عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6539 - 2020 / 4 / 16 - 11:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدولة المدنية هي تلك الدولة التي تحمي كل اعضاء المجتمع على اختلاف انتماءاتهم القومية او الدينية او الفكرية. وتقوم الدولة المدنية على عدة مبادئ ينبغي توفرها والتي ان نقص احدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة والتي من اهمها :
1) ان تقوم تلك الدولة على التسامح والسلام وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات بحيث تضمن حقوق جميع المواطنين .
2) احترام حقوق الأفراد وأن لا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر او طرف آخر بوجود سلطة عليا هي سلطة الدولة والقانون التي يمكن ان يلجأ اليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم او تهديد بالانتهاك . فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الآخرين من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم ( كما تفعل العشائر والميليشيات في العراق اليوم ).
3) الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة .
4) مبدأ المواطنة والذي يعني ان الفرد لا يًعرف بمهنته او بدينه او بإقليمه او بماله او بسلطته وانما يعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين .
5) أن لا تتأسس الدولة المدنية بخلط الدين بالسياسة حيث ان للدين قدسيته , كما أنها لا تعادي الدين او ترفضه , حيث ان ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق اهدافا سياسية حيث ان ذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية .
6) مبدا الديمقراطية والتي تمنع من ان تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد او نخبة او عائلة... الخ .
وظائف الدولة المدنية :
حتى تتميز الدولة بصفة المدنية فإنه يقع على عاتقها عدة وظائف منها :
1. خلق فرص عمل لمواطنيها اضافة الى تأمين العيش الكريم لهم .
2. بناء مجتمع نموذجي اقتصادي .
3. توفير الاستقرار الأمني والنفسي لجميع المواطنين .
4. تهيئة سبل واساليب التعبير الصريح عن حرية الرأي بمختلف الطرق ويكون ذلك تبعا لضوابط وبنود قانونية ورسمية محددة .
5. بناء المؤسسات والمراكز الصحية وتوفير احدث الوسائل التقنية فيها لمقاومة جميع الأوبئة والأمراض .
6. الاعتماد على نظام وقانون الضمان الاجتماعي الخاص برعاية المتقاعدين وكبار السن والمعوقين ..
فالدولة المدنية اذن هي تلك الدولة التي تنشأ وفق معايير المواطنة المعاصرة بوصفها ثمرة عقد وطني واجتماعي تم بناؤه بشكل حر اضافة الى معايير المحافظة على الحق الطبيعي والاجتماعي للأفراد , فالدولة المدنية هي نقيض للدولة الاستبدادية وتلغي التعصب الديني .
والدولة المدنية هي الدولة التي تحكمها دساتير وقوانين تضمن الحريات الفردية ولكافة مكونات المجتمع وهي الدولة التي يشكل دستورها المظلة الأوسع للناس تمارس تحت كنفها حرية المعتقد والدين والفكر , لا تفرض فيها فئة على اخرى ولا يتغول فيها احد على الآخر. والدولة المدنية هي دولة مؤسسات يتم فيها تطوير السلطات التشريعية والقضائية , وهي دولة قانون يسري فيها القانون على الجميع بغض النظر عن مكانتهم او منصبهم او نفوذهم او اصولهم.
ان نقيض الدولة المدنية هو الدولة السلطوية التي تستأثر بالسلطة وتطبق القانون بشكل انتقائي .
ان حرية الدين مكفولة في الدولة المدنية ( وليس كما يروج البعض ) حيث تقف الدولة في نفس المسافة من كافة الناس .
ومن جهة اخرى وبشكل متناقض مع الدولة المدنية هناك الدولة المحاصصية التي ظهرت في بعض المناطق العربية كلبنان والعراق وغيرها .
مميزات دولة المحاصصة :
تتميز الدولة المحاصصية ببعض الخصائص حيث انها :-
1) تقسم المجتمع الى كيانات تؤدي الى عزل ابنائه عن بعضهم على اساس الانتماء المذهبي او القومي .
2) يؤدي هذا العزل بالضرورة الى اضعاف نضال القوى الوطنية الديمقراطية واليسارية , حيث ان العزل يؤدي الى تجزئة نضال الطبقات الاجتماعية الرامية الى التحرر والتطور والانعتاق .
3) تتمثل الدولة المحاصصية بتوزيع المناصب السيادية الهامة على اساس محاصصي وكذا الحال للكثير من المواقع الوظيفية الهامة مما يؤدي بالضرورة الى ان يتبوأ اشخاص اقل كفاءة من آخرين مما يؤدي الى ضعف الأداء الوظيفي وعرقلة تطبيق التنمية الشاملة والى استشراء حالة الفساد المالي والاداري ( كما يحصل في العراق الذي احتل المراتب الاولى بين دول العالم الأكثر فسادا حسب منظمة الشفافية الدولية ) والذي يعرقل بدوره كل عملية تقدم ملموسة على صعيد تطوير الكفاءات البشرية او الاقتصادية او غير ذلك .
4) تستند القوى الطائفية – الاثنية الى نصوص مقدسة او مؤسسات دينية او مراجع دينية او قومية لا تعطيها المرونة للقبول بالآخر وتبادل السلطة سلميا .
5) تتحول الولاءات الوطنية الى ولاءات اقل منها مستوى مثل الولاء للطائفة او القومية مما يضعف روح المواطنة والشعور بالمسؤولية تجاه قضايا الوطن الأساسية الهامة مثل ( قضايا التنمية او الديمقراطية وحقوق الانسان ).
6) اعتماد المكونات الطائفية – الاثنية على اذرع مسلحة من الميليشيات بعضها علني والآخر مستتر لحل خلافاتها مع المكونات الاخرى عن طريق العنف .
7) اضطرار المكونات الطائفية او القومية احيانا وعن طريق ممثليها السياسيين الى الاعتماد على قوى خارجية ( اقليمية او دوليه) لأجل الاستقواء بها على المكونات المقابلة مما يفسح المجال لتلك القوى للتدخل بالشأن الداخلي للبلد المعني ( والعراق مثالا على ذلك وارتباط بعض الميليشيات بإيران وآخر شكل من أشكال التدخل الايراني في الشأن العراقي الداخلي , قيام قاسم سليماني بزيارة العراق مؤخرا واعتراضه على قرار الحكومة بضم فصائل الحشد الشعبي الى القوات المسلحة العراقية).
8) قد تتوفر في دولة المحاصصة بعض الحريات لكنها تفتقد الى الديمقراطية الحقيقية بسبب غياب مبدأ تكافؤ الفرص. فالدولة الطائفية او المحاصصية تعود بالمجتمع الى الوراء بعيدا عن اشكال الدول المتحضرة حتى انها تبدو احيانا وكأن المجتمع في مرحلة ما قبل الدولة, وان الايغال في تطبيقات المحاصصة على مختلف جوانب الحياة قد يجر في الأخير الى تقسيم البلد الى دويلات صغيرة مهمشة .تدعي كثير من القوى المختلفة على انها حامية الدولة المدنية فأين المشكلة في ذلك؟
المطلوب مجتمعيا ليس اقامة دولة مدنية بمعناها الفضفاض , وانما المطلوب هو اقامة دولة مدنية ديمقراطية ذات معايير محددة تلتزم بها القوى المختلفة .
اهم معايير الدولة المدنية الديمقراطية :
اهم هذه المعايير التي تشكل اساس الديمقراطية المعاصرة هي :-
1) المعيار الأول : الالتزام بالتداول السلمي للسلطة فلا يحتكر حزب السلطة ويحتكم في الظروف كافة الى صندوق الاقتراع يحترمه ويسلم بنتائجه فيصبح الفيصل الذي يعكس ارادة الشعب هو الصندوق يأتي بمن يريد للسلطة ويخرج منها من يريد ( بشرط أن يكون ذلك بعيدا عن التزوير مع تشريع قانون انتخابي عادل ومنصف وليس كما في قانون سانت ليغو 1,9 المعتمد في العراق ) . وان لا يستخدم فريق ارتباطه العقائدي او قوته العسكرية للبقاء في السلطة . فللجميع حق العمل السياسي السلمي وليس لأحد احتكار السلطة او اقصاء الآخر ( كما يجري في العراق بتشريع القوى الحاكمة المتنفذة لقانون انتخابي ( سانت ليغو 1,9 ) بهدف تهميش وابعاد القوى الوطنية الأخرى التي يسمونها بالصغيرة وما هي بصغيرة ).
2) المعيار الثاني : احترام حرية الأفراد والمجموعات لا يتغول عليها احد بسبب معتقده حتى لو كان في السلطة , فالدولة المدنية الديمقراطية هي وحدها القادرة على حماية الفرد ومعتقده وهي التي بشكلها المدني الديمقراطي تمثل مظلة قانونية تتسع للجميع وهي ايضا حامية الآخر , لا مكان فيها للعنصرية ولا متسع للأقصاء .
3) المعيار الثالث : هو بناء المؤسسات فلا دولة مدنية ديمقراطية من دون بناء المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية , ناهيك عن ضمان تطور صحافة حرة .
4) المعيار الرابع : هو احترام حقوق الانسان فعلا وقولا ويتضمن دعم حقوق الفرد الأساسية والسياسية والثقافية والاقتصادية, بغض النظر عن دينه او معتقده. وفي البلاد العربية عموما لا يعني الالتزام بالدولة المدنية شيئا ان لم يرافقه التزام بالديمقراطية بشروطها كافة, فليس المطلوب دولة مدنية , بل المطلوب دولة مدنية ديمقراطية .( 6) . فلا نستطيع الحديث عن الدولة المدنية دون اقرانها بالديمقراطية فالصفتان متلازمتان فالدولة المدنية دون الديمقراطية تعني الاستئثار بالسلطة من قبل فصيل واحد. والدولة المدنية الديمقراطية تعني سيادة القانون واحترام الحريات وتداول السلطة سلميا واحترام التعددية الاثنية والدينية والفكرية .
فلنعمل معا على تحقيق التغيير واقامة الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية والعدالة الاجتماعية .
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟