|
انطفاء أحمد عبد الله .. قمر على جيل السبعينات
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1586 - 2006 / 6 / 19 - 11:53
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
انطفاء ..أحمد عبد اللــه قمر على جيل السبعينات انطفأت حياة أحمد عبد الله زعيم حركة الطلاب في يناير 1972 ، وحده في شقة صغيرة بالجيزة . توفي بأزمة قلبية في الخامس من يونيو ذكرى النكسة التي فجرت حركة الطلاب التي تربت - على حد قول أحمد عبد الله - " في أحضان هزيمة 67 ". أحاول الآن أن أستعيد صورة أحمد عبد الله ، الأكثر سطوعا من أحداث التاريخ ، وأن أتذكر أحداث التاريخ ، الأكثر بقاء من أحمد عبد الله ، ومن كل موهبة فردية . عرفت أحمد عبد الله بعد مظاهرات يناير 1972 ، ثم التقينا مطولا في موسكو ، ثم في كوبا ، ثم التقينا كثيرا في مصر في السنوات الأخيرة . كان أحمد شخصا نادرا ، بكل معنى الكلمة ، كانت روحه كلها تتوهج في وجهه العصبي دون توقف مثل قطعة ألماس تشع بنور صاف وحاد لا يتكرر . لم أشهد زعامته داخل الجامعة ، ولا خطاباته ، لكن شهادات كل من عرفه داخل الجامعة كانت تجزم بأنه كان إذا تحدث خطف الألباب والأنظار والعقول بسحر خاص وقدرة فذرة على استثارة الحماسة في مستمعيه . وحين شكلت الحركة الطلابية لجنتها الوطنية العليا يوم الخميس 20 يناير 1972 ، ضمت اللجنة عدة أسماء كان في مقدمتها أحمد عبد الله ، وسهام صبري ، وأحمد بهاء الدين شعبان . وكانت سهام صبري رحمها الله شجاعة ذلك الجيل المذهلة ، وقبضته الضاربة ، وقد عرفتها شخصيا ، ولمست فيها تلك الجرأة التي لا تعرف حدا ، أو حاجزا . وكان أحمد بهاء شعبان ومازال قلب ذلك الجيل وضميره الإنساني الرحب ، لكن أحمد عبد الله كان من دون شك قمرا على ذلك الجيل كله ، بسحره ، وطبعه الحاد ، والطاقة العصبية الحارقة التي لم تدع لغبار الهموم فرصة ليعلق بملامحه الدقيقة النبيلة . من الذي عرف أحمد عبد الله ولم يحبه ؟ ولم تكن مصادفة أن ينتخبه الطلاب بالإجماع رئيسا للجنة الوطنية العليا عام 1972 ، وأن يقود الاعتصام في قاعة جمال عبد الناصر ، وأن يرسل بوفد إلي الرئيس السادات ليلتقي به ، وأن يخطب في الطلاب فينصتوا إليه مأخوذين به ، وبإشارات ذراعيه الطويلتين الرفيعتين ، ويسود صمت فلا يسمع سوى صوته . في 13 ينيار 1972 ألقى السادات خطابا برر فيه تأجيل حرب التحرير بالضباب السياسى ، وأخذت الجامعة تغلي ، وأحس الطلاب أن السادات قد جاء خصيصا ليفتح طريق التسوية السياسية مع الأمريكيين . وفي 17 يناير دعا الطلاب لمؤتمر موسع ، وامتلأت جدران الجامعة بالملصقات ومجلات الحائط ، وتشكلت اللجنة الوطنية للطلبة بزعامة أحمد عبد الله ، وانتفضت الطلاب تحت شعار مازال حيا في الضمائر " كل الديمقراطية للشعب ، كل التفاني للوطن" ، وطالبت مظاهرات 1972 بإعداد الجبهة الداخلية لحرب تحرير شعبية ، وتسليح الجماهير بما فيهم الطلبة ، ورفض الحلول السلمية ، وفرض الضرائب على الدخول المرتفعة ، وقطع العلاقات مع أمريكا ، ودعم نضال الشعب الفلسطيني . وهزت اليقظة الطلابية مصر كلها من أقصاها إلي أدناها ، وجرت مفاوضات منهكة بين زعماء الطلبة وقادة مجلس الشعب ومنهم سيد مرعي ، وفي 24 يناير شغل الطلاب ميدان التحرير بأكمله وكتب أمل دنقل : " أيها الواقفون على حافة المذبحة .. أشهروا الأسلحة " ، وفي اليوم التالي ألقى السادات خطابا قال فيه : " الطلاب طيبين.. لكن هناك قلة منحرفة عشرين واحد قاعدين يشتموا أساتذتهم ويشربوا سجاير ، أولاد على بنات ، مسخرة وقلة أدب " ، ثم أعلن عبارته الشهيرة " أنا ما أقعدش مع رزة " يقصد أحمد عبد الله رزة ! وفي نفس يوم الخطاب تشكلت لجنة وطنية أخرى من الأدباء تناصر مطالب الحركة وضمت : أحمد حجازي ، رضوى عاشور ، عبد الحكيم قاسم ، عز الدين نجيب ، أحمد الخميسي ، وآخرين ، ودعت لمؤتمر موسع بنقابة الصحفيين ، وأصدرت بيانا موثقا في كتب الحركة بهذا الصدد . ومع انحسار الحركة كان أحمد عبد الله هو المتهم الأول في قضايا 73 ، وأدى امتحاناته فى سجن طرة حيث حصل على بكالوريوس العلوم السياسية في العام ذاته . وكانت حركة 72 امتدادا لدور الطلاب العظيم منذ ثورة 19 ، ثم انتفاضة 1935- 36 حيث برز اسم عبد الحكم الجراحي ، ثم دورهم في اللجنة الوطنية العليا للعمال والطلبة في 46 ، ثم في مظاهرات فبراير ونوفمبر 1968 ، وكان كل ذلك التاريخ يسكن ضمير جيل السبعينات المنتفض بحثا عن حرية بلاده واستقلالها . وكان هناك قمر على ذلك الجيل ، انطفأ فجأة عن 56 عاما فقط ، قمر من الذكاء والعذوبة ، بحيث لا يمكن لمن عرفه أن ينساه أبدا . يعتبر أحمد عبد الله في كتابه الحركة الطلابية في مصر – وهو الوحيد الذي قد يقول شيئا كهذا – أن الرومانسية ضرورة من ضرورات الحيوية الإجتماعية ، وأن على من يريد التحاور مع القوة الطلابية ألا يفرض عليها التخلي عن رومانسيتها . لقد كفت الأغنية منذ زمن طويل عن الرنين ، وظل المغني وحده ، يبحث لصوته عن أغنيات جديدة . أيها العزيز النبيل ، يصحبك عند الوداع إيقاع نشيد وحيد : كل الديمقراطية للشعب ، وكل التفاني للوطن ! ***
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جينا لندن ترصد أدق الرغبات
-
ساندوا الشاعرة الفلسطينية سارة رشاد
-
سولجينتسين يواجه الحصار الأمريكي
-
شلنات وبرايز
-
لا للتمييز ضد البهائيين المصريين .. نعم لحرية الاعتقاد
-
البهائية والنزعة السحرية
-
ما الذي يريده الشعب المصري ؟
-
تبني مطالب الأقباط .. هو الطريق للخروج من الأزمة
-
الآداب السلطانية . نص متجدد
-
أطوار بهجت .. من الشعر إلي الحرب
-
حكاية هند والفيشاوي
-
الأزمة الدانمركية بين الدين والسياسة
-
ميشيل باشليه واليسار الجديد
-
رحيل فؤاد قاعود .. موال الرفض والحرية
-
الجوائز الأدبية وكرامة الكاتب
-
اعتذار للشعب السوداني ، واستنكار لما جرى
-
بروزاك .. صديق المبدعين
-
ألفريد فرج .. في وداع الخيال
-
الوجه الآخر لفوز الإخوان في مصر
-
يوميات جندي أمريكي في العراق
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|