عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6595 - 2020 / 6 / 17 - 09:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلمتا الحرب والسلام كمفهومين متناقضين ومتنافرين من مفاهيم السياسة الدولية لا يلتقيان الا في أطار مفهوم أمريكا بحربها ضد ما تسميه هي الحرب على الارهاب ,الى أي مدى يمكن تصور اقرانهما مع بعضهما ليؤديا وظيفة واحدة؟ هذا السؤال الصعب الذي لا يمكن فهمه الا من خلال فهم تركيب وبنيوية السياسة الامريكية وصياغاتها البراغماتية, في محوريها المحلي والدولي وتأثير استشعار القوة والاستجابة لهذه التأثيرات تحت مسميات حماية نمط الحياة الامريكية وأسلوب العيش الامريكي الذي يعني في النهاية رؤية أن تنتج القوة أسلوب أمريكا الحياتي على العالم ومن ضمنها أن تصاغ وان يعاد تشكيل الروابط الاجتماعية والفكرية والعقائدية لمجتمعاتنا وفق النمط الامريكي القائم على الحرية المطلقة لقوى المصالح في فرض شروطها ومناهجها على المجتمع دون السماح لأي محدد أخر يعارض ذلك حتى لو كان مقومنا التاريخي الاعتقادي وهو الاسلام.
إن التسليم بهذه الحيثية ونتائجها دون الالتفات الى استحالة تنفيذها على أرض الواقع تؤشر النقاط التالية المستمدة من خصائص التجارب التاريخية ومن ذاتيات المقدمات الصياغية لها وافتراضات إمكانية التطبيق وحتمية فشلها وهي:
•_ان التاريخ السياسي قد سجل فشل نماذج مماثلة من قبل اختطت لنفسها خطوط فكرية مشابهة وانطلقت من نفس القواعد التي انطلقت منه الرؤية الامريكية في الصياغات والاهداف والوسائل وأقربها تجربة الاستعمار البريطاني للكثير من المجتمعات والدول ابتداءً من الهند الى مصر مرورا بالكثير من البلدان وقبل ذلك الاحتلال البريطاني لأمريكا نفسها, لاسيما اذا ما أضفنا لها سياسة فرنسا للمجتمعات العربية والافريقية والاسيوية أبان فترات الاستعمار الغربي لها وما ألت اليه هذه السياسة من صراع ادى بالنتيجة الى تحطم الإمبراطوريات الاستعمارية ومنها الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس حتى اضحت منحصرة في بلادها الذي لا تكاد تشرق فيها الشمس حتى تغيب.
•_إن المحرضات على المقاومة في زمن الاستعمار الاوربي الغربي للبلدان الناشئة لا زالت حاضرة وبقوة في أن تفعل دورها في محاربة النظام العالمي الجديد الذي صاغته هذه المرة المصالح الامريكية الاقتصادية وأيدولوجيتها القائمة على اختلاق الصراع ومع اتساع قوة تأثيرها من خلال نفس القوة التي يستعملها النظام العالمي الجديد وهو مناخ العولمة وحرية انتقال الاعلام والمعلومة والافكار عبر ما يسمى الفضاء المفتوح وتيسر وسائل الاتصال والوصول الى مصادر الوعي الجمعي والجماعي بما فيها الرأي العام العالمي.
•_اتساع المؤثر الشعبي العالمي من خلال منظمات المجتمع المدني وأثرها المباشر في صياغة مستقبلها بالسلاح الذي يطرحه النظام العالمي الجديد وهو الديمقراطية ونتائج الاحتكام الرسمي والمؤسساتي له في الكثير من البلدان وقد شهدت الكثير من المجتمعات رفض الكثير من مظاهر النظام العالمي تحت شعار الديمقراطية وفرض ارادة الشعوب بهذا السلاح كما حدث في أسبانيا وفرنسا واليابان وغيرها من الدول التي رفضت المشاركة بالغزو بل واسقاط رموزه في بلدانها كما حدث في أسبانيا لصالح التوجهات الاقل تحمسا لنظام العالمي الجديد وهذا سلاح أخر يمكن به المساعدة على مقاومة دعاة الصراع من أجل السلام المبني على قوة المصالح لا على مصلحة القوى في تثبيت السلام ,وهي نقطة جديرة بالاهتمام والتأمل.
•_إهمال النظام العالمي الجديد لمستحكمات التغير الطبيعي للمجتمعات وحصرها بالفرض المبني على القوى وتجنب النظر في موضوعية الدافع الشخصي الفاعل في إحداث التغير مما افشل في افتراض تطبيقات تكتيكات النظام العالمي بما فيها فرض الديمقراطية في مجتمعات تفتقد الى المؤسساتية المطلوبة لنجاح التجربة الديمقراطية والضغط باتجاه تكوين هذه المؤسسات الهشة والغير قادرة على اثبات وجوديتها والتصاقها بالمصالح الوطنية والقومية لشعوبها مما جعلها تعيش حالة الافتراق والضاد بين هذه المصالح ومتوجبات النظام العالمي الجديد فكانت هذه المؤسسات صورية غير فاعلة في قيادة المجتمع ورفضتها القوى الاجتماعية الحقيقية في بلدانها من خلال عدم الاعتراف بشرعيتها اصلا كما حدث في الانتخابات في افغانستان مرورا بالعراق.
ومصر النظام المشارك بجدية ومنغمس كليا في لعبة النظام الدولي الجديد عكس النموذج المقاوم الذي وجد تأييدا كاسحا له في حاضنته الطبيعية وبشهادة المراقبين الأوربيين والامريكان وعلى رأسهم الرئيس الامريكي الاسبق كارتر وأقصد بذلك الانتخابات الفلسطينية التي فازت بها حماس أو الانتخابات اللبنانية التي اكتسحت فيها المقاومة وقوى الممانعة المقاعد المخصصة لحاضنتها المفترضة بالرغم من التدخل الامريكي الفاضح بالضد منها.
•_لم يعد العالم محكوما بقوة القطب الواحد كما يتصور الكثيرين وخاصة بعد أنتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق بالرغم من تفرد أمريكا في صياغة العالم وفق شروطها وهذا مفهوم غير حقيقي وإن بدا للناظر كذلك ولكنه في حقيقته تشكل نظام دولي جديد في طور النشأة يكون فيه لمصالح الشعوب والامم الحية دورا هاما وحيويا ومؤثرا في تسير عجلة الحركة فيه مع نشوء قوى اقتصادية وعسكرية جديدة لها امكانيات التأثير في مفاصل عديدة من مفاصل السياسة الدولية منها الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا ودول مجموعة البريكس والنمور الاسيوية اضافة الى تكامل مؤسسات الاتحاد الاوربي الذي سوف تلعب دورا اقليميا ودوليا موثر مع الصين وروسيا في الحد من التوجهات الامريكية لمرحلة ما بعد مرحلة الامبريالية الجديدة.
•_ازدياد الفهم وتنامي الوعي بحقيقة الاسلام كونه دين تسامح ومحبة مع انكشاف الكثير من الحقائق التي بنت عليها السياسة الامريكية فرضيتها وسوقت تلك الفرضيات كمبرر للحرب منها مثلا ثبوت كذب الادعاءات بوجود أسلحة الدمار الشامل العراقية وارتباط نظام صدام حسين وعلاقته المفترضة مع القاعدة ووعي الشرائح الكثيرة بان السياسات الاسرائيلية والامريكية هي التي تشكل الخطر الاكبر على السلام العالمي وافتضاح دوافع الاحتلال الامريكي بشقيه الديني العنصري وما عبره عن الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن من ان حربه انما هي حرب صليبية جديدة وفي شقها السياسي من كون السيطرة على بترول الشرق الاوسط هو الهدف الحقيقي من وراء الغزو الامريكي للعراق .
وما يؤشر ذلك من التحكم باقتصاديات الدول الاوربية والاسيوية المشاركة أو الداعمة للغزو الامريكي لعراق وأفغانستان ,أثر ذلك في صياغة رأي عام دولي نحو عزل النظام الدولي الجديد والتنبيه من مخاطر ليس على نطاق منطقتنا بل وحتى على المجتمعات الاوربية التي تصنف فكريا ايدلوجيا مع امريكا وسياستها القائمة على الهيمنة والتسلط بما يعزز من قوى الممانعة والمقاومة للمشروع الامريكي وأفشاله.
•_إن المقاربة الجبرية بين السلام والصراع تكشف عن العنصرية المتأصلة في الفكر الامريكي الذي أختزن وكبت عنصريه تجاه السود الامريكان ليجد لها متنفسا جديدا قادر على تسويقه وتوجيهه بصياغات عصرية تنزع عنها غطاء العنصرية الظاهر ولكن المتفحص المدقق يجدها واضحة للعيان سواء بالوعي التأملي الفكري أو من خلال الممارسة السلوكية الحية وهذه العنصرية الفكرية الايدلوجية محكوم عليها الافتضاح والانكشاف طالما وضعت الاسلام كهدف للمواجهة والمقابلة الضدية مع المصالح وقوتها الايدلوجية .
وهذا يعني انكشاف مقولة صراع الحضارات لتتحول الى صراع ارادات من أجل الهيمنة وليس من أجل السلام وهذا ما يعطي للمجتمعات الاسلامية الدعم المادي والمعنوي من قوى السلام والمحبة في العالم بما في بعض القوى المسيحية العالمية التي تعمل من أجل السلام وشيوع قوة السلام مقابل قوة المصالح الاقتصادية وكارتلات المال والنفوذ الاقتصادي مما يعري النظام العالمي الجديد من الاخلاقيات التي نادى بها ويعمل تحت شعاراتها وهي الديمقراطية وحقوق الانسان.
إن شعار الصراع من أجل السلام أو الحرب العالمية ضد الارهاب لم تسجل أي نجاح يذكر يعزز مصداقية الشعار أو يثبت نظريته القائمة على خلق عالم جديد تتحكم في الديمقراطية وحقوق الانسان ليس بسبب قلة الامكانيات أو قلة الدعم المادي والمعنوي له وليس بسبب قوة الارهاب واشتدا عزيمته ولكن الفشل متعلق بجوهرية وذاتية هذا النظام الذي قام أساسا على الخداع والمراوغة والتنقل بين الاهداف بعد انكشاف الكثير من الشعارات العريضة التي رفعها ودعا اليها بعد أن هيأ الاسباب لها ووضع مساراته المسبقة بشريا وماديا وفكريا.
وستشهد الاحداث القادمة الكثير من الخداع ومن العزلة التي يلاقيها المشروع ما بعد الامبريالية المسمى النظام الجديد وخاصة بعد الحرب الاسرائيلية على لبان وغزة وفشل المشروع الامريكي في فروض شروطه وإملاءاته على قوى المقاومة من خلال القوة الإسرائيلية العسكرية وألتها الحربية الضخمة ومن خلفها السياسة الامريكية بشقيها الدبلوماسي والاعلامي والدعم اللوجستي المباشر للكيان الصهيوني ومده بأسباب النجاح الى أقصى حد .
فما انجلى غبار الصراع الا ليكشف حقيقة الشعارات الامريكية في الديمقراطية وحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير ويكشف هزيمة مدوية لمفهوم القوى وقدرتها على فرض شروطها أمام مقاومة حقيقية مرتبطة بواقعها وحاضنتها وتشهد انهزام ما يسمى بالفوضى الخلاقة لتحل محلها شعار التغيير وهو بحقيقته اعلان موت النظام العالمي الجديد وبخاصة إن شعار التغيير انطلق من أمريكا حاملة راية النظام العالمي الجديد.
إن الصراع الأيديولوجي القائم على هدفية المصالح وقوة هذه المصالح الطامعة في ثورات الشعوب لن ولم تصنع سلاما على مر التاريخ ولا في المستقبل لأنه يخالف الناموس التاريخي والحضاري الذي يقوم على مبدأ البقاء للأصلح حضاريا وللأصلح للسلام وإن فرضت القوة أحكام خاصة لكن هذه الاحكام سرعان ما تنهار أمام قوانين الحضارة ونواميس التاريخ ,وحتميته التي حسمت الصراعات لصالح الشعوب وقيم الحضارة السامية واعلنت تفكك هذه القوى الغاشمة التي دفعتها المصالح لهذه الفورة الانفعالية فارتدت على أصحابها بالضد ففككت تلك القوى وحشرته في زوايا الضعف والتمزق والنسيان وليسأل المحافظون الجدد في أمريكا اساتذتهم في جامعات العالم وخاصة في بريطانيا وفرنسا وأسبانيا واليابان عن مصير تلك القوى التي تقاسمت النفوذ على العالم من قبل وأين غابت شموسها وكفى بذلك درسا بليغا للداعين للنظام العالمي الجديد.
في مسعى لأحد الاخوة العرب وبالصدفة ومن دون مقدمات تعرف الي هذا الاخ العربي الذي يدرس في جامعة اوهايو مقترحا أن يكون هناك حوار جدي ومعمق بيني وبين أحد الباحثين الأمريكيين المهتمين بالشرق الاوسط وقضايا العالم الاسلامي تحديدا وهو على قول الاخ العربي يشعر ومن خلال اللقاءات التي جرت بينهما أن لديه الرغبة الفعلية للفهم وكذلك إيصال وجهة النظر الامريكية الى أوسع قاعدة عربية وإسلامية.
كما أن للسيد الباحث رؤية منصفة الى حد ما وينظر بموضوعية محترمة للكثير من الامور, علاوة على أنه أحد الساسة الأمريكيين المسؤولين عن وضع تصور عن علاقة الغرب وبالذات الامريكان مع العالم الاسلامي وفق مفهوم حوار الحضارات, تملكتني الرهبة والحيرة من عرض الاخ العربي لاسيما مع ما اختزنت من أساليب التعامل الرسمي مع المسؤولين والساسة العرب الذي يشعرني بالوجل والشك حيالهم وكذلك خوفي من التأثيرات السياسية والامنية من خلال الاتصال بالمسؤول الامريكي وعلى هذا المستوى.
خوف مزدوج ومشروع بالنسبة الي على الاقل, النقطة الثانية التي أثارت اهتمامي هو لماذا أنا بالذات دون غيري ممن يمتلكون الكثير من مفاتيح السياسة والاعلام والفكر على المستويين الرسمي والنخبوي وهذا ما لم اره متوفرا بأقل القليل عندي, أكد لي صديقي العربي أنه يتابع بعض الكتابات والبحوث المنشورة على مواقع الانترنت والتي وجدها صدفة في أحد مواقع المعرفة الفكرية فقرر الاتصال بي لأنه يرى وحسب زعمه أن هناك موضوعية وقدر من الحكمة فيما كتبت على حد زعمه وذكرني من باب التذكر كتابي المنشور اليكترونيا الذي أسميته أنا (الاختلاف بين قدرية الوقوع ووجوبيه الاتقاء) ورأى فيه العلمية في الجدال مع البساطة والعمق في الطرح وعقلانية الجدال والمحاجاة.
رأيت أن أعطي نفسي فسحة للتأمل والتفكير ,أستجاب الصديق على أن لا تتعدى المهلة بضعة أيام أو الاعتذار مبكرا وهذا ما كان مني فقد أبلغته في التالي عن استعدادي التام على أن تكون الترجمة لبعض الافكار والمصطلحات الغير مفهومة والتواصل عن طريقه فقط, وافق الجميع وبدأت الجلسة بتلقائية مبسطة وإن بدوت أنا حادا وشموليا في طرح الحوار الذي كان كما هو حرفيا دون تصورات سابقة ولا شروط وقد بدأت بالسؤال التالي,
_ لماذا هذا التباعد بيننا وبينكم في المقاربة الخاصة بفهم الاخر؟ وماذا تفهمون حقيقة عن ماهية التفكير العربي والاسلامي تجاه الاخر؟ أرجو أنت تكون الاجابة دقيقة بعيدة عن العموميات الاعلامية أو التبريرات الدبلوماسية وشكرا.
+ حسنا, لقد بدأت من حيث جوهر الافتراق ,ولكن يمكن أن أوضح لك شيئا, نحن نفهم ونقدر الشعور السائد في عالمكم العربي والاسلامي من الاحباط والقلق فيما يخص العلاقة مع الغرب عامة ومع مجتمعنا بصورة خاصة, وذلك لغياب الصورة الحقيقية عن حقيقة اننا نحترم العالم الاسلامي وخصوصياته ونقبل به كأخر يمكن التواصل والعمل معه ولكن الافكار الاصولية المتطرفة عند البعض في العالمين العربي والاسلامي الذين يشيعون مفهوم فكري متطرف هدفه الايحاء بان الغرب في حالة عداء مع الاسلام والعرب.
وهذا التطرف الديني والاصولي وما نتج عنه من ارهاب فكري وعلى مستوى الاعتداء على نمط حياتنا الذي يؤمن بالحرية والعدالة والمساوات والتسامح والايمان بحق التدين والاعتقاد وحرية الصحافة وضمان حقوق المرأة وغيرها قد انتهكت من قبل الارهابيين الأصوليين مما ولد سوء فهم عند الطرفين تجاه الاخر وبخاصة على المستوى الشعبي .
اما على المستوى الرسمي والنخب الحاكمة فالعمل متواصل لتقريب وجهات النظر واعتقد اننا نجحنا من خلال العمل المشترك بين الادارات الامريكية المتعاقبة وحكوماتكم على تجاوز الكثير من سوء الفهم, اعتقد اني اعطيت تصور شامل وليس عموميا .اليس كذلك؟.
_من كلامك أفهم أن العلة في هذا التباعد وجهل الاخر يكمن في الاصولية الاسلامية الارهابية, اليس كذلك؟.
+ليس تماما ,ما أردت أن أقوله ان الافعال الارهابية والجرائم التي ارتكبتها تنظيمات اصولية اسلامية هي السبب وراء هذا التوتر في العلاقات واعتقد أن على المجتمع العربي والاسلامي عليه أن ينبذ العنف والتعصب والاصولية المتزمتة لكي يستطيع أن يفهم حقيقة نظرتنا لمفهوم التعاون الدولي والعمل المشترك لبناء جسور الثقة وهذا لمصلحة العرب والمسلمين.
_المطلوب اذن عربيا واسلاميا أن يتخليا عن العنف والتعصب والارهاب كمفهوم وممارسة لكي يتمكن من قبول الاخر؟ أليس في هذا القول تجني علينا وكأننا مجموعة من المتطرفين الذين لاهم لهم سوى قتل وايذاء الاخرين؟ وهذه هي نفس الصورة التي يرسمها الاعلام الغربي عنا؟ أليس هذا تطرف ودعوة للكراهية؟ وأرجو أن يكون فهمي خاطئا لما أردت أن تقوله حقيقةً؟.
+حسنا لم أكن أقصد من كلامي أن العرب والمسلمون متطرفون ولكن هناك أفكار شيطانية عند بعض الاصوليين تدعو الى تدمير الاخر وبالذات النموذج الامريكي .سأعيط مثالا, عند قيام النظام الايراني عام 79 ظهر شعار يصف أمريكا بالشيطان الاكبر وهذا الطرح يستفز الأمريكيين الذين يرون في نمط حياتهم انهم أقرب الى الله والى الحرية من الخميني وهذا ما عمق الهوة بين العالمين الحر وبين العالم الاسلامي, حتى جاءت أحداث 11أيلول فأعط للأمريكيين برهان إن هناك في العالم الاسلامي من يرى أننا كشعب حر نؤمن بالديمقراطية وحقوق الانسان وحرية الاديان نواجه خطر حقيقي, واقول خطر حقيقي وقد يشاركنا الكثير من أصدقائنا في العالم هذا الشعور وهذا القلق بل وحتى أصدقائنا في منطقتكم لديهم نفس الاحساس, أضنك تتفق معي في هذا يا صديقي؟.
_لا اعتقد أني أتفق مع بالكثير وخاصة أنكم تتجاهلون التاريخ والحقائق وتنظرون للأمور من زاوية المصالح السياسية التي لا تعني الا أن ترى ما هو خطر على مصالحكم السياسية والاقتصادية دون محاولة فهم الاسباب, فانك تدعي أن الاصولية الاسلامية مسئولة عن هذا التوتر وعدم فهم الاخر وكأن الغرب مجموعة من الملائكة الذين يعيشون في الارض بسلام وأن الاصولية الاسلامية هي الشيطان بعينه ونسيت يا صديقي ما عانت الامتين العربية والاسلامية على مدى اكثر من خمسة قرون من الاستعمار والتدخل في الشؤون الداخلية لنا , كذلك نسيتم دور الغرب في صنع وايجاد الكيان الصهيوني في قلب عالمنا العربي واننا كعرب ومسلمين نرى في هذه الموضوعات وخاصة دعمكم المطلق لإسرائيل سبب حيوي وهام في عدم تحقيق السلام والحوار مع الاخر؟.
+جسنا ان مشكلة العالم الاسلامي عدم قدرته على التسامح والعيش في ماضيه, نعم كانت هناك فترات استعمارية أملتها ظروف سياسية عالمية في حينها وخاصة ما كان يواجهه العرب خصوصا من ظلم الاتراك العثمانيين فجاء التدخل الغربي وبالرغم مما سبب من الالام جاء لمصلحة تخليص العرب من حكامهم المستبدين مع تداخل ظروف دولية اخرى خارج ارادة الغرب ووفق سياقات الصراع فشلت بعض الجهود في مساعدة العرب على تجاوز مرحلة صعبة من حياتهم بظهور الشيوعية مرة والنازية مرة اخرى, نعم كانت هناك أخطاء العيش معها وتحسس آلامها لا ينفع علينا أن نتجاوزها جميعا, اما عن ما يخص الدعم لإسرائيل فنعتقد أن السعي لصنع سلام في الشرق الاوسط يضمن أمن اسرائيل في حدود معترف بها من الجميع واحترام القانون الدولي وضرورة التعايش مع هذا الواقع سوف يمنح للفلسطينيين حياة حرة ديمقراطية في دولة متعايشة مع اسرائيل جنبا الى جنب, اذن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ونبذ العنف والارهاب من قبل المجموعات المتطرفة مثل حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله هو الكفيل بتحقيق السلام والتسامح. نحن نرى ذلك بوضوح.
_نعود الى نفس الاتهام وكأنه اللعنة التي أصابتنا العنف والكراهية والارهاب العربي والاسلامي هم أسس المشكلة العالمية وليس الاستعمار والعدوان واحتلال بلادنا والاعتداء على مقدساتنا هي السبب وتطلبون منا التسامح وكان المطلوب من الضحية المسامحة وطلب العفو والمغفرة من الجاني؟ اليس هذا هو المطلوب منا.
+ ليس صحيحا, بعد احداث ايلول سبتمبر شرع الرئيس الامريكي بوش في ولايته الاولى بخطوات هامة جدا نحو التسامح مع المسلمين وقد زار بعض المساجد والتقى بزعماء الجالية الاسلامية لأننا نعتقد ان ليس للمسلمين ولا للعرب بأجمعهم علاقة بما حدث, نعم كانت القاعدة وراء ذلك, وهذا التسامح الامريكي مع فظاعة ما جرى لم يكن الا من ايماننا وفهمنا للإسلام كونه دين سلام وان أصل المشكلة في فكر من حول الاسلام من طقوس وعبادات بين الانسان والرب الى مفهوم الجهادية التي تعني قتل الاخر, هذا ما يحدث الان في الشرق الاوسط نفس الفهم والاسلوب فالانتحاري الذي يدخل الاسواق ويفجر نفسه ويقتل الابرياء في اسرائيل ويرى في نفسه شهيد هو نفسه الذي فجر مركز التجارة الدولية, هذا ليس الاسلام الذي نفهم ليس معنى الدين أن تقتل البريء بدون سبب إلا لكونه لا يؤمن بما تؤمن, نحن أعداء هذا الفهم وعليه اعلنت الحرب على الارهاب واعتقد ان الجميع في العالم متفقون على ضرورة محاربة الارهاب هذا ما نريد.
_ جيد وهل من باب التسامح احتلال بلدين مسلمين وتدميرهما وقتل الكثير من شعبيهما بتهمة اثبتت كل الوقائع القانونية والسياسية عدم صحتهما بل ان اكثر المجتمع الدولي كان ضد هذه الحرب؟ اليس هذا ارهابا باسم مكافحة الارهاب؟.
+حسنا. لم تكن حرب افغانستان والقضاء على القاعدة وحركة طالبان موجهة ضد الافغان بل ان بسط القانون والحرية وتطبيق الديمقراطية والشروع في بناء مجتمع عصري يؤمن بحقوق المرأة وحرية الصحافة وبناء مستقبل جيد للأفغان من مكاسب هذه الحملة الدولية ضد الارهاب لقد اصبح الافغان اليوم يتمتعون بحرية اوسع وبكرامة افضل من أيام حكم طالبان وقد جرت انتخابات حرة ونزيهة في النصف الثاني من هذا العام والجهود الاممية متواصلة لدعم النظام الديمقراطي هناك, لا يمكن لاحد أن ينكر ان طالبان كانت تعامل الافغان على أنهم عبيد في عصور ما قبل النهضة.
_ ما تقوله لبس صحيحا فالأفغان أنفسهم يعترفون بان الاحتلال الدولي بقيادة امريكا لم يحسن من أوضاعهم بل ان بعض الجوانب الحياتية قد ساءت وخاصة في مجال الامن فهم يتعرضون للهجمات والقتل من الطرفين وخاصة من قوات الناتو والقوات الامريكية التي تقتل العشرات من الابرياء وتدعي بانهم من مقاتلي طالبان ثم تشكل لجان تحقيقية ثم يعلن مسؤول امريكي اسفه عما حدث وتنتهي القصة والضحية قد ذهبت في مهب الريح كما تقولون؟ اليس هذا ما يحصل هناك ؟.
+لا ليس تماما انها حالات منعزلة وقد تحدث في كل الحروب ,قد تكون نتيجة اخطاء بشرية او تقنية وتعالج كل حالة حسب ظروفها والقادة العسكريون على الارض يتابعون ذلك عن كثب في محاولة تقليل الخسائر بين المدنيين.
_ولكن الشواهد لا تدل على انها حالات فردية بل تجري بالتكرار وبمدى واسع والاعلام يفضح هذه الحقائق كما حدث مثلا مع الغارة التي شنتها القوات الالمانية على صهريج وقود في قندوز وراح ضحيتها العشرات من الابرياء وتضاربت تصريحات الناتو عن المسؤولية لتنتهي النتيجة عن عدم مسؤولية القوات الالمانية وباليوم التالي يستقيل رئيس اركان القوات الالمانية بسبب تداعيات الغارة, هل هذه الحرية والديمقراطية التي جلبتموها للأفغان؟.
+حقيقة ان الاعلام العربي منه خاصة كثيرا ما يتلاعب بالحقائق من خلال اثارة المخاوف واختلاق الاعلام الذي يحرض على الكراهية وخاصة قناة الجزيرة الفضائية, هذا مهم جدا, عندما تكون منحاز الى جهة معينة لا تكون قادر عادة على نقل الصورة على حقيقتها وبحرية ,المهم في مجتمعاتنا ان الاعلام حر ينقل الحقيقة كما هي بدون انحياز, اما عن الغارة فالتحقيق الاولي اثبت خلو مسؤولية القوات الجوية الالمانية المشاركة في الايساف مما حدث .هذا يكفي لدي موعد مهم صباحا والساعة قاربت الواحدة صباحا اراك غدا عند الحادية عشر مساءا حسب توقيت نيويورك دي سي .انا مسرور لهذه المحاورة شكرا القاك على خير .
هنا انتهى الحوار ولملمت اوراقي وأنا اشعر بعدم الرضا من الاداء على الاقل بالنسبة لي فقد خرج نطاق الحوار من كونه حوار فكري الى شكل من أشكال الاداء الصحفي أو المقابلة الصحفية التي هدفها عرض وتسويق وجهة نظر دون أن تلامس او تتصل بما أردت وخططت أنا من أجل أن أوضح وجهة نظري بالمقابل, قررت أخيرا وبعد عدة قرأ لنصوص الحوار أن نضع أسس جديدة تتلاءم مع غاية الحوار وهدفه.
واكتشفت امرا في غاية الاهمية فيما يتصل بالأسلوب والوسائل التي يمكن من خلالها الحصول على المبتغى من مثل تلك المحاورات وفهمت لماذا نحن متخلفين في طرح وتسويق وجهات نظرنا بالرغم مما نملك من اوراق تكشف وتوضح لنا وللأخر ما نريد أو ما هو المطلوب وقد كنت أعيب كثيرا على وسائل الاعلام العربية في عجزها من إقناع المثقف الغربي فضلا عن السياسيين عن أطروحاتنا ولاحظت إن أساليب التفكير والطرح عندنا لا تتناسب مع ذهنية الاخر الغربي وكيفية صناعة الوعي عندنا وعند الغير .
إذن فلابد من المراجعة والانتقال بالأسلوب من الكشف والاستكشاف الى جوهرية مهمة الا وهي أن أكون ندا بلا وجل أو تردد في الكشف عن رؤيتنا ومحاولة ترويض الاسلوب لكي أبلغ الغاية من الحوار بعيدا عن التعميمات وطريقة سين وجيم بالرغم من أهمية الاستجواب والمكاشفة التي تؤدي في احيان كثيرة ال إظهار روح وجوهرية بعض المسائل ولكن من المؤكد في هذه الطريقة عجزها عن بلوغ حقيقة الوعي عند الاخر فقد نتمكن من أن نحصل على إجابات لا تدل بالضرورة على كونها هي ما يؤمن به الاخر حقيقةً مع يقين بأن الكثير من الساسة والمثقفون الغربيون مؤدلجون وفق تصورات تحكمها بالضرورة أن تعبر عن رأي المؤسسة الأيديولوجية الحاكمة او التي ينتمي اليها المحاور او الناطق باسمها, وهكذا كان قراري الذي ابلغته للصديق العربي لكي يبلغه الى الطرف الاخر وفق الاسس التالية:
1. ضرورة أن يجري الحوار على نقطة مفصلية واحدة لا ننتقل الى غيرها الا بعد الوصول الى غاية وحقيقة الفهم لها عند كل طرف,
2. لكي يبلغ الحوار جديته علينا الانطلاق الى ذاتية وعينا وحقيقة هذا الوعي الشخصي دون أن يكون مرتبطا بما هو متصل منه بالمؤسسة او المنهج الذي نتبعه وتحويل الحوار من صيغة السين والجيم الى صيغة أكثر تفاعلية ووجدانية لكشف الجذور المستمدة منه خطوط واتجاهات الوعي الذاتي للأمور المتحاور عليها.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟