احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1580 - 2006 / 6 / 13 - 11:46
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
يعقد في نهاية الأسبوع القادم "مؤتمر قيسارية". ومن المنتظر أن يطرح على أجندة هذا المؤتمر تقرير خاص عن حالة التصاعد الجنوني لوتيرة الفقر ولعدد الفقراء في اسرائيل في السنوات الأخيرة، خاصة في الفترة من سنة ألفين واثنين وألفين وخمسة. وقد أعد هذا التقرير الخاص طاقم من المختصين في "المعهد الاسرائيلي للدمقراطية برئاسة الدكتور مومي دهّان وبمشاركة المدير العام لمؤسسة التأمين الوطني د. يغئال بن شالوم ونائبة المدير العام لهذه المؤسسة، المسؤولة عن قسم الأبحاث ليئة مروفوت وغيرهم من المسؤولين الكبار.
يشمل التقرير الخاص الذي أعده الطاقم المختص من المعهد الاسرائيلي للدمقراطية ثلاثة أقسام أساسية من حيث بنيته المنطقية والتحليلية وهي ما يلي:
أولا: أسباب الزيادة الصارخة في نسبة الفقر وعدد الفقراء في السنوات الاخيرة: يركز تقرير طاقم المعهد الاسرائيلي للدمقراطية على سبب جوهري أساسي لتردي حالة الفقر بشكل صارخ ومأساوي يتمحور حول سياسة التقليصات الحكومية لمخصصات التأمين الوطني في السنوات الأخيرة. فالتقرير يؤكد أن انتاج وإعادة انتاج الفقر بشكل موسع برز في فترة انتهاج وزارة المالية والحكومة اليمينية الشارونية الخطة الاقتصادية الجديدة في السنوات الثلاث الأخيرة، من سنة ألفين وثلاثة حتى نهاية ألفين وخمسة. ومع أن التقرير "لا يبق الحصوة" بتسمية المولود باسمه الحقيقي، فالواقع أن حكومة شارون نتنياهو انتهجت النمط النيوليبرالي في المجال الاقتصادي – الاجتماعي كقاعدة أساسية بنت بموجبها خطتها الاقتصادية – وسياستها الاقتصادية الاجتماعية. فالنيوليبرالية او الليبرالية الجديدة تعنى من حيث مدلولها الاقتصادي والاجتماعي تسليم مفاتيح الهيمنة وقيادة الاقتصاد للقطاع الخاص وسيطرة "اقتصاد السوق" أو "السوق الحرة، وتسريع وتيرة الخصخصة وقضية القطاع العام أو قطاع الدولة تدريجيًا من خلال بيع شركاته ومرافقة للقطاع الخاص الاسرائيلي والأجنبي، وتقليص تدخل الدولة في العملية الاقتصادية، تقليص الدعم الحكومي للخدمات الجماهيرية العامة وللرفاه الاجتماعي. وفي نهاية المطاف فإن مدلول النيوليبرالية اجتماعيًا يعني انتهاج سياسة إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء. وهذا ما تؤكده معطيات تقرير طاقم المعهد الاسرائيلي للدمقراطية، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة ونتيجة للنهج النيوليبرالي الذي مارسه وزير المالية بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية الشارونية فإن المعدل الوسطي لدخل عائلة غنية ازداد شهريًا بـ 1246 شاقلاً بينما المعدل الوسطي لدخل عائلة فقيرة انخفض شهريًا بـ 643 شاقلاً!! كما انه نتيجة لممارسة النهج النيوليبرالي زاد الفقراء في اسرائيل في السنوات الثلاث الأخيرة بأكثر من ثلاثمائة ألف فقير جديد. ومنذ العام ألفين وأربعة تتبوأ اسرائيل المكانة الأولى عالميًا من حيث نسبة الفقراء من بين العدد الإجمالي للسكان، فقد بلغت (18%)، اليوم تبلغ حوالي عشرين في المئة، أي ان كل خامس مواطن في اسرائيل فقير. ولكن هنالك بسبب سياسة التمييز المزدوج، الطبقي والقومي، تفاوت في نسبة الفقر وعدد الفقراء بين اليهود والعرب، فإذا كانت النسبة العامة للفقراء في اسرائيل تبلغ بين العرب أكثر من ستة وخمسين في المئة.
اننا نوافق ما جاء في التقرير المذكور بأن السياسة النيوليبرالية التي خَسَفت مختلف مخصصات التأمين الوطني كانت سببًا مركزيًا وأساسيًا في زيادة حدة الفقر في اسرائيل، ولكن يجب عدم تجاهل العلاقة الجدلية بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فعدم الاستقرار السياسي بسبب سياسة تصعيد العدوان الاسرائيلي ضد شعب الانتفاضة الفلسطينية وزيادة التكلفة المادية على الإنفاق العسكري والاستيطاني وبناء جدار الضم والفصل العنصري في المناطق الفلسطينية المحتلة عكس أثره السلبي على الوضع الاجتماعي أيضًا (تقليص ميزانيات الوزارات المدنية والخدمات العامة – زيادة البطالة وتدهور العديد من أصحاب المصالح الصغيرة والمتوسطة الى سوق البطالة والفقر).
ثانيًا: المقارنات والفوارق الصارخة: القسم الثاني من تقرير طاقم المعهد الاسرائيلي للدمقراطية يتطرق الى مقارنة بين اسرائيل والبلدان الصناعية الرأسمالية المتطورة التي تنتسب اسرائيل الى فصيلتهم. والمعطيات الواردة في التقرير تعكس مدى تدهور الحالة الاجتماعية للفئات الاجتماعية المسحوقة إذ تشغل اسرائيل أسوأ مكانة مقارنة مع البلدان الأخرى. فبالنسبة لنسبة الفقراء من بين السكان فقد سبقت اسرائيل في العام ألفين وأربعة حليفتها الاستراتيجية في العدوان – الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا كانت نسبة الفقر في اسرائيل (17,9%) ففي الولايات المتحدة (17%) وفي أسبانيا (14,31%)، ايطاليا (12,7%)، بريطانيا (12,4%)، ألمانيا (8,6%)، فرنسا (8,0%)، هولندا (17,3%)، السويد (6,5%)، فنلندا (5,4%). فهذه المعطيات تعكس حقيقة أخرى ان جميع الأنظمة الرأسمالية تنتج الفقر بشكل متفاوت مما يعني من حيث المدلول الاجتماعي غياب العدالة الاجتماعية في جميع البلدان الرأسمالية.
وليس من وليد الصدفة أن تشغل اسرائيل المكان الأول بين الدول الرأسمالية الصناعية في نسبة الفقر من بين عدد السكان الإجمالي، فهذه النسبة العالية من العوامل والأسباب التي تنبع من رحم السياسة النيوليبرالية الاسرائيلية المنتهجة والمتمثلة بتقليص صارخ لمخصصات التأمين الوطني. وهذا ما تعكسه معطيات التقرير المذكور. فالدالة الأولى تتجسد بنسبة مخصصات الأولاد الثلاثة من الناتج القومي للنفر الواحد، ففي ألمانيا تبلغ هذه النسبة (9,1%)، فرنسا (6,6%)، السويد (6,4%)، بريطانيا (4,8%)، قبرص (3,8%). اما في اسرائيل فتبلغ (1,6%)، أي في المكان قبل الأخير الذي تشغله اليونان بنسبة (1,1%)!! الدالة الثانية عدد الأيام المستحقة لمخصصات البطالة، في فرنسا وهولندا فإن العاطل عن العمل يستلم ويستحق مخصصات البطالة لمدة خمس سنوات (1800) يوم وفي ألمانيا (960) يومًا واليابان (360) يومًا والولايات المتحدة (273) يومًا وبريطانيا (180) يومًا. أما في اسرائيل فإن العاطل عن العمل يستلم مخصصات البطالة عن (175 يومًا)!!
الدالة الثالثة، نسبة مخصصات الشيخوخة من المعدل الوسطي للأجور، فهذه النسبة تبلغ في اسبانيا تسعة وثمانين في المئة وفي السويد ستين في المئة وفي فرنسا خمسة وأربعين في المئة وفي ألمانيا اثنين وأربعين في المئة وفي بريطانيا أربعين في المئة. اما في اسرائيل فإن هذه النسبة تبلغ خمسة وعشرين في المئة فقط، أي المكان قبل الأخير بواحد، إذ تشغل الدنمارك المكان الأخير وبنسبة ثلاثة وعشرين في المئة.
من معطيات الدلائل الثلاثة المتعلقة بمخصصات التأمين الوطني يتضح أن حكومة الكوارث معادية في سياستها الاقتصادية المنتهجة للأطفال وللمسنين. لقد جاء في التقرير ما يلي: "جرى تغير دراماتيكي صارخ خلال السنوات الثلاث الأخيرة فيما يتعلق بسياسة المساعدة للسكان الفقراء، المخصصات والدعم تقلصت بنسب كبيرة، تغطية التأمين في حالة البطالة تقلصت بصورة جدية، برامج التأهيل المهني قلصت... التقليص الكبير في مخصصات الأولاد قذف اسرائيل الى أسفل درجات السلم بالمقارنة مع الدول المتطورة في مجال دعم العائلات كثيرة الأولاد، مخصصات الشيخوخة التي تعتبر الدخل الأساسي بعد التقاعد من أكثر المخصصات المنخفضة في العالم الغربي"!!. وهذه الحقائق تجسد ما نؤكده دائمًا حول حقيقة الهوية الطبقية السياسية والاجتماعية للنظام القائم في اسرائيل بأنه نظام العدوان والاحتلال والإفقار الذي يتقمص زورًا وبهتانًا اسم "نظام واحة الدمقراطية في الشرق الأوسط.
ثالثًا: خطة محاربة الفقر: القسم الثالث من التقرير يطرح واضعوه مشروعًا لمحاربة الفقر تبلغ تكلفته ثمانية مليارات وثمانمئة مليون شاقل. ويجري تجنيد هذه المبالغ من المصادر التالية: تقليص ملياري شاقل من نفقات الأمن، ونحن نقول لطاقم واضع التقرير انه يمكن تحرير أضعاف المبلغ المقترح من النفقات العسكرية والاستيطانية إذا انتهجت حكومة اسرائيل سياسة تجنح للسلام العادل وانسحبت وقطعان مستوطنيها من المناطق الفلسطينية والسورية المحتلة ومن مزارع شبعا اللبنانية واعترفت بحق الشعب الفلسطيني في الدولة والقدس والعودة، ففي ظل السلام والاستقرار يمكن توجيه المليارات التي تحرق في أتون سياسة العدوان والجرائم والاحتلال والاستيطان، يمكن توجيهها لزيادة وتيرة النمو الاقتصادي ولمجالات الرفاه الاجتماعي. كما يقترح واضعو التقرير تجنيد ملياري شاقل ايقاف وإبطال تخفيض ضريبة الدخل عن الطبقة الغنية من "القطط" السمان، وتجنيد مليار شاقل من تخفيض التسهيلات والامتيازات المقدمة لأرباب رؤوس الأموال وفق قانون تشجيع استثمار وتوظيف الرأسمال.... ولمحاربة الفقر يقترح طاقم المعهد الاسرائيلي للدمقراطية: تخفيض تعريفة السفر في المواصلات العامة، تطبيق قوانين العمل، زيادة مخصصات البطالة، زيادة المخصصات للأولاد الثلاثة بمائة شاقل لكل ولد، زيادة مخصصات الشيخوخة بمائتي شاقل للمسنين فوق السبعين سنة وتوفير التعليم المجاني لأبناء ثلاث – أربع سنوات. وجميع هذه البنود تعني إلغاء المصائب التي خلفتها السياسة الاقتصادية لحكومة الكوارث اليمينية الرأسمالية الخنزيرية، إلغاء المنهج والنهج النيوليبرالي الذي تمشت بموجبه ومارسته حكومة شارون – نتنياهو وبدعم وتواطؤ من بيرس حزب العمل وغيره من الأحزاب الصهيونية والدينية اليهودية المتشددة (الحراديم).
فمحاربة الفقر بصورة جدية تستدعي النضال لتغيير جذري في السياسة الرسمية المنتهجة سياسيًا واقتصاديًا اجتماعيًا، تغيير سياسة الاحتلال والعدوان والإفقار واعتلاء وركوب قطار السلام العادل والعدالة الاجتماعية.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟