|
الأفكار العلمية والفلسفية ممكنة في زمن معين ومستحيلة في زمن آخر ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6532 - 2020 / 4 / 8 - 15:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ بادئ ذي بدء ، من كان قبل قليل يرغب بكل شيء ، أصبح يبحث عن قليل من الأوكسجين ، وعليه يتساءل السائل ، تحديداً ، كل صاحب مرض كبير ، هل يمكن أن يصل العلم إلى مرحلة يعيد بطريقة ما ترميم الإنسان على طريقة التدوير التى تدور بها النفايات ، ولأن فيروس كوفيد 19 وضع الجميع في زاوية واحدة ، إذن ، نقل الناس من مراحل الشعور بالمرارة والغضب والمساومة إلى مرحلة السوداوية ، هو بالطبع ليس بأمر عادي بقدر أنه استثنائي ، وقد أعتاد الناس أن يعطيهم المرض كالسرطان مثلاً أو الأيدز أيضاً فرصة لكي ينتقلوا من مرحلة إلى أخرى ، تماماً كما هي المرحلة الأولى ، يبدأ بالإنكار ، وبالتالي المصاب في البداية يرفض الفكرة من الأصل ، ومن ثم يستسلم وينتقل إلى مرحلة الغضب ، عندما لا يستطيع رد المرض عنه أو تتحول أفكاره إلى هلوسات ، فيصبح يتساءل ، كيف لمثلي أن يصاب بمثل هذا المرض أو لماذا أنا من كل هذا الكم البشري الهائل ، بعد ذلك يدخل في مربع الأمل ، المساومة التى تجعله يعيش في مرحلة تأجيل حقيقة الموت من خلال العيش على أمل العلاج ، وعندما يتغلغل المرض أكثر ، تبدأ مرحلة الاكتئاب إلى أن يصل المريض لمرحلة القبول بالقدر ، بعد ما أفقده المرض قوة الإنكار والإحساس بالغضب والقدرة على المساومة ، واخيراً الاستسلام الكامل .
لذلك يتعين على البشرية اليوم تغير مواقفها باتجاه الحياة ، بل العزلة التى فرضها فيروس كورونا على العالم ، يُعتبر حزن سوداوي ، لأنه فرض على الناس إدراك طبيعة الحياة ومواجهتها دون سيناريوهات دراماتيكية ، وبالتالي ما تُعانيه الأغلبية الساحقة من العزلة اليوم ، باختصار لأنها تُعتبر ليست نافعة للجميع ، بل سيتولد منها شعور بأن المحجورن مسجونيين بأمر كوروني والسجان مجهول الهوية وبالتالي هذا سبب جوهري ، لكي يترتب عليه كثير من الاشتباكات مع الآخرين تماماً كما يحصل في السجون الكبرى ، في المقابل يوجد قلة ستحول الحصار إلى عزلة وتتوقع بأن لديها طموحات يمكن أن تتحقق بفضلها ، لكن تبقى المعاناة والأمل عاملين أساسين في التجربة الكونية ، ولأن المجتمع منذ الحرب العالمية الثانية ، أصبح أكثر تطوراً وشهد نقلات نوعية في العلوم ، الذي عكس ذلك على عمر الإنسان وصحته ، بل أكثر من ذلك ، المجتمع الحديث يميل إلى المرح والسرور ، وبالتالي العلم شكل للفرد نوع من الشعور بالأمان من الأمراض الجماعية السابقة ، كأن الحياة الحديثة باتت محصنة من الحزن الجمعي حتى جاء الفيروس المستجد ليذكر البشرية ، بأن هناك مرحلة تسمى السوداوية تتجاوز مرحلتي الإحباط والبؤس ، لأنها تقفز بالإنسان من مربع الخطوات التدريجية والفرص إلى مربع استيعاب المرض أو الموت دون الانكار والغضب أو حتى يُجرد الفرد من الشعور بالسلام الداخلي لدرجة يُحرم وتحرم الأحبة من الوداع الأخير .
لقد اختلفوا النقاد حول إدماج الفلسفة في الروايات ، لذلك قلة من نجح في مزج بين الفن الروائي والمسألة الفلسفية ، على سبيل المثال ، جان بول سارتر ، في روايته الغثيان قد تكون مجرد ضربة حظ استثنائية ، لأن ، كان قد أطلق عليها في البداية مسمى آخر ( تأملات في الصدفة ) ، عمل نادر يحتاج إلى تفكير مستقل ليأتي بأفعال مستحيلة ، وبالتالي جاء في زمن تعج فيه الأفكار ، أتحدث عن تلك الأفكار التى تمنح تذوق معين لتلك الروايات في أزمنة معينة ، كالحروب الكبرى التى خلفت مآسي خيالية ومجاعات وأمراض جماعية ، جميعها تجعل كتابة رواية الغثيان ممكنة في زمن معين ، ومستحيلة في زمن آخر ، وبالتالي الحصار هنا صنع عزلة نافعة والسوداوية جاءت بالأفكار المستحيلة ، وبالتالي الكوارث الكبرى تُعلم من لم تُعلمه الأيام العادية أمور كثيرة ، حتى لو جاءت متأخرة ، ومن أهم هذه الأمور ، إدراك البشرية بأن الحزن ليس شيء فردي ، وبالتالي الإنسان ليس كائن منفصل عن الآخرين ، رغم محاولته الحثيثة في تحقيق هذا الانفصال عبر خلق الطبقات والوحدة ، وأن المعاناة مهما صغرت واقتصرت على شخص تعود بطريقة أو بأخرى إلى الإنسانية جمعاء ، أي بمعنى آخر ، يتحول الإنسان في الأزمات الدولية أكثر رخامة وأقل حقداً ، وبالتالي العزل الوقائي أو كما يحلوا للكثير بتسميته ، الحجر الصحي المحدود ، يحيل العاديين للكآبة عندما تحرمه من لعبة ورق أو الجلوس في حلقة ثرثرة بمقهى ، في وقت كان الأولى أن تجعلهم أكثر تسامحاً وأطيب وأكثر تكريزاً على ما هو إنساني وعلمي ، طالما هناك عزلة توفر للجميع الوقت لصنع لقاح أو كتابة فكرة أو مجرد كلمة طيبة أو المساهمة في عمل خيري .
إذن ، في هذه الأزمة الدولية البشرية ، نجد بأن الأغلبية الساحقة ، بالرغم من إلتصاقهم اليومي مع بعضهم البعض ، في المواصلات العامة والمكاتب العمل والمدارس والجامعات وغيرهم من تجمعات تجمع الناس بحكم الوظيفة أو الترفيه أو العبادة أو المرض ، متباعدون روحياً وإنسانياً وتعاونياً ، لكن في الأزمات يبدأوا بالبحث عن مخلصهم تماماً كالبنت التى تنتظر فارسها لكي يأتي ليخلصها من بكارتها ، وهذا ينطبق على الكاتب الفرنسي مارسيل بروست صاحب رواية ( البحث عن الزمن المفقود ) ، عندما كتبها ، أضطر إلى أن يعتزل في غرفة والدته ثلاثة سنوات وكادت لا ترى النور بسبب حقد الناشرين على الراوي ، أحد أعضاء لجان القراءة التابعة لدور النشر ، هو جاك مارلين ، قال في رواية بروست ما لا يقوله الحطيئة بالزبرقان ، يقول مارلين في رسالته ( بعد كم لا ينتهي من خيبات الأمل والغرق في تطورات مفصلية لا منفذ لها ، لا نزال نجهل حتى الآن فحوا الموضوع ، وليس للمرء دليل ولو دليل واحد لفهم ما يدور هنا ، ما المغزى من كل هذا ، ما معناه وما وجهته ، لكن بروست لم توقفه خيبات الآخرين وتعاملَ مع روايته كالأب الذي يتعامل مع ابنته ، وبالتالي ، أنفقَ على طبعاتها من جيبه الخاص ووقف على مراجعتها بنفسه ، وبعد نشرها ، تحولت لأهم عمل خيالي في تاريخ الروايات ، وانتشرت انتشار واسع على الرغم من ضخامة العمل ، حينذاك فقط ، أرسل أندرية جيد الذي عرف بين الأدباء بصاحب أطول اعتذار أدبي في التاريخ ، يعتذر لبروست عن قراره الخاطئ عندما رفض نشرها وإحساسه العميق بإضاعة الفرصة ، وقد بيعت رسالة الاعتذار بالمزاد العلني ب( 145 ) مليون يورو .
هنا زبدة الموضوع وخاتمته وهكذا للمرء أن يترك جانباً ، ذلك الفاصل بين الفرصة والصدمة ، بين الجوع والمجاعة ، وأن يُقرّ إقراراً ، بأنه ينتظر ممنّ هو معتزل وليس محجوراً لكي يخرج بلقاح إنقاذي يُنقذ المتشاكيين من الحجر ، على الرغم من أن هذه الشخصية تكون على الأغلب مزعجة للآخرين . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرأسمالية الليبرالية والرأسمالية بلا ليبرالية ...
-
مازالت أنماط التفكير لأجهزة الاستخبارات العالمية تتشابه بالأ
...
-
من على الرف إلى الحياة الكاملة ...
-
جندرة الحيوان كانت مقدمة لجندرة البشرية ...
-
وزير قلق ووزير مرتاح والفرف بين بكين وواشنطن
-
كورونا بين القرض الحسن والربوي ...
-
عندما تمطر السماء والأرض ترفض الإستجابة ...
-
الغزالي بين من الإختزال والإسهاب ...
-
الغزالي بين الإختزال والإسهاب ...
-
الخطوات الاحترازية عامل أساسي في تقليل الإصابات ...
-
الذكرى التاسعة لانتفاضة الشعب السوري ..
-
لا خطر يعادل خطره ...
-
التعرف شيء والإدراك شيء آخر ...
-
الفيروس عموماً يعشق الجبلة الطينية ...
-
التجربة وحدها كفيلة بإنقاذ البشرية عندما تعجز من إيجاد الدوا
...
-
الحب الفاسد / هل هو مستجد في روسيا أم ناتج عن سلطات تعاقبت ع
...
-
الخضوع والخنوع يمهدان لحدوث الكوارث ...
-
دراسة المسبب طريق لكشف العلاج
-
الثقة وحدها تبّني الإنسان والدولة ...
-
فيروس كورونا الأهم حتى إشعارٍ آخر ...
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|