أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - هل تنجح الفلسفة في تنوير العقل الديني التاريخي ج1















المزيد.....

هل تنجح الفلسفة في تنوير العقل الديني التاريخي ج1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 19 - 19:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من المقولات القديمة في الفكر الديني الإسلامي بصيغته اللاهوتية المترسخة أن الفلسفة وعلم الكلام هما أكبر أعداء الفكر الديني وهما الوسيلة العظمى التي يمكنها وبمجرد التفكير فيها ستقود إلى الأرتداد عن الإيمان التقليدي والكفر بالدين، لذا حرم الكثير من علماء المسلمين وما زال البعض منهم لليوم يرون هذا الرأي ويدعون له، والحقية ليس بمستغرب أن ينظر هؤلاء للفلسفة من هذا المنطق (الفلسفة ككل) لأنها في طبيعتها ومقولاتها وأدواتها ستصدم العقل الديني بتساؤلات عميقة تقود إلى إشكاليات التشكيك المتنامي، مما يجعل الناظر الفلسفي يبحث عن أجوبة أعمق من التساؤلات وهنا عليه إما أن يكون مخلصا لمنهجه الفكري الفلسفي ويمضي في طريق البحث عبر التشكيك بالمسلمات الإيمانية وحتى بالمسائل الفكرية الكبرى التي درج البعض على التسليم بها، أو التوقف عن محاولة هدم جدران اليقين الديني والأكتفاء بما يسميه حقائق الإيمان كونها في الغالب غير حسية وغير معلومة العلل والنتائج، وما على المؤمن الحقيقي أن ينتظر الواقع ليكشف هذه الغيبيات ويطرحها عبر أليات الفكر الديني ذاته.
هذه المشكلة تاريخيا لم تكن جديدة على الإنسان المتدين عبر رحلة الإيمان والدين الطويلة، فقد شهد الفكر التوراتي والإنجيلي اللاهوتي نفس الإشكالية، وصار النزاع بين الفلسفة والإيمان جزء من التاريخ الفكري الإنساني وتحول في مراحل منه إلى صراع ديني ساهم في تعدد المذاهب والقراءات حتى في أطار الدين الواحد، ومن أبرز منجزات هذا الصراع خاصة في أوربا حيث تنشط الفلسفة واللاهوت في مجال واحد ظهور البروتستانتية كمذهب في الفكر المسيحي وقاد صراعا ما زال شراراته تنطلق إلى اليوم، كما شهد صراع الفلسفة مع اللاهوت صراعا مريرا وخاصة في الجانب الوجودي والمادي منها ليشكل ثنائي صلب قاد للكثير من التحولات العميقة في كليهما في الفكر الديني والفكر الفلسفي، بل نجح في تفجير الفلسفة ذاتها كما نجحت الفلسفة في تدمير جزء مهم من الكيان الديني فكر وممارسة.
إن جوهر الوجودية قائم على فكرتين منفصلتين ولكنهما يعبران عن الوجود مطلقا على أنه نهاية وبداية أبدية، الفكرتان أو الدعامتان هما (الوجود لذاته) متمثلا بالإنسان وعي وجودي ووجود واعي، و(الوجود بذاته) الذي يمثل الشيئية المطلقة التي تعتبر مثل المادة الخام الذي يتكون أساسها الوجود المحسوس المادي بكل تفاصيله ولادة موت عدم.... الخ، في الوقت الذي يتبنى الفكر اللاهوتي فكرة مقابلة تجمع الصورة الوجودية بأبعد نقطة لدرجة أنه لا يمكن للعقل البشري حتى إدراكها، لذا فهي تعبر عن عجز الوجود في الوصول للكلية المطلقة لها أو تشكيل صورة ذهنية لها أو تقديم ما يثبت أو ينفي الفكرة بشكل قاطع ويقيني، هي فكرة (وجود من أجل ذاته بذاته، ومن أجله كل وجود آخَر كان)، هذه العبارة بكل وجوديتها أيضا هي ملخص لفكرة الله ، الفاعل الأول والأخير بذاته ولذاته ولأجل كل وجود.
بهذا التناقض الفكري في الأسس والمقولات والمؤديات والنتائج لكن ذلك لا يمنع الفكر الغربي خصوصا الفلسفي من التقرب من اللاهوتية بشكل ما بنشوء ما يعرف بالوجودية اللاهوتية، هذه الفلسفة الوليدة وجدت أرضيتها في الفكر الأوربي تحديدا متأثرة بحقيقة الرؤيا التي ترعرعت في أذهاب البعض من الفلاسفة اللاهوتيين المجددين، أو بعض الفلاسفة الذين كان أنحدارهم المعرفي أساسا من دائرة اللاهوت الديني في القرن الثامن عشر وما بعده، هذه الرؤية في حقيقتها رؤية أصلاحية دينية تنوريه في منطلقاتها ولكنها تطورت لتجعل للدين مخرج من دائرة الحبس والأنعزال والتجاذب بين طرفي نقيض كما كان يعتقد في حينها، فكما استعان اللاهوت البروتستانتي بالفلسفة الوجودية ليكون أقوى وأكثر حياة، فإن الفلسفة الوجودية أيضًا قد تستعين باللاهوت والدين لتكون أقوى وأكثر حياة، بل ولتكون أكثر وجودية. فكما قال الرائد كيركجور: «الوجودية الحقة هي المسيحية، أو هي بتعبير أدق صيرورة الإنسان مسيحيًّا».
إن الإقرار بكون الوجودية هي الأساس الفلسفي للنظر في الموقف الإنساني المتعيَّن بمسئوليته الفردية الرهيبة حيث لا ينفع المنطق البارد، ولا يشفع المنهج العقلاني الصارم لذلك (يصعب أن يناقش أي لاهوتي متفلسف دعاويه بغير الاستعارة من القاموس الوجودي والالتجاء إلى المفاهيم والمصطلحات الوجودية)، هنا نجد اللاهوتية أو ما تسمى بالفلسفة اللاهوتية الغربية حاجتها للأستعارة والتمثل وحتى إمكانية الإيمان بالجوانب الأكثر أنحيازا لمفاهيمها دون أن يشكل ذلك عبء على الفكرة اللاهوتية بصيغتها المتجددة أو التنويرية عكس اللاهوت السلفي والمحافظ، فلا يدهشنا بعد كل هذا الالتقاء بين اللاهوت البروتستانتي والفلسفة الوجودية، إنه مسألة تتبدَّى لكل مَن يمعن النظر في منطلقات ومضمون دعوة لوثر وعن الزاوية التاريخية لهذا الالتقاء، قد أشار إليها تيليش (باول يوهانس أوسكار تيليش Paul J. O. Tillich _١٨٨٦–١٩٦٥م)، حين فرَّق بين ثلاثة وجوه للوجودية: الوجودية بوصفها (وجهة نظر) وبوصفها (اعتراضًا أو احتجاجًا Protest) وبوصفها (تعبيرًا)، وهو يؤكد أن الوجودية كوجهة نظر حاضرة في القطاع الأعظم من اللاهوت، وأيضًا من الفلسفة والفكر، لكنها قد لا تكون على وعي بذاتها، أما الوجودية بوصفها احتجاجًا فقد ظهرت كحركة واعية بذاتها منذ الميلاد الرسمي للوجودية مع كيركجور، لتصبح بوصفها تعبيرًا خاصة مميزة للفلسفة والفن والأدب، وسادت أوروبا في مرحلة الحربين العالميتين.
بهذا القدر من الإشارة إلى تداخل الفلسفة في الفكر الديني ومدى تأثير الوجودية عليه نعود لموضوع البحث حول قدرة الفلسفة العربية والإسلامية، ولا أعني بها تحديد أطارا مميزا من الفلسفة ذا الخاصية الفريدة أن تتدخل في انطلاق عملية التنوير والتجديد في الفكر الديني الإسلامي، خاصة وأن تاريخ هذه الفلسفة منذ قرون قد لعب دورا جوهريا في تحريك الفكر الديني وحتى خروج الكثير من المحاولات المجهضة من تخليصه من السلفية والجمود التاريخي فمع الفلاسفة القدماء من بغداد للأندلس مرورا بكل الحواضر العربية والإسلامية أنذاك لم تنجح بشكل ملفت في تحرير العقل الديني الإسلامي بالقدر الذي نجح فيه الغرب الأوربي من إعادة سبك المعرفة الإنسانية في أوعية قابلة للتحرك، وبالرغم من أن الفلاسفة العرب وبدأ من أبن رشد كانوا هم الأسبق في هذه المحاولة من أقرانهم الأوربيين من مسيح ويهود.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب والموت بين وجودنا الأول ووجودنا الراهن
- الترتيل بين الفهم والمفهوم.
- رسالتي المتمردة إلى حضرة الكل
- العبد والعبودية في الفهم الديني... القرآن الكريم أنموذجا.
- العنف ضد المرأة في مجتمعات الفضيلة
- رواية (حساء الوطواط) ح12
- تخاريف عراقية في زمن الكورونا
- رواية (حساء الوطواط) ح11
- رواية (حساء الوطواط) ح10
- رواية (حساء الوطواط) ح9
- هل ساهم الإعلام الفوضوي في نشر وباء الكورونا؟
- رواية (حساء الوطواط) ح8
- رواية (حساء الوطواط) ح7
- رواية (حساء الوطواط) ح6
- رواية (حساء الوطواط) ح5
- رواية (حساء الوطواط) ح4
- رواية (حساء الوطواط) ح3
- رواية (حساء الوطواط) ح2
- رواية (حساء الوطواط) ح1
- عالم ما بعد الكورنالية الراهنة. تحولات كبرى وأزمات متجددة.


المزيد.....




- تحذير أمريكي للصين بعد مناورات عسكرية حول تايوان
- مرشح ترامب لرئاسة أركان الجيش الأمريكي: على واشنطن الاستمرار ...
- مقتل بلوغر عراقية شهيرة في العاصمة بغداد
- ترامب يزور السعودية في مايو المقبل
- مصر: السيسي بحث مع ترامب استعادة الهدوء في الشرق الأوسط
- الداخلية الكويتية تكشف ملابسات جريمة بشعة وقعت صباح يوم العي ...
- البيت الأبيض: نفذنا حتى الآن أكثر من 200 ضربة ناجحة على أهدا ...
- -حزب الله- ينعى القيادي في صفوفه حسن بدير ويدعو جمهوره لتشيي ...
- نصائح حول كيفية استعادة الدافع
- العلماء الروس يرصدون توهجات قوية على الشمس


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - هل تنجح الفلسفة في تنوير العقل الديني التاريخي ج1