أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن كله خيري - الهروب














المزيد.....

الهروب


حسن كله خيري

الحوار المتمدن-العدد: 6537 - 2020 / 4 / 14 - 21:23
المحور: الادب والفن
    


قريتُنا التي تتربع على عرشِ ليلون الأزلي، برغم من مساحتِها الهائلة لم تستطع على احتواءِ رمادَ عظامي يوماً، والتي كسرت أحساس الانتماء بداخلي.

كان سمائُها طريقاً للطائرات التي تُحلق باتجاه الشمال حيث الحضارات القوقازية، وباتجاهِ الغرب حيث أوربا التي كنتُ أودُ القدومَ إليها منذُ أن ذهبتُ إلى المدرسة أول مرةٍ - حيثُ كان الغرام تجاه الغربةَ يهبُ في داخلي منذُ الصغر، وإلى الجنوب من الجهة الغربية للقرية حيثُ تتجه إلى بلاد العرب الأصلية.

كنتُ دائماً أرفعُ رأسي لتأمل الطائرات وهي تغيب في السماء إلى حيث وجهتها خاصة عندما تتجه نحو الجنوب في فترة غروب الشمس حيث يصطدم جسم الطائرات بالشمس في الأفقِ البعيد وهما يغيبان معاً كما لو أنهما عشيقين، أنا كنتُ أتصور نفسي فيها دائماً، لأنني لم أشعر يوماً بأنني من تلك الأرض رغم أنني أشتاق لها حقاً، لكن الحقيقة ذاكَ الشعورُ مازال موجوداً، بأننا أنا وتلك الأرض لا نستحقُ بعضنا فأنا أعتدتُ على الوجع، الانهيار، الطعن، الفقدان وهي اعتادت على البخلِ في كل مرة على احتوائي وما أتعرض له وأشعر به.

كنتُ أعدُ السنوات، وأنا على علمٍ تام بأنني ودعتُ الآلاف من الطائرات والملايين من الأشخاص حين كنتُ ألوح للطائرات بأن تلتقطني أحداها وأغيب معها إلى ما وراء الشمس، كنت على يقينٍ أنني سوف أكون في أحداها يوماً، لعل مغيبَ الشمس يحتوي وجودي البارد، لعلني أرى في نفسي ما كنت أفتقده دائماً بأنني أستحق هدوئاً، لا اضطراباً في داخلي سيلزمني إلى الأبد، كنت أريد ألتحف بالشمس، لعلها تسطع بشموساً تخفي هذه الكوابيس.

بعد خروجي من تلك الأرض الظالمةِ، وصلت إلى مدينة صاخبة لا تنام، تعج بالمشردين، تعجُ بالبائعات الهوى بالألوان والأشكال البشرية، مدينةٌ تعجُ بالكلاب، القطط، اللصوص، مدينةٌ لا ترحم، مدينةٌ ظالمة أكثر من قريتي التي كنتُ أنفر منها لأنها لم تستطع أحتوائي يوماً، مدينةٌ الفقير لا يأكل أن لم يعمل، مدينةٌ أكثر ظلماً، مدينةٌ جعلتني أسكنُ في قبوٍ، كنتُ أنامُ فوق أريكةٍ مهترئةٍ في صندوقها السفلي تنام كل ضيوفي من الفئران في النهار، وتركضُ فيه عندما أريد النوم ليلاً، كان صوتها مزعجاً جداً وفي الكثير من الأحيان كان صوت الطائرات المرتفع والتي تحومُ فوق قبوي يُغطي نشازَ أصوات تلك الفئران المزعجة فأقوم مسرعاً إلى الخارج لأرئها في الليل حيث أضوائها القريبة مني تنادي تعال أقفز، لكن أجنحتي المنكسرة دائماً كانت تمنعني من تلبية نداء طاقمها.

أسطنبول المدينة التي بقيتُ فيها قرابة السنة - كانت هي أيضاً اليتيمة مثلي بالرغم من كبرها، بالرغم من أنها لا تنام، وحيدةٌ لا تعرِفُ الدفئ و الانتماء، لا تعرف أن كانت يونانية أم تركية، مسلمة أم مسيحية، شرقية أم غربية، مدينةٌ خارجة عن النطاق، العمل فيها هو الغاية الوحيدة التي يركض الملايين خلفها، حيثُ القوت اليومي لبشرٍ خانوا أنفسهم في كل التعابير لأنهم كانوا على علمٍ أن الحياة تطحنهم كلما بدأؤ بالقذارة أكثر.

كنتُ في قبوٍ قريبٍ من مدرجات الطائرات التي تحمل البشر بأوجاعهم و أحلامهم، خُبثِهم وبرائتهم، ظلمهم ومظلوميتهم، طهارتهم وقذارتهم، ملاكهم وشيطانهم، حبهم وكرههم، برودهم ودفئهم، تحمل قومياتهم و أديانهم، أشكالهم وألوانهم، تحمل أكلهم وشربهم، تحمل وتنتقل بهم إلى ما خلف المغيب والنسيان، إلى حيث كل منهم يريد.

العادة السرية في تأملي للطائرات كبرت معي، وكبر في داخلي الهجران أنني أريدُ الوصول إلى أبعدِ مكانٍ على وجه كوكبٍ لا يريدُ أن يتحملني لا في صدقي ولا في كذبي، أماكن تُشعرني بأنني الوحيد الذي يكتوي في داخله ويُربي في ذاته معاني الهشيمِ الذي يحرق ولا يبالي.

يُتبع ...



#حسن_كله_خيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خذ صور وأنا أُساعد
- هي
- سنتين على الأرهاب
- مجند بخمسة وعشرون ليرة
- الكُردي
- في رثاء عفرين _ أرض الزيتون
- لعلك الحياة
- الوطن
- الضجر
- كناطق باللغة الكُردية والعربية


المزيد.....




- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن كله خيري - الهروب