نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 1590 - 2006 / 6 / 23 - 11:04
المحور:
الادب والفن
موضوع الحداثة يشغل بال المثقفبن والمفكرين في العالم العربي منذ فترة طويلة , وحتى الان لم يتفق بعد على تعريف دقيق لهذا المفهوم الذي فرض نفسه على مجتمع شبه قبلي , او قبلي تماما .. تسيطر عليه الماضويه , ويبدو الحديث عن الحلم الذي يراود المثقفين العرب , للتخلص من الماضوية التي تعيق انطلاقة المجتمعات العربية نحو آفاق حضارية جديدة , بل ونشهد في الاونة الاخيرة ,
ازدياد الالتحام بين تيارات دينية والارهاب , وما يشغل العالم العربي ليس العمران انما الحد من التطرف...
بعض المثقفين العرب اعطوا تفسيرات سطحية ويمكن القول شكلية لمفهوم
الحداثة , بالقول مثلا انها " الاختزال والشفافية " , اي يقرنون مفاهيم بالادب
بالادب , دون التطرق لجذور الحداثة تاريخيا .. لفهم القاعدة التي نشأت
عليها
ها التعريف وغيره من التعاريف المشابهه , لا ياخذ في الاعتبار جوهر
الحداثة , الحداثة في الادب والفكر والحياة , ليست وليدة ظاهرة شكلية , انما نتيجة
عملية لتغيرات وتطورات شملت العلوم والثقافة , المجتمع البشري , بحيث احدثت نقلة
نوعية غيرت كل الافكار والمفاهيم الفرعية البالية , افكار القرون الوسطى , وطرحت
مكانها افكار وموازين تعتمد على العقل والمنطق والعلم والمعرفة ...
لا يمكن
الحديث عن الحداثة بمنظار قديم وبمواقف تجتر الماضي , لا يمكن " اتهام " مقطوعة
ادبية بالحداثة لانها مكتوبة بلغة لا شي واضح فيها الا حروف الابجدية , وجعل الحداثة
محصورة في الادب ... هذا جهل فاضح .
الذي يحدث هو خلط مضحك بين المفاهيم
والاصطلاحات التي لم تنشأ اصلا في الفكر العربي , وبالتالي , ظاهرة الحداثة لم تخترق المجتمعات العربية , التي ظلت على جهل مريع بمفاهيم الحداثة التي تقودنا جذورها التاريخية الى عصر التنوير الاوروبي , الذي بدأ قبل 300 - 400 سنة , الزمن الذي يفصلنا عن مفاهيم التنوير والحداثة ... شئنا ذلك أم ابينا وهو
ما زلنا في العالم العربي نتحدث عن اصلاح برامج التعليم وهي برامج متخلفة
بكل المقايسس
في العلوم والرياضيات والمهن , يكفي ان اذكر ان ثلثي الحاصلين على شهادة
الدكتوراة
في العربية السعودية موضوعهم هو الفكر الاسلامي , والثلث الاخير لكل العلوم والمواضيع الاخرى
لدرجة ان وزير المعارف السعودي اشتكى من ظاهرة تخريج ملايين
شيوخ الدين , وبينما الدولة تحتاج الى تكنوقراطيين وباحثين وعلماء في مختلف
العلوم والابحاث , وتضطر الى استيراد خبراء اجانب وتدفع لهم مبالغ طائلة بينما
البطالة بين
الشباب السعوديين مرتفعة جدا والتقديرات تقول انة يوجد مليون سعودي عاطلين عن العمل
كذلك نتحدث عن الاطلاع السياسي والدمقرطة , دون تحديد معنى واضح لهذا الاصطلاح,
الذي لم يتجاوز الثرثرة حولة , خاصة بظل سلطات عربية كاتمة للانفاس وللاصوات وللنظرات
فعن اي حداثة نثرثر ,ومجتمعاتنا العربية تفتقد لاول شروط الحداثة :
التنوير والديمقراطية , والتعددية الثقافية والدينية والسياسية
ان جزء من
الحداثة يتعلق بموضوع المصارحة والمكاشفة , فهل نستطيع ان نكون صريحين ومتقبلين للاخر , المختلف ؟
من الخطأ الظن ان الحداثة هي ظاهرة ادبية فقط
صحيح ان المفهوم المجازي العام للحداثة في العالم العربي , ظهرت في الشعر تحديدا
على يد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وغيرهم , ثم انتقلت لاشكال الادب
قصة ورواية , وايضا للفنون باشكالها المختلفة الاخرى من
ولكن الحداثة الحداثة بمفهومها
الاجتماعي والسياسي والديني ظلت مستبعدة , وغير قادرة على اختراق المجتمعات العربية
من هنا ما يطرح نقاشات حول الحداثة في الادب او " اتهام " ادباء بالحداثة .. فية , عدم فهم لجذور الحداثة وشموليتها
المحافظون المتعنتون يحاربون الحداثة
اي التغيرات الاجتماعية والثقافية بالتمسك ( كما يدعون ) بالاصالة والتراث والتقاليد
والسؤال هل تتناقض الحداثة مع الاحالة والتراث ؟
واليس التراث
واصالتة , هو نتاج حداثي في عصرة ؟ ويبد واضحا هنا ان رفض الحداثة وطرح . التراث مكانها هو طرح سياسي واجتماعي بالاساس
لكل عصر مميزاتة الاجتماعية
والحضارية , والحضارة لا تتوقف في مكان ما , مكتفية بما انجزتة , التوقف يعني التخلف عن الحضارات الاخرى , وهذا ما اصابنا في حضارتنا العربية بدء
هناك
قاعدة اساسية للحداثة , هي قدرتها على نقد ذاتها بعد كل مرحلة ,وتصويب الخطأ
ومواصلة الانطلاقة , والفكر الحداثي لا يطرح نفسة كفكر نهائي ثابت معصوم عن الخطأ .
مشكلتنا هو جهلنا , ورفضنا لمصادر الحداثة ( حركة التنوير الاوروبية بالاساس
) التي استفادت في وقتة من الفكر العربي
وقادت المجتمعات الاوروبية الى نقلة
نوعية في كل مجالات الحياة , والتقدم وهذا لم يحدث في شرقنا , لذلك يبدو لي الحديث
عن " الحداثة " ضربا من الفتح بالمندل ,ربما يصح القول "كسر الحواجز التقليدية"
وخاصة في الادب .
حقا ظهر مثقفين طلائعيين يروجون لفكر الحداثة ولفكر التنوير والاصلاح الشامل
لكن بين هذا والحداثة مرحله طويله وشاقة.
هل يمكن تحقيق الحداثة بدون حرية
اجتماعية وفكرية ؟
بدون مساواة وتعددية ثقافية ؟ هل يمكن تحقيق الحداثة بدون
دولة مؤسسات ورقابة واستقلال السلطات عن بعضها البعض ؟!
ما زلنا في الشرق
متخلفين 200 - 300 سنة على الاقل , عن عصر التنوير وكل صراخنا حول تراثنا وحضارتنا.
هو تموية للحقيقة وخداع للنفس , وما زلنا عالقون في التخلف.... والصورة تبدو
سوداوية , ولكن الصورة لم تكن اقل سوداوية مع بداية عصرالتنوير الاوروبي !!
نبيل عودة – كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
[email protected]
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟