أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة7














المزيد.....


ظل آخر للمدينة7


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6609 - 2020 / 7 / 4 - 17:40
المحور: الادب والفن
    


تركني أبي في متجر العم عايد الذي يبيع فيه القمح والشعير والعدس والأرز واللبن الجميد، في أول طريق الواد. وكان أبناء قريتنا الوافدون إلى المدينة، يتخذون من المتجر مقراً لهم، يكدّسون فيه مشترياتهم، ثم ينطلقون إلى المسجد الأقصى، أو إلى أي مكان آخر، ولا يعودون إليه إلا وقت التأهب لمغادرة المدينة. يتقبل العم عايد على مضض هذا الحضور الكثيف في متجره، ولا يخفف من وطأته على نفسه إلا إقبال أبناء القرية على شراء بعض احتياجاتهم منه.
حينما عاد أبي إلى المتجر، وجدني نائماً في الزاوية البعيدة فوق أكياس القمح والشعير. أيقظني إيذاناً بالعودة إلى البيت. مشيت إلى جواره وسط حشد من الناس. انتبهت بعد وقت، ورحت أبحث عنه فلم أجده، ويبدو أنه سار وقتاً دون أن ينتبه لي. أصابني رعب. فها أنذا وحيد داخل بحر متلاطم من البشر الذين لا أعرفهم. تجمّدت في مكاني، وبكيت. ولم يطل بي الوقت حتى رأيت أبي يبحث عني، فمضيت معه وأنا متشبث به لا أفارقه.
كدتُ أضيع مرة أخرى في المدينة، حينما أخذنا جدّي لأبي إلى دير للراهبات، يقع خارج باب الخليل، اعتاد الناس في قريتنا اصطحاب أطفالهم إليه، لتلقي العلاج، كلّما ألمت بهم الأمراض. أخذت أمي في ذلك اليوم شقيقتي لمعالجتها عند الراهبات، واصطحبتني معها.
ثمة ردهة داخلية في الدير تغصّ بالأطفال والنساء اللواتي انهمكن، وهن ينتظرن أدوارهن، في أحاديث غامضة عن سوء الأحوال في البلاد. كان ثمة قلق يسيطر على النساء. فجأة، دوّى انفجار هائل أثار الرعب في نفوسنا، أغلقت إحدى الراهبات البوابة الحديدية الكبيرة، وفي الداخل اختلط عويل النساء ببكاء الأطفال. بقينا زمناً على هذه الحال، ثم سمعنا طرقات قوية على البوابة ولغط رجال. عرفتْ أمّي صوت جدّي وهو يناديها. جاء جدي وقد استأجر سيارة شحن صغيرة، صعدت نسوة كثيرات ومن بينهن أمي إلى صندوق السيارة الخلفي. اقترحت عليّ أمي في اللحظة الأخيرة أن أهبط من الصندوق الخلفي للجلوس في المقعد الأمامي عند جدي. ابتدأ السائق في تشغيل المحرّك. وقفتُ على الرصيف مرتبكاً. ناديت جدي الذي كان شارد الذهن، فلم يسمعني. كادت السيارة تتحرك. انتبه جدي فرآني على الرصيف. صعدت إلى جواره، وحينما اقتربنا من قصر المندوب السامي، كانت مصفّحة تسدّ الشارع.
منعَنا عسكر الإنجليز من المرور.
استدارت السيارة، وبعد وقت، انعطفتْ بنا نحو حيّ أبي ثور، ومن هناك هبطنا مشياً على الأقدام إلى بئر أيوب، ثم واصلنا السير إلى جبل المكبر (بوحي من هذه الحادثة كتبت قصة "متى يعود إسماعيل" التي نشرتها في مجلة الأفق الجديد عام 1963). وفيما بعد عرفتُ أن الانفجار الذي وقع ونحن في دير الراهبات، قامت به إحدى المنظمات الصهيونية، مستهدفة نسف فندق الملك داود الذي كان مقراً لإدارة الانتداب البريطاني، للتعجيل في رحيلها عن البلاد بعد أن أصبحت فكرة الوطن القومي لليهود، أمراً واقعاً لا يحتمل التأجيل.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة6
- ظل آخر للمدينة5
- ظل آخر للمدينة4
- ظل آخر للمدينة3
- ظل آخر للمدينة2
- ظل آخر للمدينة1
- عن نجوم أريحا لليانة بدر
- مرغريت أوبانك صديقة الأدب العربي
- بحر الحب والرغبات/ نص
- عن رواية يحيى يخلف: نجران تحت الصفر
- من قديمي الجديد: عندما تشيخ الذئاب.
- من قديمي الجديد: معين بسيسو ما زال معنا
- عن رواية الخاصرة الرخوة
- عن رواية سرير المشتاق لفاروق وادي
- من قديمي الجديد عن المسرح الفلسطيني/ مقالة
- عن سيرة الكاتب جميل السلحوت
- الشخصية الإشكالية في رواية خسوف بدر الدين لباسم خندقجي
- غسان حرب مناضل ومثقف واسع الأفق
- مشهد من رواية ظلال العائلة
- مشهد من رواية مديح لنساء العائلة


المزيد.....




- اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
- مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و ...
- إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
- مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي ...
- تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر ...
- تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها ...
- مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي ...
- السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم ...
- إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال ...
- اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة7