|
حرب الإشاعات
بولات جان
الحوار المتمدن-العدد: 6542 - 2020 / 4 / 20 - 22:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حرب الإشاعات (Rumor Warfare) تداولتُ في مقالي السابق المعنون بـ (مقاومة الحرب النفسية) بعض نواحي الحروب الفكرية و الغزو الثقافي الذي يستهدف شعبنا و حركته و حقوقه و يسعى إلى التسرب إلى داخل نسيجنا لزعزعة الإيمان بالنضال و التأثير على ضعاف النفوس من المترديين. كما تداولتُ عدد من المواضيع بشكلٍ متداخل انطلاقاً من تصنيفها ضمن دائرة الحرب الخاصة التي تمارسها الدول التي تستعمر كردستان و أعوانها الداخلية. لكن الموضوع واسع و متشبع إلى أبعد الحدود و أعمق مما نتصوره، بحيث لا يمكن معه إعطاء الموضوع حقه بمقال أو مقالين مقتضبين بل يتوجب التعمق في الموضوع عبر ندوات و مناقشات و كرّاسات خاصة عن هذا الموضوع الحساس، لكن هذا لا يعيقنا الآن من تداول إحدى الركائز الرئيسية في الحرب النفسية الخاصة أو الحروب الفكرية ألا و هي "حرب الإشاعة". قبل التطرق إلى حرب الإشاعة أود إيراد بعض من الحروب التي تُصنف ضمن الحروب الفكرية الخاصة و هي: - حرب الإشاعة. - حرب الأعصاب. - الحرب الإعلامية. - حرب أيديولوجية- خفية. - حرب الدعاية. - حرب العقل. - حرب المعلومات. - الحرب النفسية. و هنالك العديد من الحروب الأخرى التي قد نتوقف عليها مستقبلاً، فموضوعنا الرئيسي هنا هو حرب الإشاعة. الإشاعة: ليست هنالك إشاعة عبثية دون هدف محدد، و قد يكون غامضاً بالنسبة إلينا و قد تبدو تافهة في الكثير من الأحيان و لكن هذا لا يمنع من أن تكون لها أهداف بعيدة أو تكون تلك الإشاعة جزء بسيط من مخطط شامل. فهذه المخططات تكون هدّامة دائماً و تستهدف الخصم من الصميم. العدو، إن كان عدواً خارجياً أو خصماً داخلياً أو زمر الطابور الخامس(عملاء العدو في الداخل) هم المصدر الرئيسي للإشاعات التي تستهدف الحركات الثورية و الشعوب المنتفضة لأجل الكرامة و الحرية، لكن هذا لا يعني انعدام وجود بعض الإشاعات الداخلية التي تصدر عن بعض البؤر المخرِبة و التصفوية بهدف النيل من أيمان القاعدة الثورية و الجماهير المؤيدة و التشهير ببعض القادة أو المبادئ أو المواقف و الرموز التي تكون عائقاً أمام هذه البؤر من الوصول إلى أهدافهم الدنيئة، و كثيراً ما تكون مدفوعة من دوائر خارجية بهدف زعزعة الثقة بين أبناء الشعب الكردي و بين أطياف حركته المختلفة و جرها إلى الألاعيب. و بسبب خطورة و رجعية هذه الإشاعات قمنا بتصنيفها ضمن فعاليات العدو و كل من ينقلها أو يشارك في تضخيمها يكون خادماً للعدو موضوعياً إن كان يقوم بذلك عن علم أو دونه.
فما هي الإشاعة؟ إن التعريف العلمي و الأكاديمي هو: (الإشاعة ركن أساس في الحرب النفسية، فهي الوسيلة الفعّالة لإحداث البلبلة في الحرب و السلم، و البلبلة مفتاح لتغيير الاتجاهات، و زعزعة الأُسس، و هزّ الإيمان بالوطن و الوحدة و الصمود و نصر الثورة و حل القضية). ترويج الإشاعة و حبكها و توقيتها يحتاج إلى دقّة في الصياغة، بحيث تصبح مستساغة و معقولة و قابلة للبلع، فالهضم ثم الانتشار. على الرغم من أننا ننظر إليها و كأنها حالة اعتباطية عفوية و نتيجة ارتجالية لشخصٍ يحبك الأكاذيب ضد الآخرين "لغايةٍ في نفس يعقوب" كما يقول المثل. لكن و كما عرفنا من التعريف العلمي فإن الإشاعات تحتاج إلى عقلية مفكرة و مدبرة و خبيرة في النفسية العامة و صفات التجمع المُستهدف و توقيتها و كيفية نسجها. فالمصدر الأساسي أو الأول لأية إشاعة يكون غامضاً و غير معروفاً بالنسبة للكثيرين. فالكثير من السذّج ينقلون و يتداولون الاشاعات معتقدين و مقنعين أنفسهم بأنها من مصادر موثوقة حتى دون أن يعرفوا أي شيء عن هذا المصدر (الموثوق). لذا فإن الخبراء يصفون الإشاعة بأنها: (تداول خبر غير معروف، منبعه من فم إلى فم، و لا يمكن أن تخلو الإشاعة من مواقف نفسية مُعينة تخلق في فترة الأزمات و الحرب، الخوف و الأخبار المُلفقة والقلق و البلبلة و الاضطراب، و في مثل هذه الحالات تكبر الإشاعة ككرة ثلج متدحرجة من منحدر عال نحو الوادي). و الحال هذا فإن الوقوف في وجه هذه الإشاعات يكون صعباً جداً ما لم يكن هنالك تعمق فكري و معرفة استراتيجية و أيمان راسخ بالقضية الوطنية و وعي ثقافي و نضوج اجتماعي وانضباط تنظيمي قوي و مناعة نفسية جماعية لدى الوسط المُستهدف للإشاعات. هنالك العديد من أنواع الإشاعات، منها الإشاعة التي لا أساس لها نهائياً و منها الإشاعة المُضخّمة و منها الإشاعة المعكوسة و منها الإشاعة التمهيدية لخبرٍ حقيقي. دوائر الحرب الخاصة في الدول الرأسمالية و الاستعمارية و خاصة المتسلطة على كردستان و خاصة سوريا و تركيا، مشهورة في مثل هذه الأفعال الدنيئة في حبك الإشاعات الكاذبة تماماً و تضخيم أخبار معيّنة و إظهار بعضها بشكلٍ معكوس تماماً. فالإعلام الرسمي و الشبه الرسمي في هذه الدول يلعب دوراً كبيراً في نشر الإشاعات و الأخبار الكاذبة، لكن ذلك يدخل ضمن الحرب الإعلامية و لن نتطرق إليها الآن. فالدور الأكبر في حبك و نشر و تضخيم الإشاعات تأتي من البؤر المعادية و الحانقين على الحركة الثورية و المتضررين من المكتسبات القومية للشعب الكردستاني، و المتربصين لهذه القضية من خصوم و أعداء بالإضافة الى الجواسيس و أشباه الاعلاميين و فرسان الانترنت.
بعض مميزات الإشاعة: - تنجح بعض الإشاعات في الوصول إلى مسعاها في الفترات الحساسة و المضطربة، كوجود خطر مهدد للجماعة أو في عتبات الثورة و القلاقل الداخلية و الصراعات الاقليمية و الوطنية، كما هي حالنا في غربي كردستان و سوريا الآن. - تنتشر الإشاعات بسرعة بقدر متانة صياغتها و تلبيتها لفراغ موجود ضمن الجماعة. - الشخص الذي ينقل الإشاعة، يسرد للشخص المتلقي بشكل جذّاب يثير الفضول لدى المتلقي. - يتم استخدام وسائل الاتصال و الانترنت و خاصة الفايسبوك و السكاي بي و بعض الجرائد الصفراء في نقل الإشاعة و انتشارها. - يمكن القضاء على أية إشاعة من خلال توجيه النقد المستند إلى الحقيقة التي لا غبار عليها. - الإشاعة تتغير كثيراً أثناء تداولها و تغيرها من فم إلى آخر حتى تتفرع إلى عدة إشاعات منفصلة عن بعضها البعض. - الأشخاص الضعفاء فكرياً هم الذين يتقبلون الإشاعة دون تمحيصها أو حتى محاكمتها بالمنطق و مقارنتها بالمصادر الصحيحة. - يمكن الحد من تأثيرات الإشاعة من خلال الأخبار و التصريحات الرسمية. كل هذه الميزات تضع أمامنا ضرورة توجيه لاقطاتنا نحو مصادرنا الوطنية دائماً و عدم تقبل كل الأخبار أو المزاعم التي لا تستند إلى مصدر مسؤول أو شخصية وطنية موثقة. بقدر مناهضتنا لحرب الإشاعات سوف نكون قد أفرغنا محاولات العدو في الحرب الخاصة المتماشية مع الحرب المباشرة (العسكرية و الاقتصادية و الثقافية...) التي يشنها الأعداء (الترك و الفرس و العرب) ضدنا. الواجب الثوري و القومي و الحساسية و الوعي الوطني تفرض علينا جميعاً محاربة الإشاعات المضادة و التي تلحق الأذى بحياتنا و علاقاتنا و أخوتنا و تسعى للنيل من قيمنا و مبادئنا وتلاحمنا الروحي و النضالي. و تبث التفرقة بين الحركة الوطنية الكردية و جماهير شعبنا. و أخيراً أود القول أنه من الأهمية بمكان أن لا نصبح آلة في يد أعدائنا لأجل خدمة إشاعاتهم و مآربهم التي ستضرّ بنا آجلاً أم عاجلاً و لن نكسب منها نقيراً، بل سنجد أنفسنا في خضم حرب هوجاء مع أخوتنا و نحنُ نضر بحركتنا الثورية و تلاحمنا القومي الكردستاني في وقتٍ نحنُ أحوج إلى بعضنا البعض كالقبضة الواحدة التي تدك قلاع الطغاة و أوكار المتاجرين بدمائنا و أحلامنا و مقدساتنا...
#بولات_جان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السجدة (5)
-
السجدة (4)
-
السجدة (3)
-
السجدة (2)
-
السجدة
-
تحذيرات لم تلقى آذاناً صاغية... و مجازر شنغال
-
جمهورية كردستان السوفيتية-3
-
جمهورية كردستان السوفيتية-1
-
جمهورية كردستان السوفيتية-2
-
الدين و تغريبة الكردي
-
على كتّابنا وأدباءنا تخليد ثورة روج آفا
-
-نحنُ لا نعادي الكُرد... و لكن-
-
واجبات العالم تجاه الكُرد
-
نفاق المصطلحات
-
حقائق يجب معرفتها حول انطلاقة ثورة 19 تموز
-
الديك الذي تحول إلى دجاجة
-
سقوط حلب الشرقية
-
كوباني تنبعث من رمادها
-
أ و لم أقل بأنك لا تستطيع؟!
-
مفارقات كوبانية
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|