زينب محمد عبد الرحيم
كاتبة وباحثة
(Zeinab Mohamed Abdelreheem)
الحوار المتمدن-العدد: 6571 - 2020 / 5 / 22 - 09:55
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كيف يستقبل المصريين عيد الفطر المُبارك ؟ ومن هذا التساؤل سنُركز على مظاهر عيد الفطر داخل المجتمع المصري وذلك لما له من خصوصية ثقافية يكاد ينفرد بها المُجتمع المصري فيما يخص العادات المُرتبطة بالأعياد وخاصةً الدينية فكُلما ارتبطت العادات الشعبية بشعائر وطقوس دينية كُلما ضمنت تلك العادة استمراريتها مقاومة لكل التغيرات الزمانية والثقافية ومن ثمّ تتكيف مع الواقع المُعاصر وذلك ينطبق على عادات المصريين الخاصة بعيد الفطر سواء استعدادًا له في أواخر شهر رمضان أو منذ إعلان أولى أيام العيد , فهناك الكثير من العادات الغذائية والعادات المرتبطة بزيارة المقابر وهذه العادات على الرغم من ارتباطها بعيد الفطر إلا إنها عادات موغلة في القدم تعود إلى المصريين القدماء والكثير من النقوش على جدران المقابر والمعابد تشهد بذلك .
ولندرك بعض مظاهر التغيير والثبات فيما يخص الاحتفال بعيد الفطر يُمكننا أن نستعرض ما قاله المُستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين عن مظاهر استقبال المصريين لعيد الفطر المُبارك وكيف يحتفلون به وذلك في القرن الثامن عشر أثناء إقامته في القاهرة فقام بتوثيق عادات المصريين في ذلك الوقت في كتابه عادات المصريين المُحدثين وتقاليدهم ويذكر في أحد فصول الكتاب ما يفعله المجتمع المصري أثناء العيد .
عيد الفطر في عيون المُستّشرقِين
‘‘يحتفل المُسلمون في أول ثلاثة أيام من شهر شوال وهو الشهر العاشر الذي يلي رمضان بالعيد الصغير وهو أحد العيدين الكبيرين اللذين يأمر الإسلام باستقبالهما بفرح عامر , ويأتي هذا العيد ليعلن انتهاء صوم رمضان يحتشد المصلون بعد طلوع الشمس مباشرة في أبهى حلة لهم في الجوامع ويؤدون صلاة ركعتين سُنة للعيد يليها خطبة الخطيب , ويهنئ الأصدقاء الذين يلتقون في الجامع أو في الشارع أو في المنازل أنفسهم بمناسبة حلول العيد ويقبلون بعضهم البعض كما يتبادلون الزيارات , ويرتدي بعض الأشخاص حتى ولو انتموا إلى الطبقات الدنيا بدلة جديدة للعيد وتشمل هذه العادة الجميع ولو اقتصر الأمر على زوج حذاء جديد , ويقدم السيد لخادمه ثيابا جديدة ويحصل على بضعة قروش من أصدقاء سيده عندما يحضرون لزيارته مهنئين بالعيد أو قد يتوجه إلى منازل هؤلاء الأصدقاء لمعايدتهم والحصول على هديته وإن كان قد خدم في منزل سيد سابق يزوره ويحصل على عيديته وقد يحضر معه طبق (كحك) إلى السيد فيجازى مالًا يوازي ضعف قيمة الكحك .
يأكل معظم سكان القاهرة أيام العيد (الفسيخ) و (الكحك) و(الفطيرة) و (الشُّريق) وتحضر بعض العائلات طبق (المُمزّزة) المؤلف من اللحم والبصل ودبس السكر والخل والطحين الخشن , ويؤمن سيد المنزل النقل على أنواعه لعائلته وتقفل معظم المحلات أبوابها في العاصمة وترتدي الشوارع ثوب الفرحة بسبب عجقة المارة المرتدين ثياب العيد .
ويقوم بعض أفراد العائلات خاصة النساء بزيارة أضرحة موتاهم في أيام العيد ,يقومون بمثل هذه الزيارات بمناسبة العيد الكبير – ويحمل الزوار أو الخدم سعف النخل وأحيانًا أغصان الريحان لوضعها فوق القبر الذي يتوجهون لزيارته , وتكثر مشاهدة النساء حاملات شعف النخيل وهن في طرقهن إلى المدافن الواقعة في ضواحي العاصمة وتحضر هؤلاء حسب ما تسمح لهن ظروفهن الكحك والشريق والفطير والعيش والتمر وغيرها من الأطعمة يوزعنها على الفقراء الذين ينتشرون في المدافن في هذه المناسبات وينصبن الخيم أحيانًا وتحيط الخيمة بالقبر الذي يزورونه ويتلون سورة الفاتحة أو يطلبون من أحد الأشخاص تلاوة سورة يّس أو مقطعًا أكبر من القرآن ويتلو بعض الفقهاء أحيانًا ختمة عند القبر أو في المنزل ويعود الرجال عامة بعد إتمام هذه الشعائر مباشرة ويطرحون سعف النخل فوق الضريح كما تتوجه النساء إلى القبر في الصباح الباكر ولا يرجعن حتى بعد الظهر – وتمثل قرافة باب النصر الكبرى في الطريق الصحراوي المباشر شمال العاصمة مسرحًا مميزًا في العيدين وتعلق المدومات والأرجوحات في قسم قريب من بوابة العاصمة وتنصب كذلك الخيم حيث يسلي رواة سيرة أبي زيد وبعض الراقصين وغيرهم حشود المتفرجين ‘‘
( انظر, وليم إدوارد لين , عادات المريين المحدثين وتقاليدهم "ما بين 1833 إلى 1835 ,ترجمة سهير دَسوم , ص494)
وحول عادات الموت قدمت بلاكمان عام 1927 كتابًا حول عادات المصريين في الصعيد وذكرت في مقدمة كتابها : أن فهم الحياة المعاصرة للمصريين يمكن أن يساعدنا على فهم الصور والنصوص الفرعونية التي نعثر عليها فهمًا أفضل فالثقافة الفرعونية قد احتفلت بالموت كما لم تحتفل به أي ثقافة أخرى في العالم ومن الطبيعي أن تلقى العادات نفسها اهتمامًا من أحفادهم المعاصرين .
وهناك ردًا على ما قالته بلاكمان ‘‘وهو أن المصريين القدماء لم يكونوا يهتمون بالموت في ذاته ولكن باعتباره هو المقدمة الطبيعية للدخول في عالم الحياة الأبدية التي سوف تستمر في اعتقادهم بعد المحاكمة العادلة ...‘‘ للمزيد انظر علياء شكري ,عادات الموت في مصر ,التراث الشعبي المصري في المكتبة الأوروبية – دار الثقافة 1980
لقد قمنا بتقديم عرضًا لبعض ما قاله المُستشرقين الأجانب وذلك من خلال دِراستهم الميدانية داخل المجتمع المصري حيث قاموا بتوثيق العادات المرتبطة بعيد الفطر ويمكن أن نلخصها إلى عادات غذائية , عادات تخص التهنئة وتبادل الزيارات , عادات تخص الملابس الجديدة وأخيرًا عادات تخص زيارة المتوفىّ أول أيام العيد ويرجع الكثير من هذه العادات إلى المصري القديم كما أشرنا سابقًا فالمصري صنع الكحك واحتفى بالموتى وقدم لهم موائد القرابين وتتضمن أنواع كثيرة من الطعام من اللحوم والطيور والخبز والفواكه والخضروات , فالكثير من مظاهر الاحتفال بالأعياد تدخل في إطار المنظومة الثقافية التي يتفق عليها العقل الجمعي ويربطها دائمًا بالمعتقد لكي يضمن تحققها واستمراريتها وذلك لأن تلك العادات الشعبية تحقق احتياجات الجماعة الشعبية المتمثلة في التكافل والتعاون داخل نسيج ثقافي مشترك .
نقش كحك العيد
‘‘ كُلْ هنيئًّا‘‘
من أهم العادات الغذائية التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالعيد هو الكحك والبسكويت وذلك بأشكالهما التقليدية , والكحك عرفه المصريون القدماء وهناك العديد من الجداريات موضح عليها صناعة الكحك المصري بأكثر من مائة شكل , وارتبط الكحك بعيد الفطر المُبّارك ويتم التجهيز له في الأسبوع الأخير من شهر رمضان حيث تجتمع نساء العائلة والأقارب لعمل كافة أنواع الكحك والبسكويت.
وربما نستطيع أن نرصد مظاهر التغيير الحديثة التي طرأت على صناعة الكحك المنزلي , فمنذ فترة ليست بالبعيدة كانت النساء يعتمدن على الطرق التقليدية في صناعة ونقش الكحك فبعد أن تصنع الشكل الدائري للكحك تقوم أخريات بالنقش علية باستخدام أداة معدنية تشبه الملقاط ولكن لها أسنان معدنية قصيرة تقوم بعض النساء باستخدامها لنقش الكحك وهي عادة قديمة ولكن يمكننا أن ننظر لرمزية النقش على الكحك بصورة أكثر وضوحًا في العصر الفاطمي فقد اهتم الفاطميون بالكحك بصورة كبيرة جدًا وكان هناك دار عرفت بدار الفطرة لعمل الكعك وذلك بداية من النصف الثاني من رجب وكانت يصنع فيها كافة أنواع الكعك مثل الخشكنانج المعروف باسم خشنينة , وكعب الغزال وغيرها من الأنواع وكان يعمل في تلك الدار ما يقرب من مائة عامل ويعدون الكعك ليفرق على الشعب قبل العيد بيوم واحد .
وكان الفاطميون يتفننون في صنع الكعك والحلوى ابتهاجًا بعيد الفطر ومن أهم تلك الملامح نقش الكحك ,فكان لدي الفاطميون قوالب دائرية مصنوعة من الحجر حُفر عليها العديد من الأشكال والرموز فبعد أن يُشكل الكعك بصورة دائرية يتم ختمه بتلك القوالب الحجرية , ومن أهم تلك الأشكال "كُل هنيئًا " , كُل وأشكر مولاك , أشكالٍ هندسية , واشكال طيور وحيوانات وأيضًا أشكال نباتية , وكل هذه القوالب والطوابع الحجرية حُفظت في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة في الجزء الخاص بالعصر الفاطمي .
وربما منذُ ذلك الوقت والمصريون اعتادوا الاحتفاء بالعيد والكحك بشكل أكثر ثباتًا حتى بعد عصر الدولة الفاطمية حاول الأيوبيون طمس كل ما له صلة بالدولة الفاطمية ولكن ظلت الكثير من العادات الشعبية راسخة في وجدان المصريين لم يتمكنوا من التخلي عنها لأنها بمثابة روح الفرحة والبهجة المرتبطة بتلك المناسبة الدينية الخالصة .
نقش الكحك لم يظل بصورتهِ دون حدوث عدة تغيرات بحكم الزمن والتكنولوجيا وقوة تأثيرها على موروثاتنا فقد تغيرت أشكال النقش عن طريق ابتكار معدات خاصة ذات قوالب معدنية جاهزة تساعد ربة المنزل على صنع الكعك في أسرع وقت وأقل جهد ولكن ذلك ربما على حساب التخلي عن كل ما هو متوارث فظهر (البيتي فور) بأشكاله الكثيرة والمتنوعة وهو دخيل على منظومة (الكحك والبسكويت) تلك المنظومة الغذائية التقليدية المتوارثة جيل تلو جيل .
ونجد أن الأجيال الحديثة دائمًا تميل نحو كل ما هو جديد وذلك مقابل التخلي عن ما هو قديم فنجد أن أغلب محلات الحلويات تخصصت في صناعة كافة أنواع الكعك والبسكويت ونجد زحامًا شديدًا بل وفي وقتنا الحالي بأسعار خيالية ليصل كيلو الكحك والبيتي فور إلي 250 ج وهناك أصنافًا تصل إلى أكثر من ألف جنيه وكل ذلك يجعلنا نتأكد أن ظاهرة صناعة الكعك في المنزل تقل نسيبًا عن ما كانت عليه سابقًا وربما ذلك له العديد من الأسباب من أهمها ضيق الوقت والمشقة أمام الأفران لتسوية الكعك وأيضًا الكم المُهدر من المخبوزات لأن أغلب الأسر كانت تصنع كعك بكميات كبيرة جدًا أكثر من استهلاكها .
ولكن رغم كل الظروف والأوقات الصعبة التي يمر بها المصري لا يمكنه التخلي عن مظهر من مظاهر البهجة المرتبط بالعيد والكحك ولا يمكننا أن نتخيل أن تختفي عادة نقش الكحك التي تستمتع بها النساء والفتيات على حدًا سواء .
#زينب_محمد_عبد_الرحيم (هاشتاغ)
Zeinab_Mohamed_Abdelreheem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟