|
من رحم الاستخبارات إلى عرش القياصرة ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6610 - 2020 / 7 / 5 - 21:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ بادئ ذي بدء ، لم تكن تلك أضغاث أحلام ، بل كانت على الدوام تعتبر من الملفات البديلة التى تتقدم في حالة حدوث فراغ معين في مكان ما ، فكيف إذا حصل الفراغ في أعلى سلطة في البلاد ، بطباعه المعروفة نزيل الكرملين لا ينسى ولا يرحم ، بهاتين الكلمتين بدأ وأستمر ومستمر قيصر الكرملين الجديد ، الرجل الذي راهن صانعه عليه منذ اللقاء الأول ، أناتولي سوبشاك ، السياسي والمصلح الديمقراطي ، المعروف منذ عهد بيروسترويكا وصاحب 200 كتاب ومقال في المجال العلمي والقانون ، كان يتطلع أن تنتقل بلاده من مرحلة الفاسد إلى إعادة هيكلة الاقتصاد بمعايير شفافة ، تحاكي بدورها اقتصاد السوق العالمي ، لكن التلميذ الموهوب والمتيقظ والمثابر ، تلقى مع رفاقه مباغتة سريعة من جهاز الاستخبارات الأمريكية ، كانوا الأمريكيون أسرع من حركة التغير التى تتطلع لها غورباتشوف الرئيس الأسبق للاتحاد ورفاقه أمثال سوبشاك ، هكذا هم الأساتذة ، على الدوام يصنعون الشخصيات مثيرة ُ الجدل ، وها هو أحد تلاميذ سوبشاك ، أصبح الرجل الأقوى بلا منازع في الاتحاد الروسي ( الجديد )، وبالتالي من يجرؤ في كل روسيا أن يعترض على تعديل الاستفتاء ، أكيد لا أحد .
ينطلقون الأمريكان في سياساتهم الخارجية من منظور القوة ، فعندما تكون الأمم قوية لا تكون عادلة ، صحيح أن الأمريكيون عملوا لسنوات طويلة على تفكيك الاتحاد السوفياتي ، وفي لحظة تاريخية نجحوا في مكان ما ، لكن الشعور في التفوق ، أنساهم مسألة غاية من الأهمية ، بل هي جوهر الحكاية الروسية كلها ، لم تكن في الاتحاد السوفياتي مؤسسة عالية الكفاءة ومحصنة من التفكك سوى المؤسسة الاستخباراتية ، جهاز ( ال كيه جي به ) وملحقاته من الأكاديميات السياسية والفكرية والتخطيطية التى كانت تحتضن أمثال أناتولي سوبشاك ، أستاذ لكل من الرئيس بوتين وميدفيديف معاً ، الرئيس الظل والمطياع ، وايضاً كذلك ، أغلب من يعملون في الكرملين الآن ، الأغلبية الساحقة كانوا مساعدين ورجال العمدة أناتولي عمدة مدينة بطرسبيرغ ، وبالتالي أستطاع سوبشاك من خلال مراحل متعددة ، إعداد رجل مغمور في الجهاز الاستخبارات إلى أن أصبح الرجل الأقوى في البلاد ، فقد مهد للرئيس بوتين الطريق عبر سلسلة محطات مارس من خلالها النشاط السياسي ووفر له كل الدعم الداخلي لكي يتطور في المنظومة السلطوية ، وكان عضو مجلس الشعب السوفياتي السابق ، قد يعين بوتين نائبه بعد توليه عمادة مدينة بطرسبيرغ ومن ثم أوكل له المهمة بالكامل بعد أن أدخله في شبكة العلاقات السياسية والعامة ، الأستاذ الذي أعاد أسم التاريخي للمدينة من لينينغراد إلى بطرسبرغ والذي بكى على قبره ، أقوى رجال هذا العصر .
لكن رؤية غورباتشوف ، التى عنونت تحت مسمى إعادة هيكلة الاقتصاد والدولة عموماً والتى تبنها رفيقه عمدة مدينة بطرسبيرغ ، لم تجد آذان صاغية من عموم الجمهوريات المتحدة ، وبالتالي لم يكن أمام رجال جهاز ال كي جي به ، ومنظريه السياسيون والأكاديمين معاً سوى إعادة القوة العسكرية للاتحاد والتمدد الاستخباراتي في العالم وبالفعل كانا هذين الشيئين الأساسين لسياسة الرئيس بوتين ، لقد تحول جهاز الاستخبارات الروسي في عهد بوتين تحولاً جذرياً ، منذ عودة الجهاز إلى حكم روسيا ، مازالت فكرة الانتقام من واشنطن تراود رجاله ، وبالتالي رغم حضور مرجع كسوبشاك خلف ستارة الحكم لمدة قصيرة ، إلا أن الكرملين أخفق في فعل ما فعلته الصين اقتصادياً ، بلد كان في عزلة عن العالم ليتحول من أقوى إقتصادياته ، بل صناعات الصين باتت في كل زاوية في هذا العالم ، لقد بلغت صادراتها قرابة 4:5 تريليون دولار أمريكي ، وبالتالي الحركة التصحيحية الصينية للاقتصاد أو الاقتصاد السوق ، أخرجت من تحت خط الفقر حسب تقديرات البنك الدولي 850 مليون شخص ، وهذا عكس على التعليم ، فالصين باتت تتشابه مع ألمانيا في مسألة تعليم القوى العاملة ، هناك 27 % منهم متعلمين تعليم جامعي حديث ، مواكب للتكنولوجيا والمعرفة .
غاية هذه السطور تسليط الضوء على الإخفاقات والنجاحات ، إذن ، لم تتوجه روسيا البوتنية لمنافسة الأسواق العالمية ، لكنها تعمل بقوة في مجال بناء المؤسسات الاستخباراتية في العالم ، وبالرغم أنها تلقت عام 2010م ضربة قاسية ، إلا أنها مستمرة في حربها الاستخباراتية الناعمة ، استطاع جهاز السي آي إيه CIA ، تجنيد نائب مدير مكتب المسؤول عن الجواسيس الروس السريين في الولايات المتحدة ( بوتييف )، وفي يوم مشهود ، أبلغته الوكالة عن ساعة الصفر التى يتوجب عليه ترك موسكو والتوجه إلى واشنطن ، بالفعل بعدها بيوم واحد تم اعتقال جميع الجواسيس الروس بضربة واحدة ، وكانت واقعة الحدث على الرئيس الروسي بوتين ، بالمؤلمة والمفجعة ، أثناءها قال بالحرف ، وهو يخاطب رفاقه من الجهاز الاستخبارات ، ( تخيلوا أن يتحدث المرء بلغة أجنبية كلغة الأم ، ويتخلى عن أقاربه ولا يتمكن من حضور جنازاتهم ، ويقضي المرء حياته في خدمة الوطن ، ثم يخونه ابن حرام ) .
تستحق التجربة البوتنية وقفة طويلة ، وقد يكون رحيل أناتولي سوبشاك مبكراً واحد من الفخاخ الكثيرة التى كانت تنتظر ساكن بيت الكرملين في طريقة ، لأن برحيل المصلح الاقتصادي الديمقراطي ، عجزت البلاد على إيجاد رجل بفكر الصيني دينغ شياوبنغ ، صاحب النهضة الصينية ومعتمد لأول مرة في بلد شيوعي اقتصاد السوق المفتوح ، وله ايضاً تعود نبوءة ( الصين بعد نصف قرن ستسيطر على الاقتصاد العالمي ) بالطبع من خلال الطلاب الذين تم إرسالهم إلى العالم بهدف دراسة العلوم المختلفة من الغرب ، فقد تحولوا هؤلاء رأس حربة قتالية في جميع الميادين لشياوبنغ ، وبالتالي في خاتمة المطاف أو بالأحرى ، محصلة الاستفتاء تشير هكذا ، لقد سجل التاريخ لبوتين انتصارين ، الأول على الشعب الروسي والآخر على الشعب السوري . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقدم السابق أبو أحمد علي رئيس مجلس الوزراء الحالي ...
-
جيش بلا لحمة وشعب بلا خبز ...
-
التوازن بين الواقع والحلم ...
-
قنبلة أثيوبيا النومئية ...
-
أسرلّت الضفة الغربية ...
-
الموت مرتين / ما فائدة الرأس فوق الماء ...
-
أبراج المعرفة وأبراج المعلومة ...
-
الليرتان شتشهدان مزيد من الإنهيار / ترقبوا ...
-
نجاحهما سيرسم لنجاحات مستقبلية والعكس صحيح ...
-
إذا كان قذف المؤمنات حرام / فكيف إذا كانت المقذوفة أم المؤمن
...
-
تحالف المصالح / لبنان نموذج لأرض لم تشهد استقلالاً حقيقياً .
-
كيف تحول الأقصى من قيمة إلى ثمن ، يقدر ب 50 مليار دولار ...
-
همجية الذباب وهمجية الإنسان ، معارك طاحنة على من هو أكثر همج
...
-
نتنياهو العاقل وروهان المجنون ...
-
إنتاجات حداثة الماضي تتشابه مع إنتاجاتها اليوم ، الفردية وال
...
-
مفهوم الفردانية المطلقة والفرد في الأمة ...
-
مروان صباح / سويسرا الشريك الفعلي لكل هارب من الضربية وسارق
...
-
محمد رمضان يعيد المشاهد العربي إلى الشاشة المصرية ...
-
الديمقراطية والرأسمالية ، عقد قابل لذوبان ...
-
الهندي الأحمر والفلسطيني الأبيض ، مشروع واحد ...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|