أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أثير كاكان - أنثى بلا ذاكرة














المزيد.....

أنثى بلا ذاكرة


أثير كاكان

الحوار المتمدن-العدد: 1592 - 2006 / 6 / 25 - 05:49
المحور: الادب والفن
    


أوقفوني ذات مرة بتهمة التوقف عن الدوران مع الزمن، أخرجوا ساعاتهم النحاسية وبدأوا يحسبون لي كم مرة سوف أموت خلال الكذبة الواحدة، كم مرة سوف أتوقف عن قول الحقيقة، كم مرة سوف اعبر حواجز خوفهم نحو الضفة الأخرى باحثاً عن اللامعقول واللا شيء. ذلك اليوم أقفلت بوابة العقل، وأطفأت نصوص الذاكرة، جالساً القرفصاء دون حركة.
- لم تستطع الحركة؟ هكذا ببساطة!!!؟ ناظرة إلى وجهي بملامح خالية من أي معنى، أطلقت سؤالها ذاك.
دار السؤال في أرجاء الغرفة وهو يرتطم بجدران الوهم الذي عشت في داخله لأمد غير معلوم، ثم هبط على عقلي المتعب كغمامة سوداء.
- نعم هكذا ببساطة، دونما نفس، دونما حركة، دونما ... اتعلمين؟ دونما حتى فكرة.
- هذا غريب.
- لا ليس غريباً. عندما يبلغ عري واقعك حداً مخزياً فمن الأفضل لك أن تموتي بتهمة عدم التفكير من أن يلقى القبض عليك بتهمة مجاراة الزمن. وأنت؟
أقتربت مني ببطء وهي تزحف كأفعى ذات أجراس، زرعت على فمي سيجاراً وأوقدته بما تبقى من جمرات الماضي المعتق والمحتضر في المنفضة العتيقة، تريد أن ترسم لنا واقعاً من الرماد.
القت برأسها نحو الوراء حيث تستلقي حافة الأريكة الممتدة في قعر الغرفة، قاذفة بدخان سيجارتها نحو السقف الذي بدا أوطأ مما تخيلته سابقاً.
أجابتني: أنا كذلك أوقفوني ذات مرة بتهمة الكذب، ساعتها كنت برفقة الله، فالتفت إليه وأخبرته أن يمضي من دوني عند هذه النقطة، ذلك أن طريقينا مختلفان.
- هل قال لك شيئاً؟
- نعم، هز رأسه قليلاً بحيرة وأومأ لي إلى طريق بلا نهاية وقال: أنا ذاهب إلى سجني القديم لأنني مللت رفقتكم أيها البشر.
- هكذا فقط؟ هل هذا كل ما قاله لك؟
- نعم بالحرف الساكن في قسمات روحه حد الاحتراف.
- وماذا فعلت بعد ذلك؟
- لم أفعل. نسبوا إلي تهمة الدعارة. وقرروا أن علي التوقف عن الصلاة في الطرقات على جثث من ركعوا تحت أقدام جسدي.
- غريب!!!؟
- لا ليس غريباً، لكنه شاذ.
وضعت ساقها العارية فوق ساقي وقالت لي: لماذا لا تأتي معي؟
سألتها: إلى أين؟
أجابتني: إلى حيث اللا أين؟
- وإذا أفتقدني الذين أخلفهم ورائي؟
- أقتلهم. هكذا بكل سهولة.
- أنت مجنونة.
- لا أنا عاشقة. وكل من أحببتهم كنت أكتفي بأطلاق الرصاص عليهم ... هكذا بكل بساطة. شكلّت ببساطة شكل مسدس بيديها وراحت تطلق النار منه بسعر إلى أشباح الماضي التي كانت تطاردنا في الغرفة.
صرخت بها: تباً لك. ماذا فعلت؟ هؤلاء هم الذين عشنا معهم طيلة حياتنا، هؤلاء من قادوا خطانا نحو المهزلة. كيف يمكنك فعل هذا بهم؟
- لا حاجة لنا بهم في المكان الذين نحن ذاهبان إليه. هكذا قذفت بعبارتها تلك في وجهي دون أن يرسم جسدها أي لون للقشعريرة.
- ولكنهم كل ما نملك.
- كاذب، نحن لا نملك شيئاً أساساً، وعلى أية حال فلا حاجة بنا إلى مزيد مما تقول حيث سنكون.
نظرت إليها بعينين يرتفع فوقهما الضباب، ويتوارى فيهما شيء من نفاق. ذرفت بعضاً من الدموع، وقليلاً من الذكريات، والقليل من الحزن المعتق.
ارتعشت شفتاي قليلاً وأنا أسأل: متى سنذهب؟
أرتمت في حضني بكامل شهوتها وراحت ترتعد فوق قسمات خوفي وهي توسوس: عندما يحتضن الخوف جراحات صمتنا، عندما يعبر عقرب الساعة فوق أجساد ضحاياه، عندما ... آه آه آه عندما ... آه آه آه عندما ...
سقطت من فوق كاهلي المثقل بالخطايا وهي تصرخ بإجهاد: عندما أرتوي منك يا زمن الهزيمة.
اسدلت بستار جسدي على صفحة الأرض المشبعة بأريج عرق جسدها، مسحت هي حبات الملح المتناثرة على صفحة وجهي، وقررت بأن الأوان قد حان للرحيل.
أشعلت السيجار المئة بعد الخطيئة، فاختطفتها من بين أصابعي وراحت تنفث دخانها في الأرجاء موزعة خيراتها بالتساوي على أركان الغرفة، لابسة بنطلونها دون أن تنهض من على الأرض.
نهضت وهي ترتب هندامها بلامبالاة شديدة، كأن لم يحدث شيء.
سألتني: ألن تأتي معي؟
فأجبتها: كلا، لا أعتقد أنني أستطيع أن أهجرهذا كله.
ضحكت وهي تتوجه نحو الباب الذي تراءى لي وكأنه يمتد نحو الأزل، فتحته وقالت: أيها المسكين الأحمق، مثلك لا يدركون أنهم لا يملكون شيئاً في أرض اللاعودة.
ثم صفقت الباب ورائها وأختفت كانها لم تكن.



#أثير_كاكان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أثير كاكان - أنثى بلا ذاكرة