رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 6583 - 2020 / 6 / 4 - 11:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان سياسة تسخير الناس بقوة السلاح ونفوذ السلطة وتضليل الاعلام واجبارهم على خوض المعارك الارهابية وارتكاب الجرائم السياسية والموبقات الاجتماعية وتمثيل الادوار السلبية ما تزال قائمة و لم نزل نكتوي من نيرانها حتى اليوم و ستستمر مؤثراتها وتداعياتها لسنوات طويلة قادمة .
الساسة الاشرار يدفعون العباد دفعا نحو المظالم والجرائم ؛ بغية اشراك المحكوم في جريرة الحاكم , فهذه الفئة الشيطانية من الحكام تعمد الى تضليل الرأي العام , وقلب الحقائق , وخلط الاوراق , حتى يصبح الحاكم والمحكوم سواء امام محكمة التاريخ !! .
اذ يعمل الطغاة على اشراك الشعب في ارتكاب الجرائم لكي يعمم الجريمة على الجميع ؛ فهؤلاء المنكوسون لم يكتفوا بأجرامهم بل عمدوا الى زج الجميع في وحل الجريمة والعار .
و ان البعض من ابالسة الحكم ودهاة السياسة يرمي بتبعات المجازر والنكبات والانتكاسات والاخفاقات والاوضاع السلبية على الرعية المحكومة والجماهير المظلومة , فيضرب عندها عصفورين بحجر ؛ يتملص من تداعيات واثار جرائمه واخفاقاته ويلقي باللائمة على الشعب المسكين هذا اولا ؛ وثانيا : يفقد الشعب ثقته بنفسه , ويجعله يعيش دور الضحية وجلد الذات والانكسار النفسي ؛ ومن ثم الصراع والازدواج , وتأنيب الضمير من جرم هم لم يرتكبوه او يشاركوا به احيانا ! .
فحال الشعوب المضطهدة والاقوام المجبورة على ممارسة بعض الجرائم والاخطاء والموبقات ؛ كحال المسمار في هذه القصة القصيرة :
(( قال الخشب للمسمار: لقد جرحتني ومزقتني وآلمتني، فرد المسمار قائلا: لو كنت تلقيت الضرب الذي فوق رأسي لعذرتني )) .
اذ ان كثرة الطرق وتتابع الضربات على الناس البسطاء والغالبية من الشعب ؛ قد تفقدهم التوازن وتورثهم التخبط والاضطراب , وانعدام الرؤية والضبابية , واتخاذهم موقف اللا موقف , او الهروب الى سراديب التنظيرات التبريرية الانهزامية و العقائد الطوباوية الغنوصية , او ركونهم الى زوايا الحياد تجاه المعارك والثورات المصيرية او الانجراف مع السيل من باب ( مكرها اخاك لا بطل ) .
وهذه السمة لا تختص بشعب دون اخر , او بفئة معينة من الناس ؛ بل هي حقيقة عامة تؤيدها الوقائع والاحداث التاريخية التي مرت بمختلف الشعوب والامم .
فطبيعة النفس البشرية ما إن تواجه ضغطا سياسيا , او دفعا سلطويا , او تهديدا أو تحديا ما ؛ حتى تعتبره مبررا يبيح لها ما لا يباح، ويسمح لها بارتكاب الممنوع، فتنطلق ومبررها معها لتتعدى كل الحدود الانسانية والضوابط الاخلاقية , او قد يجبرها على الانزواء والتقهقر والسلبية بذريعة : (( نحن لا حول ولا قوة )) وهكذا هي الحياة فالناس على هوى الملوك ؛ اذ ان بريق سيف السلطان يرعبهم وسوطه يرهبهم .
نعم هنالك فئة محدودة صامدة من الناس وهي تمثل الاقلية في كل مجتمع , فهؤلاء يمتلكون تحديا وعنفوانا لافتا للنظر بالإضافة الى رباطة الجأش وقوة الجنان , و لا يقبلوا بالضيم والجور حتى وان كلفهم الموقف الحر حياتهم , ولا يبرروا لأنفسهم ارتكاب الموبقات , و لا يستسلموا لضغط , ولا يركنوا لذرائع التبرير , ولا يتأثروا بجور وتهديد و وعيد السلطان , ولا يتخلوا عن قيمهم ومبادئهم , ولا يتنازلوا قيد انملة عن آرائهم وعقائدهم , ولا ينساقوا كالقطيع خلف شعارات وسياسات الانظمة الجائرة والفاسدة والعميلة ولا ينجروا وراء الرعيل الحزبي والفئوي ؛ الا ان هؤلاء يمثلون شواذ القاعدة والاستثناء في كل مجتمع
الا ان اللافت للنظر والامر المحير هو عدم سريان هذه القاعدة في العراق ؛ اذ انتفضت وعارضت وقاومت فئات وشرائح عراقية كبيرة وواسعة جدا تقدر ب عشرات الالاف ان لم نقل مئات الالاف شعارات وسياسات واجراءات النظام الطائفي العنصري المناطقي البعثي التكريتي الصدامي الغاشم ؛ فالتحقوا بأسلافهم من العراقيين الاصلاء الشهداء في قوافل كربلائية عراقية متتالية على درب الحرية والنضال والكفاح والتحدي ورفض كل الانساق الثقافية والسياسية اللاوطنية والاطروحات الذيلية السلطوية البعثية الصدامية المنكوسة ؛ وقد كانت من اغرب حالات الاستثناء الاجتماعية في التاريخ السياسي المعاصر لاسيما وانهم كانوا يعيشون في ظل نظام ديكتاتوري ظالم بل يعد من ابشع واشنع واحقر وارذل الانظمة السياسية المعاصرة في العالم قاطبة ؛ مما اجبر الاستكبار العالمي والاستعمار فيما بعد على التنازل عن هذا النظام العميل و وليدهم اللقيط الذي افشل العراقيون دوره وانهوا اسطورته وكشفوا حقيقته , وقد صرح الدوري ممثل الحكومة الصدامية عند سقوطها بكلمة واحدة الا انها اختصرت كل مراحل وخيوط المؤامرة عندما قال : (( الان انتهت اللعبة )) .
وبما إن استمرار الظلم ونظم الاستبداد مرهون باستمرار الوهن وتغييب الوعي والهوية الجمعية الوطنية والتناشز الاجتماعي والحس الطائفي والعنصري والمناطقي , و الروح الانانية والانتهازية والنفعية ... ؛ فلا خلاص للعراقيين الا من خلال القضاء على نقاط الضعف انفة الذكر ؛ واليكم مثالا يؤكد ذلك :
ففي عام 1917 دخل الجنرال الإنجليزي "ستانلي مود" إحدى المناطق في العراق فصادفه راعي أغنام ؛ فتوجه للراعي وطلب من المترجم أن يقول للراعي : الجنرال سيعطيك جنيه أسترليني إذا ذبحت الكلب الذي تملكه !
و الكلب وقتذاك كان يمثل شيئا مهما للراعي كونه يحرس القطيع من الذئاب ويساعد الراعي بالرعي ويحمي الدار والاملاك ... ؛ لكن القوة الشرائية للجنيه بوقتها كانت تعادل قيمة نصف قطيع الراعي .
وافق الراعي و أمسك كلبه وقام بذبحه تحت أقدام الجنرال البريطاني ... !!
الجنرال مود قال للراعي : سأعطيك جنيه أسترليني زيادة في مقابل سلخه... ؛ الراعي أخذ الجنيه وسلخ جلد الكلب ، الجنرال مود قال للراعي : سأعطيك جنيه آخر مقابل تقطيع الكلب ... , الراعي قطع الكلب اربا اربا ....!!
والجنرال أعطاه الجنيه الثالث ، ثم قال الجنرال له : أردت أن أعرف ماهية طباعكم فقط وعرفت نفسياتكم فأنت ذبحت وسلخت وقطعت أغلى صديق عندك ورفيقك من أجل 3 جنيهات وكنت مستعد أن تأكله مقابل جنيه رابع ... وهذا ما أحتاج أن أعرفه هنا ... ؛ وبعدها التفت لجنوده و قال لهم : مادام هناك الكثير من هذه العقليات هنا فلا تخشوا شيئاً ! .
هذه القصة المؤلمة رواها الدكتور علي الوري في كتابه ( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق ) وهي تبين لنا حقيقة بعض النفسيات الضعيفة والشخصيات القذرة المستعدة لفعل أي شيء مقابل المال بل فتات الموائد ؛ وعليه ينبغي علينا التفريق والتمييز بين جموع وجماهير الامة العراقية النبيلة والتي اجبرتها السلطات الغاشمة على ارتكاب بعض الاخطاء والجرائم وبين فئة مريضة من المسوخ الشياطين , يهرعون باندفاع وحماس لاتباع كل حاكم وناعق يأمرهم بارتكاب الجرائم والموبقات , فهؤلاء الاشرار يجدون انفسهم في ممارسة القتل والتعذيب والاغتصاب والنهب والسلب وتخويف الابرياء وترهيبهم , فهم مجرمون بالفطرة , ومنحرفون بطبيعتهم , ومن الواضح ان كبار المجرمين وعتاة الجلادين كانوا اناس عاديين الا ان بذور الاجرام والشر كامنة في نفوسهم وقد حولتهم الظروف فيما بعد الى مجرمين خطرين , وكشفتهم الاختبارات واظهرتهم على حقيقتهم .
فهؤلاء احترفوا الإجرام وتفننوا في تعذيب ضحاياهم والتمثيل بجثثهم والاستهتار بكل القيم الاخلاقية والمثل الانسانية , فمن الخطأ المساواة بين هؤلاء المرضى الحاقدين المجرمين وبين ضحايا الانظمة الظالمة المجبورين على ارتكاب بعض الاخطاء ؛ ولعل الاداة القمعية المفضلة لنظم الاستبداد والظلم في تغييب واستئصال الشخصيات الوطنية هم الانذال الاوغاد المرتزقة , او الضد النوعي فهي تستقوي على الجماهير من خلال شذاذ ومجرمي المجتمع او المكون نفسه .
لذا يجب فضح وتعرية كل مَن يحاول تزكية الاشرار وتبرئة ساحة المجرمين والجلادين والخونة والطغاة واظهارهم بمظهر المواطنين الأخيار والحكام الاحرار بشتى الوسائل والحيل و الاعذار ؛ وذلك لان التاريخ يعلمنا أن الاشادة بالإرهابيين والمجرمين ومدحهم لا يقضي على الإرهاب والاجرام ، وإنما يقدم ذريعة لاستمرار النهج الارهابي والفكر الاجرامي ... .
لذا يقع على عاتق المثقفين الوطنيين مهمة تفكيك وتحليل الشخصيات الاجرامية والارهابية و التي ارتكبت اشنع الجرائم بحق العراقيين وفضح الاقلام المأجورة والكتاب المرتزقة وفضائيات الخسة والعمالة والابتذال ؛ والمخانيث الجبناء الذين يعملون على تزوير حقائق التاريخ من خلال تبييض صفحة الحكام الطغاة والساسة المجرمين ورجال الحكم الظالمين وتبرير جرائمهم المرتكبة بحق العراقيين و الوطنيين , والتمويه والتغطية على اجراءاتهم وقراراتهم وسياساتهم المنكوسة و التي الحقت الاضرار الفادحة بالعراق والعراقيين .
واني لأعجب لبعض شراذم الاغلبية المنبطحين الذين ينبحون علينا اناء الليل واطراف النهار دفاعا عن مسيرة الظالمين والجلادين والطائفيين والمجرمين ومن لف لفهم من كتاب الفئة الهجينة والقومجية والبعثية بشتى صورهم ومختلف عناوينهم – ادباء وشعراء وفنانين وناشطين وكتاب وساسة ومقدمي برامج واعلاميين ... الخ - ؛ بحجة الحياد والموضوعية وروح البحث العلمي والثقافة تارة , وبذريعة العلمانية او المدنية وحرية الرأي والتعبير تارة اخرى , او بأسم الروح الوطنية او الحس القومي ثالثة ... الخ .
وليت شعري ما علاقة كل تلك العناوين بما نحن فيه ؟!
ولما كنا نستطيع الجزم انه لا يوجد انسان عاقل او شخص سوي على ظهر هذا الكوكب يقبل بالجريمة أياً كان مرتكبها او يبرر للجلادين افعالهم الشنيعة وجرائمهم البشعة مهما كانت القابهم وعناوينهم وانسابهم واعراقهم ؛ فأنى يكون انسانا سويا وشخصا طبيعيا ذلكم الذي يرتضي جرائم الظالمين ويبارك مجازر الجلادين ويناصر المجرمين والارهابيين ويبخس حقوق الشهداء الوطنيين والضحايا العراقيين .
وبما انه اذا عرف السبب بطل العجب كما قيل قديما , زال تعجبي عندما ابلغني بعض خبراء وعلماء النفس البشرية : بأن كل شخص تنكر لهويته الاصلية وتبرأ من ماضيه , واعتنق لسبب ما هوية اخرى جديدة او دخيلة ؛ فكأنما يحاول الانتقام من ماضيه باستبدال الانتماء , لذا تراه يتلذذ تلذذا مرضيا عندما يرى ابناء جلدته يهزموا ويقمعوا ويقتلوا ويفتقروا ويحرموا ويبعدوا عن الحكم والدولة ويساء اليهم ... , واحيانا يمارس دورا مازوخيا من خلال التنمر والتفرعن على ابناء جلدته والتذلل والتملق لأعداء وجلادي قومه واهله , لذلك اصبح مألوفا لدينا ان ينبح كلب من كلاب المجتمع السائبة ويصدح بصوته مادحا المجرم صدام او المجرم علي الكيماوي او المجرم عزت ابو الثلج او المجرم حسين كامل ... الخ .
وهؤلاء المرتزقة والحمقى الذين يغضون الطرف عن ابناء جلدتهم طالما كان الظلم والخطر بعيدا عنهم ؛ لا يعلمون أن آلية الظلم والظالمين والمتآمرين من المنكوسين تعمل على أساس أن الجميع مستهدفون بلا استثناء , وقد انبأكم التاريخ بأن ابناء جلدتكم قد تم قتلهم وتهميشهم واقصاءهم على الرغم من ملكيتهم ثم جمهوريتهم ثم قوميتهم ثم شيوعيتهم ثم بعثيتهم ثم اسلاميتهم وعلمانيتهم ، لذلك يخطئ من يظن أن الظلم الواقع على اخيه لن يصل إليه ، ذلك أن الظالم العميل المنكوس لا حياة له إلا بتعميم ظلمه على العراقيين ؛ بل إنه ما أن يفرغ من إيقاع الظلم على العراقيين الاصلاء حتى يطال بظلمه من أعانه عليه سواء بالتمجيد والمدح والقول او بالسكوت والرضا والمباركة وغض الطرف أو بالعمل والتنفيذ من غمان ومخانيث وحمقى واغبياء ومرتزقة الاغلبية العراقية , وباقي مكونات الامة العراقية العظيمة .
ولو كان لهؤلاء الابواق و الاعلاميين المطبلين ذرة من الشرف والوطنية لاستحيوا من عوائل الضحايا وماتوا خجلا من دموع الارامل والثكالى العراقيات وصرخات الاطفال وهامات المدفونين ب قاماتهم السومرية والاشورية وهم احياء تعلوهم طبقات التراب وعيونهم تنظر للسماء ؛ لرب ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد لعله ينقذهم من بطش اصحاب الاخدود .
متى يفهم هؤلاء المرضى والمرتزقة ؛ بأن قطرة دم تسقط من عراقي ودمعة تنساب من مقلة عراقية أعز علينا - نحن العراقيون الاصلاء - من افكارهم العفنة وعقائدهم النتنة وشعاراتهم الزائفة ومعاركهم الوهمية وبطولاتهم المزيفة وقادتهم ورموزهم العملاء المنكوسين ؟؟
اذ اننا لم ولن نقبل بارتكاب الجرائم وتكرار المظالم وانتهاك حقوق الانسان مهما كان السبب والدافع ؛ فهذا الأمر مرفوضا اخلاقيا ودينيا وانسانيا و وطنيا ؛ فلابد من تكريم العراقي و معاملته بما يليق به وبتاريخه المجيد وحضارته العتيدة ؛ كما اننا نشجب ونرفض برامج وكتابات المرتزقة والمنكوسين والمأجورين التي تحاول عرض صور مقلوبة ومغايرة للواقع و مجانبة لحقائق التاريخ ؛ فالبعض يردد الاقوال والخطب الصدامية ويسلط الاضواء عليها من خلال العرض و التحليل والتفكيك والمقارنة للخروج من هذه المعمعة الصدامية بنتائج سياسية وثقافية واجتماعية بناءا على ما تفوه به المفكر (الدايح ) دوحي او استندادا الى حاشية ( السربوت )عزت ابو الثلج على كتاب ( قال القائد )؛ بينما يعلم الجميع في العراق ان كلامه خالي من المصداقية تماما , والفرق بين اقواله وافعاله كالفرق بين الارض والسماء , بل ان افعاله على النقيض من اقواله , ولعل المثل الشعبي المصري : (( اسمع كلامك اصدقك , اشوف افعالك ( عمايلك ) أتعجب )) ينطبق تمامًا على صدام ؛ فلا قيمة لكلام كل كذاب افاك دجال ؛ وفي احدى لقاءاته التلفزيونية صرح صدام بما يلي : (( سأجعل ( ال اخلي ) سعر السيارة بسعر الخروف ( الطلي ) )) ودارت الايام واصبح سعر الخروف بسعر السيارة , اذ لم تتمكن اغلبية الشعب العراقي من تذوق اللحم لعدة ايام ان لم نقل اشهر في فترة الحصار ؛ وبعدها طل علينا المنظر الاقتصادي دوحي من على شاشات التلفزيون وهو يوصي الشعب بشرب الشاي من دون سكر ؛ واما قضية ( الطلي ) واللحم فأصبحت نسيا منسيا , و صار اقتناء السيارة على الرغم من رداءة الصناعة وقدم الموديل حلما بعيد المنال لأغلب العراقيين .
والبعض الاخر يلتقي برجل المخابرات الفلاني او ضابط الامن العلاني ويسترسل بالحديث مع هذا وذاك بكل أدب وموضوعية وحيادية منكوسة ؛ كي يخرج المشاهد بنتيجة مفادها ان رجال المخابرات كالمجرم فاضل البراك او ضباط الامن كالمجرم حسن العامري هم رجال في غاية المهنية والنزاهة والوطنية , وبناءا على معطيات هذه البرامج الاعلامية يجب علينا القبول بأن الملايين من العراقيين الضحايا الذين اعدموا وغيبوا وقتلوا وسجنوا وعذبوا في العهد البعثي التكريتي ؛ بسبب الاشباح او الصحون الطائرة ...!!
وكما انه لا ينبغي للأحرار والشرفاء الوطنيين العراقيين السكوت عن جرائم واخطاء الظالمين والطغاة والمستبدين والجلادين والمسؤولين الطائفيين والعنصريين ؛ كذلك لا يصح السكوت والتغاضي عن كتابات المرتزقة والاقلام المأجورة وبرامج المخانيث الجبناء والمرتبطين بالأجندات الخارجية العملاء واصحاب موقف اللا موقف .
وليت الامر وقف عند هذا الحد , اذ اسفرت تلك الكتابات والبرامج المنكوسة عن تغيير المعادلة وقلب الامور وارجاع عقارب الساعة الى الوراء , وذلك من خلال تكريم رجال العهد الصدامي البائد بل والإغداق عليهم بالرواتب المجزية والتي مكنتهم من السفر الى خارج العراق والعيش في البلدان المجاورة , والتمتع والاستجمام والاسترخاء بتلك الاجواء الرائعة بينما يعاني العراقيون الوطنيون الامرين من شظف العيش وقلة الخدمات , وبعد هذه السياحة المريحة والاقامة الجميلة كشر ازلام النظام السابق عن انيابهم الصفراء , وبدأت حملات اسقاط التجربة الديمقراطية وافشال سياسة التداول السلمي للسلطة وارباك الاوضاع العراقية .
وبما ان الصفقة تمت ضمن سلة واحدة تضمنت اقرار رواتب للأكراد البيشمركة - وهي فصائل حزبية مسلحة تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني و حزب الاتحاد الوطني الكردستاني شكلت منذ الستينيات وقد دمجت بعد 2003 مع الدولة العراقية كجيش تابع لإقليم كردستان وتم احتساب الخدمة لكل منتسب في البيشمركة منذ تاريخ تأسيسها ولغاية 2003 كخدمة تقاعدية يمنح بموجبها كل فرد راتبا تقاعديا يبدا من مليون ونصف مليون دينار مع منحة مالية وقطعة ارض سكنية و منحة بناء. (1)
وأما بعد سنة 2003 ، فأن أفراد البيشمركه يتمتعون بجميع امتيازات الجيش العراقي الحالي في الخدمة والتقاعد وغيرها , علما انه لا يوجد بلد في العالم يمنح تقاعد لأفراد فصائل مسلحة كانت تقاتل الدولة وبأثر رجعي لعشرات السنوات الماضية - ؛ والانصار الشيوعيين - ومن السخرية ان هناك عددا من الناشطين و الكتاب والإعلاميين المدنيين واليساريين الذين يملؤون وسائل الإعلام ضجيجا بمقالاتهم و تحليلاتهم ومداخلاتهم الوطنية التي تنتقد الفساد وهم يستلمون تقاعد الانصار - ؛ و الخدمة الجهادية - وهم الأشخاص المرتبطون بالأحزاب والحركات والفصائل السياسية الإسلامية ومعارفهم الذين كانوا يعيشون خارج العراق وتحديدا في إيران وسوريا حتى وان رحلوا بعد ذلك لدول غيرها وحصلوا على اللجوء و تجنسوا بجنسيات اخرى و يتم احتساب فترة وجودهم من يوم خروجهم من العراق لتاريخ عودتهم بعد 2003 كخدمة جهادية - ؛ وشريحة رفحاء – وعددهم 19 الف شخص - التي لم تلحق بباقي الشرائح المستفيدة الا بشرط اقرار رواتب وامتيازات مماثلة لكل من : منتسبي الأجهزة الأمنية / القمعية ( المخابرات ، الامن العامة ، الامن الخاص ، الحرس الخاص ، الاستخبارات العسكرية ) و منتسبي مكتب أمانة سر القطر لحزب البعث المنحل و منتسبي ديوان الرئاسة المنحل و منتسبي الحرس الجمهوري و ضباط الجيش ليصبح المجموع الكلي 550 الف منتسب للأجهزة القمعية المنحلة من فدائي صدام والامن الخاص والمخابرات وكبار البعثيين المجرمين , والتي تكلف ميزانية الحكومة اكثر من 305 مليار دينار شهريا .
وبعد ان اتم فريق عمرو بن العاص الصفقة وتكللت بالنجاح , عاد من جديد ليرفع المصاحف بوجه الاغلبية العراقية , وتنطلي الخدعة على حمقى واغبياء الاغلبية العراقية ايضا , اذ بدأت حملات المجرمين والجلادين والقتلة الظالمين والذباحة الارهابيين ضد ضحايا السجون والمعتقلات الصدامية الرهيبة والمقابر الجماعية والمنافي والمخيمات القسرية ؛ فلم يكتفي الجلاد والقاتل والظالم والسجان والمجرم ب مساواته مع المجلود والمقتول والمظلوم والمسجون والضحية بل راح يطالب بأسقاط كافة الحقوق لهذه الشرائح المظلومة والمتضررة ؛ مع الحفاظ على جميع الامتيازات التي اخذوها مقابل جهودهم ونضالهم وكفاحهم في سحل وتعذيب وقتل واعدام مئات الآلاف من الضحايا ؛ بالإضافة الى قطع اذان والسنة واوصال العراقيين وتجريف بساتينهم وتهديم بيوتهم وتجويعهم واذلالهم لمدة 40 عاما ... !!
ومما زاد الطين بلة سكوت الاغلبية العراقية عن هذه الرواتب الخيالية والتي تستنزف ميزانية الدولة , والمطالبة بإيقاف رواتب الشهداء والسجناء واهالي رفحاء فقط والتي لا تمثل شيئا امام تلك الامتيازات والرواتب .
يا له من اصلاح ؟ و يا لها من عدالة ؟
تلك التي تخصص راتبا تقاعديا كبيرا للمجرم ارشد ياسين التكريتي - وهو المرافق الاقدم للمجرم صدام وكان له دور كبير في قمع الانتفاضة الجماهيرية عام 1991 , وتعذيب المعارضين , وتهريب الاثار العراقية - ؛ بينما تحرم سجينا سياسيا خرج من المعتقلات الصدامية وفيه اكثر من عاهة من راتب لا يكفي لعلاجه , اذ يقدر راتب المعتقل ب 400 الف فقط ويستمر ل 10 سنوات فقط , بينما يستلم بعض السجناء راتب قدره 800 الف والبعض منهم يستلم مليون دينار وهؤلاء من الذين قضوا فترات طويلة في زنازين البعث المجرم واغلبهم مرضى ومعاقين .
ساوموا - اتباع عمرو بن العاص - الضحايا على رواتب البعثيين والصداميين المجرمين وحين استقرت رواتبهم انقلبوا على الضحايا من الاغلبية العراقية ليضيعوا حق المظلومين والسجناء والشهداء الذين لولا دماءهم وتضحياتهم لما تم تغيير النظام الصدامي .
الا ترون كيف يلعب البعثيون و كيف اخذوا ما يريدون ؟؟
ومن الحيف والغبن ان نقبل بهكذا معادلة منكوسة , والا لماذا يتم الغاء رواتب السجناء , و الثوار الذين انتفضوا بوجه الظلم الصدامي والحكم الطائفي الارهابي ابان الانتفاضة الكبرى عام 1991 و الذين اغلقت كافة الحدود بوجههم باستثناء صحراء رفحاء القاحلة وما شاهدوه فيها من اذلال وظلم على ايدي الحاقدين الوهابية فحالتهم كانت – كالمستجير من الرمضاء بالنار - ؛ بينما تبقى رواتب البيشمركة الكردية والانصار الشيوعية وخدمة الاحزاب الجهادية ورواتب الاجهزة القمعية ورجال السلطة الصدامية وفلول البعثية على حالها ...!!
الهوامش
............................................................................
1- مقالة الثروات المقدسة ل حمزة الجواهري بتصرف
#رياض_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟