الشيخ إياد الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 12 - 10:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الواقعية البنيوية :
في النظم الدستورية تبدو الحاجة ماسة أكثر في الاعتماد على متلازمة - أمن واقتصاد - فيما يخص قوة الدولة ووجودها ومكانتها بين الأمم ، والذي نسميه ( بنية النظام ) هو في الحقيقة بنيتها الداخلية والخارجية والتي هي عناصر قوتها بالفعل ، وتلك هي الضمانة التي تحول دون حدوث الفوضى فيها ، و البنيوية تتأسس في الواقع على ما يقدمه الفعل الإيجابي للمجتمع وكذا ما يحصل عليه عبر التعاون الدولي ، الذي هو : - الجهد المبذول في العمل وكذا هو سلة المواثيق و التحالفات الدولية - ، وقد عبر عن ذلك بمفهوم - رصيد القوة - في الواقع ، الذي بإمكانه الحد من جنوح البعض ونزوعهم نحو الفوضى و اللانظام ، ومقدمة ذلك يكون بالإيمان بالوحدة الاجتماعية وحدة النظام ووحدة الشعب .
يقول - مير شايمر - : - التكوين الدولي من طبيعته الانحياز إلى أصحاب القوة وهذا ما يجعل التنافس سلبيا والصراع ليس عادلا - ، هذه المقولة تذكرنا بزمن الحروب القديمة التي تعتبر القوة أساس العلاقات واساس الحكم ، والامر نفسه لا يختلف كثيرا عما هو عليه الحال في عصرنا الراهن ، فالاستخدام المفرط للقوة وفقدان المعايير الرصينة في التعامل ناهيك عن فقدان المانع والرادع ، وغياب الميثاق الحقوقي الراعي لحماية الأمم يجعل من قضية الصراع رهينة لفعل الأقوياء ودورهم ، كما ان فشل الحلول السلمية زاد من سطوة الخارجين على القانون والتمرد ، وقد وجدنا الكثير من الأنانيين وذوي النوايا السيئة قد استغلوا درجة الانشغال في المسائل الداخلية ، ليوجهوا قواتهم لاحتلال أراضي الغير تحت دعاوى ومزاعم باطلة ، وبحثا عن اهداف زائفة وسعيا وراء مصالح ضيقة ، حدث هذا في مرات عديدة حين غزا البعض دولا مجاورة بحجج وهمية و رغبات عدوانية وتنفيذا لسياسات توسعية فاسدة .
ان الحاجة تبدو ماسة لتعميم مفهوم : - ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة .. ) كمادة وكعنوان مضطرد الحدوث لازم في جميع الحالات المتنوعة ، لأنه يركز على الجاهزية ودوام الاستعداد تحسباً وتأهبا لكل طارئ من الغير البعيد أو القريب ، يقول فنوم بنه في المذكرات السرية لحرب فيتنام : - ما كان يمكن للعدوان ان يحقق مراده ، لو كنا على استعداد وجهوزية كافية - ، والاستعداد من العدة التي تعني رسم خارطة طريق وتحديد طبيعة المواجهة ، مع الاخذ بعين الاعتبار ما تطلبه المواجهة من قوة وعزيمة وتحضير دائم دون غفلة او لا مبالاة ، وفي هذا الصدد نصطدم بالفكرة التي تقول ما هو الموقف الواقعي الذي يجب ان نأخذه تجاه الدول الفقيرة والضعيفة من العالم الثالث ؟ ، وكيف لهذه الدول ان تواجه المخاطر في ظل النقص في الامدادات والموارد الاقتصادية ؟ ، وكيف لها ان تعتمد على غيرها من الدول الكبرى من دون ان تقع فريسة لها ؟ ، وسنعتمد هنا على الإجابة المقتضبة التي تروى عن - جان جاك روسو – ، حين تحدث عن معنى الحرية و التحرر من قيود الظلم والاستبداد ، قال : لا تبدو الخيارات كثيرة في هذا المجال في ظل ضعف الإمكانات و في ظل الانقسام واللاوعي المجتمعي ، وبعبارة أدق : يكون التحرر أو الحرية في ظل انعدام وسائلها غير ممكنة او محدودة ، ولكن لا يعني ذلك استحالة الفعل الذي يبقى دائما مرهونا بالإرادة الجمعية ، وفي تطبيقنا هذا على المجال الدولي نعرف : ان فقد الإمكانات والموارد الاقتصادية وتعسرها يسهل من عملية وقوع الدول الفقيرة فريسة بيد الدول الكبرى وتلك حتمية تاريخية بالمنظور المنطقي ..
ماذا نقصد بإرادة البقاء ؟ :
سنستخدم تلك الجملة الصحفية القائلة : أنه في ظل النظام الدولي الحالي تبدو مسألة البقاء مرهونة للقوة ومن يمتلكها !! ، تدلنا هذه المقالة على طبيعة النظام الدولي الحالي وبانه محكوما بالفوضى ، مما يستدعي من الجميع التركيز على قدراتهم الذاتية والايمان بها - ( الاعتماد على الذات ) - ، تلك هي المقدمة الأولى في معنى - ضمان البقاء - في ظل التزاحم ، وللبعض الاخر طريقا يعتمده في المخاتلة والتحايل الضمني أملا في كسب الوقت و القوة ، واعتبار ذلك قاعدة يتم على أساسها ضمان البقاء .
ولكن ماذا تعني مقولة كسب القوة ؟ ، الكسب مفهوما يدل على تحصيل الأدوات والوسائل المؤدية إلى الإحساس بالوجود الفعلي ، وهي القادرة على دفع الاخطار وتوهيم الغير واشغاله بمراوحات وهمية ومراوغة ، وهذه عندنا تؤسس لمعنى الشعور بالاطمئنان في ظل انعدام التوازن والفوضى .
طرح السيد الخميني مبدأ ( لا شرقية ولا غربية ) في التعامل الدولي ، كخيار سياسي ديناميكي يرفض الهيمنة و الثنائية القطبية وقد استلهم ذلك المبدأ من الكتاب المجيد كما في سورة النور 35 ، والمبدأ يقدم عرضا متوازنا للعلاقات في مجال العمل السياسي معتمداً على المرونة ، المؤدية إلى جعل الفاعل السياسي يتحرك في مساحة واسعة من الاباحة والاحتياط ، سواء في العمل أو في عقد التحالفات والاتفاقيات دون الاضرار بالاستقلال وبالسيادة الوطنية ، هذه المساحة موضوعيا شكلت درعا واقيا ، انتج نوعا من الوفاق الإيجابي في الموقف من الدول الأخرى ، ساعد في تحسين الأداء داخل مجموعة ال77 ومع منظمة التعاون الإسلامي وفي هيئة الأمم ، وضمان التعددية وعدم الانحياز جعل من مفهوم الهيمنة ينحسر إلى مستويات كبيرة ، وقد أدى هذا إلى زيادة في الشعور بالاستقلال والامن وفي كفاءة الدولة في إدارة شؤونها بنفسها ، وقد تجلى ذلك ابان الحرب العراقية الإيرانية ، وفي تحاشي الكثير من الازمات التي خلقها تداعيات الواقع السياسي والإعلامي المر .
وفي مجال العمل السياسي لا بد من التمييز بين المرونة والميوعة ، فالمرونة : أصلها فعل رباعي صحيح الاشتقاق من - مرن - ، الدال على معنى قدرة الدولة في التكيّف والاستجابة للتحديات التي قد تتعرض لها ، أعني استقلالها وقدرتها في اتخاذ القرارات وما ينتج عنها ، وأما الميوعة : فالاشتقاق اللغوي لمصدر الفعل – ماع - ، هو النقيض أعني عدم قدرة الدولة في مواجهة التحديات ، مما يؤدي الى نوع من عدم الثقة بالنفس والمستقبل .
وتبقى : - الواقعية البنيوية - هي مجموعة الافتراضات التي تخص مصالح الدولة وقدرتها وتأتي دائماً في الحيز الأول من اهتماماتها ، وفي السياق التزامني للبحث تصادفنا حادثة - إيران جيت - والعلاقة مع أمريكا ، والتي في ظلها تكشفت تلك الحقيقة الجدلية المخفية عن البعض ، حول العلاقة والمناكفة في ظل الحاجة والمصلحة و القبول بالمساعدات غير المشروطة ..
توازن القوى :
مُشرعي عهد النهضة اعتبروا الحاجة الى التنظيم المجتمعي بمثابة الحاجة إلى الوجود نفسه ، وقد عُممت هذه المقولة في بداية القرن العشرين لتلعب دورا مزدوجاً في موضوعة الأمن والمكانة والتوازن ، وهذا الاعتبار يختلف كثيرا عن متبنيات الكلاسيكية التاريخية التي ركزت على مفهوم القوة وحدها باعتبارها وسيلة لتحقيق الأمن ، لكن ما معنى مفهوم الامن البنيوي ؟ يقول روبن فوم : - أن الفرق بالثقة والشعور بالثقة يرتبط بقدرة القوة على تحقيق الامن في كل الأحوال - ، فالأمن والشعور به هدف نفسي يقود للثقة والاطمئنان والشعور بالبقاء واستمراريته كذلك .
وفي مجال دراسات الأمن البنيوي لا بد من رفع حالة الخوف وانعدام الثقة إضافة إلى تحقيق المنافع ولو بشكل نسبي ، وهنا تصادفنا الليبرالية الديمقراطية كأكثر المدارس في هذا الاتجاه واقعية ، لأنها تعنى بقضية تحصين الدولة وحماية المجتمع ، وهي تعتبر النزاع والحرب استثناء والأصل هو الاستقرار والسلام المؤديان للتوازن والبقاء ، ولقد تكفل كتابنا ( الجهاد في الإسلام ) في حينه بتعميم هذه الحقيقة ، وفق مشروعه في نقد فكرة الجهاد الابتدائي التي ركز عليها فقهاء العصر الوسيط ، وفي هذا تدعيم لمبدأ - الامن البنيوي - الذي تتبناه الليبرالية الديمقراطية منذ النشأة ولحد اللحظة ، والهدف دائماً هو تحقيق السلام ورفض نوازع الحرب ..
وللحديث بقية
#الشيخ_إياد_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟