حيدر ابو حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 1591 - 2006 / 6 / 24 - 11:38
المحور:
الادب والفن
الإهداء ألي الأديبة المبدعة منال الشيخ....
.كنت ومنذ زمن لا أعير اهتماما للنطق أو الصراخ ,اقف مذهولا تحت أعمدة النيونات أو في زوايا البارات الثقيلة , تراني اقضي الوقت متحدثا مع بائعات الحب عن سوناتات الاقتصاد وفلسفة الجنس ومفهوم افرويد للنار والألوان.فجأة تطايرت قصاصة لصحيفة منسية من شباك معزول أو صندوق قمامة أو مجلة لا اعلم ,كل الذي اعرفه أنني انحنيت برفق عليها ودسستها في جيبي المبتلى بالخيبات. وبما إننا ملمومين وسط بقايا أسمال بالية رطبة , هي كل ما نملك في زمن ما عاد يمنحنا هوية عليها طابع مختوم أو يقايضنا حتى بالبرسيم , فقد كانت هذه القصاصة الورقية هي بداية الخروج عن المالوف , إنها بلسم لدمامل قديمة ......
انخساف ذاكرة رملية للكاتبة منال الشيخ .هكذا كان العنوان , أعاد لي اهتزازات غير مسبوقة في حبالي الصوتية....
, في ليل كوبهايجن الفوضوي ليست ثمة فسحة للقراءة أو حتى تصفح جريدة .موسيقى البوب ورقصات أمريكا اللاتينية تبعث بالجسد حمية النسيان وتفريغ الذاكرة من وجعها الأزلي , كنت ارقص بنشوة المتمرد الذي لا يحتكم ألي قانون . معطفي الأسود الطويل بأذياله الرطبة يتطاير مع حركاتي الطفولية ليس هناك أي صلة بين حركاتي الراقصة وموسيقى السامبا بل مجرد تعبير عن نشوة فرح لحزن غير معلن . تفحصت جيوب معطفي ولامست الورقة المنسية .وقعت تحت شعور غريب بان أتوقف عن الرقص والانزواء وحيدا خارج الصخب الجميل كما لو أنى عثرت على ورقة يانصيب......
تعالي لنبكي سوية ولنتساقط قطرات دموع
على ثرى الغرباء
هذا وجع يخرس في كل التباري بالصراخ ويجعلني العن الطقس اللاتيني وارفع رايات الشرق المقهورة منذ السبي الأول
حاولت منال الشيخ أن تدعوا العالم بآسره للبكاء على العالم.. فهي تحنو بالدمع ليس على منفاها فحسب بل على الغرباء...
حينما نسترجع ذاكرة المدن التي شاخت أو على حافة الانقراض , نرى أن مدن أخرى تصحو على آذان القهر والتأويل ,مدن أخرى اكثر تصحرا بفعل اخوتنا الأعداء وبقدرة الكيمياء ..مدن... خضراء كضفدعة ومغبرة كمقبرة , هي مدينتي يسكنها ألان من لا أحلام لهم سوى الهدم , صار الهدم ديدن المعممين والمطربشين.. وحدهم الشعراء الذين يعششون فيها ولا يشيخون.
ننفض تراب الغربة عن أحلامنا ونختلف مع الساعة الرملية
ونلغي وفائها لنا طوال عشرات السنين عرفنا فيها طعم اللون الأحمر
لا يشبه أي طعم ..
سرقت منا الريح رحيق أحلامنا وحطت بها فوق اديرة لا يقطنها إلا الزرازير وذباب الخيل .. ولقالقنا البيضاء
غادرت السدر والنخل أمس وقف السياح يصورونها فوق منائر غر ناطة
في منفانا نشعر أن المدن هي التي غادرتنا .. لم يعد لنا أي شعور بالمتعة والمطر, لان الطفولة التي نختفي وراءها منحتنا ساقا إضافية, والنساء الجميلات اختفت عيونهن وراء نظارات مظللة, وسائقي التاكسي لا يقفون لنا بسبب سحنتنا وعبثيتنا..
أمس شاهدت الصبية الذين يبيعون طائراتهم الورقية بإلحاح في نهاية السوق يتظللون بحاوية القمامة.
كانوا متعبين.. ما عاد يهمهم إذا كان النهار طويلا أم قصير, والأعياد ما عادت تغريهم, فسيان أن قالوا لهم ستأتي الأفراح أو تلغى.
استطاعت هذه القصاصة التي عثرت عليها في معطفي واسم صاحبتها الجليلة أن تلغي في داخلي فكرة الترنح مع الموسيقى
وكذلك التوقف الموقت عن الرقص . حيث تداخلت في رأسي الصغير بل ازدحمت عشرات الأفكار الغريبة المتمردة...
لم يعد للشعر مكان في زمن باتت حدقات الأعين
تغمض على حلم الكتروني ويستيقظ
على شفرة حياة بديلة ..
اجل لم يعد هناك جدوى من كل شي في ظل فلسفة التسقيط .. ماذا لو أكون حصانا مغدورا يحاول أن يستعيد شخصيته الفذة في كتب الأدب وعصر الفرسان...انه عالم متفسخ سيدتي وهش كالرمل تماما فلابد من أن نعيد للحصان رمزيته الفيزيائية وليس البدوية المقيتة التي تجعلها هيبة لمالكيها ..
أذن علي اجري ألان نحو الشرق.. اجري وراء المعنى كمثلث يبحث عن ضلع رابع ليستريح وبعدها يعد العدة لمنال الدائرة
والتقرب من المجرات......
.
أوقفوا هذا الحصان ؟
اتقي الله يا سيد ..هذا ليس حصان هذا منجنيق
صهلت متحديا كل الأصوات وعربات الخس المبلول وتجار المولدات الكهربائية والسراق ورجال الشرطة...
استقرت حوافري وسط السوق تماما وعيناي استقرتا على مكتبة المدينة الضالة.. لاشي يمنعني من أبادتها بحافري وأسناني.. أغرتني واجهات الكتب بالانتقام سألتهمها كلها وليطلقوا كل رصاص العالم في صدري
ضربت سنابكي على الرصيف استعدادا للانطلاق وسحبت شهيقا جبارا كاد يسلب مني هدفي الحيواني ويجعلني متراخيا
-ديخ .ديخ ....ديخ
وركضت بعنفوان وصهلت بكبرياء ونظري شامخا كمجرة. انها مكتبة المدينة المملوءة بكل قمامات السحر والشعوذة والأبراج ومجلدات شيوخ المتعة والرق والاستمناء التي احتلت الواجهة الزجاجية بأغلفتها المزخرفة
وطباعتها الحكومية. اعترف أن عيناي زاغت على كتب الأدب والشعر لكي أبعثرها هي الأخرى شعرت بالقيء وأنا اجري
صوب المسخ الإنساني..
.. حرفت جسمي باتجاه زاوية اليمين لكي تكون عبثيتي الأولى.....انهم سبب التأخر وانحطاط القيم هم سبب منفانا وضياعنا في مدن لم تحنو علينا إلا بالسكر المقدس تعالت الزغاريد من المرأة التي تفترش الرصيف وتبيع الأدوية المهربة حينما مررت هائجا من أمامها.... سماسرة السوق قذفوني بقشور الرقي وعلب الكولا الفارغة انقلبت عربة بائع عطور وسط الشارع زادت من قرفي وحمية هجومي المباغت حتى الكلاب السائبة لا تجرا على إيقافي..هرب الباعة من دكاكينهم وعرباتهم كان بإمكاني أن انتقي من سلال التفاح والخبز والخضر ما أشاء لكن المكتبة ومؤلفاتها المقرفة أغرتني
لابد من التهام أطنان الأوراق والأغلفة الجلدية الفاخرة . وعلى مقربة منها أحسست بلزوجة في رقبتي ثمة رصاصة تشضت هناك
هل رأيت طيراً يحلق بدون جناح ..
نحن نفعل .. نحلق بنقرة زر ، لممت في حياتك أسمالا ملؤها دمٌ وتراب وروح مهملة ..
نحن نحمل على ظهورنا دهراً من الأوزار ..
ليتك لم تناظرني في الحياة لاشيء يغلب عين رأت ..
لاسيدتي ..أبدا .. لقد صنعوا من أسمالنا الثورات والانقلابات وحنوا جدرانهم بدمائنا نحن المغدورين, وصارت مجلد اتهم ترسم لنا الصراط الامستقيم وتوعدنا بجنة لا يقطنها ألا الغلمان ... انا نبحث عن خلودنا في الشعر والجمال فجنتهم يسبح فيها طائر الحب الذبيح..وعرائض الإدانة للصراع الطبقي ومجالس المهادنات والربح من تجارة الرقيق..
صدقيني أن حصان آخر سيغير معادلة العالم ولكن يجب أن يكون حصانا جبارا يصرخ بالكلمات أي ينطق بجماليات الكون
لا أن يهشم مثلي .. انني وقعت تحت تأثير السكر والانخساف تحت قناطرك الرملية وذاكرتها التي حركت في كل هذا الجنون
الحصاني...................................
#حيدر_ابو_حيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟