كاظم الحناوي
الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 21 - 17:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كاظم الحناوي _ Kadhum Al Hanawi
الكهرباء كلمة تفجر في أعماقنا ألاف الذكريات وقصص المعاناة ، حينما نقف عالقين في بلادنا البعيدة أمام الدنو من يوم ننسى فيه مشكلة الكهرباء. عندما كنت في سبليت المدينة الكرواتية وبحرها الذي لا يشبه بحر بلجيكا أو ميناء المدينة التي اعيش فيها أنتويرب، تذكرت الكهرباء في العراق التي احرقتها حرب ايران ، وفتتها حصار امريكا ، إلا أن اصرار الحكومات العراقية لم يختلف في ان لا تشعل شمعة لتبديد دخان الظلام، او ان تجلب نسمة لحريق هذه الأيام ،من صيف العراق القائظ...
لكل مدينة قصة، لا يعرف حقيقتها سوى أهلها، رغم دمار الحرب الاهلية التي مزقت يوغسلافيا السابقة، لكن للمبادئ التي يحملها الناس بقايا متشبثة بجذور الأرض رفعت اصواتهم واعادوا بناء مدنهم المدمرة، ربما همساتهم في ليل الحرب الاهلية الحالك جددت أحلامهم التي انسجمت مع أمانيهم لبناء مدن اصبحت تساير العصر بكل معنى الكلمة.
حينما قرأت اسم سبليت المدينة الكرواتية لقضاء شهر تموز السنة الماضية عادت بي الذكريات الى العراق لأنها التي دفعتني الى حلم ان اغفو في طبيعة وتحت اشجارها بدون ان يقطع تيار الحياة في وطني . ستبقى اسماء كثيرة في وطني تحمل رموز والحكايات ترافق مسيرة العمر، بالأماكن كلها، ملامحها تتناقل كصور تسرد تاريخ نحن أبطاله لننقل لأطفالنا تفاصيل حياتنا كي يتحملوا حياة الغربة الممزوجة بالألم وإلى أسباب الرحيل الذي أرغمنا على مغادرة مدننا، رغم دموع اطفالنا التي تحاول التشبث بذكريات الوطن العالقة في أذهانهم.
بهذه التفاصيل التي احتوت تاريخ العراق منذ الحرب العراقية الايرانية الى اليوم سيخلد التاريخ اكثر الحكومات فشلا في تاريخ العالم لأنها لم تعطي لأطفالنا الحروف كي يكتبوا الامنيات بكراسات لصور تحتضن الحقل والجدول بل أبدلوها بالبندقية وصورة الاخر البشعة ليكرهوا الجمال، وترتعش أجسادهم حين يذكر اسم الاخر. فكيف لكل هذه الحروب أن تمسح من ذاكرة جيل لا يجيد سوى الترديد والاحتفال بكره الاخر ويحلم بإلغائه..
دعوني ارجع بكم الى سبليت المدينة الكرواتية فالعيون الجميلة تجعلك تفرح بالود ، لانها تخلصت من الحقد الذي لا يمكث إلا في الايدلوجيا القبيحة، فالحب وحده اعاد الى سبليت الروح لكي تعبث بالأوراق السوداء، وتسري نسمات التغيير كالدمِ لا يتوقف عن النبضِ ويعيد الحياة الى الاوردة التي لم تموت لكي تنبض من جديد.
هل سيعمل السبليت (اسم جهاز التبريد في العراق) في بيوت الفقراء لا ابدا مادام العقل يغفو بعيدا عن الواقع، ومادام من يرسم سياسة البلد فرشاة أعمى متقاطعة مع صوت الكون الواقعي لتخفي كل التفاصيل الجميلة.
اتمنى ان يكون الصيف رحيما بكم يا عراقيين لان الألم الذي يعتصر في داخلنا انعكاس للأحلام المقتولة والواقع المرّ... ربما اصبحتم لا تجيدون التأقلم مع الصيف لان المسؤولين غائبين في زمن قد انتهى.. وقصة الكهرباء والسبليت لا تموت حتى يتمزق بلدنا...
#كاظم_الحناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟