أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الكراهية بين السياسي والنفسي















المزيد.....

الكراهية بين السياسي والنفسي


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6596 - 2020 / 6 / 18 - 00:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتحول الكراهية إلى مشكلة سياسية حين تتجاوز مستوى العلاقات الفردية لتدخل مجال العلاقة بين الجماعات. يحتاج هذا التحول الخطير إلى فعلين متكاملين، الأول هو التنميط (أي توحيد الجماعة المكروهه على نمط واحد يستدعي الكره)، والثاني هو التسويق (نشر التنميط المراد بحيث يستحوز على وعي الجماعة الكارهة، أي توحيد الجماعة الكارهة على موقف الكراهية). يعني أن الكراهية بين الجماعات تحتاج إلى تنميط مزدوج، نمط كاره ونمط مكروه، وهذه آلية تذهب في الاتجاهين، فيصبح المكروه كارهاً أيضاً. المحصلة هي تصليب الحدود بين الجماعات المتعالقة (الموضوعة في إطار واحد من العلاقات)، كما هو حاصل في الوضع السوري على مستوى علاقات الطوائف والقوميات والمجموعات السياسية. لذلك نقول إن الكراهية هي عدو مباشر للاجتماع.
ولكي توضع آلية الكراهية المذكورة موضع الفعل، يحتاج الأمر إلى وضعية سياسية واجتماعية معينة (مأزومة دائماً)، وإلى نخبة أو نخب (ثقافية وسياسية وإعلامية) لديها الاستعداد والوسائل لكي تقوم بالدور. هذا يقول إن الكراهية، مثلها في ذلك مثل الطائفية التي هي إحدى تجلياتها، بضاعة تنتجها النخبة وتستهلكها العامة.
لكن يبقى السؤال المهم: لماذا تنشأ نخب الكراهية؟ لماذا تذهب السياسة إلى حقل مغاير (الحقل النفسي) لتستثمر فيه؟
جوابنا أن التأزم السياسي هو ما يفسر الارتدادات النفسية/السياسية التي تتجلى في الكراهيات. من اللافت مثلاً أن أزمة الشرعية السياسية التي يستبطنها النظام السوري الحالي منذ 1970، كانت وراء سعي النظام إلى استجرار الشرعية في الحقل النفسي للسوريين. من الأمثلة على ذلك، في زمن الأسد الأب، ترسيخ عبارة "الأب القائد"، التي تلبس الحقيقة السياسية المرة لباساً "عائلياً" مقبولاً. الحقيقة المقصودة هي أن أحداً لا يختار أباه ولا يستطيع تغييره أيضاً، وكذا الحال، إذن، مع "القائد"، الذي ينبغي أن يتسرب قبوله إلى نفوس السوريين، ببداهة قبول الأب، وينبغي الاستسلام لأبديته بالمقياس نفسه. السياسي يستعين بالنفسي هنا كي يحقق مبتغاه بالتحايل وبطريق ملتو.
ومن الأمثلة على ذهاب السياسة إلى المجال النفسي لاستجرار شرعية "مغشوشة"، في زمن الوريث، حملة "منحبك" التي تتجاوز كل منطق سياسي ممكن، لتصل إلى نتيجة ثابتة لا تحتاج إلى تفسير، تماماً كما أنه لا تفسير للحب. النتيجة المرادة هي إننا نريدك لأننا نحبك، (يعني لأننا في الواقع لا نملك حجة سياسية كافية تدعم القبول بك).
وبسبب عمق الشعور بانعدام الشرعية السياسية، مشت جماعة الوريث بعيداً في الاستثمار النفسي. حملة "منحبك" فيها إمعان في تحييد العقل السياسي وإمعان في تحويل الصراع السياسي إلى صراع بين الحب والكراهية. في حملة (منحبك) نقراً، إلى جوار تجاوز المنطق السياسي، رسالة "كراهية" موجهة إلى من يعترض على الوريث "المحبوب"، وهي رسالة تستجر، بالتأكيد، كراهية مقابلة، فيخرج الصراع من منطقه السياسي (العاقل والنسبي) إلى منطق نفسي مجنون وإطلاقي وجد تجلياته الواضحة في الوحشية التي ووجت بها المظاهرات ومحاولات الاعتصام في الثورة السورية 2011، وفي الموقف العدائي الذي اتخذه "المحبين" من المتظاهرين، والذي جعل الطبيب مستعداً لقتل متظاهر جريح.
إخفاق الثورة السورية في إسقاط نظام الأسد الذي ارتد على السوريين بعنف فظيع، وولد بذلك مآس واسعة، سمح بكسر الحدود بين النفسي والسياسي، وسهل على النخب "الثورية" إطلاق آليات الكراهية تجاه جماعات تحمل، حسب تصور هذه النخب، مسؤولية المآل الذي صارت إليه الثورة السورية. فبرزت على السطح كراهيتان الأولى (طائفية) موجهة ضد العلويين والثانية (قومية) ضد الكرد.
يجب القول إن نخب النظام كانت سباقة دائماً إلى تمهيد طرق الكراهية وتوفير عناصرها، بوصف ذلك إحدى آليات السيطرة. فالنخب "الثورية" لم تبتكر الكراهية ولكنها، تحت ضغط أزمتها، دخلت مع نخب النظام في المنطق نفسه، وساروا معاً على الطريق "السهل" نفسه. بدلاً من وعي الشروط التي تجعل فئة اجتماعية ما تتخذ موقفاً معيناً، تعمل نخب الكراهية على تحرير الموقف من الشروط المحددة، ورده إلى "طبيعة" ما في هذه الجماعة. على هذا، يصبح المسلمون السنة، بطبيعتهم، داعشيون بالقوة، ويصبح العلويون، بالغريزة، شبيحة بالقوة. كل خطاب ديموقراطي أو علماني يصدر عن مسلم سني إنما هو غلاف لنية "داعشية" خفية. وكل علوي يعارض نظام الأسد إنما هو "شبيح" متنكر. هذه هي "الثقافة" التي يحاول تكريسها العمل المشترك بين "الأعداء"، أي بين نخب النظام وبعض النخب "الثورية"، وهي بلا شك نتيجة ليست في صالح أحد سوى قوى الأمر الواقع.
نتيجة مشابهة تكرست في النظرة المتبادلة بين العرب والكرد، ولاسيما بعد أن توصل الكرد السوريون لأول مرة في تاريخهم إلى مستوى من التنظيم والسيطرة جعل منهم قادة لتحالف عسكري وسياسي مهم على الساحة. الفشل في توحيد العمل بين العرب والكرد ضد نظام الأسد، أفقد الثورة خزان طاقة هائل يمثله الكرد، هذا الخزان الذي وجد قنوات تصريفه وأثبت غناه في منحى "غير مشترك" غلبت عليه المحلية. المسار المذكور حرّض مشاعر عربية "كارهة" للكرد الذين، بدورهم، يحملون في نفوسهم مظالم مزمنة لم يقاسمهم العرب همومها.
من جانب آخر، يمكن تفسير الميل إلى إثارة الكراهية على أساس طائفي أو قومي، باعتقاد نخب الكراهية أنهم بإثارة مشاعر العداء والكراهية إنما يحشدون كتلة بشرية أكبر وأشد بأساً، لخدمة الهدف السياسي المراد. تعثر الحشد على أساس سياسي يدفع النخب إلى الحشد على أساس الهويات (قومية أو طائفية)، ذلك أن الحشد بناء على أسس هوياتية أشد فاعلية وأكثر ثباتاً من الحشد على أساس سياسي.
إذا كانت النخب (السياسية والإعلامية والثقافية) هي المسؤولة عن إثارة الكراهيات، فإن معالجتها تتوقف، إلى حد كبير، على هذه النخب أيضاً. الحال أن ما آلت إليه الثورة السورية كاف، لمن يتأمل، لإدراك المصير السيء الذي يقود إليه الحشد الهوياتي الذي يستجر إلى الصراع السياسي طاقة مغشوشة وتدميرية، ويتحمل قسطاً من المسؤولية عما آلت إليه حالنا اليوم في سورية.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا عن المظاهرات الأخيرة في السويداء؟
- حقوق الإنسان وحقوق السود
- بين الفيروس والفكرة
- في وصف حالنا
- نعومة مخلوف وبسطار الأسد
- هل يتراجع الدور الكردي في الجزيرة السورية؟
- تاريخنا وتاريخ الفيروس
- هل تؤسس الجائحة لدين جديد؟
- الحرب كفعل مستقبلي
- عن ذبح غير الابرياء
- عن المعارضين اليساريين لنظام حافظ الأسد
- انتصار الثورة المحطمة
- في الذكرى التاسعة للثورة السورية
- ادلب، هل يكون الشفاءمن جنس المرض
- اللقاء السوري الديموقراطي: ولادة جديد؟
- حين نتأمل في -صفقة القرن-
- حدود الاحتجاجات في مناطق سيطرة نظام الأسد
- الراية البيضاء
- تجاور الأزمنة في سورية
- أسئلة بخصوص مقتل قاسم سليماني


المزيد.....




- بوادر أزمة سياسية وقانونية تداهم -إخوان- الأردن بعد -خلية ال ...
- ولي العهد البريطاني يخطط لسحب لقب -صاحب وصاحبة السمو الملكي- ...
- استقرار حالة الرئيس الإيطالي بعد خضوعه لزراعة جهاز لتنظيم ضر ...
- الأردن.. إحالة قضايا استهدفت الأمن الوطني إلى المحكمة
- الرئيس الإيراني يقبل استقالة ظريف
- إيران ترفض التفاوض على حقها في تخصيب اليورانيوم
- وزير الدفاع الإسرائيلي: الجيش سيسمح بدخول المساعدات الإنساني ...
- إسرائيل تجدد رفضها السماح بدخول المساعدات إلى غزة -للضغط على ...
- قوات كييف هاجمت بنى الطاقة الروسية 6 مرات في آخر يومين من ات ...
- -أكسيوس-: فريق ترامب الأمني منقسم حول الملف النووي الإيراني ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الكراهية بين السياسي والنفسي