أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احسان طالب - الإشكالات الأساسية في الفلسفة















المزيد.....



الإشكالات الأساسية في الفلسفة


احسان طالب

الحوار المتمدن-العدد: 6577 - 2020 / 5 / 29 - 22:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إنكار المشكلة أو الهروب منها لا يحلها، وتجاهل الخلل أو تغطيته وصرف النظر عن الأزمات والعيوب والنقائص يفاقمها ويرفع من وتائر آثارها السلبية، هذا هو الواقع الذي أغرق الانسان نفسه فيه وأبعد ذاته عن موضوع المشكلة ، وسعى هاربا نحو التقنية ـ التكنولوجيا والعالم الافتراضي محققا إنجازات مذهلة، بيد أنه مازال يلهث خلف السعادة ويعاني من تفتق وتمزق نفسي واجتماعي وسياسي يولد ظاهرات غريبة متفاقمة ليس أولها ظاهرة العنف الأيديولوجي والديني والسياسي والاقتصادي ، وليس آخرها تراجع مكانة الانسان وانحسار قيمته بالانتماء والتموضع الجغرافي والحضاري والديني أو الاثني..
الحل يبدأ بالاعتراف بالمشكلة وفهمها والبحث عن حلول ، ويتناسب الحل طردا مع شكل المشكلة وموضوعها ، جزئية كانت أم كلية ، لكن من المؤكد أن أي مشروع تفكيك معضلة عالمية أو شخصية لا يتأتى بحركة واحدة أو بنظرية واحدة سطحية أو مستهلكة قادرة على استيعاب كلي للمشكلة ، فالتفكير الدوغمائي في تجاوز الأزمات أو بلوغ الغايات غير ملائم على الإطلاق ، فالحلول والأهداف تتحول من أفكار إلى واقع عبر عنصر أولي هو الزمن، وعنصر عملي هو خطة العمل الجزئية متسقة بنسق عام لموازي لحيثية المشكلة أو الحالة المعنية ، فعملية فرز عناصر المشكلة ومعالجتها واحدة تلو الأخرى وفق رؤية كلية هو السبيل المنطقي للوصول إلى نهايات مرضية وواقعية.
لا شيء في الوجود مستعصي على الحل ، حتى الموت أوجد الإنسان له سردية تجعل منه بداية لوجود آخر. لحياة أشد حضورا ، والغائب حي ما دامت الحياة، والوجود بما أنه موجود يمثل جوهر المشكلة وأساسها . الجديد عند هايدغر حيثية الوصول لمعرفة حقيقة الوجود المطلق العام عبر تحديد معنى الوجود الإنساني بوصفه الطريق الأمثل للحقيقة.
تتعلق المشكلة الفلسفية بالمفاهيم والمبادئ والأصول الكلية، كان وما يزال السؤال اليوناني حاضراً موجوداً ، ليس فقط كيف ولماذا وإلى أين ومن أين، بل منهج السؤال وشكله بقي على ما كان عليه؛ أصل الكون وأصل الوجود ومكانة الانسان ووجوده وعلاقته بذاته والأخرين ، الكون والوجود ، سؤال الميتافيزيقيا وما وراء الطبيعة وما بعد الموت ، الله كحقيقة أزلية والخير ـ العقل ـ المنطق ، هكذا كان منذ طاليس (حوالي 630 – 570 ق.م) وحتى هايدغر قطب المعرفة في القرن العشرين الميلادي.
أخذت الفلسفة منحاً جديداً مبايناً عما عهدته سابقا ، مع الفينومينولوجيا المستحدثة وتحديدا مع الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر(26 سبتمبر 1889 - 26 مايو 1976) حيث كانت الميتافيزيقيا واحدة من أهم المباحث بل وركائز الفلسفة على مدى العصور القديمة والحديثة وباتت المهمة الأساسية ؛ البحث عن اللامفكر فيه، لقد نشأت أفكار هيدغر من صلب ، إشكالية العلم الأوربي كما مأزق الأخلاق الأوربية " يستدعي الحضارة الغربية في عصرها النووي، للوقوف على مشارف انهيارات عظيمة كانت التقنية ـ التكنولوجيا ـ وراء حدوثها الفعلي ، يلفت هايدغر انتباه الغرب إلى الخطر الأعظم في غابة لم نجد في مسالكها دربا واحدا يخص سؤال الوجود، ففي ظل هيمنة التقنية وموظفيها على مختلف أوجه الحياة ، وفي كل جهة من جهات الأرض لم يعد أمام الفلسفة غير الاستنجاد بذاتها لإنقاذ ذاتها وإنقاذ الإنسان من دمار يحتمل وقوعه في كل لحظة" (7 ).
لقد باتت المهمة إنقاذ البشرية من شر ذاتها وشر منتجات تقنية باتت لا تسيطر فقط على كافة مناحي العلم بل على تفكير البشر أيضا عبر سيادة الخطاب التقني وهيمنته على الخطاب الكوني ، "خطاب تحكمه نزعة عقلانية تتمركز حول ذاتها تسعى لتسخير التقنية لفرض رؤية تدميرية كانت الخطر الأكبر على العالم ، حولت التقنية الطبيعة إلى مستودع للطاقة وجب استنفاذه وفق نظام رياضي ... مارست التقنية الحديثة سلطة ميتافيزيقية على الوجود الإنساني" (8) ولم يعد الإنسان أكثر من جزء من عملية تقنية شاملة يُفسر وجوده التاريخي " الضغط الذي تمارسه طاقة طبيعية ظاهرة وبقدرة الإنسان على تسخيرها" فالمهمة الأساسية للفلسفة عند هايدجر استبصار مقومات أنطولوجية للوجود الإنساني بتصوره، تلك الكينونة الإنسانية أساسا جوهريا للوجود، طالما كانت مهمة الفلسفة انقاذ البشرية من ذاتها وتحصين الوجود من التدمير . في أمثال تلك الأجواء المادية التي حولت التقنية لسلطة ميتافيزيقية تستحوذ على تفكير البشر نستطيع إدراك معنى أن تكون ركيزة فكر هيدغر بعض المشاعر الأساسية التي ترتبط لا بهذا الموضوع الجزئي أو ذاك بل بالوجود بصفة عامة وأحواله " القلق والهم ، الحصر ، الألفة، السأم ، الدهشة ، الضيق ؛ فمشاعر من هذا القبيل هي التي تجلو ماهية العالم" (9)
بتلك المشاعر التي أولاها مارتن أهمية معرفية أولوية عاش الناس هنا ومنذ ـ مجردة عن الزمان والمكان ـ كما في غير مقام بين دفتي فقر وبطر، عرفت واحدة بطر ثم فقر وأخرى بطر ثم فقر، دول تتداول، من يقدر على الجزم، أهل التعالي في يقين، لكن من أين يأتي اليقين، فمن كان فوق نزل ومن تحت صعد، سيروا في الأرض ولا تغتروا بعقود وحتى قرون، دون تبدل أو تغيير الشيء الوحيد المستجد هو اتساع ماهية الخير والشر بين المتعالي والدنيء ، كل مستوى يستقطب أهله ولا جديد بل تجديد مع كل دورة شمس، أليست المسألة مرافقة لظل الحضارة ؟ تتباين ظاهرة الافتراق والتنوع لتعود بصور جديدة متجددة تبحث عن حلول لإشكاليات ما كانت معروفة ، فمعضلة الإنسان بعلاقته بالتقنية خلفت إشكالات متغيرة بل متأقلمة مع حلول تلهث خلفها ولا تدركها وكلما تجاوزت عتبةً ما انفطرت الظاهرة عن شكل جديد يستوجب تفكيرا جديا.
أهل التعالي ـ حكماء ، سياسيون ، رموز شخصية أم اعتبارية ـ في برزخ لا يشعرون، يبنون قصورا من أوهام وجنون، معارف هشة يذهبها الشك مذهب الريح ، أما عن أهل الاستكبار فغافلون بالحلو والحامض يتلذذون، وعن المر لا يدرون ، نوس علوي مجهول أو معروف يراقب الكل : لا يتدخل الآن ، لقد أنهى كل شيء قبل ومع التكوين، فانتظروا وكل في دوامة دائرون. من أين يأتي اليقين ولا ثبات ولا سكون. يقين واحد هو الوجود ـ الأنطولوجيا ـ والموجود. السؤال عنه لا ينفيه ، والغياب لا ينفي الحضور، أن أتحد فيك أو تتحد فيني لا يعني أننا واحد، أصل الوجود واحد متعالي أوجد الوجود دون أن يكون فيه مع أنه أصله وأصل الفناء. كيف يحدث أن يكون الغياب عن البصر حضور في روحك ووجدانك، وكيف يمكن الشعور بالوحدة بين الحشود ، لأن الإنسان قادر على تحقيق الانفصال بين العقل والجسد، وقادر على أسفار الروح ـ النفس ـ وتنقلها في فضاء الكون والمعرفة الواسع، وفي جنبات الأرض المترامية. ربما كان أشد الحاضرين وجوداً غائب، تعلق القلب بالغياب الموجود يفوق تعلق القلب بالحضور. الزمان حركة دائمة للموت وتجدد الحياة ، للتجلي المطلق للعدم ، تبرز مشاعر مثل القلق ليجلو ماهية العالم، وليس المقصود بذلك مجرد التعاطي مع الأشياء الخارجية التي تحيط بنا بل الشعور بالوجود في كلية الموجود " إذا صح أننا لا ندرك أبدا كلية الموجود في ذاتها وبصورة مطلقة ، فلا ريب بالمقابل في أننا متواجدون وسط هذا الموجود الذي تتكشف لنا كليته بطريقة أو بأخرى .. وأغلب الظن أننا نرتبط في مساعينا المشتركة بهذا الموجود أو ذاك ؛ ومن ثم يمكن أن يتبدى لنا الوجود اليومي متجزئا ، بيد أنه يحافظ مع ذلك على تلاحم الموجود في كليته ، وإن يكن هذا التلاحم محتجباً بقدر أو آخر خلف ستار الإبهام . وإنما عندما لا نكون منشغلين تمام الانشغال بأنفسنا تتبدى لنا تلك الكلية ، وعلى سبيل المثال في حال السأم العام العميق .. فالسأم العميق إذا يمتد في أسحاق الوجود كضباب صامت يخلط الأشياء وذواتنا خلطا عجيبا في لا تمايز عام . هذا السأم هو تكشف للموجود في كليته (10)
كيف لنا أن نتحرر من تلك المشاعر الكلية التي اعتدنا اللجوء إليها حتى بتنا أسرى لتلك الأصنام التي اصطنعناها ولم نعد قادرين على تحاشيها ؟ كما أصبحنا رقيق لسلطة ميتافيزيقية غيبية مصدرها تقنية عالية متطورة باستمرار، وبدل أن تصبح التكنولوجيا مصدر طمأنينة وسعادة واستقرار غدت الجالب الأكبر للانشغال والقلق والخوف .كلما اصطنعت لنا ثورة الاتصالات منتجا جديدا انسقنا بلا إرادة لمبررات اقتنائه والتعلق به حتى بات شعور الإدمان على المنتجات المتقدمة ظاهرة عامة متسقة مع حركة الزمان وتعدد المكان ، فما حاول هايدغر الحد منه والانعتاق منه وقعت البشرية في براثنه وغاصت عميقا في اصفاد تخلق مزيدا من مشاعر آسرة تتغلغل أكثر فأكثر لتبرز اختلاط عجيبا لا متمايز بين مشاعرنا ووجودنا.
" هكذا نرى أن حقيقة ما حتى ولو لم تكن مؤكدة صراحة ـ غير يقينية ـ يمكنها أن تؤدي بالفيلسوف إلى تغيير منظوراته" (11) ليس تقليل من أهمية وعظمة المذاهب والمدارس الجديدة أو المستجدة بقدر ما هو فهم لمعاني الفلسفة، ومدى تأثرها بالواقع والبيئة التكنولوجية الكونية متوفرة على قدرة خارقة للإبقاء على صلة متينة ومحققة بالأصول الأقدم والمدارس المُؤسِسَة كما لو كنا أمام صورة جديدة للفيلسوف بعيدة عن ذلك الحكيم حاد القسمات صاحب الملبس الخشن، لا ينطق إلا عن حكمة قد لا يعرف لها أحد أثرا في واقع الإنسان ولعلها لا تعني فرداً معاصراً واحداً. لم يبتعد كثيرا عن الصواب من فهم الحكمة كرديف لعيش الحياة وتربيتها لتكون مصدرا للخير والفضيلة والسعادة وليس مجرد نظر فيما كان وما سيكون وما يجب أن يكون، تلك أسئلة مهمة وقيَمة حقا لكنها غير كافية وإن بدت لازمة بمقتضى البحث عن الحقيقة وفهم ما جرى وما يجري .
مع كل عَلم من أعلام الفلسفة نجد أنفسنا أمام باب مستحدث يفتح آفاق ما سبق لنا التفكير بوجودها
" يصدر كل منهج فلسفي عن رد فعل شعور إنساني ما ، تجاه العالم أو ـ إذا شئنا ـ تجاه تصور معين للعالم لا تكون ذاته إلا فردية ، غير أن هذه الذات تخضع لمقتضيات كلية ، وتبدو حساسة لبداهات أبدية ، ولهذا فإن الحديث أو الحوار الفلسفي يتتابع على الرغم من فواصل الزمان والمكان" (12)
هل نسعى متعمدين لتعقيد موضوع مركب أساساً ؟ أم نحن بالأصل أمام معضلة معرفية تستلزم الصبر والجهد وقراءة متأنية مصحوبة بشغف لا يفتر لمعرفة المزيد وكشف المستور ؟ ألم يشع القول " حب الحكمة " حتى بات رديفا للفهم والتفكير والسؤال؟ متاهة لا نهائية ، كلما حللنا أحجية نقلتنا لمتاهة جديدة ، صورة شبيهة بالكون الواسع؛ بقدر ما استطاع العلم كشف واحدة من مجاهله اللانهائية بزغ عالم آخر، السر فيه أنه جزء من وحدة متكاملة متجانسة الماهية بما فيها من تمظهرات مختلفة.
" أراد هيدجر أن يفهم” الوجود” بصفة عامة، إلا أنه يرى في كينونة الموجود البشري سبيلاً مشروعاً لفهم حقيقة الوجود بوجه عام. إنه يقرر أننا لا نفهم الوجود إلا عن طريق وجودنا أو في صميم كينونتنا، وبهذا المعنى يمكن القول بأن الأونطولوجيا هي وجودنا نفسه. إن هيدجر يريد أن يقصر كلمة” الوجود” على الإنسان، فنراه يقول:« إن الحيوان” يحيا”، والموضوعات الرياضية” تبقى”، والأدوات المادية” تظل” تحت تصرفنا، والمظاهر الطبيعية” تتجلى” أمامنا، ولكن الإنسان وحده هو الذي” يوجد” بكل ما في كلمة” الوجود” من معنى». وقد أكد على دور الآنية في أنه يقتصر على الاستماع إلى نداء الوجود نفسه ويصبح” راعي بيت الوجود”.(13)
الوجود المفتقر للوعي وجود ناقص ، نوع ما من أنواعه أو من تمظهراته ، من هنا كان وعي الإنسان بذاته ـ بنفسه منه وإليه ـ سبيل لوعي العالم وعلاقته بمن حوله والعالم، حتى أنه يمكن لنا تصور الإنسان قائما ـ موجودا ـ بذاته في العالم، حتى أنه يمكن أن يُتصور بوصفه قائما فحسب ، بعبارة هايدغر نفسه.
أدمون هوسرل : 8 أبريل 1859 - 26 أبريل 1938 :
" قد لا يكون من المغالاة القول بامتناع تقديم عرض موجز للفكر الهوسرلي ، وذلك لتنوع هذا الفكر وترامي مضامينه في أرجاء ما يقارب الخمسين سنة من حياة العمل والإنتاج . إلى ذلك فهو فكر لا يخلو من اللبس أحيانا والغموض أحيانا أخرى ، وذلك بالرغم من جهود صاحبه المخلصة ومحاولاته اللامنكفئة أبدا للوصول بفكره عبر السن والشحذ المتواصل إلى منهجية واضحة المعالم تصلح ، في يد مفكر قادر لتقطيع أشذاب الفكر على قد قامات الأشياء ذاتها " (14)
المثالية والواقعية والوجودية صفات أولية أَطَرمن خلالها البَحاثَةُ عِلم هوسرل ، لكن السيرة العلمية أكبر من ذلك بكثير، فهي ممتدة ما بين التجديد لأرسطو والتمديد لكانط ، وتأملات ديكارت وقصدية برنتانو وتأسيس للفينومينولوجيا كظواهر للوعي "أي ظهور موضوعات وأشياء العالم الخارجي في الوعي" حتى الوصول إلى علم الماهية أو العلم الجوهري، من الحساب إلى الوصف السيكولوجي المحض ـ القوانين السيكولوجية للتفكير، إلى التخلي الكامل عن المذهب النفساني ونقد النزعة النفسانية وصولا لقيام "فلسفة أولية أو علم كلي دقيق الضوابط يدرس أفعال التفكير وماهيات الموجودات، واعتماد المنهج الدارس لظهور الماهيات في الوعي، " ويقصد بالماهيات الحقائق الموضوعية للأشياء طالما كانت متميزة عن طابعها الحسي." فالماهيات سابقة في وجودها في الوعي على حواملها المادية. وبحسب أميل برهييه " إن هوسرل في المقام الأول رياضي ومنطقي : بيد أن مذهبه يمكن أن يدلف وقد دلف فعلا إلى جميع مضامير الفكر الفلسفي" سيرة انتهت بتأليف كتاب التجربة والحكم عام 1939وصدر بعد وفاته بعام
"إن فينومينولوجيا هوسرل تقف كأساس لأغلب هذه الفلسفات. فجان كافاييس صاحب كتاب حول المنطق ونظرية العلم ، ، كان تلميذا متأثرا به. وتعتبر نقطة انطلاق موريس ميرلوبونتي (1908–1961 م) هي نقطة توقف هوسرل كما تأثر به ، أهم علماء اللغة في القرن العشرين، حين ساعدته فلسفة هوسرل على التفكير في العلاقة بين (الجزء) و(الكل) في اللغة والثقافة. كما أن إيمانويل ليفيناس ولد 12 يناير، 1906 - توفي 25 ديسمبر، 1995 انطلق من أطروحة شهيرة عن "نظرية الحدس في فينومينولوجيا هوسرل" . كما يعتبر يورغن هابرماس (18-06-1929 دسلدورف امتدادا لهوسرل في الاهتمام ب"عالم الحياة" بدلا من الماركسية الجافة والبقاء في أسر النظام الاقتصادي. كما نجد أن جاك دريدا في 15 تموز 1930 ـ 8-10-2004 فمثلا قد ألف كتابا مبكرا عنوانه " مقدمة لكتاب هوسرل عن أصل الهندسة". كان هذا استعراضا لفلاسفة أفراد ولكن لو انتقلنا للمذاهب الفلسفية لقلنا مباشرة إن الوجودية خصوصا عند هايدجر ، تلميذ هوسرل، وجان بول سارتر21-6-1905 ـ 15-4-1980هي امتداد وتطبيق للمنهج الفينومينولوجي الذي وفّر لأول مرّة أدوأه تخترق بها الفلسفة الحواجز بين العقل والشيء في ذاته. كما أن فلاسفة الاختلاف وما بعد الحداثة أتموا النقد للفلسفة بعمومها التاريخي ، الذي كان قد أسس له هوسرل " (15)
نموذج مثالي لتطور الفكر الانساني وارتقائه نحو البحث عن الأعمق والأشد غورا وصولا لأول الأوليات ـ البداهات ـ فالأستاذ الجامعي الرياضي الذي أصدر ببداية عهده الجزء الأول فقط من كتاب فلسفة علم الحساب 1891 متأثرا بشدة بالمذهب النفساني بالفلسفة والنزعة السيكولوجية بالمنطق ، ألف كتاب أبحاث منطقية 1900 الحاوي لنقد موسع لمذهبه في مؤلفه الأسبق . فالحقيقة والعلم الأصيل والفكر الحر المستقل كانت ميزات استثنائية رسمت توجهات هوسرل خلال مسيرته العلمية ليؤسس لعلم جديد دخلت تطبيقاته ميادين جميع الفروع العلمية حتى أننا نجد تأثرا واضحا لتطبيقات الفينومينولوجيا في فلسفة الدين وعلم الأخلاق ، فماكس شلر 1875 ـ 1929 ـ الأستاذ في جامعة كولونيا استوحى الروح الفينومينولوجية بوضوح " يجد شلر في القيم تلك الصفة عينها التي عدها هوسرل علامة موضوع وماهية ، ألا وهي صفة الوحدة العددية عبر تنوع المظاهر : فالمستحب والمقدس كيفيتان مثلهما مثل الصوت واللون ، وتبقيان هما هما مهما اختلف حاملهما ، فالقيمة إذن موجود مستقل عن الحامل النفسي والرغبات ، ولا يحتمل إطلاقا النشوء والتكوين، ووحدها القدرة على الانفعال بالقيم هي القابلة للتطور .... إن فلسفة الدين ليست علم نفس يحلل ويختزل بل هي حدس ببعض ماهيات تتجلى في تجربة دينية أصيلة لا تقبل الاختزال ... لأن الماهية الأساسية التي ليس الدين إلا حدسا بها هي ماهية المقدس ... وليس ثمة إيمان آخر سوى ذلك الايمان الذي استند إلى حدس " (16)
ذلك الأثر الكبير لهوسرل امتد ليصبح ملهما لعديد التطبيقات لدرجة بات من المنطقي ولوج البحث فينومينولوجي في الدراسات الأنثروبولوجي والبيداغوجيا، ما يثبت صوابة التوجه نحو الوصول لعلم يكون أساس العلوم؛ بحيث يتحصل الدارس على جملة قواعد كلية صالحة للتفعيل والتطبيق بأي مجال معرفي، فالتفكير بالظواهر أياً كانت بشتى المجالات والتخصصات وتحليلها بالعودة إلى الوعي باعتباره قوام العمليات المعرفية والحامل الأساسي لها، يفتح الآفاق النظرية بلا حدود ، كذلك مفهوم التعليق والرد ـ الإبوخية ـ أي الانفكاك ‏من‏ ‏أية ‏مفاهيم‏ ‏أو‏ ‏افتراضات‏ ‏أو‏ ‏أنساق‏ ‏نظرية‏ سالفة ، ‏تُجرب ‏التفسير‏ ‏أو‏ ‏تظهر الرابط بين ‏العلاقات‏ ‏والأسباب‏، أي بالمعنى الحرفي: تعليق حكم وجود هذا العالم مما يتيح لي إمكانية اتخاذ مسافة منه، عوض البقاء أسيرا لموضوع أو مستغرقا بحدث ما، وبعبارة أخرى " أن يتوقف عن البحث في وجود الموضوعات كي يركز على النمط الذي تظهر به الموضوعات في الوعي. وبذلك استبعد الحكم حول وجود الأشياء والعلاقات الموضوعية بينها، وهذا هو معنى تعليق الحكم" فمفهوم التعليق قضية في غاية الأهمية يتيح الفرصة كل مرة لفهم جديد وحتى وعي ـ كوسيلة لوعي ما هوي ـ جديد انطلاقا من بداهات كلية لا سبيل إلا للقبول بها ، فممارسة العمل بمفاهيم الهوسرلية أوجد رؤية متجددة لفهم القضايا والمواضيع بذات القدر الذي يفسح المجال لقراءة الذات ، فعندما نقول إن التصور الموازي للمقولة يعني تصور المعرفة الممكنة، وأن التصورات والمقولات هي الوسائل التي تقع بين الذات وموضوعها ، وأنها ذات طبيعة مثالية أي نظرية فكرية قبلية، فهذا يعني أن مصدرها لا يرجع للتجربة ، ونلاحظ كيف يسير التفكير النظري حسب عملية وضع للأحكام التي تلحق المعنى بموضوعاتها حسب طابع فكري خالص، يعبر عن فهم الذات وقصديتها نحو موضوعها ، ندرك عندئذ ماهية العلاقة والرابطة بين الذات وموضعها بصورة مختلفة عما عهدنا، ما يسمح لنا بمزيد من المعرفة حول قضايا أكثر التصاقا بظواهر وتجليات الوعي التي تترك بصماتها بواقعنا وعالمنا.
" تتحول المدركات الحسية في الفينومينولوجيا الهوسرلية إلى مدركات ماهوية بواسطة عملية التمثيل التي تجعل الشيء المدرك مجرد مثال عقلي أو فكرة خالصة تكَوّن ماهيته الأصلية ، أي يتحول هذا المدرك الحسي إلى صورة ماهوية يمكن إدراكها حينئذ بالحدس العقلي لكي تؤسس عليها المعرفة اليقينية المطلقة "(17) في أبحاث منطقية ويتخذ الكوحيتو الديكارتي شكلا ماهويا مباينا ، ويصبح على النحو التالي: أنا أفكر إذن أنا المُفكر فيه، أنا أفكر أنا موجود ، وباعتبار أن وجود " الأنا " معلم أو صورة للوجود ، فأنا أفكر إذا أنا المفكر به وفيها نجد أيضا :المنطق ليس علم القواعد ، القانون ليس تعميما للجزئيات الناتجة عن عملية الاستقراء. إن التجربة ليست معيار صحة الأفكار. ، لا يمكن فصل الذّات عن الموضوع، لا يمكن فصل الموضوع عن ماهيته، من منطلق أن الفينومينولوجية هي فلسفة الماهية.
حقيقة لا بد من الإشارة إليها في سياق البحث وهي أن المواضيع والمسائل العلمية ذات صلة كبيرة بمصادرها ، ويغلب طابع التصنيف والتوليف والتحقيق على التأليف فيها ، وتبقى الاجتهادات الذاتية محدودة ، ذلك أننا نسعى وراء البيان ـ أي التوضيح والشرح ـ وتوظيف الأفكار العامة لاستخراج نتائج محدودة جل مجالاتها تطبيقية ، خاصة ومعرفة الفلسفة الغربية الحديثة تعتمد بالمقام الأول على الترجمات والتي لا تغطي كل مجالات البحث، لمحدوديتها الكمية بالدرجة الأولى، .
"يميز هوسرل في الواقع نفسه بين مجالين وليس بين عالمين ، مجال الحقائق ومجال الوقائع ، أما مجال الحقائق فمؤلف من كل القوانين الخالصة أو الدقيقة التي يستحيل تغييرها لكونها خالصة من كل مضمون تجريبي أو وقائعي ، بخلاف قوانين الوقائع التي يلزم في طبيعتها الوقائعية ومضمونها التجريبي القابل للتغيير.(18)
يميز أيضا بين الحدس الحسي، وحدس الموضوعات، الأول هو الإدراك الحسي المباشر للأشياء والثاني هو الموضوعات المتخيلة ومنها أفعال الخيال كالاستبقاء، أي الاحتفاظ بالإدراكات السابقة في الذاكرة أثناء تلقي إدراكات جديدة، والاستعادة والتذكر والقدرة على جمعها ودمجها، يعطي هوسرل معاني جدية لمصطلحات فلسفية تقليدية ، فالحدس عادة ما يكون قبالة الحدس ، لكن هنا يستجد لدينا معنى ـ الطريقة التي ترتبط بها الذات بموضوعها ـ للحس ذو صلة وثيقة بالحدس ، وتغدو المخيلة وأفعالها عنصرا أساسيا في عملية الوعي،
كما يميز بين قصدية الوعي نحو الجزئي ونحو الكلي فالأول يجعل الوعي يدخل نمط الإدراك الحسي والثاني يجعله في نمط الفهم التصوري . يقول هوسرل :" إذا كان اطراد الصورة وانتظامها هو الذي يجعل وجود العلم ممكنا ؛ فإن استقلال الصورة عن حقل المعرفة هو الذي يجعل وجود نظرية العلم ممكننا .. إن ما يميز الموجود العاقل حقا هو اندراج براهينه وحججه تحت قوانين وصور محددة، بل إن كل اختراع أو اكتشاف ،إنما هو مستند أصلا إلى اطراد الصورة وانتظامها في المعرفة الإنسانية." (19)
التنقل بين أسفار محاولة تأسيس العلم الأولي مغامرة عقلية فريدة تتكشف خلالها خبايا ما كان يظن معرفته ، وتمد العقل بطاقة حيوية هائلة تحفزه نحو مزيد من التساؤل والفضول لمعرفة المزيد سعيا لسبق كشفي يغلفه الغموض واللبس ، وتغدو لحظة الوصول لفض الحجب واستبصار حقيقة الوجود والأساس الجواني الدائم ، برهة لنشوة النفس ومتعة عقلية لا تضاهيها متعة، هي لحظة متطابقة كل مرة مع نقطة الخروج من الكهف الأفلاطوني والبدء بمحاكاة الضوء كما لم تعرفه من قبل. عندها لا تكون الخيالات أوهاما ولا تكون الصور استنساخا لتصورات ذاتية ضحلة ، ويصبح الحس وعيا داخليا يراكم تجارب حدسية ليصل إلى بداهة لا تقبل الرفض.
تبقى أو تستمر الإشكالية في نقل الفلسفة لتساهم في ايجاد حلول للأزمات العاصفة التي يوجهها العالم ؛ كيف يساهم الفيلسوف في ايجاد مخارج لقضايا استعصى على العلم حلها ، فنكسة الرأسمالية بل بدقة أكبر أزمة الفرد المعاصر الناجمة عن تمظهر سلطة ميتافيزيقية مباشرة على البشر حولتهم إلى أدوات استهلاكية لمنتجات ما كانت لتكون ضرورية لولا سلطان المال والإنتاج على التفكير الإنساني ، وإيغاله عميقا داخل المعرفة الحسية المباشرة للأفراد وصولا نحو تشكيل وعي زائف يُخشى تحوله لحدس تجريبي، يفرز حقائق متغيرة، يراد لها أن تصبح معيارا للحضارة والتقدم كحقائق نهائية .
لماذا حاول هوسرل ايجاد علم أولي للعلوم أو نظرية كلية للعلم ؟
إن المعضلة الروحية للإنسان الأوربي تجلت في كارثة العلوم الطبيعية الإنسانية التي عجزت أو تقاعست عن رصد أولوية وجود الفرد كإنسان، ومالت لاعتباره أداة للتجربة ومطية لبلوغ أمجاد متوهمة للأيديولوجيات والمعتقدات ومرد ذلك إلى" عجز المنطق وبشكل أدق إلى الفلسفة ذاتها، وإلى استقلال العلوم الخاصة والتي أخذ كل منها صياغة الفلسفة كلها على طريقته الخاصة في تصوره لمنهجه وموضوعه ، إن العلوم الخاصة أو المنفردة تخفق في فهم أحادية الجانب في منتجاتها ، وهي عاجزة عن أن تبين أنها لن تستطيع تحقيق ـ في نظرياتها ـ المعنى الكلي لنظرياتها الخاصة إلا بعد وضع افتراضات غير دقيقة ، تفترضها مناهجها مسبقا موضع بحث جدي ، لنتبين أن هذه الافتراضات نتائج محتومة للتركيز الحاسم لكل منها على مجاله الخاص، فهي لم تستطع ربط مباحثها بكلية الوجود ووحدته الجوهرية .. إخفاق المنطق في أن يكون نظرية للعلم هو السبب الحقيقي في محنة الإنسان الأوربي وفي أزمة العلم بعامة ، وفي العلوم الإنسانية بخاصة" (20)
كارثة تجلت في خسارة الفلسفة للإيمان بالعقل ، ففلاسفة القرنين السابع والثامن عشراستحوذت الغائية على منهج دراستهم وبات الهم الأول الوصول لنتيجة معلقة معلومة، متصلة بنتيجة الجهد العقلي والفكري المبذول ، وتجلت خسارة العلوم بانصرافها وتركيزها نحو الموضوع متناسية بل ومتجاهلة أهمية الحياة التي من أجلها يفترض استرجاع واسترداد الخبرات العقلية للتركيز على الذات بماهي جوهر الموضوع بل هي الموضوع بذاته.

الإشكالية الأخلاقية والروحية الناجمة عن الثورة الصناعية وما تلاها من حرب عالمية عاصرها هوسرل كما ظهور الفاشية النازية واستيلائها على النظام بألمانيا عبر اللعبة الديمقراطية كان محفزا للقول بأزمة العلوم ، فالتقدم والصناعي والعلمي الهائل لم يمكن الإنسان الأوربي من تجاوز محنة الغرب بل وبدا وكأن العالم متجه إلى مزيد من التهور والتدمير بدلالة التقدم العلمي والصناعي ، لقد ظهرت بوادر الحرب العالمية الثانية في نفس العام الذي توفي فيه هوسرل ، ما دل على عمق التأزم و عظمة المنحنة التي تواجه البشرية، ذلك الطقس الكوني الهائج حفز السؤال الأخلاقي الكبير : لماذا لم تستطع العلوم الإنسانية والطبيعية تلافي الانحدار الهائل للقيم الإنسانية والروحية والأخلاقية رغم ما بلغته من تطور هائل تلا ثورة صناعية مرعبة ؟ يتكرر السؤال بعد ثلاثة أرباع قرن تقريبا من ذلك الزمان ، لماذا ما زالت البشرية عاجزة عن التحرر من أزمتها العاصفة بل والمتصاعدة بعد ثورة الاتصالات وغزو الفضاء وعولمة البرمجيات الرقمية، واكتساح العالم الافتراضي للفضاء الانساني قصدا وطوعا وجبرا ودون استئذان؟ إنها مسؤولية العلوم عن انقاذ البشرية من ذاتها كما قال هيدغر ومنع التدمير الذاتي الذي يمارسه الإنسان بحق نفسه والكون ، مسؤولية تستوجب البحث عن خروج منظم من براثن عبودية مادية جديدة ساهمت بدرجة ما بانحياز جماعات من البشر إلى خروج عشوائي عن منظومة مفاهيم العقل والخير والإنسان.
يمكن للفلسفة بتقديرنا ، إخراج الفرد من عبودية المقاييس الحديثة للجمال، بحيث بات أسيرا لمنتجات تغير الطبيعة البشرية وخلق نسق جمالي موصوف بالميديا العالمية متمثل في المشاهير والنماذج المصطنعة ، يفرض ذاته فرضا داخل وعي الفرد مزاحما علاقة الوعي الذاتي بماهية الوجود الجوهرية ، المتصلة بحقائق أبدية توثق ضرورة تكريم الإنسان كعنصر أولي في الوجود انطلاقا من ظاهرة وجوده العياني ، فالفرد أو الإنسان ليس أصل الوجود لكن وعيه لذاته هو معيار لوعيه للوجود.
والوعي عند هوسرل متحرك دائما كونه فعل ولا يظهر إلا في صورة فعل أو نشاط أو وظيفة أو حركة، "أفعال الوعي تُنتج مضمونها، وهي لا تستقبل الموضوع المحسوس لأنه هو نفسه منتج من قبل الوعي. الوعي لا يستقبل إلا الانطباعات، أما الشيء نفسه بموضوعيته وأحواله فهو من إنتاج الوعي. ذلك لأن العلاقة بين مادة الإدراك المكونة من انطباعات والموضوع المدرك هي علاقة جزء بكل، وتجميع الأجزاء للحصول على / كل هي وظيفة أفعال الوعي، كما أن مادة الإدراك باعتبارها جزئيات لا تحصل على هويتها باعتبارها كذلك إلا في علاقتها بالكل الذي ينتجه الوعي" (21)
نحن في عالمنا المعاصر نعكس الاتجاه تماما في فعل الوعي، فإدراكنا للأشياء ـ الظواهر ـ إدراك سلبي ، بمعنى أننا نعيها كما هي ظاهرة في العيان وليس كظاهرة في الوعي، متناسين البعد الزمني، أي قدرتنا على مشاهدته ـ الشيء ، الظاهرة ـ من عدة زوايا وعبر أزمنة مختلفة؛ إذن الوعي هو من يؤسس للشيء شيئيته أي حقيقة وجوده الماهوي ، أما التسليم بالإدراك الحسي فقط عندما يفرض رؤيته علينا فنرى ـ أو نقيم شيء ، موضوع ـ ما ينتجه الإدراك الحسي فقط، متوهمين بأن ذلك الفعل العقلي إدراك واعي في حين أنه انتاج أقره ادراك سلبي، فالأبعاد المادية للشيء هي التي فرضت علينا موضوعه ، لكننا قبلنا إدراك الموضوع بأبعاده الثلاث دون إشراكٍ لبعد في غاية الأهمية وهو البعد الزمني.
ورطة الوعي الزائف والمصطنع تُغيّب الحقيقة ، فتحل محلها جملة مفاهيم تجريبية متغيرة تبعا لتوجهات المنتجات التكنولوجية ، إن استقبالنا لموضوع أو مادة الحداثة مشابه إلى حد بعيد لاستقبال الإلهام الخارجي وكأنه سلطة عليا لا تناقش ولا ترد يستلبسها الحق المطلق وكأنها ماهية مطلقة ، متجاوزة قدرة العقل البشري على الفهم والإدراك، وعلة ذلك استسلام البشر وتنحية وعيهم الحدسي والانصياع فقط للإدراك الحسي المشكل بشروط الزمان والمكان. .
" العلم ها هنا يمثل نسقا من القضايا المترابطة فيما بينها ارتباط المقدم بالتالي ، وبذا يصبح العلم نظاما أو مجموعة من الأنظمة الاستنباطية النسق لا سبيل للفلسفة إلى أن تكون علمية إلا إذا نجحت حقا في تحقيق هذا النوع من الدقة ..ما الذي يجعل من علم ما علما ؟ إن فهم علم ما يعني تأسيسه ويعني أننا قادرون على أن نفهم كيف يمكن لعملياته التي تنشد الحقيقة أن تظل مطابقة للأساس الذي تطلبه ـ وعليه يرى هوسرل : أن المنطق هو العلم الذي يضمن تطابق المعرفة مع مستلزمات أبحاثه وضرورتها .. والمنطق علم نظري صوري وبرهاني قبلي مستقل عن علم النفس والميتافيزيقا" (22)
مسؤولية العلوم تبقى قائمة وهي وحدها قادرة على معالجة الظواهر والعوارض التي خلفتها، لقد تنازلت الفلسفة عن برجها العاجي كمنبع العلوم ورئيستها واستقلت لتكون علماً مختلفا ، نظريا بحتا إلى حد بعيد ، أهم ما يميزها القدرة على فهم ما هو غير مفهوم، وما ترك أو علق من العلوم الأخرى ، فالفيزيائي لا يعنيه ما يمكن تحصيله نتيجة لاكتشاف الانشطار النووي، والكيميائي لا يهمه استخدام المعادلات لإنتاج سلاح فتاك لا يبقي ولا يذر في بقعة ما من بقاع الأرض، أما الفيلسوف فهو منعي بالمقام الأول في الفهم وإدراك المآلات الواقعية للاكتشافات العلمية. من أجل ذلك ما فتئ الإنسان يتعلق بأهداب الفلسفة لاهثا خلف أجوبة وحلول وعلاجات لأزمات ومشاكل ومعضلات تعاود الظهور بصور مختلفة عما عرفه منذ عقود سابقة ، فأعلن ذلك الكائن الذي لا يتوقف عن النمو والتطور والتقدم ككائن حي ، ولا يكف عن مد أذرعه كأخطبوط عملاق قبالة شتى المجالات والميادين ، مفتتح لذاته مجالات وآفاقا جديدة ، محققا انتصارات وثورات هائلة حتى بات المولى الأهم في هذا العالم ،أعلن أنه رغم كل الطاقات والإمكانات والإنجازات المرعبة ، والحاجة اللازمة والضرورية لوجوده الحيوي والموضوعي ما زال قاصرا عن حل مشكلة الإنسان الحقيقية المتعلقة بأخلاقه ووجوده وروحه وهو بحاجة لمساعدة من شكل آخر من صور التقدم والتطور والإدراك والوعي.
لم يعد الإشكال موجودا ، منْ أولى بالضرورية الوجودية العلم أو الفلسفة ؟

الإحالات والمراجع:

7 ـ مارتن هايدغر ، الفن والحقيقة ، الإنهاء الفينومينولوجي للميتافيزيقا، د . علي حبيب الفريوي . دار الفارابي طبعة أولى 2008 صفحة 183
8 ـ مصدر سابق صفحة 181
9 ـ تاريخ الفلسفة المجلد السابع صفحة 252
10 ـ الواقعية في ألمانيا هوسرل ورمكه وهايدغر ، تاريخ الفلسفة مجلد سابع صفحة 252
11 ـ معنى الفلسفة صفحة 111
12 ـ المصدر السابق 155
13 ـ فلسفة الموت في فكر مارتن هايدغر- أشرف ناجح إبراهيم ، الكنيسة الكاثوليكية في مصر
14 ـ مدخل إلى الفلسفة الظاهراتية ، د . أنطوان خوري ، دار التنوير ، 2008 صفحة 36
15 ـ بتصرف وتعديل عن قراءة في كتاب أزمة العلوم الأوروبية الفينومينولوجيا الترنسندنتالية.، عبد الله المطيري ـ
16 ـ تاريخ الفلسفة مجلد 7 صفحة 249 ـ 250
17 ـ الإنهاء الفينومينولوجي صفحة 11
18 ـ المنطق عند أدموند هوسرل : الفينومينولوجيا ،يوسف سليم سلامة ، دار التنوير ، بيروت 2007 : صفحة 300
19 ـ المصدر السابق صفحة 286 ـ 287
20 ـ مصدر سابق 193
21 ـ المنهج الفينومينولوجي عند هوسرل ،ويكيبيديا
22ـ المنطق عند إدمون هوسرل صفحة 237 ـ 238



#احسان_طالب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي الفلسفة
- مقالات التنوير 10 عقدة أو مركب التفوق الحضاري
- مقالات التنوير 9 الأصولية ليست حلا عقلانيا الراديكاليون الجد ...
- مقالات التنوير 8 مأزق العقل الأصولي بحث أركيولوجي
- مقالات التنوير7 مقايسة الأصولية ومستوياتها بالعلمانية وحدوده ...
- مقالات التنوير 6 الإسلام السياسي كمفهوم يرتكز على أسس وتحليل ...
- مقالات التنوير 5 تفكيك ظاهرة التطرف والتشدد الديني
- مقالات التنوير 4 نقد فقه مؤسسة الزواج
- مقالات التنوير 3 مراجعة للثقافة الدينية المهيمنة
- مقالات التنوير 2 التمويه والتطبيع الاجتماعي في الثقافة المؤس ...
- مقالات التنوير (1)علاقة ثقافة العنف وجرائم الشرف بمفاهيم الن ...
- أصنام متكاثرة تناحر سبطا حرا خيّرا
- عالم مجهول يتلقف خطيئة محكمة
- عقول مستنيرة تضيء عتمة عريقة
- إلهام غامض ثائر
- توق يتوالد وسط غوغاء
- أضواء مزيفة تجمّل أوهاما قبيحة
- نقد حدود العقل *
- أنفاس المعاني دخان يهدئ ضوضاء المقال
- قطيع حائر بين الوهم والحقيقة


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احسان طالب - الإشكالات الأساسية في الفلسفة