنا أتجول في شوارع المدينة ذات الإيقاع السريع)، ليجد قنبلة الموساد تنتظره في غرفة الفندق، فيمضي على درب الشهادة، ولا يعود إلى شارع الزهراء، فأدخل ذلك الشارع مراراً، أتوقف متأسياً أمام المبنى القديم، الذي التقيته فيه أول مرة عام 1963.
وسأمضي إلى تفاصيل أخرى، سأبحث عما يؤكد أنني كنت هنا.
سأواصل مسعاي في شارع صلاح الدين. على اليسار: فندق لورنس، وعلى اليمين فندق الكابيتول. المباني المتلاصقة على جانبي الشارع ما زالت على حالها، لم يجر عليها أي تجديد منذ سنوات. جدرانها مصطبغة بشعارات وطنية شتى، كتبتها الأحزاب والتنظيمات، والانتفاضة الشعبية التي انفجرت قبل ست سنوات، أصبحت الآن لا تعبر عن نفسها إلا على نحو خجول.
اعتدت في مطلع شبابي، حينما ابتدأت هاوياً للكتابة أوائل ستينيات القرن العشرين، أن أقطع شارع صلاح الدين كل يوم عدداُ من المرات، وبالذات في فترة ما قبل الغروب، مع عدد من الأصدقاء الكتّاب، نتأمل الناس وفترينات المحلات وكل ما يحيط بنا، لعلنا نلتقط مادة لقصصنا القصيرة. نكثر من التردد على مكتبة المحتسب، التي تقع بالقرب من مدخل المدرسة الإبراهيمية، لنشتري ما يصل إليها من كتب ومجلات، وبخاصة مجلة "الآداب" البيروتية التي كانت محط أنظارنا. وغير بعيد من المكتبة، بالقرب من مبنى شركة كهرباء القدس، ثمة محل للمرطبات هو "باتيسري سويس" الذي ما زال موجوداً حتى اليوم. نجلس فيه بعض الوقت، ولا يندر أن يجلس في أحد أركانه شاب وفتاة، يتبادلان الهمس فيما بينهما.
أما صالة ساندريللا، فلم تعد موجودة الآن، فقد تحول المكان منذ زمن إلى نوفوتيه واسع الأرجاء. كنا نجلس في الصالة، نستمع إلى أنغام الموسيقى، ونتابع بأعيننا الفتاة التي كانت تخدمنا برشاقة، وتوزع علينا بعض الابتسامات (تشغيل فتاة في صالة للمرطبات كان عادة استثنائية في القدس وما زال حتى الآن). وكنا في كل الحالات، نتأبط كتباً ومجلات، لنوحي لفتاة الصالة ولغيرها، بأننا مثقفون جادون نسعى حثيثاً لاجتراح "المعجزات".
مقابل هذه الصالة، ثمة متجر للخياطة لصاحبه اسحق الشرفا، الذي غادر موقعه في أول طريق مار مرقص بالبلدة القديمة، إلى شارع صلاح الدين، بعد أن أصبحت للشارع أهمية تجارية متزايدة، فلم ينقطع عنه أبي في موقعه الجديد. كان يخيط له قنبازاً من قماش الروزة الضارب إلى الصفرة، أو قنبازاً من الصوف كلما تيسرت لديه الأحوال. أما أنا، فلم أعرف ارتداء البدلة إلا حينما كدت أنهي مرحلة الدراسة الثانوية أواخر خمسينيات القرن العشرين. اصطحبني أبي ذات يوم إلى المتجر، عرض علينا صاحبه عدة أصناف من القماش، فاخترت منها صنفاً، فأصبحت لدي بعد ذلك بدلة عاشت معي سنوات.
وسأمضي إلى مزيد من التفاصيل، حيث الميدان المقابل لباب الساهرة.
على يسار الميدان مبنى البريد وبجواره مخفر لشرطة الاحتلال. والميدان يخترقه شارع السلطان سليمان من جهة الشرق ويتجاوزه نحو الغرب، وفي الشارع مطعم أمية الذي كان يجاور محل "جروبي". ولن ننسى، نحن الذين اعتدنا الجلوس في جروبي، صاحب المحل (أبو عطا) الأنيق في تعامله مع الناس، الذي فقد ابنه الشاب في حرب حزيران، حينما ذهب متطوعاً للقتال مع غيره من المتطوعين الشباب، دون دراية بالحرب أو معرفة باستخدام السلاح، فلم يعد إلى أهله بعد انتهاء الحرب، وظل أبوه يحلم بالعثور عليه، إلى أن مات.
وعلى يمين شارع السلطان سليمان تقع محطة الباصات المركزية. تفصلها عن بستان قبر السيد المسيح، كتل من الصخور. كان مقهى الشعب المجاور لمدخل المحطة، هو المقر اليومي لمخاتير قريتنا ووجهائها، وقد تحول بعد سنوات من الاحتلال إلى محل لبيع الأدوات المنزلية.
على يمين الشارع أيضاً تقع كلية شميدت للبنات. يبدو مبناها راسخاً كأنه قلعة حصينة (فيها الآن، في الصف الأول الابتدائي، حفيدتي ليان). كانت قلوبنا الصغيرة تقفز من مواضعها شغفاً، ونحن نطارد فتيات الكلية الجميلات، كلما رأيناهن خارجات من البوابة الكبيرة، بالقمصان البيضاء والمراييل الزرقاء. وأسأل نفسي: أين هي لوسي، ذات الشعر الذهبي، التي طاردتها من باب الكلية إلى آخر طريق حارة النصارى -دون جدوى- حتى حفيت قدماي!
وعلى يسار الشارع يمتد سور المدينة، وفيه البوابة التي يحيط بها برجان كبيران. أتذكر أول تظاهرة ضد الاحتلال، طلب منا الحزب القيام بها عام 1968. تنطلق التظاهرة من المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة، وتصل إلى باب العمود. ينتظرنا رجال الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود خارج السور. يسلطون علينا خراطيم المياه الملونة، ثم يشتبكون معنا وهم يضربوننا بالهراوات. تصطبغ ملابس العديدين منا باللون الأحمر، ننزوي داخل مقهى زعترة، مبتعدين عن أعين رجال الأمن.
كان مقهى زعترة في خمسينيات القرن العشرين مقراً للاجتماعات الحاشدة التي دأب على عقدها مرشحو القدس للبرلمان الأردني حينما كانت الضفة الغربية تشكل مع الضفة الشرقية، المملكة الأردنية الهاشمية منذ عام 1950 حتى عام 1967 (في هذا المقهى استمعت إلى خطب المرشحين للبرلمان، وفيه جلست مراراً لاحتساء القهوة وأنا أرقب الناس، وهم يتحركون نازلين صاعدين).
الآن، استحال المقهى إلى معرض كبير للأحذية من كل الأصناف. ويبدو أن تحول المقاهي إلى حوانيت للسلع، هو حزء من ظاهرة أعم، إذ يفقد الجزء الشرقي من القدس مع استمرار الاحتلال، بعض الأماكن الدالة على تاريخ المدينة السياسي والثقافي، مثلما تفقد فضاءها الطليق، وتجري محاولات إسرائيلية دائبة لتحويلها إلى حي هامشي، من أحياء القدس الكبرى، محاصر بالعزلة ومعزول بالحصار.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة 9
- ظل آخر للمدينة8
- ظل آخر للمدينة7
- ظل آخر للمدينة6
- ظل آخر للمدينة5
- ظل آخر للمدينة4
- ظل آخر للمدينة3
- ظل آخر للمدينة2
- ظل آخر للمدينة1
- عن نجوم أريحا لليانة بدر
- مرغريت أوبانك صديقة الأدب العربي
- بحر الحب والرغبات/ نص
- عن رواية يحيى يخلف: نجران تحت الصفر
- من قديمي الجديد: عندما تشيخ الذئاب.
- من قديمي الجديد: معين بسيسو ما زال معنا
- عن رواية الخاصرة الرخوة
- عن رواية سرير المشتاق لفاروق وادي
- من قديمي الجديد عن المسرح الفلسطيني/ مقالة
- عن سيرة الكاتب جميل السلحوت
- الشخصية الإشكالية في رواية خسوف بدر الدين لباسم خندقجي


المزيد.....




- مقتبسا كلمات الفنانة فيروز.. ماكرون يحيي الذكرى الرابعة لانف ...
- كيف أرخ الشعر لحقبة الجاهلية ووقائعها وحركة المجتمع فيها؟
- -لا شيء أسود بالكامل-.. رواية الموت والحرب والاختبارات الفني ...
- متاحف قطر تفتتح معرض -الفكر الأولمبي: قيَمٌ وقمَم-
- بعد غياب 6 سنوات.. كاظم الساهر يشعل مسرح قرطاج
- ما مستقبل العلاقة بين الغرب الإمبريالي والثقافة الدينية؟
- “لينك فعال” نتيجة الثانوية العامة قسمي العلمي والأدبي 2024 ف ...
- نادي الترجمة في اتحاد الأدباء يخرج بتوصيات لتفعيل نشاطه
- درنة بين البحر والسدين.. حكايا ذاكرة مبللة لمدينة رماها الما ...
- لِمَ العرف يقضي بارتداء الكوميديات أزياء محتشمة على خشبة الم ...


المزيد.....

- ديوان قصَائدُ لَهُنَّ / ياسر يونس
- مشاريع الرجل الضرير مجموعة قصصية / كاظم حسن سعيد
- البحث عن الوطن - سيرة حياة عبدالجواد سيد / عبدالجواد سيد
- Diary Book كتاب المفكرة / محمد عبد الكريم يوسف
- مختارات هنري دي رينييه الشعرية / أكد الجبوري
- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة10