أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل التاسع عشر/ 1














المزيد.....

حديث عن عائشة: الفصل التاسع عشر/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6537 - 2020 / 4 / 14 - 20:09
المحور: الادب والفن
    


من نافذة قطار الضواحي، لاحَ برُّ الشام ببيوته الطينية وحقوله وجباله تحت أشعة شمس الصيف المذهّبة، كأنه صورٌ متقنة الرسم في كتاب يقلّبه بعجلة، طفلٌ نزق الطبع. في مقصورةٍ تحتوي على كرسيين متقابلين، خشبيين وعريضين، كان يجلسُ شابٌ عليه رداء سلاح الفرسان، يداعب شاربيه المعقوفين بين حينٍ وآخر كما لو أنه يخشى أن يطيرا من مكانهما بفعل هبوب الهواء، المتأثر باندفاع القاطرة على الطريق الوعر لوادي بردى. كان يتجنبُ النظرَ إلى الفتاة السمراء، الجالسة في مواجهته، ما جعل عيناهما متفقتين على متابعة المناظر الخارجية، المعروضة على شاشة النافذة العريضة. لكنهما كانا يسافران معاً، بدءاً من منزل الجدّة في دمشق، ومن المفترض أن هذه سبقتهما إلى الزبداني مع عمتهما وولديها. باقتراب وقت النزول في المحطة المأمولة، بدا الاضطراب على سحنة وحركات الفارس ذي الشاربين المعقوفين.
" آه، نسيتُ أن أخبركِ بضرورة المرور على بيروزا كي نأخذها معنا "، خاطبَ ديبو ابنة كبرى عمتيه. كان يعني امرأته، التي اقترن بها في بداية الصيف وتقيم في منزل الإيجار في قرية سرغايا، أينَ مكان خدمته في مركز الدرك. كَولي، كانت قد لحظت تغيّرَ ملامح قريبها قبيل نهاية الرحلة، ولعلها أحالت ذلك إلى تفكيره بأمر منغّص. ردت متسائلةً من خلف الخمار الأسود، المخفي وجهها: " ولكن هل ينتظرنا القطار، لحين عودتنا مع بيروزا؟ "
" يا لكِ من فتاة ساذجة! "، رد ابن خالها مقهقهاً. ثم أوضح بالقول، وقد استعاد قليلاً من الهدوء الداخليّ: " القطار سيمضي في طريقه، ونحن نمضي في طريقنا. بعد ذلك نركب ثلاثتنا سيارة مخفر سرغايا، ومن ثم نتجه إلى دار الجدة في الزبداني ". هزّت رأسها دلالة على الفهم، وكان القطار في الأثناء يُطلق صفّارةً تؤذن بدخوله إلى المحطة.

***
لو أنّ تلك المحاورة جرت بين القريبين في زمن مضى، لتسببت على الغالب بخصامهما وتنابذهما بالكلمات الجارحة. إن كَولي وبرغم من شراسة ابن خالها، كانت من قوة الشخصية ألا تهابه، بل وفي كثير من الأحيان كانت تجعله يهرب من مواجهتها. ألعاب الطفولة جمعتهما معاً في الزقاق، وأيضاً في حجرات منزل جديهما، ثمة حيث كانا يختبئان تحت الأسرة أو خلف الأبواب. مع وصول كَولي لسنّ أجبرتها على الخروج بالخمار، كان قريبها في الأثناء يئن تحت ضربات امرأة الأب. مع مرور الأيام، أضحى طبعه أكثر صعوبة حتى لم يبقَ لديه صديقٌ غير عمه الصغير، مستو. ذات مرة، كان ديبو منتصباً بطوله الفارع أمام باب دار أبيه، لما رأى ابنة عمته تخرج راكضة من دار الجدة باتجاهه وكانت عارية الرأس. أرادت أن تمرق من الباب، لكنه سدّ الطريق بجسده قائلاً: " عودي أولاً كي تستري حالكِ "
" لقد تأكدتُ من خلو الطريق من الرجال، وأنت أيضاً لديك عينان وتأكد لك ذلك "، أجابته بعناد. دفعها عندئذٍ بيده، فكادت أن تسقط أرضاً. تراجعت حتى أصبحت بمنأى عن قبضته الماحقة، ثم صرخت به قبل أن تولي هاربةً: " أيها الوحش، يا قاتل أمك! ". كان الوقتُ ظهراً، وما من أحد في الزقاق. مع ذلك، جرحه كلامُ قريبته بعمق لدرجةٍ حرمت عليه النوم تلك الليلة: " سأقتلها بيديّ والله، فماذا تظن نفسها هذه الجرو المغرورة؟ "، ردد أكثر من مرة وداخله يختنق بالقهر. كان يكن محبة كبيرة لوالدته في حياتها، وبقيَ بعد رحيلها المأسويّ يحتفظ بذكراها نقيةً لا تشوبها شائبة مع ما يعلمه عن اضطراب قواها العقلية. لقد منحته حنانها أكثر من بقية الأبناء، وكانت تزهو بقوته أمام الجارات حينَ يشكونه لها بسبب ضربه أولادهم.
بيد أن علاقته بقريبته السمراء لم تكن دوماً متوترة، بل ويجوز له أن يستعيد أوقاتٍ كانا فيه على أتم انسجام. في النزهة مع الأقارب بالبستان صيفاً، كان يرافقها كحارسٍ أمين أثناء الإغارة على الأشجار المثمرة، كالمشمش والدراق والخوخ، غير عابئين بالنظرات الحادة لأصحابها الصوالحة. كذلك كان يستعرض أمامها عضلاته النامية، بهزه جذع شجرة توت بقوة كي تتساقط الثمار في بطانية أحضراهما معهما لهذه الغاية. ذات مرة، أسعدته كثيراً عقبَ جمعها لأزهار برية من ضفاف الساقية: " هذه لك، ابن الخال! "، قالتها وهيَ تقدم الباقة. منذئذٍ خيّل إليه أنه أضحى فتاها، وكان يختلق الحجج ليجتمع بها في منزل الجدة، أينَ استقرت مع أسرتها بعيد مصرع أبيها في معارك الثورة. الجد، الحاج حسن، فرضَ عليها آنذاك تركَ المدرسة ولزوم المنزل. ذلكَ، طابقَ هوى ديبو؛ هوَ مَن حُرمَ من الدراسة غبَّ قضائه فترة التعليم الدينيّ عند الخوجة، ليُدفعَ به بعدئذٍ إلى العمل مع أبيه قبل أن يقرر أخيراً التطوع في سلك الدرك.
عليه كان أن يتذكّرَ فيما بعد مشاعرَ الغضب، التي امتلأت بها نفسه حينَ وصفته كَولي ب " قاتل أمه "، وهذه المرة على خلفية رفضها له كطالب زواج. والده، تعهّد بذاته نقلَ جواب ابنة شقيقته بذلك الخصوص، بهدف صرفه عن التفكير بها نهائياً. وإنه الأب، من اقترح عليه لاحقاً التفكير بفتاة أخرى: " إنها موجودة، وتفوق كَولي جمالاً، فضلاً عن رقتها ولطفها وأدبها ". هكذا وُضِعتْ بيروزا، ابنةُ السيدة ريما، في طريقه؛ وكانت مثله قد نشأت يتيمة، لكن من ناحية الأب.

* مستهل الفصل التاسع عشر/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن عشر
- إطعامُ الثعبان
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 3
- أنا الموتُ
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل السابع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس عشر
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 4
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الرابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 1


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل التاسع عشر/ 1