هناك شبه اتفاق في العالم على انعدام أي مصداقية أو جدية في الذرائع التي تقدمها الإدارة الأمريكية لتبرير غزو العراق , فأسلحة الدمار الشامل موجودة في إسرائيل وكوريا الشمالية أما زرع الديمقراطية فعذر مضحك بالنسبة للدولة التي كانت ولا تزال دعما قويا لجل الدكتاتوريات في العالم وخاصة الدكتاتوريات العربية . لكننا نستطيع أن نذهب إلى أبعد من هذا لنسائل النموذج الأمريكي للديمقراطية نفسه والذي تبشر به هذه الإدارة ورصدت له صدقة ببعض الملايين من الدولارات.
من الحجج المبتذلة التي يحارب بها أعداء الديمقراطية العرب دعاتها أنها نبتة غربية ليس لها جذور في تربتنا ولا يمكن لها أن تعلّي فيها الأغصان. ولو كنت من هؤلاء الناس لاعتمدت تكتيكا هجوميا أكثر فعالية وذلك بالتركيز على حجة أقوى وهي أن الديمقراطيين العرب بصدد محاولة زرع نبتة قد تقبلها مجتمعاتنا لكن قد تموت، لا من جدب التربة، وإنما ممّا وصلت إليه من وهن عند نقلها. و لو ركزوا على هذه الحجة لاستفادوا وأفادوا بإجبار الديمقراطيين العرب على تعميق فهمهم لما يحاولون تسويقه دون التأكد من جودة البضاعة. لننطلق من فكرة أولى أن السياسة جملة من التجارب التي تحاول المجتمعات البشرية من خلالها وضع أحسن النظم الممكنة لتصريف شؤونها . ومن هذا المنظور يمكن أن نفهم تعدّد النظم السياسية والاجتماعية وتضاربها لأنه لا توجد حلول جاهزة وقابلة للتطبيق على كل المجتمعات لأنها دوما في مرحلة مختلفة من تطورها أو هي تعيش داخل منظومات ثقافية متباينة.والفكرة الثانية التي لا يجب أن تغيب عن البال أن هذه التجارب التي تواصلت عبر التاريخ في شكل الصراع الفكري والصراع السياسي العنيف ، ما زالت متواصلة إلى اليوم وستتواصل لأنه خلافا لما يقول فرانسيس يوكوهاما لا نهاية للتاريخ ولا يمكن القول بأي حال من الأحوال أن الديمقراطية الغربية هي اليوم الشكل المكتمل للنظام السياسي المثالي وحتى للديمقراطية نفسها . ومن نافلة القول أننا لا ننطلق في محاكمتنا لهذه الأخيرة من منطلق ايدولوجي معادي لها (فهذه مهمة خصومنا من أنصار هذا الشكل أو ذاك من الفاشية الدينية أو الائيكية ) وإنما ننطلق من تعلقنا وإيماننا بها .وحيث أنها كما قلنا جزء ومرحلة من تجارب التاريخ فإنه من حقنا أن نقيّمها وذلك حسب التقنية النزيهة الوحيدة الممكنة أي بالقياس إلى أهدافها المعلنة . ولو استطعنا أن نضع مؤشرات موضوعية للتقييم وقمنا بدراستها في كل البلدان عريقة التجربة في الديمقراطية، لاكتشفنا مناطق الضعف والخلل فيها ولربما اكتشفنا أيضا أن ما نحاول نقله عن الغرب دون إعمال الفكر فيه هو كتقديم غذاء فاسد لجوعان، لأننا خدعنا –يضم الياء- وخدعنا أنفسنا وخدعنا المستهلك المسكين. يجب إذن على الديمقراطيين العرب تقليب البضاعة جيّدا لا لرميها إن تبين فيها العيب (إذ لا عيب إلا في من يدعى الكمال وهو لله وحده) وإنمّا لتحسين التجربة التاريخية . لنبدأ العملية بمسائلة الديمقراطية الغربية عن مدى نجاحها في تحقيق أهدافها الأساسية الأربعة أي تحقيق سيادة الشعب بالانتخابات و تقليم أظافر استبداد أقلية ترعى الأغلبية كما ترعى الذئاب قطيع الخرفان وخلق مجتمع حرّ يتنعّم فيه المواطنون بالحربات الأساسية وبناء دولة تسهر على العدل عبر قضاء مستقلّ يحفظ للقانون مهمته الأصلية كحامي للحقوق والحريات وليس كأداة للقمع .
ما وراء ديكور السيادة الشعبية
يقول Noam Chomsky * أن الرئيس كلينتون في سنة 1994 حاول إدخال بعض الإصلاحات الاقتصادية البسيطة فووجه بموجة احتجاج من رؤساء الشركات الكبرى هددوا بتهجير أموالهم فعاد إلى مواقف أكثر يمينية ليلعب الدور المحدّد لرئيس الولايات المتحدة أي الناطق باسم مصالح الشركات الكبرى .عن Christian Debré في تعرضه للسلطة الهائلة التي أصبحت تملكها الارستقراطية المخفية الاقتصادية التي تملك سلطة يفترض في الشعب أنه صاحبها ." لم ينتخبهم احد . هم بلا اسم وليسوا أمريكيين , إنهم أصحاب استثمارات المالية الكبرى , لهم سلطة لم تعرف من قبل وحتى حق الفيتو على الساسة الاقتصادية للولايات المتحدة ...فهناك عبر العالم آلاف المليارات من الدولارات ثمرة عمل وادخار كل الناس تحت المراقبة وتصرف شبكة غامضة حتى بالنسبة لأرباب المهنة ( البنوك ) من الأولغرشيات
و المتحكمين في السوق . إن تحرك جزء من هذه الرماسيل يمكّن إنقاذ أو تهشيم أي عملة و أي سياسة لأي دولة وفي كتاب** François Decloset نقرأ هذا الحوار وهو بغير حاجة للتعليق : أتتصور؟ هناك مليار من بني آدم في الصين .ضحك قال : خطا يا عزيزتي ليس هناك في الصين سوى شخصان ... لا أكثر .فهمت لأنها ذكية و لأن لها بعض المعلومات عن ثروة هذا المصرفي الكبير.كم , كم ... عدد سكان . العالم إذن ؟ قال خمسة آلاف على أكثر تقدير ... نحن خمسة آلاف .قالت ما هو عدد البريطانيين. أجاب ستون ...و الأفارقة ؟ لا أحد . سألت :و العرب ؟ فكان ردّه : أكثر مما تظنين لكنهم كلهم هنا في لندن . وفي ظل هذا النظام لا بدّ من واجهة تدير شؤون الدولة ودفع الممثلين إلى الأمام وتمويل حملاتهم الانتخابية ليكرسوا الحلف المتين بين جهاز الدولة والشركات الكبرى . يقول François Decloset في وصف تحرك ممثلي الأرستقراطيات المخفية نوّاب الشعب صاحب السيادة الاسمية : " كمحترفين قادرين تراهم يرددون أن السلطة ليست هدفا في حد ذاتها . نحن نناضل من أجل قناعات لا من أجل الكراسي المهم الأفكار
و ليس الأشخاص .و لهم الكثير من الحيل لعدم الإفصاح عن طموحاتهم السرية لكن المواطنين غير غافلين , إلا أنهم لا يستطيعون إثبات اللعبة المزدوجة , و من ثمة الامتعاض إذ يشعرون و كأنهم يعاملون كسذج ".
إنّ السلطات الحقيقية في الغرب وأساسا في أمريكا هي أكثر من أي وقت مضى بين يدي حفنة الناس الماسكين بدواليب المال و السلاح و المعرفة، يقبعون وراء الستار للتمتع بالسلطة الفعلية . و تستخدم الأرستقراطيات المخفية لتحقيق أهدافها المقاولين الصغار من رجال السياسة الثانويين و حتى الكبار منهم لتنظيم مهرجانات " يستشار " فيها " الشعب " في مواضيع لا يفهمها و لا تهمه و لا يستطيع تغييرها. لا غرابة أن يتناقص عدد المتحولين إلى صندوق الاقتراع من انتخاب لآخر إلى أن يصل الأمر إلى حدّ انتخاب رئيس أمريكا بثلث الناخبين علما وأنه خلافا للاسطورة الجميلة فإن الذي ينتخب دوما ليس الشعب وإنما القوائم الانتخابية و لا تعكس سوى حالة التجنّد الايدولوجي والحزبي التي تحركها دعاية الارستقراطيات المخفية . هكذا ترى " الشعب " مخدوعا على كل المستويات و الجهات و من ثمة عودة الشهوة تدريجيا إلى مسرحية واضحة المعالم بسيناريو بسيط وبطل واحد ومعركة بين الخير و الشر يشارك فيها الجمهور على الأقل بعواطف الرهبة و الحماس بدلا من السيناريوهات المعقدة المشبوهة التي يعرف بالسليقة أن جلها لاستبلاهه
و استغلاله وهو ما يفسّر تعاظم دور أقصى اليمين المعادي للديمقراطية . إنّ " الشعب " لا يعلم أنه عندما يصل إلى هذا الاستنتاج فإنه عادة ما يكون مدفوعا بإحدى الأرستقراطيات التي خسرت معركة في الكواليس ضد أرستقراطية أخرى تدفعه ليطالب بجولة استبدادية تلعب فيها هي دور السلطان المطلق على أمل إجادة اللعبة و لأطول فترة ممكنة . و يقول Decloset عن تحريكها للايدولوجيا تارة في اتجاه وتارة في اتجاه معاكس حسب مصالحها" و الخوصصة كالتأميم خاضعة لنفس التحريك الخفي فقد قدمت على أساس أنها التحالف الجديد بين فرنسا و اقتصادها و تم اقناع صغار الناس على أنهم أصبحوا من كبار مغامري المالية باشترائهم لأسهم , سترتفع قيمتها بدون أدنى شك " وقلّ من يعلم حسب Chomsky أن نصف الأسهم في البورصة يملكها% 1 بينما لا يملك% 80 من الحاملين سوى 4% منها .
. إن تشخيص الرحل لأفول الديمقراطية في أمريكا مخيف حيث يقدم في كل كتبه على حجج تظهر بنا لا يقبل الجدل أن النظام السياسي الذي يحكم البلد فعليا هو تحالف الشركات الكبرى وكلها دكتاتوريات داخلية في ممارساتها الداخلية وممارساتها ، مع إدارة مكلفة بالحفاظ على مصالحها . ولولا تجند المجتمع المدني الذي أظهر مقاومته للدكتاتورية الجديدة في مظاهرات seattle لتسارع التردّي نحو نظام استبدادي غير مقنّع.
ما وراء ديكور الحريات.
لقد عايشنا ما يحدث عندما تضرب الارستقراطيات المخفية ضربة موجعة أو في رموزها مثلما حصل في 11 سبتمبر فقد انهارت فجأة الضمانات الدنيا للحريات الفردية والجماعية وعومل المشتبه فيهم كالحيوانات وتسلحت الإدارة الأمريكية بقوانين لا تحسدها عليها أي من الدكتاتوريات العريقة وفي هذا إنذار واضح بأن للعبة قوانين وحدود وليست مبادئ ثابتة ومطلقة كما خيّل لنا . ولا يختلف الأمر كثيرا بخصوص حرية الإعلام فلابد من وضع سد منيع بين ما تفعله الأرستقراطيات المخفية و في دنيا الاقتصاد و الاستعلامات و الإعلام و الجيش و الشرطة و بين ما يجب أن يعلمه الناس يحصل ذلك بفضل صحافة " حرة " تكون مهمتها التركيز على مشاكل رجل الشارع بابتذالها و مشاكل الممثلين السياسيين و حتى الجالس المؤقت على العرش للتغطية على المعلومات و العمولات و الإجراءات و التصفيات التي توجه في الواقع دفة المجتمع .وقد أصبحت الرياضة تلعب دورا هاما في عملية إبعاد الأنظار عن الرهانات الحقيقية ولا غرابة ان تصبح بدورها بزنس وهي في نفس الوقت المتنفس المنشود للرعية ووسيلة للإثراء.
ومما يزيد الطين بلة تكدّس وسائل الاعلام الكبرى التي تصنع الرأي العام المحلّي والدولي في أياد قليلة مثل س,ن،ن. ولا يضير الارستقراطيات المخفية أن تبحّ الأصوات المخالفة في قنوات لا يسمعها أحد أو في جرائد لا تقرأ إلا من طرف حفنة من الناس. إن معركة حرية الإعلام ستزداد شراسة يوما بعد يوم لتأطير العقول وتسويق المفاهيم الخاطئة فالايمان الأعمى بان الخصخصة هي مفتاح النجاعة الاقتصادية ( والحال أنها عملية نهب وتحيل لممتلكات المجموعة الوطنية حتى في امريكا التي تثبت الدراسات أن الشركات تعيش فيها على الأبحاث التي تمولها الدولة ) ليس إلا نتيجة السيطرة على أجهزة الإعلام ولا بدّ أن يعي الديمقراطيون العرب أن الارستقراطيات المخفية لا تغفر لقناة الجزيرة وبعض برامجها مثل الاتجاه المعاكس ما قامت به من دور في الفضح وأنها مهدّدة اليوم أكثر من أي وقت مضى .
ما وراء ديكور العدالة المستقلة.
مما لا شكّ فيه أن هناك فرقا شاسعا بين قضائهم وقضائنا والفرق حرف بسيط فالقضاء عندهم مستقلّ وعندنا مستغلّ لكن استقلالية القضاء الديمقراطي أي تطبيقه العادل للقانون لا يمسّ إلا الأفراد أما الجرائم الجماعية التي أصبحت ترتكبها الشركات الكبرى فهي فوق وخارج نطاقه . مثلا نقرأ في التقرير الذي أصدرته المنظمة العالمية للصحة سنة 2000 أن التدخين تسبب في قتل ثلاثة ملايين نسمة وأن هذا الرقم سيصل إلى أربعة ملايين ونصف في 2010 وأن الأغلبية الساحقة للموتى ستقع في البلدان الفقيرة التي تبيع فيها شركات التبغ العالمية جل منتوجها بعد أن حاصرتها القوانين الخانقة في بلدانها الأصلية نظرا لوعي المستهلكين . وبالطبع فإنه لن يحكم بالاعدام على رؤساء الشركات المعنية بالأمر رغم ملايين القتلى لكن العدالة المستقلة الامريكية ستحكم بالموت على قاتل شخص واحد. وقس على نفس المنوال بخصوص شركات الأدوية التي ترفض البحث في الأمراض الاستوائية لأن الناس هناك غير قادرين على شراء الأدوية أو شركات الاتجار في السلاح أو الشركات المسئولة عن تدمير البيئة. لقد تعولمت الجريمة ولم تتعولم العدالة وفي هذا الإطار أصبح استقلال القضاء في الميدان الفردي نصرا منقوصا.
الدروس والاستنتاجات الكبرى
كأني بابتسامة الزهو والانتصار تعلو محيّا كل أعداء الديمقراطية العرب وهم يقرئون اعتراف ديمقراطي مثلي بنواقص ما يدعو إليه , لكنني أرجو منهم عدم الاستسلام طويلا للشعور المريح لأن عيوب الديمقراطية هي اليوم مصدر بحث وتفكير داخل المنظومة الديمقراطية خاصة في أمريكا حيث يلعب مفكّر مثل Noam Chomsky دورا هاما في فضح المخفي واستنباط الحلول والبدائل, فالديمقراطية تستطيع أن تبرأ من أمراض الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية في حين لا يستطيع الاستبداد بمزيد من الاستبداد إلا مرضا على مرض .والهام بالنسبة لنا نحن العرب مرة أخرى أن نأخذ التجربة التي وصلت إليها الوصفة الديمقراطية وليس فقط الوصفة أي أن نبني تفكيرنا عن الديمقراطية انطلاقا من دروس التطبيق التي وصلت إليها هذه التجربة حتى لا ننقل النبتة المريضة وإنما أصحّ نبتة ممكنة. إن مقال مختصر كهذا لا يمكن أن يفسح المجال لاستطرادات طويلة حول ما يجب أن نستخلص من نتائج وكل أملي أن يفتح الحوار بين المثقفين الديمقراطيين العرب حول الموضوع لكن يمكن من الآن رسم بعض الخطوط العريضة التي يجب أن نبني حولها دبمقراطيتنا إن أسعفنا الحظّ بذلك في مكان ما من وطننا العربي الذي لا يستطيع أن يخرج من المستنقع الذي يوجد فيه إن لم يضع نظاما سياسيا ينهي كل أشكال الاستبداد ولو كان الاستبداد على طريقة الديمقراطية الأمريكية .. تستنتج الخطوط العريضة من أهم نتائج التجربة الديمقراطية في الغرب إلى حدّ الآن وهي كالتالي.
1- لو اعتبرنا مؤشرات موضوعية على أزمة الديمقراطية مثل تناقص نسبة الناخبين وانتشار الفساد- ومنه تمويل الانتخابات – أو مستوى الحريات الفردية والعامة لا كتشفنا أن هذه العيوب موزعة بصفة مختلفة فهي متدنية في البلدان الاسكندنافية وترتفع في ايطاليا لتصل ذروتها في أمريكا. وثمة علاقة بديهية بين أزمة الديمقراطية وطبيعة الدولة فأين توجد دولة خدمات عامة مثل السويد أو فرنسا تبقى عيوب الديمقراطية ونواقصها قابلة للتحكم أما لما تخصخص الدولة مثلما هو الحال في أمريكا فإن هذه العيوب تصبح كاريكاتورية . وثمة قانون يمكن أن نسنّه أنه إذا كانت الشيوعية والقومجية والاستبداد الديني ألدّ أعداء الديمقراطية في القرن الماضي فإن ألدّ أعدائها في هذا القرن هو الليبرالية المتوحشة. نستنتج من هذا أن ديمقراطيتنا المنشودة لا يمكن أن تكون في ظل الخصخصة وإنما في ظل دولة قوية مهمتها الدفاع عن المواطنين وليس تسليع صحتهم وتعليمهم تحت الراية الكاذبة للنجاعة الاقتصادية.
2- الديمقراطية دوما بخير أين تتماشى الحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثلما هو الحال في اسكندنافيا وتنهار عندما يفصل بينهما مثل ما هو الحال في أمريكا حيث يحرم إلى اليوم أربعون مليون أمريكي من التغطية الاجتماعية وتقوم القيامة كلما حاول رئيس حلّ هذا المشكل المشين بالنسبة لبلد بثروة الولايات المتحدة. ومعنى هذا انه لا يحق لديمقراطي عربي أن يدعي الديمقراطية إن لم يكن مسكونا بهاجس العدالة الاجتماعية لأنه لا وجود للأولى بدون الثانية.
3-إن السيادة الشعبية الفعلية لا تتبلور عبر انتخابات دورية فيها الكثير من التلاعب وإنما عبر النسيج الجمعياتي وحيوية المجتمع المدني ومعنى هذا أن دور الدولة الديمقراطية سيكون أساسا في تنشيط و تمويل النشاط الجمعياتي والتعاقد معه والتعامل معه خارج نية السيطرة والهيمنة وإنما كطرف فاعل ومؤثر . أما قضية التمثيل والتناوب الضروري على السلطة فإنها معضلة تنتظر الأفكار الخلاقة والتجارب الميدانية للقطع مع الانتخابات التهريجية ولعبة الأحزاب ومسائل الفساد المرتبطة دوما بها سوى تعلق الأمر باشتراء ذمة الناخب أو ذمّة المنتخب .
4- تبقى قضية العدالة مطروحة بشكلها القديم أي استبدال الغين بالقاف ليكون لنا قضاء مستقل لا مستغلّ .لكن عولمة الجريمة تتطلب عولمة العدالة حتى نستطيع فعلا تحقيقها على المستوى الاقليمي .ويعني هذا أن على الديمقراطيين العرب-إضافة إلى دورهم القديم في التجنّد من أجل استقلال القضاء- الانخراط في كل المشاريع لبناء المحكمة البيئية الدولية التي يقترحها الخضر والمحكمة الدستورية الدولية التي اقترحتها والاستعداد لمتابعة شركات التبغ الأمريكية مثل التي تغرق بلداننا العربية بأمراض الشرايين وسرطان الرئة
5-يجب على الديمقراطيين العرب ألا يعتمدوا كثيرا على الأنظمة الغربية في حربهم ضدّ دكتاتورياتنا وخاصة على النظام الأمريكي ، فالسر الغريب حول دعم الولايات المتحدة لكل الدكتاتوريات وخاصة العربية ، ناجم عن طبيعة النظام السياسي الفعلي الأمريكي لأن الشركات الدكتاتورية التي تشكّل لبّه لا يمكن إلاّ أن تتحالف مع أنظمتنا الفاسدة التي تضمن مصالحها. وهنا لا بدّ من التركيز مرّة أخرى على عدم الخلط بين الغرب وأنظمته فهو، كما هو الأمر عندنا، حضارة و حكومات و مجتمعات مدنية وهذه المجتمعات، ومنها المجتمع المدني الأمريكي ، حليفتنا الطبيعية في إطار العولمة لأن كفاحها ضدّ عودة الاستبداد الفجّ لليبرالية المتوحشة هو كفاحنا وكفاحنا ضدّ الدكتاتورية هو كفاحها وهذا التلاقي بين مصالح الشعوب ضدّ ذئاب الليبرالية المتوحشة هو اليوم واحد من عناصر القوّة لنا في حرب معقدة متداخلة الجبهات
. إن الاستبداد كطائر الفينيكس الذي يبعث دوما من رماده وها هي المعارك قد بدأت في الغرب لوقف زحفه المتصاعد سواء في شكل دكتاتورية الشركات الكبرى أو الأحزاب اليمينية المتطرفة. وما أحوجنا نحن العرب أن نتابع هذه المعارك لأنها جزء من معركتنا اليوم أو غدا.
****
*Noam Chomsky : Deux heures de lucidité- ed les arènes 2OO1
** François de closet : la grande manip-ed fayard
* مفكّر ورجل سياسي من تونس