أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر














المزيد.....

مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6603 - 2020 / 6 / 26 - 20:40
المحور: الادب والفن
    


كبرياء النخيل
برح الرحّال شط العرب قاصداً داره وقاطعاً بساتين "أبي الخصيب" وأشجار البمبر والحناء والسدر ثم توقف أمام النخلة الجريحة في بستان الأب "مرزوق" وتأملها بخشوعٍ متذكراً قصة تلك النخلة المكابرة من ضحايا حرب الثمان سنوات حين أبيدت اثناء المجازر الجماعية مئات الالوف من النخيل وجرفت الكثير من البساتين وماتت الكثير من الأشجار بعد أن هجرها المزارعين قسراً.
ولم يعد بعدها ذلك العراق الذي كان يسمى بلد "السواد" بكثافة أشجاره ووطن الثلاثين مليون نخلة حين كان عامراً بالخيرات وفردوساً لبساتين الأشجار المباركة.
فكان النخيل في إبادته ضحية حاله كحال البشر الأبرياء الذين يقتلون بسبب الحروب الهوجاء.
لنخلة الأب "مرزوق" حكاية موجعة يتذكرها بدر الرحّال
بمرارةٍ وما زال في فضاء ذاكرته أيضاً صدى لصدح البلابل في بستان مرزوق وهي ترتل صلواتها في كل فجر بينما الشمس لَمْ تزل تتثاءب فوق سرير الشفق السماويّ.
فينهض معها المزارع مرزوق متفقداً بستانه الصغير الذي يضم بضعة شجيرات من السدر ومثيلاتها من النخل أيضاً.
وللفلاح كانت هنالك نخلة يهتم بها ويشفق عليها أكثر من بقية الاشجار فأسماها بعد المصاب "شجرة الطيب"!!
وعادة ما كان الأب مرزوق يذكر حكاية تلك النخلة الى أبنائهِ بحسرةٍ وبقلبٍ موجوع عن ذلك اليوم المشؤوم الذي سقطت فيه قذيفة أثناء الحرب في البستان قرب جذع نخلة "الشويثي" فمزقت شظايا القذيفة جسد الأم التي كانت تقيم صلاةِ الظهيرة، فانهار جسدها مضرجاً بضوء الشمس، فتهاوت الأمومة مع تداعيات النخلة الجريحة أيضاً حين كُسر جذعها لكن أغصان شجرة السدر الضخمة والقريبة حملتها فاتكأت عليها.
بقيّت النخلة بعد كل هذه السنين مرتمية في حضن شجرة النبق وهي لم تزل تثمر بأرطابها في كل موسم مثل أم لا تنسى رسالتها العظيمة بإطعام أطفالها.
كان مرزوق وعائلته يرتزقون من ثمار النبق التي تنضج ثمارها في كل ربيع فيقطفوها ويملؤوا بها سلال الخوص ثم يحملوها فوق رؤوسهم مسترزقين من المحصول فوق دكات أسواق الخضار في "العشار"
زرع الاب المزارع في نفوس أولاده الحب والخير والتسامح مثلما زرع فسائل النخل في تربة بستانه وعلمهم كيف يورقوا وأن ينموا مثل الأشجار بعطاءها وشموخها التي تتحدى فؤوس الحطابين وتجار الاخشاب وأوصاهم بالتبرك باشجار السدر المقدسة وأن يسكبوا ماء الورد حول جذوع الأشجار بعد سقيهم إياها بالماءِ.
وذات ليلة حين شعر الأب بقرب رحيله من البستان ومن أولاده ، أخذ يرتل بأخر وصاياه الى صغاره وهو على فراش المرض - "يا أولادي وصيتي اليكم أن تعتنوا بأشجار السدر والنخيل فهي ستكون معيلكم وأبيكم من بعدي إنها رزقكم فلا تفرطوا بأشجار الخير وكونوا دائماً أبناء الشجرة فهي وطنكم وكرامتكم.
نظر الأب الى وجوه أيتامه الثلاث ثم أشار بيده نحو نخلة الطيب وحشرج بأخر أنفاسه وتمتم : وداعاً يا صغاري!!
تقرب الرحال من أعذاق نخلة الطيب المباركة المتدلية أرطابها بعد أن فَزّت "زرازير" البستان التي كانت تنقر بحبات التمر وطارت نحو شجرة النبق. فمد الرحال كفه وقطع عنقوداً متدلياً من عرجون النخلة كان يتدلى منه رطب الشويثي الذي أينع في شهر آب اللّهاب والذي يسمى بشهر "طباخات الرطب" في موسم خصوبة تموز وعشتار.
إستمع الرحال كصوفيّ هام به الوجد والتوحد الى غناء البلابل في حضرة بستان مرزوق وهي ترتل:
كل الانبياء كانوا ذكورا
إلاَّ النخلة وحدها هي نبيّ أنثى
ومن دون الأشجار للنخلة قلباً أبيضا ناصعاً "الجمار"
وليس لكل الأشجار رموشاً تتكحل بالشفق الأخضر
وتتماوج متراقصةً على أنغام غناء البلابل
إلاَّ النخلة
عاشقةٌ تتباهى بزينتها
في الربيع الأول تتغاوى بعقدٍ أخضر
وفي الصيف تلبس قلادةٍ صفراء
فتتدلى من عراجينها الارطاب فوق جيدها المغناج الطويل
باسقةٌ ووديعةٌ تعانق سماوات الطفولة الأولى منذ الأزل
بسعفها الناعس في حضرة ِ شط العرب
ظفائرٌ عاشقةٌ هائمة
تدون خلسة أولى أبجديات العشق السريّ مراهقة تتحسس أنوثتها فوق السطح الطيني
وتسرق أولَ قبلةٍ من فمّ القمر الوحشي
"تراتيل الاحتضار"
ابتسمت النخلة بوجعٍ خفيّ
ونزفت حليباً
لأطفالها النزقين وهم يقضمون الجمّار ويمتصون رحيق القلب
في أزقة المدن والبساتين
لكنها شمخت بكبرياء الفارس
حين إشتدت عليها فوؤس المغول
أو حين لوثت بساطيل الغزاة نقاء دروب الجمار
"قباب الله "
عباءات خضر تتماوج في فضاء الفيروز
زخارف ووشوم
ترسمها حمائم تطير فوق نخيل البصرة
الأبقار تسير نحو معابد الخصب والنخيل
والابل تحدوّا من بوابات الصحراء أيضاً نحو آلهة الضفائر الخضراء.
"يتبع"



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحّال/ الجزء العاشر
- مكابدات الرحّال / الجزء التاسع
- مكابدات الرحال/ الفصل الثامن
- مكابدات الرحّال ظ
- مكابدات الرحّال/ الجزء السابع
- مكابدات الرحّال / الجزء السادس
- مكابدات الرحّال - الجزء الخامس
- مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع
- مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث
- مكابدات الرحّال
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري
- أرصفة الرسام وخيالات العاشق
- حوار مع ماركو
- المهرج والشاعر


المزيد.....




- يحقق في اليوم الأول 5 مليون ريال سعودي .. فيلم إسعاف يتقدم ف ...
- ينطلق 8 مايو المقبل.. 522 دار نشر من 43 دولة تشارك بمعرض الد ...
- العبث واللامعقول في حرب السودان.. المسرح يمرض لكنه لا يموت
- مصر.. توقف قلب فنان مشهور 4 دقائق وتدهور حالته الصحية
- ملابس تحمل بطاقات مكتوبة باللغة العبرية تثير جدلا واسعا في ل ...
- كتاب جديد يستكشف عالم الفنانة سيمون فتال
- ثبت تردد قناة الفجر الجزائرية الجديد 2025 وتابع مسلسل صلاح ا ...
- -مذكرات سجينة-.. مسلسل تلفزيوني عن سجينة روسية في الولايات ا ...
- الطائرات في الأفلام.. هل هي سبب فوبيا الطيران؟
- مهرجان كان السينمائي: لجنة تحكيم دولية برئاسة جولييت بينوش و ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر