|
تنوير أهل العراق ..... هل يعرف العراقيون بعضهم ؟ الجزء الثالث
علي وتوت
الحوار المتمدن-العدد: 1592 - 2006 / 6 / 25 - 05:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن الآصرة القبلية الحاكمة في المجتمع العراقي، تفرز ثقافة اجتماعية، يؤكد المختصون تخلفها تخلفها، خصوصاً في مسائل الصراع والسلطة والزواج والانتماء ومعالجة المشاكل الاجتماعية والنفسية لفقدانها الكثير من روح العدالة الاجتماعية والتطور العلمي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن العشائر والقبائل في العراق ليست على وفاق فيما بينها، بل يغلب على علاقاتها طابع الصراع العنيف والسلب والقتل أحياناً، الأمر الذي يشجع على استمرارية روح العنف في الفرد العراقي من جهة، وانتهاك حقوق الأفراد الآخرين من جهة أخرى. لقد ثبت أن الانتماء القبلي (كالانتماء العائلي والانتماء الحزبي) أقوى من الانتماء إلى الوطن. ومن هنا كان الانتماء القبلي أقوى من العدالة الاجتماعية في كافة الصراعات التي تنشأ بين أفراد القبيلة وقبيلة أخرى، أو بين أفراد القبيلة والدولة في مراحلها المختلفة، ومن الجدير أن نذكر هنا المقولة الشائعة (أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب) والتي يتضح منها ضعف العدالة، إن لم نقل فقدانها. وبغض النظر عن الكلام عن العدالة الاجتماعية القبلية المفقودة ولكن السلوك يشير إلى فقدان تلك العدالة نظراً للمقاييس النسبية العشائرية ومن هنا كان العنف ضد الآخرين أقرب إلى الاقتباس في ظروف عدم الاستقرار وفقدان الأمن والاطمئنان. وقد أدى تسييس النظام الدكتاتوري للعشيرة ودمجها في السنوات الخمس والثلاثين الأخيرة من عمر الدولة العراقية الحديثة السابقة، في صميم سلطته وقوانينه وأجهزته، إلى تعطيل اندماج أبناء العشيرة في المجتمع المدني، بالقدر الذي أدى إلى عرقلة نمو هذا المجتمع وعصرنته بالشكل المفترض. ثالث الجماعات الفاعلة في مجتمع العراق هي: 3) المدن المتريفة Ruralized Cities: في العربية فإن معنى (المدينة) يشير إلى الاستقرار، ويأتي المعنى من لفظ (مَدنَ) أي أقام. ولكن هذا المعنى يشمل الاستقرار في الحاضرة، مثلما هو معنى القرية. وقد سميت المدينة الإسلامية بالقرية، والقرية من القرى أي التضييف، وهي سلوكية ذات تقدير عالٍ في مجتمع يعيش ظروفاً حياتية صعبة أو مستحيلة في بيئة طبيعية قاسية. وقد تطور المفهوم إسلامياً ليصبح (أم القرى) أي الوسيط المسؤول ليس عن الضيف (الغريب أو الآخر) وإنما عن القرى الأخرى. وهي البداية في تكوين الدولة. أما في العالم الغربي (والإغريقي بالذات) فقد سميت المدينة (Polis) ومنها اشتقت كلمة (Police) أي شرطة. وشاع المثل الاجتماعي الغربي (Police Yourself) أي اضبط نفسك ومدّنها. وليست كلمة (Police) هي الكلمة الوحيدة التي تعني المدينة. فالحاضرة الأثينية Cite كانت أوسع من مدينة أثينا. فهي تشمل بالإضافة إلى العاصمة الريف المجاور الموشى بالقرى والمزارع. إن هذا المجموع هو الذي يشكل مدينة أثينا (Attique). إن العلاقة الكلامية بين المدينة والدولة، محققة باللاتينية بواسطة كلمة ريسبوبليكاRespublica بمعنى الأمر العام. إن تعبيرStatus مأخوذ بحدِّ ذاته من فكرة الاستقرار، فهو لوحده يعني الموقف أو الوضع القائم. لكنه يبدأ بأخذ معنىً سياسياً مع تعريف الشيء العام. وعلى الرغم من اختلاف التسميات في المجتمعات حضارياً وحاضراً، فإن المدينة (هي التجمع الكبير المنظم) إنما مثلت جسر التحول في الاجتماع الإنساني، لأنها مثلت البوتقة التي انصهرت فيها (مكونات السلوك الاجتماعي غير المتناسبة ، مثل العائلة والجماعة المحلية والسوق والعشيرة والمدرسة والدولة). يؤكد أستاذ السوسيولوجيا الكبير د. علي الوردي على (أن الحكومة، أو الدولة بمعناها الأعّم، لا تنشأ عادة إلا في الحضارة. فمن النادر أن نجد دولة تنشأ في الحياة البدوية أو البدائية. فالدولة لا تنشأ إلا في المجتمع الذي ينتج أكثر مما يستهلك. فالدولة تقوم على جباية الضرائب عادة. والمجتمع لا يستطيع أن يدفع هذه الضرائب إلا إذا كان إنتاجه الاقتصادي أكثر من حاجته المعاشية. وهذا أمر لا يتم إلا في الحضارة حيث يكون الإنتاج وفيراً ومنظماً. ومن الصعب جداً أن تظهر الدولة في الصحراء)، فالأستاذ الوردي يضرب مثلاً بدولة أو مملكة (كندة) العربية القديمة، والدولة الحديثة في المملكة العربية السعودية، اللاتي قامتا في صحراء الجزيرة العربية، فيشير إلى أن الأولى أخذت تفرض الإتاوة على القبائل البدوية، ولكنها سقطت ولم تستطع البقاء طويلاً، بعد أن ثارت عليها القبائل ثورة عارمة وقضت عليها قضاءاً مبرماً. أما الثانية فإنه يشير إلى أن سبب بقاءها هو اقتصادها الريعي القائم على النفط وليس على الضرائب، (علي الوردي: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، مصدر سابق، ص 56). هكذا يؤكد الوردي، بعد أن يشير إلى أن معدل الإنتاج فيها، يكاد لا يكفي لسكانها المتزايدين. ذلك أن المدن هي ظاهرة تجمع سكاني يكون مهيئاً لخلق حياة مستقرة (مجتمع) متجاوزاً التفتيت الذي تمثله المجتمعات المحلية Communities والقبائل، إنما عرفته الحضارات القديمة التي بدأت من نفر في الوسط وأور في الجنوب وصولاً إلى آشور في الشمال وهيت في غرب العراق. على الرغم من أن أحد أهم السمات التي ميزت ظهور الدولة السياسية الحديثة كان محاولة إزالة الفروق بين الحياة في المناطق الحضرية والحياة في المناطق الريفية.إذ أن صناعة المواطنة التي اختفت خلف مبادئ ثبت عدم جدواها في مجال تأصيل الانتماء إلى المدينة أو القرية التي تشكل جزءاً من الكل، الوطن، ومن ثم المنطقة لنشكل في النهاية انتماءنا إلى الوطن بأكمله الذي يتكون في النهاية من مجموعة من المناطق والمدن والقرى التي لا يمكن أن نفعل ارتباط الأجيال بها وبأرضها من أجل قيام كيان الوطن الذي يضم في جعبته كل ذلك التاريخ المتراكم للوطن بأكمله. أما في العراق، فإن المدينة تمتد إلى حضاراته الأولى، والسومرية منها بالتحديد، وقد كانت عملية التحضر Urbanization، ملازمة للمدينة العراقية، وقد تمثلت أهم سمات التحضر بـالوجودات الثلاث الآتية: 1) وجود الدولة سياسياً. 2) وجود المصالح اقتصادياً. 3) وجود الثقافة اجتماعياً. وعلى الرغم من إن عملية التحضر كانت في الواقع عملية تحديث لمجتمع زراعي انتقل من أشكال التنظيم القرابية التقليدية، كالقبائل والعشائر، وبيوتات الأشراف والأعيان، والأصناف الحرفية، إلى مجتمع يعتمد معايير الثروة والتعليم الحديث، من دون أن يفقد ماضيه التقليدي بالمرة. فهو مجتمع انتقالي، تتجاور فيه الطبقات الحديثة، مع الفئات التقليدية، وتقع بين الاثنتين فئات وسيطة تحمل شيئا من هذا وذاك. ترعرعت طبقة من التجار والصناعيين والمصرفيين والمقاولين في قطاع خاص، على أساس اقتصاد السوق، وباتت قوة مجتمعية يحسب لها حساب. كما نشأت، قبلها، طبقة قوية من كبار ملاك الأرض.
#علي_وتوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنوير أهل العراق... هل يعرف العراقيون بعضهم ؟ الجزء الأول
-
في المضمون الاجتماعي للفن....قراءة أولية في سوسيولوجيا الفن
...
-
في المضمون الاجتماعي للفن.... قراءة أولية في سوسيولوجيا الفن
...
-
المؤسسة العسكرية في الدولة العراقية السابقة 1-2
-
المؤسسة العسكرية في الدولة العراقية السابقة 2-2
-
عراق (واحد) أم (موحّد)...... عن أيّ مجتمع عراقي نتحدث ؟
-
في الاجتماع السياسي للعراقيين ....عن أيّ مجتمع عراقي نتحدث ؟
-
في أبعاد العولمة ومستوياتها
-
انتهاكات حقوق الطفل في العراق 1-2
-
بيئة الإنسان من منظور الثقافة والمجتمع
-
2-2 انتهاكات حقوق الطفل في العراق
-
في مفهوم المواطنة ... وحقوق الإنسان
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|