أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر














المزيد.....

مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6616 - 2020 / 7 / 12 - 02:44
المحور: الادب والفن
    


إغتيال الجسر

على مرمى من الموت وبصعوبة بالغة وصل باص "الريم" الى مرآب عجلات نقل المسافرين في النهضة.. فتراءت بغداد وكأنها روما المحترقة بعد أن أشعل نيرون المجنون حرائقه فيها.
بات الفزع والخراب يجثم فوق العاصمة وكأنها مستوطنة أشباح، بينما طائرات التحالف ما زالت مستمرة بطلعاتها المتناوبة فوق سماء بغداد دون توقف ولو لساعة واحدة وهي تمطر بصواريخها "سكود وقنابل الطائرات العنقودية والذكية والفسفورية" وكل ما ملكت تقنياتهم الحربية من أسلحة فتك عملوا على اختبارها واستعراضها في سماء وأرض العراق.
أرتأيت الذهاب الى منطقة "الكاظمية" ربما ستكون أكثر أماناً من خطر إستهداف طائرات التحالف.
مكثت الليلة الاخيرة المثقلة بأحزان بغداد الجريحة في فندق شعبي كان زبائنه مجتمعين في صالة الاستقبال وهم يستمعون الى نشرات الاخبار عبر أجهزة المذياع بقلق وتوجس كبيرين.
بينما كانت هنالك بضعة شموع في فناء الصالة موزعة وهي تضيء المكان بعد قطع التيار والتعتيم الليلي الاجباري الذي كانت تفرضه الحكومة على جميع مدن العراق، فكان ضياء الشموع الناعسة فوق آنية الماء الكبيرة التي تطفوا فوق سطحها طاسة نحاسية يتشاطرها زبائن الفندق لشرب الماء الشحيح.
رغم الرحلة الطويلة والمضنية من الموصل الى بغداد، لكن لم يتسنى لي في تلك الليلة النوم بعد أن حاولت الاستلقاء فوق السرير بينما الانفجارات المتلاحقة لم تهدأ أبداً، ثم نزلت من السرير وفرشت البطانية فوق بلاط الغرفة البارد متجنباً النافذة خشية أن يتحطم زجاجها من شدة ارتجاجات القصف.
بعد منتصف الليل شعرت بالبرد والجوع فنزلت سلالم الفندق باحثاً عما يسد رمقي ومكاناً يمنحني الدفء بالقرب من "صوبة علاء الدين"
فوجدت بعض النزلاء ما زالوا يستمعون الى الاخبار بينما كان هنالك آخرون منهمكون بالنقاش وإبداء توقعاتهم حول نتائج الحرب وماذا سيحدث بعد حرب الحلفاء الجوية التي بانت سيطرتها على سماء المعركة بشكل واضح.
ولج من باب الفندق بائع الفلافل مرتدياً دشداشة وملتحفاً معطفاً سميكاً وكان يبدو في العقد الخامس من عمره وهو يحمل صينية فوق رأسه مليئة بلفات الفلافل والبيض ممسكاً حافتها باحدى يديه وباليد الاخرى كان يحمل صينية يتوسطها ابريق شايّ وأقداح .
وضع البائع الصينتيّن اللتيّن يحملهما فوق طاولة في زاوية الصالة.
طلبت من البائع "صمونة" فلافل مغمسة "بالعمبة" مع قدح شاي، تناولت العشاء المتأخر في صالة الفندق مع الزبائن، ثم دخنت السجائر المتبقية في العلبة منتظراً طلوع الفجر.
في الصباح الباكر غادرت بغداد المحترقة بعجلة أخرى وبمغامرة أخرى من محطة باصات النهضة حتى وصولي بإعجوبة الى مدينتي.
كان حال مدينة الناصرية لا تحسد عليها أيضاً فقد نالت من القصف والدمار الكثير وأن كانت حصتها من القصف أقل مقارنة مع بغداد والبصرة والموصل.
وصلت الدار منهكاً ثم خلدت للنوم بعد أن سمعت بعضاً من أخبار المدينة وما أصابها من نكبات.
في اليوم الأخر غادرت الدار متفقداً المدينة والاصدقاء، ولكن سرعان ما انتابني حزن مشحون بالبكاء والغضب حين مررت بالسوق الشعبي "السيف" الذي غدرت به طائرة قادمة من تخوم الخليج حين نزلت بمستوى منخفض وفتحت النيران على المدنيين الذين كانوا في طابور لشراء الطحين والتسوق من سوق السيف فحصدت طائرة الحلفاء أرواح الناس الابرياء في مذبحة لم يسلم منها حتى حصان عربة كانت مركونة أمام متجر بيع الطحين فتهاوى الحصان مضرجاً بدمائه فوق رصيف السوق.
وكذلك توجعت روحي أكثر حين شاهدت الجسور المدمرة في مدينة الناصرية ولكن كان أعمق الاوجاع إيغالاً في نفسي هو مشهد جسر "النصر" الذي كان يربط شطريّ المدينة، فكان الجسر محطماً محنيا ظهره مثل أم تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تتشبث ببقايا الحياة وتأبى أن تودع وجوه صغارها.
إنه جسر المدينة ووريدها الاخضر وذاكرتها ومعبر أهالي الناصرية الى الضفتين حين كان يحتضن أبجديات العشق وأسرار المدينة.
أثناء عبور المشاة وبعض العجلات من فوقه والتي تعبر نحو الجهتين المتعاكستيّن، حينها هاجت طائرة مسعورة من قواعد الخليج ونفثت بعناقيد الجحيم من أحشاءها المسمومة وكأنها تنانيّن النار فوق مدينة أور المقدسة فتقطعت أوصال أوردة الفرات ونزفت في أرض الفجيعة، فتشظت الأجساد في الفراغ مع عباءاتِ النسوة التي كانت تبدو مثل خيام سوداء تسبح في سماء بيضاء.
تمزقت العباءات وتلطخت بغرين النهر المعفر بحمرة الدم مع وجع قصائد العشاق ولعب الاطفال التي تطايرت هي الاخرى ثم تهاوت مع الاجساد الممزقة وعباءات الامومة فوق ماء الفرات وبين طين سومر وعلى ضفتيّ النهر، فكان النهر حينها شاهداً على المآسي ومواكب العذابات ودم المدينة المباح وكأن نكبة عاشوراء وعذابات تموز تعاد مرةً أخرى الى سرادق الاحزان.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الثاني عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء العاشر
- مكابدات الرحّال / الجزء التاسع
- مكابدات الرحال/ الفصل الثامن
- مكابدات الرحّال ظ
- مكابدات الرحّال/ الجزء السابع
- مكابدات الرحّال / الجزء السادس
- مكابدات الرحّال - الجزء الخامس
- مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع
- مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث
- مكابدات الرحّال
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري


المزيد.....




- فنان مصري يوجه رسالة بعد هجوم على حديثه أمام السيسي
- عاجل | حماس: إقدام مجموعة من المجرمين على خطف وقتل أحد عناصر ...
- الشيخ عبد الله المبارك الصباح.. رجل ثقافة وفكر وعطاء
- 6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد ...
- -في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام ...
- واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة
- “الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2 ...
- طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
- -الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال ...
- نوال الزغبي تتعثر على المسرح خلال حفلها في بيروت وتعلق: -كنت ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر