|
التخيل لن يُعيد مانفقدهُ
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1591 - 2006 / 6 / 24 - 11:38
المحور:
الادب والفن
الأشياء الباقية من مجد طفولتي لست سوى خيالات وصور وعلي أن أدرك فيها رؤية ما قد كان . لتفسير كلمة كينونة علينا أن نجد مطلقا نفلت منه لحظة الإحساس باليأس مما قد يكون بعد أن عرفنا وعشنا وخبرنا ما قد كان. الماضي هو الظل الذي خلفك وحين تلتفت أليه تتيه في تأففات التحسر. الوردة تتذكر أول الربيع . المرأة خديها الناعمين. والرجل فحولته العاصفة . غير أن الذي يعيد الراحة إلى الذاكرة تلك القناعة المصنوعة في الرأس من أن الحياة تمضي هكذا وعلينا أن نركن إلى قناعة إننا سنكون قانعون ونحن نغمض أجفاننا بهدوء لنخلي المكان إلى ظل آخر.هو من صلبنا حتما ونتاج ليلة صدحت فيها الموسيقى بهدوء الوسائد. أدرك في طفولتي ما قد كان وليته يأتي . ولكن الأمنيات لاتنتصر على الزمن بالرجوع إلى الوراء بل تهزمه في التقدم إلى الأمام حين تصر عبر الكفاح على تحقيق ماتتمناه . أما أن تعود فليس هناك ممكنا سوى بأطياف التخيل وهذه لاتفعل شيئا وربما تضيف إليك متعة الحزن . نغادر طفولتنا لأننا نريد ذلك . ويدفعنا الخبز والرز ومرور الأيام إلى أن ننمو فيصبح لدينا حقلا آخرا نزرع فيه ما نرثه من طفولة الأمس. إنها تغادرك حين تشعر أنك بدأت تلوح برغبتك بإمساك غيمة وتتركك وأنت تحاول .تمسكها أو لاتمسكها هذا لايعني شيئا لها لقد ذهبت لتعود إليك دمعة خلف النعش أو طعم قطعة حلوى في شيخوختك المدثرة بالسعال والانزعاج من البرد وقلة النظر والسماع . يدرك الحسي في الباطن الإنساني ماتعنيه مرور الأزمنة ولكنه يحاول أن يتحاشى الوقوف عندها طويلا . تفسر الصوفية ذلك : بان الوصول إليه مشقه لتنال منه مجدا لأزلك المدثر ببردة العجالة ، لهذا إنساه وألهو بوجه خل أو قصيدة . وهل ينفع ذلك ؟ جربت الأمر في مثاقفة مع امرأة تعرف إن مافي الكتب يديم جمال الروح قبل جمال المبسم . وكانت رؤى الحوار تسيطر عليها فتنة أن نستعيد ما كان في حصيلة حلم مفترض إننا عدنا أطفالاً. ــ أخبرك بشيء اكتشفته صدفة في رواية لسانت اكزوبيري تدعى الأمير الصغير (( إن الزمن لايذهب بالأخيلة التي نريدها . بل يدعنا نفترض
الوصول .هو يتركنا في تقادم الجسد والتفكير وليذهب ليديم دورة وجوده في نطفة أخرى. ملخص الكلام : حتى في كوكب مفترض لانجد ما نحصل عليه في آمالنا الأرضية . ــ أنا أنثى وأستعيد طفولتي بشيء من لذة من يحقق لي شعوري كأمراة خلقها الله مع المكمل الذكوري ، ورغم هذا أرى في طفولتي فتنة لأنوثتي الأولى ، إنها ياسيدي شيء من خيال حلو استعيد به ما كنت املك وليته يدوم . قلت : ديمومة التخيل لن تعيد مانفقده ، ولكننا عندما نجني الحسرات نستطيع أن نفعل شيئا عن طريق الكتابة . ــ الكتابة لاتفعل للمرأة ما يجعلها تعود ، الرجل قد يستقر إليها كقناعة إنها نوع من التعويض عن أزمنة ذهبت ولن تعود ، لكن المرأة التي تتذكر جمالها الغائب ليس لها سوى أن تحزن . ــ الذكور في حال كهذا ينقلون ذلك الحزن ليصنعوا منه ديمومة لروح الوجود . وربما الفلسفة وبقية مذاهب الكلام ولدت من هكذا هاجس ( أن ترى أنثى تتحسر بشغف حواء لما ضاع منها ويصنعون منه نص الكلام .وبالكلام تدام الحياة وتخلد النفس إلى قناعة أن يوما ما سوف يأتي ولابد فيه من مغادرة لما أنت فيه ( البيت ، مكان العمل ، المدينة ، السرير ، صدر الحبية ) أمكنة نغادرها إلى أبدية نتخيل فيها عالمين ( الفردوس والجحيم ) ويقال إن الفردوس طفولة دائمة ، والجحيم شيخوخة العذاب . ــ كل أمراة لاتريد أن تضع هذا المشهد أمامها ، على الأقل في لحظة انتشاء الحياة في جسدها ، ( أقصد الصبا والشباب ) ولكني أشعر إن المرأة عندما تكبر تظل ساهية بنوع من الشرود والغضب إزاء ما حل بفتنتها ، وربما تجربة الحياة وما قدمت لبيتها ولأبنائها يجعلها هادئة لتستقبل بفتور وقناعة تلك المغادرة . أنا اشعر إن لحظة التفكير بساعة أن تذهب بعيدا عن عطر الوسائد أو المطابخ هو اقرب لهاجس الخوف عند المرأة للرجل. لان المرأة ترى في الحياة ماتراه في المرأة ، رغم أن هكذا هاجس يقل فتوره بمرور الزمن ، غير إني في الوعي والثقافة أحس إن الجمال ليس أن تكون أمام المرأة وتتخيل عواطف نرسيس وهو يرى اشراقات مايملك ، إنما هو العطاء الذي يتجمع في آنية العمر وترى المواليد الجدد يطعمون أرواحهم من رغيفه . ــ ليت هكذا رؤى تعمم مشاعرها عند كل النساء فيكون عودة التخيل الطفولي هو عودة لابتسامة كنا صغارا وليت الصغر يظل مرسوما في المرأة ليذكرنا ببهجة ما كنا فيه .وما نكون عليه ألان . ابتسمت . تحرك بين شفتيها نسيم اخضر من أنوثةٍ لذيذة. فتخليت ما اعتقده لحظة شعور بأني امتلك القناعة إنني حتى في شيخوختي سأشتهيها كما أنا الآن . قرأت ما تخيلته وسط عيني. أومأت بجفنيها بحركة رقيقة ، فكنت اقرأ في الأجفان سعادة أن تحس المرأة إنها لرجل وإنها تعود إلى الصبا والطفولة وهي بين أحضانه ( زوجا ، حبيبا ) أي كان شكل المواددة . المهم إننا نرى آدم وحواء في وضعهما الأزلي يتناغمان برؤى الحياة ويفكران مشتركين بلحظة قادمة تشعل نار السعادة في جوفيهما. في هكذا حوار يكتشف المرء أن أزمنته تقترن برؤى مفترضة لما قد كان ، أي إننا في تفسيرنا لأزمنة كانت ومضت نضع التصورات الخاصة ، والثابت فقط ، إننا نحاول أن نجد المبرر الكافي لنعيش الباقي من عمرنا . ففي قول محاورتي، بعض نرجسية ما نتخيله إننا قد نخلد ونبقى ، لكن هذا لن يكون ، لهذا نراها في آخر الأمر تراجعت والتصقت بأزل أمومتها كهاجس لإحياء ما قد كان وفقد الآن . أرى في المرأة أنموذجا لقلق العبارة لهذا قلما تجد هناك امرأة فيلسوفه رغم أنهن صانعات للفلاسفة وان فرط الحب الذي يورثهن لطفولة الفلاسفة يجعلهم يعودون إلى تلك الحكمة ويستقون منها مبررات صناعة الحلم. في فترة ما ، قرأت كثيرا مؤلفات الوجودية الرائية ( سيمون دي بوفار ) .كنت في قراني لمبادئها المتشكلة في الهم الوجودي رؤية امرأة تفهم جيدا مايردده الزمن ما . لقد كانت ترى في الوجود عدم يتلاشى وليس تخيل الطفولة مثلا سوى سراب لنشوة العقل. أمسك مفردة ( نشوة العقل ) أقلبها بين أصابعي كمن يقلب نهد دمية طين باكية في ذكريات طفولة الفقر ، أجدها مشعة بحسية لاتنتهي من تصوف الروح وهي تضع خيارات البحث عن متعة ما نريد من نشوة عقولنا لامن نشوة الكؤوس ، وأفترض إن الطفولة بعضا من تلك النشوة واستعادتها بخيال أو بتقليب صفحات البوم وتأمل ما أسسته الكاميرا من أزمنة على الورق إنما هي عودة ظافرة إلى مانتمناه يعود .ولكن في المحصلة : لاعودة لما كان . بين نشوة العقل وقسوة الموجود الذي يحتفي فوق راسك بأصوات الدبابات ومصروف البيت والقهر الاجتماعي والسياسي وألم الفقر ولحظة انتظار من تريدها . تمشي الحياة بعكازين أو من دونهما .وعليك أن توفر لروحك وعقلك قناعة ما أنت فيه وتفكر كيف تذهب إلى الأمام بأقل الخسائر ، وتمني ما كان ليكون سيبقى هاجسا مشروعا رغم انه لن يتحقق ، لان الأسنان اللبنية لن تعود إلى الفم مرة أخرى إلا بعد أسبوع أو اقل من آخر شهيق لك في الحياة .
أور السومرية 21 حزيران 2006
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحمرُ شفاهْ .. أنوثةٌ وشهوةٌ وتروتسكي
-
خدك أمم متحدة ..وجفنكِ مشكلة !
-
والكهرباء مفقودة ... عريانة وتتمنى أوربا
-
المندائيونَ .. قلقٌ وأزلٌ رافدينيٌ عَريقْ
-
سقراط وغبار أجفانكِ
-
وزارة التربية..وحلم مدرسة في قضاء الجبايش
-
موسم الهجرة إلى الموت
-
حفلة تخرج تركية..حفلة تخرج عراقية
-
دهشة ولها قدمين
-
أغنية شعبية لأنوثة القطة البيضاء .
-
إيروتيكيا لليلة في المطار...
-
موسيقى مندائية. الماء كيتار،والسمكة كونترباص..وأنتِ لحظة الإ
...
-
ثوب، به عطر. وعطر، به قبلة، وقبلة ، بها سعادة مفلس
-
جفن الوردة أجمل مظلة مطر ، ودمعة أمي مآذنه
-
الجنوب والشعراء ونساء خلق الله أجسادهن من الكعك
-
حوار مع التشكيلية والكاتبة العراقية أمل بورتر
-
في عينيك المندائيتين ..عطر برتقالة وقميص نوم سلمى الحايك
-
عشتار ..فقط . أو لنسمي القصيدة قلب سهام
-
كمال سبتي .. موت نقار الكلمات السومري
-
الطين ..ذاكرة النهر والملك ودمعة الشاعر
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|