أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - اوجين اونيل بين.ثلاثي . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 5- وراء الافق















المزيد.....


اوجين اونيل بين.ثلاثي . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 5- وراء الافق


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 6606 - 2020 / 6 / 30 - 16:23
المحور: الادب والفن
    


اوجين اونيل بين. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية
5- وراء الافق
نال اوجين اونيل جائزة نوبل عام 1936 ، وفازت مسرحيته هذه بجائزة بوليتزر عام 1920. ويعد من ابرز رواد المسرح الامريكي، هذا المسرح الذي بدأ بالنهوض في العقد الثاني من القرن العشرين، (ولم يستطع احد من الكتاب الذين عاصروه والذين جاءوا من بعده، ان يحتل المكانة التي احتلها بجدارة في المسرح الامريكي)1.
وتتكون مسرحية (وراء الافق) من عشرشخصيات، سبع منها رجالية، وثلاث نسائية، وتتوزع على ثلاثة فصول،وكل فصل منها ينقسم الى منظرين.
تدور حوادثها حول عائلة فلاحية، تتكون من الاب (جيمس مايو) والام (كيت مايو) وولديهما (أندرو) و (روبرت) ، حيث تعيش بوئام وسعادة في المزرعة التي يعمل فيها الاب الى جانب ابنه اندرو الاكبر من روبرت والبالغ السابعة والثلاثين من العمر، والميال الى حياة الريف، وحراثة الارض وزراعتها التي تدر عليهم محصولا وفيراً، بعكس شقيقه روبرت البالغ الثالثة والعشرين والمنجذب الى الكتاب، وقراءة القصائد وقضاء جل اوقاته بالتأمل في الطبيعة ، هائماً في احلامه الوردية، وهو يرنو بصمت الشاعر ، محلقا ً في التلال والوديان، عله يقرأ مايربض ورائها، ودفعته هذه القراءة وهذا التأمل ، ان يتخذ قرار الرحيل مع خاله على ظهر الباخرة التي يعمل فيها، للتمتع بجمال الطبيعة ، وسحر الشرق الذي اجتذبه، بالاضافة الى الحاجة التي يشعر بها للاطلاع على الاماكن الرحبة والكبيرة.
وقبل ساعات من رحيله المزمع، تصارحه روث التي يحبها شقيقه اندرو،بحبها له. ويبدو ان روبرت كان يحبها هو الاخر ، ولكن بصمت وبطريقته الانعزالية الحالمة، واثر ذلك يعدل عن رحيله هذا، ويتزوج روث. وهنا تبرز مشكلة اخرى ، الا وهي اتخاذ اندرو بالمقابل قرار الرحيل، بدلا من شقيقه روبرت، لعدم قدرته على العيش تحت سقف واحد مع شقيقه الذي اختطف منه الفتاة التي احبها.
وبالرغم من الاعتراض الذي يلقاه اندرو من والده ، على العدول عن رحيله ، لعدم قدرة روبرت على حمل عبء المزرعة، الا انه لايعير اذنا ً صاغية له، ويعمل بالقرار الذي اتخذه ويرحل مع خاله . ومع رحيله تبدأ امور المزرعة بالتوجه نحو السوء وكلما مرت الايام تتوجه نحو الاسوأ ، ومعها شرعت تدب المشاكل بين الزوجين ، لتسفر عن مصارحة روث زوجها بحبها لاندرو، وكرهها له وتنتهي المسرحية بموت روبرت، اثر اصابته بمرض في رئتيه.
هذه هي باختصار الاحداث الرئيسية للمسرحية ، التي تبدو ، لنقلها بهذه الصيغة المقتضبة، غير ممتعة، ذلك لانها لاتظهر على حقيقتها الا اثناء القراءة، لما تتسم به من معمارية في بنائها الفني المتماسك ، سواء أكان ذلك في رسم معالم وابعاد شخصياتها، او نسج حوادثها فمن حيث الجانب الاول، يمنح المؤلف كل شخصية المساحة التي تستحقها بأداء دورها ضمن اطار الحدث ، فلا يوجد شخصية صغيرة او شخصية كبيرة، فأقل الشخصيات ظهوراً تلعب نفس التأثير الذي تتركه الشخصيات الاكثر ظهوراً ، كما في شخصية (مايو) والد روبرت واندي وشخصية (كايت ديك سكوت). ولم يكتف المؤلف بمد جسر من التفاهم بين شخصياته عبر الحفاظ على التوازن القائم بينها، وانما عززها ايضاً بلغة تنفرد بها كل شخصية، وتختلف مع بعضها الاخر، وإنسجاماً مع وعيها وادراكها.
أما من حيث الجانب الثاني فكل شيء فيه قائم على (التناقض)2 ، ابتداءًمن الاختلاف في توجه الاخوين واهتماماتها، ومروراً بالمعنى الدال، والمختلف بين حجرة الجلوس وبين التلال، وانتهاء بين المدينة والقرية. وعلى هذا الساس يسوق المؤلف شخصياته، ويبني احداث المسرحية، انطلاقا من المبدء القائم على التناقض. هذا التناقض الذي يمتد حتى الى شخصية روث بانتقالها بين حب الشقيقين، ومن احدهما الى الاخر.
ويتجاوز التناقض بين شخصيتي الشقيقين، وصولا الى العتمة الجسمانية، من حيث كون بنية روبرت ضعيفة، وبنية اندرو قوية، وان الاول يعاني من الامراض منذ طفولته، وانسحابه الى اتخاذ المواقف في حياتهما، وتتطابق هذه المواقف مع مدى قوة وضعف بنيتهما، وذلك من خلال اتخاذ روبرت قرار عدم الرحيل فور مصارحته روث بحبها له، في الوقت الذي تتبنى شخصيته على اساس الانطلاق الى الاماكن الرحبة، وقراءة القصائد اي مبنية على الحس المرهف ، والثقافة ، واختيار اندرو افدح السبل لبناء مستقبله، وهو مغادرة الريف والعيش في المدينة، حفاظا ً على كرامته وعدم الانجرار مع عواطف روث، بعد رجوعه من رحلته، وقطع دابر الامل اليها ثانية ً ، ولا يتناقض الشقيقان مع بعضهما الاخر، بل يتناقض كل واحد منهما مع نفسه ايضاً،باختيارهما العمل الذي لايتناسب قدراتهما، فقد اختار روبرت الشاعر المثقف طريق الفلاحة، واندرو الفلاح طريق التجارة.
(قيل ان موضوع المسرحية اوحى له على بلاج بروفنستون عندما سأله ولد كان يجلس بجانبه:(ماذا يوجد هناك؟) وقد رد اونيل : (ماذا وراء الافق؟) (وفي موضوع اخر يصرح لباريت كلارك بسبب اوثق واعمق اذ قال: اعتقد ان التجربة الحياتية التي استقيت منها فكرة(وراء الافق) كانت كما يلي: على ظهرالباخرة الانكليزية المتجولة قمت برحلة كبحار عادي وقد رافقني على تلك الباخرة من بيونس ايرس الى نيويورك نروجي توطدت بيني وبينه صداقة متينة، وقد اعتاد ان يقول مدمدماً بأن اسفه وخطأه الكبيرين في الحياة نتجا عن تركه لمزرعة والديه الصغيرة وهربه الى البحر. لقد امضى في البحر عشرين عاما دون ان يعود ولو مرة واحدة الى منزل ابيه، الا انه يلعن الان البحر والحياة التي اقتادته اليه... وفي اللحظة المناسبة تماما تمثل في خاطري واستحضرته ذاكرتي وتساءلت (ماذا لو انه بقي في المزرعة بغرائزه، وادركت في الحال انه لم يكن ممكنا ان يبقى، ان الادعاء بأنه يتوق الى المزرعة امر يسليه ويريحه، والواقع ان الشخص النروجي كان قد ظهر قبلا في مسرحية(العودة)3.
يرفد المؤلف معلومات اولية للمتلقي من بداية المسرحية عن احداثها، وبطريقة فنية وغير مباشرة، بالايماء والايحاء تارة، واللمز والغمز تارة اخرى. ولايتبع هذه الطريقة ضمن حدود هذا الاطار فقط، وانما تمتد وتتوسع وتأخذ رقعة اكبر، عند توظيفها في قراءة المدلولات التي ترمي اليها هذه الحوارات، وبالتالي ماتفرزها من معطيات، وتتحقق على ضوئها ، وبموازاة نفس الطريقة يستخدم اسلوب وصف مناظر المشاهد (الديكور)، ويعتمد على توظيف المفردات الدالةعلى التوتر النفسي.
تشرع هذه المعلومات من اول جملتين يطلقها روبرت واندرو، لتبين منحى سعيهما في بناء مستقبلهما، وباسلوب بسيط ومعبر، ويخلو من تسمية ما يقومان به من عمل باسمه، واللجوء الى الاشياء القريبة منه، او التي تمتزح معه وتحتك به، او ترادفه في المعنى، فبدلاً من ان يوصل المؤلف مفردة الشاعر، بشكل تقليدي الى المتلقي، للدلالة على توجه روبرت، او مفردةالفلاح، للدلالة على توجه اندرو، يرتآي ان يوصلهما عن طريق الاثر الذي يتركه كل توجه لدى صاحبه، فيستخدم جملتي (احلام اليقظة) و (تملأه الاوساخ) في اشارة واضحة الى الشاعر والفلاح.
وقد تعطي معنيين في آن، كما في الجملة السابقة (تملأ الاوساخ) وجملتي (تخيلني احرث الارض) و(الارض الطيبة) ، اذ بالاضافة ايحاء الجملة الاولى الى نوعية المهنة التي يعمل بها اندرو، وهي الفلاح، فهي تشير في نفس الوقت الى مقتها من قبل روبرت، وعدم قدرته على مزاولتها في الجملة الثانية ، وقدرة اندروعلى ذلك وتعلقه بها في الجملة الثالثة. وتفيض المسرحية بمثل هذه الجمل في الحوارات الدائرة بين شخصياتها ، ولعل اول لقاء بين روث وروبرت هو نموذج اخر لها، حيث تبادر روث بطريقة ثعلبية، دغدغة مشاعر روبرت من خلال جملة (كنت ابحث عنك) بهدف قراءة احاسيسه تجاهها، وعندما تدرك استجابته لها بالجملة التي يرد عليها التي تلفظها (سنفتقدك) الى (سأ ) ثم تاسف على رحيله في هذا الوقت من السنة في الربيع ، عندما يصير شيئاً جميلا ً ، وهي تتنهد.
يجري بينهما حوار بحدود ست صفحات دون ان يأتي اي واحد منهما على كلمة (الحب) الا عندما يكاد المنظر الاول من الفصل الاول ان يشرف على نهايته ، حيث يدلي بحبه لها لانه يشعر من الواجب ان يفعل ذلك، لاقباله على الرحيل. أما الحوارات السابقة لاعلان روبرت عن حبه لروث، فقد كانت تدور حول رحلة روبرت، وكيفية قضاء طفولته مع روث، وتأمله عبر الحقول الى التلال، ( وبطريقة لاشعورية تقترب روث الى جانب روبرت وتلتصق به، ثم يحيطها بطريقة لاشعورية وهي تقول اه ياروب لاكيف لا اشعر؟ انك تذكر اشياء غاية في الجمال)
ويمكن الاستدلال على مثل هذا النموذج في المنظر الثاني من الفصل الاول ، في الحوار الذي يجمع معظم الشخصيات فيه ، ماعدا روبرت وروث ، الدائر حول رحلة روبرت ، وابداء اندرو رأيه حول هذا الموضوع ،الذي يدعو فيه الى عدم منعه من الرحيل، ليعقبه استيلاء قلق مباغت عليه ، ليفهم المتلقي ، ان اندرو كان يحس بميل روث لروبرت، او بالعكس بميل روبرت لروث ، الا انه بعد مبادرة روبرت القيام ، بدفع عجلة ام روث الارملة الى بيتها ، بدلا منه ، حيث دائما مايفضل اندرو ذلك، عندما تاتي هي وابنتها روث لزيارتهم، يتأكد ان حدسه لم يخنه، وكان في موقعه الصائب والسليم . ويبدو ان والدته هي الاخرى كانت تحس بذلك عندما راحت تصف ابنها روبرت ، لقيامه بدفع عجلة ام روث الى بيتها بالمهذب ، ومعززا اندرو قلقه هذا بالذهاب لالقاء نظرة على البقرة السوداء ، ليرى مايؤلمها.
لو اعدنا قراءة الحوارات التي جاءت على لسان روبرت ووالدته، لتبين لنا ، ان كلا الشخصيتين تعرفان حقيقة الحب المتبادل بين روبرت وروث ، ولكنهما لايدليان بها بشكل مباشر، وان ادلت بها الام في مكان اخر، ولكن ليس بهذه الصيغة، بصيغة ان روث تحب روبرت، وانما انها لاتظن ان روث تحب اندرو، مامعناه انها تحب روث لتفضي جملتها هذه الى نفس النتيجة، مقرونا هذا الاحساس بعمل اندرو في زراعة الارض وتربية الحيوانات ، تحديداً بالبقرة السوداء ، ليرى مايؤلمها ، بالاحرى مايؤلمه هو في يومه الاسود هذا، اما بخصوص توظيف هذه المعلومات في الحوارات الدائرة بين شخصيات المسرحية ، بهدف قراءة المدلولات التي ترمي اليها، و ماتفرزه من معطيات وتتحقق على ضوئها، شأنها شأن تزويد المتلقي بالمعلومات الاولية بطريقة فنية وغير مباشرة فثمة الكثير منها.
ان القصة التي قام بسردها القبطان ، وان غلب عليها طابع التهكم من لدن ساردها ، وعدم انتباه الحاضرين لفحواها، عن المراة التي سالته في الباخرة عن مكان نوم طائر النوارس ، ربما لها صلة بالرحلة المزمع القيام بها من قبل الشقيقين، وفشلهما اندرو بافلاسه في الرحلة، وروبرت بتكفله في شؤون المزرعة ، اذ مثل طائر النورس، لم تطبق جفنا اندرو، وهو يتنقل من مدينة الى اخرى ، ولم ينم روبرت مستريحا لفشله في ادراة المزرعة ، حيث مكان العمل الخاطئ الذي اختاره لنفسه.
كما ان مخاطبة الاب ابنه روبرت بجملة:(ولكنك لم تتعلم قط)،تخبر المتلقي بان روبرت سوف لن يفلح في المزرعة ، وقد يكون القصد منها ايضا، فشله في حياته الزوجية، وقول اندرو لروبرت ، ان الزراعة لا تناسب طبيعتك ، تصب في نفس الاتجاه.
وان صوت انين وبكاء الطفلة ماري ابنة روبرت اتياً من المطبخ ، وتجهم مسز اتكنز في غيظ، وهي تقول :اللعنة على هذه الطفلة ، كانها تتعمد البكاء طوال الوقت بقصد اثارة اعصابنا، ومن ثم الرد عليها مسز مايو: ان صحتها ليست على مايرام هذه الايام، اشارة واضحة الى ان العلاقة بين روث وروبرت غير جيدة ، وتشير نحو السوء،ولربما توحي كما حدث في نهاية المسرحية الى موت الطفلة ماري.
واتيان صوت حصان يجر عربة في الطريق امام منزل روبرت ، اثناء الشجار الناشب بين روث وزوجها ، بعد اعترافها بحبها لاندرو وانتباههما فجاة وهما يصغيان بانفاس لاهثة،كما انه صوت ات من الاحلام... ايماءة الى حلول البديل عن زوجها بموته كما حدث في النهاية ايضاً ،ولربما تكون قد جاءت بالضد من طبيعته، لتحطيم احلامه كلياً.
ولايكتفي المؤلف الاستعانة بهذين القالبين لايصال ثيمة المسرحية الى المتلقي ووضعها في اطارها التقني المرسوم لها، بل يضيف اليهما، القالب الوصفي للديكور، لجعله مقدمة لما ينطوي في متن فصول المسرحية التي تلي هذه المقدمة من احداث ،سيما في الفصلين الثاني والثالث، بهدف عدم مباغتة المتلقي بالتحولات السريعة والكبيرة الجارية فيهما ومجيئها بانسيابية وسلاسة، وبعيداً عن التصنع والتكلف ، ولخلق نوع من التوازن وان يبدو مثل هذا السعي مستحيلا ً، بين المدة الطويلة التي تستغرقها احداث المسرحية وهي ثمانية اعوام، بنصيب ثلاثة اعوام بين الفصل الاول والثاني وخمسة اعوام بين الفصل الثاني والثالث وبين فترة العرض القصيرة التي قد لاتستغرق اكثر من ساعتين، بوضع هذا الحاجز الوصفي للديكور للتقريب بينهما، حد الممكن وقدر المستطاع.

المنظر الاول من الفصل الثاني:
(.... كل النوافذ مفتوحة ولكن لايوجد اي نسيم يحرك الستائر البيضاء المتسخة وفي مؤخرة المسرح (بارفان) به رقع من خلاله يمكن رؤية الامتداد البسيط للمرجة الخضراء التي تفصل الممر القذر الذي يفضي الى الباب عن البوابة التي في السور ذي الاسياخ الحديدية المدببة الذي يكون حدا ً للطريق...)


المنظر الاول من الفصل الثالث
(... اما الغرفة كما تبدو في ضوء مصباح بترولي موضوع على المائدة ذي قمع اغشاه الدخان ، فانها مثل للاضمحلال والتفكك. الستائر على النوافذ ممزقة ومتسخة كما ان احداها غير موجودة، اما الكتاب المغلق فرمادي اللون من التراب المتراكم عليه، كما لو انه يستعمل منذ سنين، وتشوه ورق الحائط بقع ناتجة عن الرطوبة، وعلى السجاد الباهت اللون اثار وبره من السير الى المطبخ والابواب الخارجية...)
والاحداث الكبيرة والسريعة الجارية في الفصلين الثاني والثالث وحتى الاول ، جديرة بهاتين المقدمتين ، لصياغتها بطريقة فنية جميلة، عبر جعل شخصيتي روبرت واندرو ابتداءً من الفصل الاول ، محورا ً لحديث الشخصيات الاخرى، وسير الفعل باتجاه التوتر الدرامي، وازدياد هذا التوتر بالانتقال من فعل الى اخر تصاعديا ً، وانفجاره في النهاية ، كما حدث في المنظر الثاني من الفصل الاول، في الحديث الدائر من قبل كل شخصيات المسرحية حول عدم رحيل روبرت وزواجه بـ روث، ومباغتة اندرو لهم بالرحيل بدلا من اخيه وسعي الاب اقناعه بالعدول عن ذلك، ومخاطبا اياه بشكل مهذب ، وعندما لم يجد ِ المساعي التي يبذلها معه نفعا ، ينفجر في وجهه كالبركان واصفا اياه بالكذب والوضيع، والجمل التي يطلقها الاب في هذا الحوار تمثل لب المسرحية: (يهز اصبعه نحو اندي في غضب جاف وصارم)
(انت تعلم بأنني اقول الحقيقة .. ولهذا فأنت تخشى النقاش ! انت تكذب عندما تقول انك تريد السفر ورؤية الدنيا! انت لاتحب السفر.
لقد راقبتك وانت تشب وتكبر، واعرف ان طريقتك في الحياة هي طريقتي.
انت تتصرف ضد طبيعتك ، وستندم كثيرا على هذا .... انت تهرب لانك مستاء، وغاضب لان اخاك قد اخذ منك روث...و..).
وحوار مسزمايو ومسزاتكنز في بداية المنظر الاول من الفصل الثاني حول رهن روبرت للمزرعة ، وقدوم اندي من رحيله لمعالجة هذا الامر. حيث يدخل روبرت، وتفزع روث، كما لو انها تريد اخفاء خطاب اندرو في صدرها ، وهو يقول لها: اتقرأين خطاب اندي ثانية؟ اظن حفظته عن ظهر قلب.
ثم تبدأ الاتهامات الموجهة بينهما ، وبشكل اوسع واكثر فظاعة من قبل روث ، وتبلغ حد انها تعتبر اندرو افضل منه بعشرات المرات ، وانها تمقت الزواج منه، وتكره رؤيته، وتحب اندرو وينعتها هو بالداعرة، بعد ان يدفعها وتترنح الى الخلف متعثرة بالمنضدة، ويسمع بكاء الطفلة التي استيقظت فزعة. يستمر هذا الصوت . يظل الرجل والمراة يحدق كل منهما في الاخر بفزع فترة صمت.بعدها يأتي صوت حصان يجر عربة.
وفي الحوار الدائر في المنظر الاول للفصل الثالث بين اندرو وروث ، تخبر الاخيرة زوجها روبرت، بطلب من اندرو ، بانها لاتحب اندرو ، وهو يلفظ انفاسه الاخيرة، وبعد تردد طويل تدخل الغرفة ، ولاتجده، ثم تهرول وهي ترتعد من الخوف منادية على اندرو وهي تقول:( لقد رحل) الذي يسيئ فهمها، ولكنها سرعان ما تستدرج خطئها وتقول السرير خال ٍ، حيث يكون روبرت قد خرج من الغرفة الى الطريق الفسيح. وفي المنظر الثاني للفصل الثالث ، حيث يموت روبرت ، يعززه بمقدمة ثانية لوصف الديكور، تنتهي بجملة: شجرة التفاح عارية من الاوراق وتبدو ميتة.
وخروج روبرت من الغرفة التي لم يشأ ان يموت فيها ، له دلالة تتعلق بطبيعته الحالمة والشاعرية الذي وقف ضدها وحاربها ، واختار لنفسه الطريق الخاطئ بالعيش في الريف ذات الجدران الضيقة ، وتكمن دلالة هذا الخروج ، بموته سعيدا ً تحديدا ً في هذه الجملة: (بدا كما لو ان حياتي كلها كانت حبيسة هذه الغرفة، لهذا فكرت ان تكون نهايتي كما يجب ان اكون.. كانت لديّ الشجاعة .. وحيدا ً في (قناية) بجوار الطريق الفسيح وانا اراقب شروق الشمس..) .
واستخدام بشكل اوسع ثلاث مفردات ، تدل على التوتر النفسي ، وهي( الحرارة) ، اذ تاتي سبع مرات في المسرحية، و(الموقد) ست مرات، و(التلال) اكثر من عشرين مرة. والمفردتان الاولى والثانية جاءت ابتداءً من الفصل الثاني والثالث ، والمفردة الاخيرة من بداية المسرحية الى نهايتها . ومفردة الحرارة جاءت في كل صفحة من صفحات المنظر الاول للفصل الثاني مرة واحدة وهي على التوالي صفحة: 75، 76، 77، 78، 79 ، 80 ، 85. ومفردة الموقد في المنظر الاول للفصل الثالث،بين كل صفحتين الى اربع، وعلى الوجه التالي :120، 124، 126، 130، 132،148، مستخدمة المفردة الاولى من قبل معظم الشخصيات الا ان روث اكثرهم استخداما لها ،أذ جاءت على لسانها ثلاث مرات، ومسزمايو ومسز اتكنز، كل واحدة منهن مرة واحدة، وروبرت مرتين. اما مفردة الموقد، فتستخدم مرة واحدة فقط من قبل اندرو وهو يتجه نحو الموقد، وخمس مرات من قبل روث.
وجاء استخدام مفردة (الحرارة) في الفصل الثاني ، لان الاجواء المتوترة في المسرحية تبدأ من هذا الفصل ، ومفردة (الموقد) في الفصل الثالث ، حيث تصل فيه الحرارة وهي نهاية المسرحية الى درجة الغليان.
يقول الدكتور عبدالله عبدالحافظ متولي في المقدمة التي كتبها لهذه المسرحية ،(ان بعض النقاد يرى في قصة روبرت صورة مصغرة لقصة ادم وحواء) وحتى عبارة (وراء الافق) دفعت النقاد الى استنتاجات عدة منها ان وراء الافق يرمز الى الجنة طالما يحن اليها الانسان ، ولكن تقف حقائق الحياة دون الوصول.)5
واذا كان ورود بعض الكلمات الدينية فيها قد جعل النقاد، ينظرون اليها من خلال المنظورين السابقين، يبدو لي هناك بعض الجمل الاخرى في المسرحية تعبر عن نفس المعنى، سيما الجملة التي تأتي على لسان القبطان سكوت في المنظر الثاني للفصل الثاني ، والجملة التي تاتي على لسان اندرو في نهاية المسرحية.
الجملة الاولى(سكوت): وهو ينهج اوف! لدي اخبار عظيمة لك يا اندي. دعني اولا استرجع انفاسي . اوف! يالهي ! ان صعود هذا التل اللعين لاسوأ من الانطلاق الى السماء دفعة واحدة . لابد ان استلقي لحظة.
الجملة الثانية (اندرو): مشيرا الى جثة روبرت وهو يرتعد من شدة الغضب هذه فعلتك ايتها المرأة الملعونة، ايتها الجبانة ، ايتها القاتلة!
فالجملة الاولى اشارة الى صعوبة الدخول الى الجنة، والجملة الثانية الى العقوبة التي انزلها الرب على حواء، لغوايتها لادم على اكل التفاح.
ونهاية المسرحية معروفة، وهو عدم زواج اندرو بـ روث ، اي عدم النزول عند رغبة روبرت بزواجهما بعد وفاته، وان تبدو مفتوحة على الاحتمال الاخر، تماشياً مع موقف اندرو المتخاذل، وهو يطلب من روث ان تسامحه، لتخبطهما وارتباك احوالهما، ولهذا يجب ان يساعد احدهما الاخر وبمرور الزمن سيدركان الصواب. الا ان روث تزيل هذا الاحتمال لانها لم تقم بأي اشارة تدل على الجمل التي نطق بها اندرو، وتظل صامتة تحملق فيه ببلاده وقد طغى عليها اعياء من استبدت به استكانة حزينة وقد عاد ذهنها الى حالة من الركود تنجم عن عدم التعلق بأي امل.



#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوجين اونيل بين ثلاثي. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 4-أن ...
- اوجين اونيل بين. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية . 3- الحداد ...
- اوجين اونيل بين ثلاثي. . . الواقعية والرمزية والتعبيرية. 2 ا ...
- مسرحيات اوجين اونيل بين ثلاثي. . . الواقعية والرمزية والتعبي ...
- ذئبة الحب والكتب.. لمحسن الرملي
- الفتيت المبعثر. . لمحسن الرملي
- عمكا.. رواية قومية المكان ومنحى الميثولوجيا
- بغداد مالبورو. . بين الإيحاء والتوازن بين الشخصيات والأحداث. ...
- ملوك الرمال. . . لعلي بدر
- النوم في حقل الكرز بين التناص و الحلم . . .لأزهر جرجيس. .
- قراءة رواية (بنت دجلة) لمحسن الرملي من زاويتين مختلفتين. .
- بيريتوس. . و تقنية الإسترجاع لبلوغ الحلم
- التناص في عرس الزين ل الطيب الصالح
- أساتذة الوهم .. وبنيتها القائمة على التناقض
- الشراع و العاصفة لحنا مينا بين زوربا و الشيخ و البحر
- التناص والايحاء في رواية اطراس الكلام لعبد الخالق الركابي
- التناص في رواية الحلم العظيم
- رواية النبيذة. . . ولعبة منحى الميتا سردي
- رواية النبيذة. . . ولعبة منحنى الميتا سردي
- نجمة البتاوين....


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - اوجين اونيل بين.ثلاثي . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 5- وراء الافق