فراس سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1583 - 2006 / 6 / 16 - 11:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يعرض أحد من الأصدقاء الذين وقعوا بيان " إعلان بيروت-مشق , إعلان دمشق-بيروت" الأمر علي خلافاً لكثير من المرات السابقة التي شاركت فيها في التوقيع على بيانات ليس آخرها بيان 285 مثقف سوري استنكاراً لاغتيال جبران تويني , حيث غاب توقيعي عن ذلك البيان في بعض المنابر الإعلامية بينما ظهر في منابر أخرى لخطأ تكرر أكثر من مرة أو لسقوط أسمي سهواً كما حصل في لائحة التواقيع التي نشرت في النهار مثلاً !!
المهم لم يعرض أحد علي توقيع إعلان بيروت – دمشق و لو حدث لترددت قليلاً بسبب عدد من العبارات التي أراها ذات التباس مطعّم بدهاء يقترب من مراعاة جهة أو نظام بحيث يمكن أطلاق صفة عبارات سياسية مسايسة لأهل القرار في دمشق و حلفاءهم في لبنان , لكني كنت في النهاية أضفت توقيعي إلى لائحة التواقيع و هو الأمر الذي سأفعله اليوم بالرغم من اعتقال أكثر من عشرة مثقفين سوريين بسبب تواقيعهم , ليس من باب الشجاعة أو التهور , لكن لأن القضية تستأهل أكثر من مجرد توقيع , و لأنه ليس عندنا ما نخاف خسارته !
هنا لا بد من العودة إلى التاريخ كما يدعو الأستاذ رياض نجيب الريّس في مقاله في النهار " دفاع عن البيان لا عن الموقعين " يوم 8 حزيران 2006 , فتاريخ العلاقات بين البلدين التوأمين سورية و لبنان يذكّر بتاريخ السفرجل " كل قضّة بغصّة " ؟ مع ذلك نتمنى ألا يكون مصير المثقفين السوريين القابعين الآن في ضيافة النظام السوري نتيجة تناولهم و تداولهم العلاقات السورية اللبنانية
شخصياً لا يسعني إلا أن أقف ضد إعلان بيروت –دمشق حينما يمرّر بعض العبارات التي دأب النظام و الإعلام السوري المتصلّب على ترديدها , فإذا كان من بين الحجج التي يمكن أن يسوقها كاتب الإعلان هي إحداث توازن في نص الإعلان يراعي كل الأطراف , فلا نعتقد أن أعلاناً ما لجهة معارضة للنظام السوري وبقايا النظام الأمني اللبناني السوري المشترك , يجب أن تضع في حسبانها مراعاة الطرف الخصم او مراعاة ما يقوله إعلامه و ابواقه ليل نهار كذباً و غسلاً للأدمغة , و هنا نسوق مثالاً يؤكد ما نذهب إليه : يقول نص الإعلان في البند الأول " احترام و تمتين سيادة و استقلال كل من سورية و لبنان في إطار علاقات ممأسسة و شفافة تخدم مصالح الشعبين و تعزز مواجهتهما المشتركة للعدوانية الأسرائيلية و محاولات الهيمنة الأمريكية " هل هذا الكلام يمكن أن يجذب الرأي العام السوري و اللبناني الموالي للنظام السوري و من والاه في لبنان ؟ ربما أمكن إقناع الرأي العام اللبناني الموالي لسورية بأهمية و توازن هذا الإعلان عبر هذا البند و ما سنعرضه لاحقاً لكن الرأي العام السوري لن يقتنع بأهمية هذا الإعلان لأنه لن يسمع به من الصحافة و لا التلفزيون السوري الذي سيعرض فقط ما يؤيد اعتبار الإعلان و الموقعين عليه عملاء لأمريكا و اسرائيل و قد قصدوا من توقيته في هذا الوقت بالذات الضغط على سورية –هكذا حرفياً و تكراراً بذات المعنى – بحسب الصحف السورية الرسمية الثلاث أيضاً, هذا من حيث سياسة النص الموجّه إلى رأي عام , أما من حيث تحليل النص فهو أمر لا يمكن الموافقة عليه لأنه يعيد و يكرر بالضبط ما يكرره النظام السوري منذ سنوات طويلة ,و السؤال عن أي مواجهة مشتركة يتحدث كاتب الإعلان ؟ هل يصدق الكاتب أن هناك في العقل السياسي السوري الحاكم شيء اسمه مواجهة اسرائيل ؟
إذا ً عليه أن يراجع معلوماته و يعود إلى التاريخ – كما يطالب الأستاذ رياض الريس لأمر آخر- و عن أي هيمنة أمريكية يتحدث النص ؟ هل يعلم الكاتب أن النظام السوري في عز العقوبات الأمريكية على سورية قد نزع حقوق التنقيب عن النفط السوري من شركة فرنسية و منحها على طبق من ذهب لشركات أمريكية , نقول لكاتب نص الإعلان فليعود للتاريخ أيضاً و يقرأ العلاقات السورية الأمريكية التي تقوم على تابع و متبوع فقط لا غير مهما بدا " الصمود السوري" و مشتقاته الإعلامية و معاركه الخلبيّة, ثم كيف يكون هذا الذي عرضناه " مشتركاً " بين من و من هل الجيش اللبناني هو طرف في صد العدوانية الإسرائيلية , أم حزب الله المعتبر ورقة إيرانية سورية , فإذا كان كذلك و هو إلى حد بعيد كذلك فكيف يكون طرفاً في موقع الند بينما هو طرف تابع , و الشراكة تقوم على النديّة و ليس على التبعية , و هنا لا تكون مشاركة بل تفرّد في " المواجهة " ؟.
و في عين البند الأول يتابع كاتب النص قوله " … و يعلن المشاركون اللبنانيون و السوريون معاً تمسكهم الحازم بالحيلولة دون أن يكون لبنان أو سوريا مقراً أو ممرّاً للتآمر على البلد الجار و الشقيق …" . لا نعتقد أن الإعلام اللبناني هو من يطلق اتهامات التآمر السوري على لبنان , لكن من يفعل هو الإعلام السوري و أبواق النظام من موظفيه الكبار , و الحجة أن ممثلي الإخوان المسلمين السوريين قاموا بزيارة إلى بيروت و التقوا بعض السياسيين اللبنانيين , ماذا يمكن أن يقول الأعلام اللبناني غير الموالي لسورية عن زيارات بعض السياسيين اللبنانيين إلى دمشق سواء كانت سرية أو علنية و عن آلاف الاتصالات التي تجري كل أسبوع بين التابع و المتبوع أو بلغة احدهم بين العبد و السيد , و ماذا عن الحملة الصليبية التي يقودها التلفزيون السوري ضد الشعب اللبناني و التآمر على استقراره و سيادته و تحريض الأطراف اللبنانية على بعضها أملاً في إعادة الحرب الأهلية أو انتقاماً من الشعب اللبناني الذي طرد نظام الهيمنة و النهب من بلاده , لا نعرف كم مؤامرة جرت على سورية من لبنان ؟ لكن هل يعرف كاتب النص كم مؤامرة جرت انطلاقاً من سورية ضد لبنان , إن المؤامرة التي يعرفها الجميع و التي يقودها النظام السوري و أعوانه في لبنان ما زالت مستمرة منذ عشرين عاماً و قد أدت إلى تدمير الاقتصاد اللبناني و تأجيج الصراعات السياسية و زرع أسباب الفوضى عبر تنظيمات مافيوية بشعارات قومية تحريرية ليس تنظيم السيد جبريل سوى مثال بائس عنها .
في الفقرة الثانية من الإعلان وردت العبارة التالية " ..... و استعادة لبنان أرضه التي لا تزال محتلة في مزارع شبعا و كفرشوبا بكل الوسائل المتاحة .... " هنا يخطر لنا أن نسأل هل صواريخ منظمة القاعدة التي أطلقت من جنوب لبنان كما الصواريخ المجهولة التي أعلن الجهاد الإسلامي مسؤوليته عنها ثم تنصّل من المسؤولية هي من ضمن الوسائل المتاحة ؟ كان الأحرى بمعدي البيان لو استبدلوا عبارة الوسائل المتاحة بعبارة الوسائل اللبنانية المشروعة كي لا يكون جنوب لبنان ممراً لمشاريع لا علاقة للبنانيين فيها و ممراً لتحريك الفتنة في لبنان و تحريض إسرائيل على تفجير الوضع الأمني لاسيما في موسم الاصطياف .
الفقرة الثالثة من الإعلان تنص على " نؤكد على أن الاختلاف في الأنظمة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بين بلدينا قابل لأن يكون مصدر غنى و تنوع و تكامل لا يحول أطلاقاً دون التعاون و التنسيق و التكامل بينهما...." لا أعتقد أن أياً من المناحي الثلاث التي يقترحها النص السابق قابلة للتنسيق و التكامل بين البلدين , فالنظام السياسي في سورية نظام شمولي قائم على حكم الحزب الواحد و هو في المستوى الأعمق الفاعل قائم على حكم المخابرات لكل مناحي الحياة بما فيها الحياة الاجتماعية , و هو مالا يمكن أن يلتقي مع النظام السياسي اللبناني إلا بعد ثورة حقيقية في سورية في المجال السياسي و هذه الثورة حتى تصل إلى نتائجها المرجوّة تحتاج في الحد الأدنى إلى عشر سنوات , من الناحية الاقتصادية ربما أمكن تحقيق تقارب ما بين البلدين في حال اتبع النظام السوري نظام الخصخصة لشركات القطاع العام الخاسرة و في حال فتح المجال أمام العمل الاقتصادي الحر بعيداً عن تحكم المافيا السياسية الأمنية و هذا مرتبط بثورة سياسية كما قلنا سابقاً , أما من الناحية الاجتماعية فلا بد من ملاحظة أن لبنان نفسه لم يستطع بسبب نظامه السياسي القائم على ميثاق 1943 الذي يضمن التوازن الطائفي أو " التكاذب الطائفي"- كما يقول كمال صليبي و يردد الأستاذ رياض الريس في مقاله سابق الذكر - و بسبب الحرب الأهلية , لكل ذلك لم يستطع أن يقيم تقارباً اجتماعياً بين طوائفه و مكوناته الاجتماعية , و هو الأمر الذي يمكن قوله بالضبط بالنسبة للجانب السوري , فالتكاذب الاجتماعي السوري بل و الافتراق الاجتماعي و الطائفي بين السوريين ليس بأقل من نظيره اللبناني بسبب التغزية المستمرة من النظام الأمني و الفئوي مجسداً الشعار الاستعماري الإنكليزي " فرّق تسد " , فما بالك بإقامة تكامل و تعاون بين البلدين في هذا المجال ؟؟؟
ما عدا الملاحطات السابقة فإعلان بيروت دمشق يعتبر الوثيقة الشرعية الوحيدة المشتركة بين البلدين سورية و لبنانية و التي تستمد شرعيتها من رجال أحرار لا يخضعون إلا لسلطان العقل و محبة الوطن على تنوع مشاربهم و انتماءاتهم السياسية و الأيديولوجية و الطائفية , و لقد كان التشكيك في السيد البيانوني خطاً من جهة أنه أحد الموقعين و التشكيك بأي منهم هو تشكيك بالإعلان كله و هو ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من الإعلان و هي من أهم الفقرات في الإعلان و ربما كانت روحه " إن هذا الإعلان يكتسب شرعيته و قوته من قِبَل الموقعين عليه " الأمر الذي يحيلنا إلى موضوع الموقعين على الإعلان الأمر الذي أثير و أخذ ضجّة كادت تطغى على الإعلان نفسه .
بدأت هذه الضجة بعد مقال الأستاذ جهاد الخازن "نعم للبيان... لا للبيانوني" ( النهار 17-05-2006) . ربما لم يقرأ الأستاذ الخازن الفقرة الأخيرة من الإعلان و التي تشكل مصدر شرعية و قوة النص فربما لو منحها قليلاً من الأنتباه لما كتب مقاله المحتج على توقيع البيانوني , لأن مجرّد التشكيك بأحد الموقعين سوف يفتح المجال للتشكيك بسواه و هذا التشكيك يحيل إلى التشكيك بالإعلان نفسه لأن " هذا الإعلان يكتسب شرعيته و قوته من قبل الموقعين عليه " و الحقيقة ان الأستاذ الخازن اعتبر أن توقيع البيانوني على الإعلان " خطأ أدى إلى نسف مشروع المبادرة من أساسه " ؟ ! ثم بحركة مفاجئة و قاسية يتهم البيانوني بالعمل على حرب أهلية :" لسنا معنيين بمشروع الحرب الأهلية في سوريا. أياً يكن موقفنا من النظام والذي لا يحتاج إلى توضيح. هذا ما يعنيه الآن اسم: البيانوني الثالث " , و هو اتهام خطير في اعتقادنا لا يمكن اتهام البيانوني تحديداً به لكن ربما جهات في السلطة ربما, ثم كتب الاستاذ شعبان عبود مقالة "الإعلان " للمثقفين لا للسياسيين " ( النهار 24 -5- 2004) مؤيداً مقال الأستاذ الخازن حيث قال أن البيانوني اسم نشاز استغرب كيف يضم توقيعه إلى الإعلان و أن الإعلان اعلان مثقفين لا يجوز ان يقتحمه سياسي , لكن الأستاذ شعبان كان نسي أنه هو المثقف يكتب في السياسة كما يجب أن يفعل كل مثقف سوري و لبناني يشعر بالخطر على وطنه و على العلاقات بين البلدين , كما أن إعلان دمشق هو إعلان سياسي من أول كلمة فيه حتى آخر كلمة فكيف يمكن الفصل بين السياسيين و إعلان أو وثيقة سياسية تاريخية كإعلان بيروت-دمشق في حال لا يجوز أن نفصل بين المثقفين و السياسة .و لقد رد الأستاذ عبيدة النحاس على الأستاذين الخازن و عبود بمقال "نعم للبيان... لا للبيانوني": إتهامات بلادليل" (النهار 27 -5-2006) رداً قاسياً لا سيما على اتهام جهاد الخازن للبيانوني و الأخوان المسلمين بالعمل على حرب أهلية في سورية و كان ان رد السيد عبيدة نحاس الصاع صاعين فاعتبر أن " مقال الزين، فلائحة اتهام. لكنها لائحة اتهام بلا بناء منطقي، تذكرني بلوائح الاتهام الجاهزة التي يعدّها فايز النوري، ونسمعها في المحاكم السورية اليوم للناشطين السوريين (إثارة النعرات الطائفية، العبث بالوحدة الوطنية... إلخ)." بعيداً عن هذا السجال الذي أثاره توقيع البيانوني على إعلان بيروت دمشق فلا بد من كلمة في هذه المناسبة : بالنسبة للموقعين على الإعلان لا أعتقد شخصياً أنه من المهم معرفة من وقع و من لم يوقع كي يحدد أيً من الموافقين على الإعلان إضافة أسمه من عدمه , فلو افترضنا أن السيد عبد الحليم خدام أضاف اسمه إلى الإعلان و كذلك السيد رفعت الأسد و صابر فلحوط أو أعتى المجرمين بحق الشعب السوري من الناحية السورية و سواء وقعه السيد وئام وهّاب أو سليمان فرنجية من ناحية أبو أرز و انطون لحد من ناحية مقابلة , فلا أعتقد أن الأشخاص أو الأسماء مهمة لمن يريد العمل لتغيير العلاقات السورية اللبنانية نحو الأفضل , هذا من ناحية , كما أنه ليس من المهم تاريخ الشخص الذي سيوقع , لكن المهم كل الأهمية هو النص أو البيان الذي وقّع عليه لأن النص يصبح ملزماً لمن يضيف توقيعه عليه , هنا ما المشكلة إذا قرّر مجرم ما أن يتوب أو يعيد النظر بتاريخه و يقرر العمل لصالح شعبه , فكيف إن لم يكن أحد من موقعي إعلان بيروت-دمشق كذلك مع أن البعض اتهم البيانوني اتهامات عامة ليس لأحد ممن اتهمه أي دليل عليها , و ربما كان لدينا الدليل على عكسها ما يبرّئ الرجل . هذا من ناحية , من ناحية ثانية كشف لنا إعلان بيروت-دمشق نظرة بعض المثقفين السوريين الذين بينت كتاباتهم المعترضة على توقيع البيانوني أنهم يرفضون المسامحة و هم ليس في وارد مسامحة من أخطأ من المعارضة و بالتأكيد ليسوا بوارد مسامحة من أخطأ من أهل النظام السوري في حال أصبح في المعارضة , إذاً كيف يطالب هؤلاء نفسهم النظام السوري بالقيام بإصلاحات و بتعديل المسار , كيف يمكن للنظام أن يتجاوب معهم و هو يرى بأم العين مقالاتهم و قد أكلت معارضاً سورياً وقّع على الإعلان الذي نحن بصدده لمجرّد أنه زعيم الأخوان المسلمين في سورية . غني عن القول أن الاشتغال بموقّعي الإعلان عوضاً عن الاشتغال بموضوعات الإعلان هو آخر ما كان يحتاجه , لأنه يفرغ الإعلان من مضمونه و يهمش الدور الذي كان واجباً أن يلعبه و هو ظهر للتو كأنضج وثيقة سياسية يطرحها مثقفين و سياسيين سوريين و لبنانيين أحرار ليكون اللبنة الأولى في تاريخ جديد يصنعه الشعبين السوري واللبناني معاً بعيداً عن نزعات التحكم و الخوف والشك و الكره و الكره المضاد الذي حكم مسيرة البلدين عقوداً طويلة .
لا بد ان نذكر اقتراح الأستاذ رياض الريّس على الدكتورة نجاح العطار الدعوة لعقد ندوة تناقش إعلان بيروت-دمشق وهو اقتراح جيد و لا شك أن السيدة نجاح العطار نائبة الرئيس تستطيع الدعوة إلى هكذا ندوة لكن بعد أخذ موافقة فرع فلسطين بالتأكيد , من ناحية ثانية ليت الأستاذ الريّس اقترح على السيدة نائبة الرئيس التدخل لإطلاق زملاءها المثقفين السوريين من سجون النظام فذلك أسهل عليها و أفضل لنا و كفى الله المؤمنين شر القتال ؟؟ا
فراس سعد
كاتب سوري
#فراس_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟