|
مقاربة حول رواية سيدات الحواس الخمس
الغربي عمران
الحوار المتمدن-العدد: 6563 - 2020 / 5 / 13 - 19:44
المحور:
الادب والفن
سيدات الحواس الخمس رواية الألاعيب والإدهاش
جلال برجس في روايته الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.. بيروت 2017. يجيد حبك الاعيبه المبتكرة.. ليذهب بالمتلقي نحو يقين إجرامية الشخصية المحورية "سراج".. وأنه كائن معقد نتيجة لعلاقة عاطفية فاشلة "سفاح عمان". بداية بالهجرة إلى اميركا بعد مشاهدة حبيبته في أحضان غيره. وهو العائد بعد سنوات الهجرة ثرياً عاشقاً للفن.. لينشئ غاليري يدير فيه أنشطة فنية واجتماعية وثقافية على إحدى جبل عَمان.. أو بالأصح يقيم مجمع تنظم فيه عدة أنشطة فنية وتأهيلية.. كم يظم عدة قاعات ضخمة تحتضن الحفلات والمؤتمرات. ذلك البنى صمم على شكل فتاة تفرد كفيها. ما جعل التساؤلات والشائعات تنتشر حول سر التصميم.. ومن تكون تلك الفتاة التي جاء الغاليري على شكلها. تعود الرواية إلى حياة سراج قبل الهجرة.. الذي كان يعيش وأسرته في عمان كما يعيش البسطاء.. طالب مثابر.. يسكن وأسرته بيت متواضع.. ويعشون حياة عادية. يتعرف على فتاة "ريفال" بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة ويتزوجا بعد قصة حب قصيرة.. زوجته خريجة كلية الإعلام.. وتعمل بالصحافة.. وتحلم يوماً بأن تصبح يوما نجمة إعلامية. فجأة يغادر سراج بشكل مفاجئ.. وبصورة غامضة إلى الولايات المتحدة الامريكية عام 2001. لنعرف بعد مآت الصفحات.. أن مغادرته الغامضة لم تكن إلا هروب من إكتشافة لخيانة زوجته له مع رجل أعمال وعدها بأن يحقق لها أحلامها بانشاء قناة تلفزيونية تكون هي مديرتها. بعد سنوات يعود سراج من ولاية "ويسكنوسن" غير ما غادر عمان.. فينشئ قصراً فخماً لسكنه.. يعيش وحيدا إلا من بضعة خدم. موزع أوقاته بين الغاليري.. ونادي النخبة.. وقصره. الرواية تضم عشرات الشخصيات غير الشخصية المحورية مثل: وداد مدبرة القصر.. كِندة.. وهي دكتورة في مجال الزراعة.. كنان حارس القصر.. سعيد مسير الغاليري.. منير.. عبدالله.. جعفر.. سليمان.. ريفال.. غادة.. دعد.. سوار.. كمال.. أحمد.. عدنان.. فارس.. ليلى .. الشيخ القبضاوي.. جوزف.. دانيال.. ديفيد.. جنيفر... ما يميز هذا العمل الروائي ليس المحاور والثيمات التي عالجها الكاتب بدراية لا فتة فحسب.. بل تلك الألاعيب الفنية التي أستطاع أن يجذب القارئ من أولى صفحاته.. تلك الألاعيب التي تدخل المتلقي في يقينيات صادمة.. ليضعه أمام عدد من التساؤلات.. ما يجعله يجد السير في قراءة صفحات الرواية الأربع مائة.. باحثا عن أجوبة وعما يزيل أستار الغموض عن تلك الشخصية "سراج".. علاقاته النسوية.. ثراءه.. غرف قصره الست السرية التي لا يسمح لأحد بدخولهن. تلك الغرفة المجاورة للكراج.. اختفاء من يستضيفهن في قصره. وأمور أخرى توهم القارئ بأن سراج كائن معقد ودموي. باذرا على صفحات روايته جملاً.. توحي بالضبابية.. مثل شائعات بين الناس حول "سفاح يستخدم دماء ضحاياه في الكشف عن الدفائن الذهبية". وجمل أخرى حول "سيارة قديمة ذاتها تأتي مرة في الأسبوع... يأخذ السائق من سيارته صندوقا... ثم يضعه في سيارة سراج ويغادر". إلى غرف ست في قصره.. لا يدخلها غيره.. إلى سفرة المفاجئ إلى اميركا وعودته بعد سنين بثراء فاحش.. إلى عجزه الذي يتكرر مع كل امرأة تبادله مشاعر الحب.. إلى الطفل أحمد شبيه طفولته... ليكتشف المتلقي بعد حين سراب تلك الظنون والتوقعات التي توحي بها جمل ووقائع الرواية. الرواية تتماس مع حبكات بوليسية.. فهناك كما يشاع سفح.. يقابله محقق يحاول كشف سر اختفاء خمس نساء في ظروف غامضة. السارد العليم لم يكون هو الصوت الوحيد.. فالشخصية المحورية تحكي مذكراتها.. لتنير الطريق إلى مسيرتها.. إضافة إلى أن الشخصيات الأخرى يحكون ماضيهم وإن باقتضاب.. خاصة من يبادلن سراج تلك العاطفة. الرواية في مضمونها تأخذ أبعادا اجتماعية.. وتلك العلاقات الشائكة بين الشخصيات التي تمثل شرائح مختلفة من المجتمع الأردني.. بعيدا عن وجهه العشائري الذي يعرف به.. فمجتمع المدن يأخذ بأساليب المعاصرة.. خاصة مدينة عَمان.. لتعطي الرواية درجة تعقيدات تطورها.. وسحق الإنسان البسيط تحت دواليب الفساد وتنامي رأس المال.. وضياع العدالة.. فتلك العلاقات المتداخلة بين شخصيات الرواية.. بتحولات تطرأ على بعضها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.. ونقلات شاهقة من العوز والفاقة إلى الثراء الفاحش.. بينما نجد أن بقية الشعب يعيش العوز والفاقة.. تطحنه عجلات الغلاء ويسحقه الفقر.. وذلك التغير المفاجئ بالثراء الا مشروع.. وحسب قدرة الشخصية على التلون وإتباع مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" يتم نهب المال العام.. فشخصية "الطالع" من شخصية يسارية بسيطة.. إلى رجل ذا مركز قيادي في الدولة.. إلى كائن مال وأعمال يتحكم في السوق ويمتلك الأبراج والشركات المتعددة. وكذلك رعد من صحفي نزيه.. إلى صحفي فاسد.. ومستشار للمليونير الطالع.. وصاحب نفوذ ومكانة. وهكذا نجد الكاتب يقدم رموز الفساد.. يقابل ذلك رموز نزيهة.. من خلال شخصية سراج.. ومن يلف حوله. الذي يسعى للرقي بالمجتمع من خلال مؤسسة للتنوير.. غاليري يعتبر قبلة الفن في العاصمة الأردنية. والطالع بأساليبه في نهب المال العام واستغلال حاجة افراد المجتمع ليتحول إلى أخطبوط وجلاد. تلك وغيرها تنير للمتلقي نسيج المجتمع العَمَّاني بشرائحه المختلفة.. والمدهش سهولة الثراء غير المشروع.. فحين يتابع القارئ أوضاع شخصيات الرواية.. يجد أن معظمها قد أثريت أو تغيرت أوضاعها بطرق غامضة.. ولا من رقيب أو حسيب.. فالطالع.. وريفال.. ورعد وسوار.. كما أن تلك العلاقات.. وخاصة ما يتخللها من علاقات جنسية كانت وسيلة نساء ورجال لتحقيق اهدافهم: ريفال وغيرها.. والانتقال من رجل إلى آخر.. بشكل يدعو للتأمل. للرواية محورين.. محور ظاهري يتمثل في الخيانة والثراء غير المشروع.. وجوهري ويتجلى في الصراع بين الجمال القبح.. بين التنوير وقبح التطرف. وإن نازعت تلك المحور أكثر من ثيمة.. مثل: مشاعية الجنس.. تفشي الفقر.. غياب العدالة.. انكسار العلاقات. الرواية لها أنساق حكائية مختلفة.. تأتي مذكرات سراج عمود الرواية الفقري.. ثم حكايات على لسان بعض الشخصيات.. لتأتي نقلات السارد العليم بإيقاع متوازن مسلط الضوء على جوانب حياتية مختلفة.. تحكي أحداثا وتنير للمتلقي الكثير من حياة شخصية بدت غريبة.. كما تصف أماكن عاشها.. وشخصيات رافقت مسيرته بأسلوب رشيق.. لتغطي الفراغات في مشاهد ولوحات فنية شيقة. العلاقات العاطفية.. خاصة علاقات سراج.. نسجها الكاتب بشكل نمطي واحد.. وكأنهن امرأة واحدة. ابتداءً بريفال.. ثم كندة.. ودعد.. وغادة إلى ليلى. ويتمثل ذلك الإيقاع بلقاء غير مرتب.. ثم حوار.. ينتج عنه إعجاب متبادل.. فموعد.. فلقاءات.. تتحول إلى دردشة ليلية عبر وسائط التواصل والهاتف.. ليختتم باعترافات لتجارب تلك النساء العاطفية.. وعادة ما تكون تجارب مضطربة وبائسة.. تتخللها دموع.. ودوما يكون في حكاياتهن الرجل جلاد والمرأة ضحية.. تنتهي بأن يعترفا بحب بعضيهما.. ودوما تلك الاعترافات تسرد تعدد وتكرار خياناتهن لأزواجهن. ينتهي بدعوة كل منهن إلى فراشه.. بعد أن تراود سراج ذكريات رؤيته لحبيبته في أحضان "الطالع".. لحظتها يصاب بالعجز.. يتحدث بلسان مختلف.. يرتفع صوت كأنه ليس صوته ليحاكم من بين يديه.. متهما إيها بالخيانة. وتحت هذيانه يوحي الكاتب للمتلقي بأن سراج قد أجهز عليها. إذ أنها بعد ذلك اللقاء في قصره لا تظهر قط في أي مكان لا داخل القصر.. أو خارجه طيلة صفحات الرواية وحتى قرب النهاية. لتأتي الخاتمة غير متوقعه.. وبعد أن يكون اليقين قد تملك من سراج وإجرامه.. لتظهر تلك النسوة على خشبة مسرح الغاليري في حفل كبير.. وتحت دهشة الحضور الذي تابعوا ما نشرته الصحف اختفاء الثانية تلو الأولى .. حتى أن المحقق المكلف بمتابعة تلك القضية يذهل لرؤيتهن. لكن تلك الخاتمة السعيدة لم تكن لتنتهي.. إذ أن هناك من كان قد فخخ مبنى الغاليري "الشيخ القبضاي" لينسف بمن فيه.. بتهمة الترويج للفسوق والرذيلة. الجانب الموضوعي ممتع.. وتلك عمان وأبرز معالمها وأحياءها وشوارعها قد حضرت أمامنا بوصف ساحر.. فمن جبل اللويبدة إلى معبد هرقل.. وجبل القلعة وشارع طلال.. ومن شارع كلية الشريعة.. إلى عبدون وقصر العدل وخالدا.. ثم حدائق الحسين.. ومن المدينة الطبية والشميساني.. إلى تلال العلى ومطعم هاشم.. ومن وسط البلد ومجمع رغدان.. إلخ مكونات مدينة بجمال عمان.. روية بلغة سلسة وماتعة جعلتنا نتعرف إلى التلال السبع بوديانها التي كستها مباني باسقة ومنشآت عصرية لافتة. الكاتب متمكن من أدواته الفنية.. والاعيبه المدهشة.. فما أن ينير للمتلقي غموض ما حتى يدخله في ضبابية جديدة تشد القارئ للبحث عما ينير له ما غمض.. ويصله إلى فهم مرامي الكاتب.. وهكذا تتداخل الألاعيب وتتشابك المتاهات الممتعة.. ولكن م قرب نهاية صفحات الرواية يتمنى القارئ لو أن الرواية لم تنتهي عند الصفحة رقم398 متمنيا استمرار المتعة بذلك التشويق.. وتلك المعارف التي تضاف إلى ما لدية. لندرك بأن العمل الفني لا يحسب بالكم.. وإن كان الكم مهم.. إلا أن الكيف هو ما يحرك فينا كوامن الدهشة والإعجاب.. ويبعث بتعدد التساؤلات.. وهذا ما تبثه سيدات الحواس الخمس. هي همسة .. كم أتمنى من هكذا كاتب.. أن يمنح كل وقته للكتابة.. وأن يتجنب كل ما يسرق أيامه.. فمثل هذه القدرات يجب أن تستغل.. وتبدع روائع كسيدات الحواس. وإن كان لي أن أصنف هذا الروائي فسأمنحه ضمن أروع الكتاب في وطننا العربي.
#الغربي_عمران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|