أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الدين رائف - دياكاموس














المزيد.....

دياكاموس


عماد الدين رائف

الحوار المتمدن-العدد: 6603 - 2020 / 6 / 26 - 21:13
المحور: الادب والفن
    


فعلتها ليل أمس بعد أربع سنوات من الانتظار.
أطلقت نفسي من عقال عقلي فقادني جنوني إلى البحر. وأنا أدمنت البحر منذ طفولتي، وأضفت إليه إدمانات أخرى على مدى خمسة عقود، من التفكير والتدخين إلى الحُلم والكلمة. وكانت الكلمة أقسى الإدمانات والبحر أحلاها. حققت أمس رغبة كبتّها طويلا.. أن أسبح في انعكاس ضوء القمر على صفحة الماء. حين فعلت ذلك مرتين أو ثلاثا كنت بلا نظارتيّ، وأنا بالكاد أرى شيئًا بدونهما، أما البارحة فأوثقتهما إلى وجهي ببرباطين مطاطيين انتزعتهما من كمامة وسبحت.

خضتُ بعيدًا في روعة لا كلمات لدي لأصفها، رأيت ما لا يُرى في تلألؤ لا حدود له سوى ألم لذيذ. ألم كوخز إبر في مستقبلات الحس لدى عينين تعبّان من فضّة القمر. لا يشبه قمر مياه البركة في "بير الشوم" عند فيصل حوراني، ولا انعكاس الضوء في عيني هبة على شاطئ كورنيش المالح عند أماني عدلي في "بنت طولون"، ولا انعكاساته على قاع البحر عند ياسر حارب في "إخلع حذاءك"، ولا...

"ابتعدي عنّي أيتها الكلمات دعيني أستسلم للجمال!". ثبتُ إلى جنوني، تمددت بلا حركة فوق سطح الماء وسط بريق متمايل. رأيت جنيّات باسيدونيات يختلسن نظرات حسد إلى حورية معبد ملقارت، التي وضعت لمساتها الأخيرة على تمثال المعشوق أشمون فوق تلّة مطلة على سيّدة البحار. وكانت صُورُ تبتسم لها ولا تعرفّ بمكرها إذ كانت تقصد بتمجيد المعشوق - الإنسان إغاظة عشتروت، آملة استرداد هذا الصيّاد منها إلى عالم الإنس.

ولسوء حظّي انتبهت من حلمي، إذ تذكرت كلمة تختزن هذا المشهد، تعبّر عنه. أيعقل أن كلمة إغريقية واحدة هي "دياكاموس" تعني "انعكاس ضوء القمر على سطح البحر"؟! بعدما انتقل معناها في اليونانية الحديثة، حافظت هذه اللفظة عليه في تركيا متخففة من حرفين فغدت "ياكاموز". نعم "ياكوموز" نفسها، التي اختارها المغني الكوردي أحمد كايا عنوانًا لأغنيته "عندما ينهمر المطر تتبللين/ وإذا ما أشرقت الشمس تختفين/ ابقي هنا معي في ضوء القمر/ يا تلألؤ الشعاع فوق الماء. كأنك تنتحبين بلا صوت/ أحان وقت رحيلك؟ فليرحل القمر، أما أنت فابقي معي لليلة أخرى/ يا أملي...". لا أدري إن كان أحمد قد غنّاها قبل اعتقاله والحكم عليه لنحو أربع سنوات في تركيا، لكونه غنّى في ظلال علم حزب العمال الكردستاني وصورة آبو، أم بعد فترة السجن. ثم مالي ومال أحمد! ما بالنا نحن لم نحافظ على كلمة كهذه؟ نحن الذين يختزلنا مشهد "مصاري" في مسرحية زياد، ابتدعنا في عاميتنا المحكية عشرات الكلمات والتراكيب للتعبير عن المال، وليس لدينا كلمة واحدة تختزن مشهدية وإحساسا لا يمكن لمال العالم كله أن يشتريهما!

طردت عنّي الأفكار.. فأين كانت لتولد كلمة تعبّر عن كل تلك المعاني إلا هنا، في هذه المساحة السحرية التي خلقها القمر فوق صفحة مياه صور ملايين المرات منذ استوطن البشر هذه البقعة من الأرض؟ أسبحوا مثلي ليلا في هذا الجمال أتسللت فضة الضوء عبر مسامات بشراتهم لتستقر في القلب؟ أتراهم لفظوها بدون لاحقتها الإسمية الإغريقية فقالوا "دياكام"؟ استسلمت للتلألؤ وهو يطّهرني من آثام أربعين عامًا قضيتها في الكتابة. أغمضت عيني وذهبت إلى البعيد، إلى وجه صور القديم النقي.. غاص جسدي ببطء، فوجلت. رأيت إحدى جنيات باسيدون الزرقاوات، خفت أن تخطف أنفاسي حيث لا هواء لكائن واهن مثلي، وأن تسجنني في قفص من الفضّة لأربع سنوات أخرى.

كبتُّ جنوني من جديد. فررت منها، بيديّ ورجليّ أدفع جسدي نحو الشاطئ المعتم البعيد. تلمست طريقي إلى حيث تركت عقلي وأسمالي. ارتديت قناع التجهّم لمواجهة غربة المدينة القاسية.



#عماد_الدين_رائف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليسيا أوكراينكا.. أيقونة الأدب الأوكراني
- دراما ليسيا التي غيّرت الثقافة الأوكرانية
- أعمال إيفان فرانكو وأغاتانغل كريمسكي مترجمة إلى العربية 2-2
- أعمال إيفان فرانكو وأغاتانغل كريمسكي مترجمة إلى العربية 1-2
- الدوافع الشرقية في ديواني إيفان فرانكو -إزماراغدي- و-القديم ...
- قراءة في البعد الاجتماعي للقصة المدينيّة: -حكايات منسيّة- لص ...
- عملية -بنك أوف أميركا- مرويّة
- عن ملاك التي تسابق صخرة
- أفندار.. حكاية عاشق لم يقو على قتل ليلى الايزيديّة
- حيٌّ ما دام الناس يذكرونه
- أيتماتوف يجمع الكتّاب في ملتقى حوار الثقافات
- قرغيزيا جنكيز أيتماتوف: الماضي الحاضر أبدًا
- في حضرة ماناس برفقة جنكيز أيتماتوف (1)
- حبيبات إيفان فرانكو.. بين حياته وأشعاره الحميمة – 2 –
- ميخايلو هورلوفي ينحت لبنان حبًّا وشعرًا
- صرخة امرأة.. أرقى ما نظمت مارينا وما غنّت تمارا
- حبيبات إيفان فرانكو.. بين حياته وأشعاره الحميمة - 1 -
- صخر عرب مجسّدًا صراع الأجيال والقيم في روايته -نسيم الشمال-
- لا تقترب من -هاوية- زينب مرعي قبل النوم!
- أوديسا، كييف، موسكو... رحلة الستين عامًا


المزيد.....




- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...
- 3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV ...
- -مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الدين رائف - دياكاموس