|
الحدث الأمريكي نتيجة ضغط مجتمعي أم حتمية تأريخية.
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6580 - 2020 / 6 / 1 - 13:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أبتدأ أنا في طور تكوين الرؤية الخاصة بي ولا أجزم بنتيجة متسرعة للحدث الراهن بتفاصيله ومقدماته ونتائجه، كما لا أؤمن بنظرية نهاية أمريكا ولا أقبل لنفسي أن ترى ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية على أنه صراع طبقي أجتماعي أو صراع عنصري مجرد من توابع وارتدادات الواقع، أمريكا الدولة التي ولدت من صراع وبصراع وتعرف قيمة وثمن الصراع الأجتماعي والطبقي، لا يمكنها أن تتحول إلى مجتمع هش لمجرد أن خرج الألاف من شبابها للتعبير عن حالة مدانة في كل المقاييس، أيضا أنا أدين من وجهة نظر فكرية خالصة من يصفون الحدث على أنه حتمية تاريخية مرتبطة بموقع أمريكا من الصراعات العالمية والدولية، الحدث مجردا عن المنظار النفسي والأقتصادي والأجتماعي وخاصة في مجتمع تحركه عوامل عديدة وتمتع بحرية التعبير والرأي بحماية الدستور والتجربة الأمريكية لا يمكننا وصفه بعبارة وفكرة واحدة أبدا. أولا نبدأ بحقائق تاريخية لا مجال لإنكارها أو الطفر فوقها لنصل لنتائج مسبقة وضعناها لأنفسنا ومنها أن المجتمع الأمريكي مجتمع تراكمي في ثقافته حول الحرية وحقوق الإنسان، فهي لم تأت لمجرد رغبات أو نظريات تبناها نخبة المجتمع ثم تم فرضها بقانون، إنها سلسلة من التطورات التاريخية التي رافقت المجتمع الأمريكي بجناحية المحافظ التقليدي (الجمهوري) وبين تيار ديمقراطي أحترم الإنسان كهوية فردية، وبالتالي فما تأسس من هذا الصراع لا يمكن تجاوزه الآن ولا يمكن البناء على أفترضات لا صلة لها بالوقع، ثانيا إن الحدث بذاته يمثل في جانب كبير منه روح المجتمع هذا بكل تاريخية الحضارة الأمريكية الجديدة وإنعكاس لحيوية العقل الأمريكي المتمردة أصلا على الظلم والتمييز والإقصاء، النقطة الثالثة الحدث ليس إفراز لواقعة محددة تمثل ردة فعل بحدودها فقط بل كانت أيضا موقفا من السلطة المحافظة التي قدمت مصالح طبقة أجتماعية على حساب مصالح الغالبية الشعبية، وأخيرا أن خروج الحدث من إطاره الوطني إلى إطار إنساني يؤشر على قوة المجتمع الأمريكي وقدرته على صياغة ما يعرف بالعالم الجديد. هناك أيضا جانب مهم في إشعال الحدث ودفعه للواجهة الإعلامية بقوة ولأسباب عديدة، أهمها وأبرزها حالة الأختناق السياسي والأجتماعي للشعب الأمريكي جراء ما أصابه من تبعات الوباء العالمي (كوفيدا 19) كونه من أكثر المجتمعات البشرية تأثرا بنتائجه على المستوى الصحي والأقتصادي خاصة مع فقدان مئات الألاف من الوظائف وإغلاق الكثير من المصانع والمعامل وشلل الأقتصاد الأمريكي مصحوبا أيضا بأزمة النفط العالمية والصراع السياسي والأقتصادي والإعلامي مع الصين، مع تزايد أحتمالات المواجهة معها مما سيزيد من تعقيد المسألة الأقتصادية التي هي روح المجتمع الأمريكي القائمة على حرية العمل والحركة وقيادة الأقتصاد العالمي، هذا يعني أن هناك إنسداد في الأفق الأمريكي وخشية حقيقي من نتائج تلك الصراعات وتأثر الفرد الأمريكي فيها ومنها. لا ننسى أيضا الصراع السياسي المحتدم بين الجمهوريين المحافظين يمثلهم اليوم الرئيس ترامب الذي يتهمه خصومه الديمقراطيين في الفشل في معالجة الكثير من الملفات الساخنة ومنها مسألة الوباء ومسألة والصراع مع إيران والتفريط في الوجود الأمريكي وتخبطه في ملفات الشرق الأوسط وأفغانستان وروسيا وفنزويلا، وسعي إدارة الرئيس ترامب الحثيثة على إشعال الحرائق في مناطق تعتبر جزء من الحديقة الخلفية لأمريكا بقرارات تمثل في صورتها بسط رؤية الصقور من توجه المحافظين الجدد للهيمنة على النظام العالمي الحالي تطبيقا لمبدأ صراع الحضارات سيء الصيت، فالحدث في جزء من زخمه مدفوعا بهذا الصراع السلطوي الحاد بين الحزبيين الرئيسين المهيمنين على الواجهة الأمريكية، وكلا منهم يدفع بأتجاه دفع الصراع للشارع الذي يبدو أنه قد تململ من عقم السياسة الأمريكية الراهنة. إذا الصراع لم يكن صراعا أجتماعيا بسبب العنصرية ولا طبقيا بين ما يمثل السلطة والشعب كما يحصل في عدة أماكن في العالم ومنها ما عرف بالربيع العربي كنموذج، هنا الصراع مختلف ومفترق وهو يتعلق بالهوية الحضارية للمجتمع الأمريكي، وليس أنتفاضة على السلطة التي تمتهن كرامة الشعب وحقوق الإنسان، هذه الفرضية السطحية أبدا لا وجود لها إلا في العقول المهووسة بنظرية المؤامرة، والدليل على عدم عنصرية الحدث أن الشعب الأمريكي تقريبا بكل مكوناته من البيض والسود والملونين وحتى المهاجرين هم من نزل للشارع للتعبير عن إدانة الحالة ورفضها بشكل علني، صحيح أن بعض التصرفات كانت متوجه لمراكز السلطة وما رافق ذلك من نهب وحرق وتصرفات مرفوضة، لكنها أيضا تعكس ميل أقتصادي حاد نحو الشعور بالظلم وإنعدام الفرص في العمل وتحقيق جزء مهم من حاجة الفرد للعمل وتحريك الأقتصاد، وتبقى بمجملها تصرفات قاع المجتمع من العاطلين والمشردين والمهمشين أقتصاديا وهي حالات فردية ومحدودة بالنظر لبقية تفاصيل الحدث وكيفية التعبير عن الرفض والتصدي له. إذن المسألة أعمق وأكثر تشابكا في عواملها وأسبابها الدافعة من مشكلة التفرقة العنصرية وإن كان ذلك جرد الشرارة التي أشعلت كومة المشاكل والأختناقات داخل المجتمع، أيضا شكلت هذه الأحداث ما يعرف أجتماعيا وسيكولوجيا ما يطلق عليه بتنفيس الغضب والسيطرة عليه من خلال تحويل هذا الغضب من مسار عام إلا مسار خاص، يخطئ من يظن أن الإدارة الأمريكية الحكومية والسياسية لم تستفد من هذا الحال مع تعاظم الإحساس الأجتماعي من سوء إدارة الرئيس الأمريكي لأزمة الوباء والأزمة الأقتصادية والصراع مع الصين وتباطؤ النمو الأقتصادي ودورة الكساد الأقتصادي المتوقعة، وأيضا أستفادة خصومه الديمقراطين من الحدث بأتجاه وضع الجمهوريين والرئاسة في زاوية الإحراج مع التجديد الرئاسي والأستحقاق البرلماني للكونغرس الأمريكي ونحن على أبوا الأنتخابات الأمريكية. أعتقد أن رؤية الحدث من زوايا عدة والبحث عن الجذور والدوافع المهمة والخفية يمكنها لوحدها أن تقدم إجابات كثيرة عن أسئلة عديدة، ويبقى المجتمع الأمريكي بصورته العامة هو ذات المجتمع الحيوي والمتفاعل مع الأحداث محليا وعالميا بروح إنسانية أكثر وأفهم من خلال تجربته الديمقراطية المتجذرة، وهذا لا يعني أستهانة بالحدث ولا إضعاف وتهميش له على كل حال، ولكنه أيضا سيزيد من قوة وصلابة الديمقراطية الرائدة وسيعزز من أتجاه حماية حقوق الإنسان ليس على المستوى الأمريكي فحسب، بل أنه يثري من التجربة الإنسانية ذاتها للدفاع عن قيم وصور العالم المتحضر كونه الأساس والقانون الأسمى لتقوية المجتمعات وصمودها أمام الغول العولمي متزايد الخطورة على الحضارة الإنسانية كلها.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الملا والملاية والملائية في المجتمع العراقي.
-
عنصريتنا وعنصريتهم
-
ما هو أفق الأقتصاد الذكي
-
رواية ( عرف الديك) ح2
-
تحرير القدس مفاتيح وأوهام بين الممكن والمستحيل
-
العالم وشروطه في سورة غافر
-
نظرية البدء والعودة في سورة الروم
-
روايتي الجديدة ( عرف الديك) ح1
-
شذرات فكرية في سورة النمل
-
مظاهر السلطة والتسلط في المجتمعات الدينية
-
الزمن والزمن الأخر في سورة المؤمنين
-
ثلاث دروس من سورة الحج
-
نسخ أم فسخ
-
المغضوب عليهم والضالين
-
صورة الحياة الأخروية في النص القرآني
-
سورة الكهف بين الصورة والتصور
-
منهجية الدعوة لله في سورة الإسراء بين الترغيب والتخويف
-
الأمر الرباني بين الإلزام والألتزام
-
رواية (حساء الوطواط) ح 20 والأخيرة
-
جدل التوحيد في قصة يوسف ع
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|