|
ثورة ليليث
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6579 - 2020 / 5 / 31 - 15:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لم يأت ذكر ليليث في التراث الإسلامي، غير أنها حاضرة في التراث الشعبي في شمال أفريقيا تحت أسماء مختلفة سنأتي على ذكرها فيما بعد. وأسطورة ليليث هي أسطورة ترجع جذورها بعيدا في تاريخ ما بين النهرين ومصر كما سبق القول، وأغلب المعلومات التي لدينا عن هذه الأسطورة ترجع إلى التوراة والتلمود والكتابات اليهودية. في البداية ، شكل الله آدم وليليث من تراب الأرض، أي تم إنشاؤها من نفس المصدر الطيني، وكلاهما تم تشكيلهما في نفس اللحظة ومن نفس المادة مما يعني التساوي الكامل فيما بينهما بدون أسبقية أو تراتبية من أي نوع. غير أن آدم لم يعجبه هذا الموقف على ما يبدو، كان يشعر بأن ليليث يجب أن تطيعه، وبما أنه بطريقة ما مفضل ومكرم عند الله أكثر منها وبالتالي كان عليها أن تخضع له ولرغباته. وكان الذي يزعجه حقا هو أنها فرضت عليه أن يمارسا الجنس وجها لوجه، ورفضت أن يضاجعها من الخلف كما تفعل الحيوانات، وبعد ذلك أصرت على أن يتبادلا المواقع، فمرة هي التي تكون مستلقية على ظهرها ومرة يكون هو المستلقي على ظهره وهي فوقه، الأمر الذي لم يرق لآدم بتاتا، وبحث عن طرق لتغيير هذا الأمر وإيجاد وسيلة لإخضاعها لتتعود على تنفيذ إرادته. وذات مرة وهم يستعدون للأكل قال لها : "أريد قليلا من التين الآن، ليليث"، وأمرها أن تأتي له بالتين وتنتظر حتى ينتهي لتأكل بدورها، وخمنت ليليث نواياه فأخذت حاجياتها القليلة وهربت من المغارة التي كانا يعيشان فيها، ويقال أنها من الغضب نبتت لها أجنحة وطارت بعيدا عن الجنة حيث وجدت نفسها على شواطيء البحر الأحمر بين الحيوانات المتوحشة والشياطين. ويعترف الله بأنه خلق شيئا خطرا وغير قابل للإصلاح، فقرر نفيها نهائيا من السماء وأرسلها إلى الأرض نحو الهاوية، ثم في قاع المحيطات، حيث بقيت تهيم بين الكهوف المظلمة تحت الماء للوصول إلى جهنم، مما يؤدي إلى التقائها العديد من الشياطين المائية والأرضية. وهكذا تصبح ليليث امرأة تابعة للعوالم الثلاثة الأرضي وما تحت الأرضي والعالم المائي، فقط العالم السماوي المخصص للآلهة والملائكة سبقي مغلقًا ومحرم عليها. واشتكى آدم إلى ربه من هجر ليليث له: "حسنًا ، يا رب ، لقد ذهبت هذه المرأة الغريبة التي أرسلتها إلي وهجرتني". أرسل الله، الذي كان يميل إلى أن يكون متعاطفًا مع آدم، مجموعة من المفاوضين "ملائكة الطب الثلاثة سنفي، سنسفي وسمنجلوف" ليحاولوا إقناع ليليث بالرجوع، وهددوها بالعواقب الوخيمة والعقوبة القاسية إن لم تقبل الرجوع إلى آدم. غير أن ليليث لم ترضخ، وبعد أن ذاقت طعم الحرية فإنها فضلت البقاء للعيش حياة برية بدون قيود. لمعاقبتها، يحكم الله عليها برؤية جميع أطفالها يموتون عند الولادة. يائسة، تقرر الانتحار. غير أنه لكي تستمر القصة ولا ينتهي الفيلم نهاية مفاجأة، واصلت بعض الملائكة الشريرة عملها وأعطتها القوة وإرادة الإنتقام لقتل كل الأطفال الصغار لمعاقبة أبناء آدم - حتى الختان، في اليوم الثامن للذكور، وحتى اليوم العشرين للإناث ـ ثم تلتقي بالشيطان الكبير Samael، وتتزوجه وتستقر معه في وادي Jehanum، حيث يأخذ اسم Adam-Belial. وفيما بعد، أي بعد أن تم تكوين حواء لتحل محل ليليث المتمردة بجانب آدم، تتحول ليليث وتصبح الحية التي تتسبب في سقوط حواء وإغواء آدم، وتحرض قابيل لقتل هابيل، وتبعث الفوضى في المجتمع البشري ليقتتل بني آدم فيما بينهم ويذبح بعضهم البعض. وينتاب آدم نوع من الغم ويرفض النوم مع حواء، مما يسمح ليليث بإخراج غيوم من الشياطين وإحتلال أحلامه. وفي بعض الكتابات والنصوص التلمودية، هناك تفاصيل أكثر دقة عن سبب تمرد ليليث مثل رفض رؤية جسمها مشوهاً بالحمل، بحيث اضطرت للجوء لموانع الحمل أو حتى الإجهاض، وذلك حرصا على جمالها وأنوثتها. ويقال أيضا بأن آدم اشتبه في أن ليليث كانت تخونه مع بعض سكان الجنة من الشيلطين نظرا لشهيتها الجنسية الفائقة والتي لم يستطع آدم إشباعها. بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا من رفضها ممارسة الجنس بالوضع التبشيري"missionary position"، والذي يفرض عليها وضع الإستسلام والسلبية في العمل الجنسي ويؤمن للرجل التفوق والإيجابية والتحكم في الموقف. إن كل هذه التفاصيل تؤكد أن ليليث تبعث الرعب والخوف في قلب العقلية الرجالية، وبالتالي تحولت ليليث تدريجا من رفيقة آدم، إلى إمرأة شبقة لا تشبع جنسيا ثم إلى عاهرة ثم حية ثم شيطانا في نهاية الأمر وطائرا ليليا يفترس الأطفال ويغوي الرجال، وأصبحت السبب الرئيسي في المصائب والشرور التي يرتكبها البشر.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دفاعا عن المثلية
-
الله يزور نيوتن
-
داغرمان - الفنان والموت
-
ستيج داجرمان .. أو الحياة المضعوطة
-
بخصوص ذكرى أول مايو
-
الهروب للأمس البعيد
-
زمن الإختناق
-
السيدة ليليث
-
السيد إبليس
-
السيد آدم
-
دحو الأرض والسماء
-
أسطورة التكوين في التراث الإسلامي
-
كتاب الموتى
-
عن الموت والفكر الميت
-
عن النمل وكلام الله
-
القلب الخفي لعدوى الكوفيد
-
كوفيد ١٩
-
الله كعدو شخصي
-
العقل الديني مرآة العقل الذكوري
-
في إنتظار البداية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|