أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - بين قانون الغاب والشمولية














المزيد.....

بين قانون الغاب والشمولية


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6532 - 2020 / 4 / 8 - 02:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد لا نكون سوى في بداية الأزمة العالمية الهائلة التي أحدثها وباء كوفيد ـ 19، ولا نزال بعيدين عن ذروتها من حيث عدد الإصابات والوفيات. لكنّها قد سلّطت الأضواء بما يكفي ويفي على المطبّين الخطيرين اللذين يقف مستقبل البشرية أمامهما، كما تُسفر عنهما اليوم أمام أعيننا أعظم قوتين عالميتين، ألا وهما الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
فنرى في الأولى ملامح قانون الغاب تنبعث من «الغرب المتوحّش» الذي عرفته في ماضيها والذي صوّرته أفلام هوليوود في الصنف المسمّى «وسترن» بحيث تثير حنيناً إليه، وجد أسطع تعبير عنه في تحوّل تقليده إلى لعبة مفضّلة لدى الصبيان. هذا بينما كان ذلك «الغرب المتوحّش» أقرب ما تعرفه الثقافة العالمية إلى حالة «حرب الجميع ضد الجميع»، تلك التي «الإنسان للإنسان ذئبٌ» فيها على حدّ قول المثال اللاتيني الشهير. ونرى في الثانية ملامح «المدينة الفاسدة» التي صوّرتها أفلام هوليوود في صنف الخيال العلمي، مستوحية من رائعة الكاتب البريطاني جورج أورويل «1984» حيث تخيّل عالماً تتيح التكنولوجيا فيه وضع كل فرد تحت رقابة دائمة تمارسها دولة شمولية يرأسها «الأخ الأكبر»، وذلك بواسطة شاشات أشبه ما هي بشاشات أجهزة التواصل العصرية.
ويحتار المرء في تعيين أي من المشهدين أكثر تقزيزاً. فقد رأينا في الصين نموذجاً أقصى من مجتمع الرقابة الذي تتيحه التكنولوجيا الإلكترونية الحديثة بحيث تمّ التصدّي للوباء بفرض رقابة على تنقلات الأفراد ولقاءاتهم من خلال الهواتف «الذكيّة» المحمولة، بما أكّد ما لم ينفكّ نقّاد عديدون من التحذير منه، وهو أن ذكاء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة ذكاءٌ يمكن أن تجيّره الدولة للرقابة على الفرد بما يحقّق كابوس «1984» متأخراً عن الموعد الذي حدّده أورويل في عام 1949 بما لا يزيد عن بضعة عقود.

والحال أن الحكم الصيني سبق أن فرض حالة أقرب ما تكون إلى الدولة الشمولية ومجتمع الرقابة الدائمة على شعب الأويغور المسلم في مقاطعة شن جيانغ. وها هو قد عمّم ويعمّم ما اختبره في تلك المقاطعة المنكوبة في سائر أرجاء الصين بغية تطويق الوباء والحؤول ضد المزيد من انتشاره. لكنّ الحقيقة هي أن الحكم الصيني لم يبتكر بين ليلة وضحاها تلك الشبكة الهائلة من الرقابة الإلكترونية على المجتمع، بل رفع درجة استخدامه لشبكة بدأ يعدّها ويحيكها حول المجتمع الصيني منذ سنين، ليس لدرء الأوبئة البيولوجية بل لدرء «الأوبئة الأيديولوجية» حفاظاً على سلامة نظام أعاد مؤخراً إنتاج الرئاسة مدى الحياة وعبادة الحاكم.
هذه التكنولوجيا متوفّرة أيضاً في الولايات المتحدة بالطبع، بل هي أكثر تطوراً لديها. غير أن استخدامها في التجسّس على الأفراد الذي يسلّط النقّاد الأضواء عليه هناك، هو ذلك الذي تقوم به شركات عملاقة خاصة، مثل شركتي «غوغل» أو «أمازون». ذلك أن المجتمع الأمريكي لا يزال مجتمع «الغرب المتوحّش»، وهذا ليس بالمعنى الاقتصادي، أي ذلك التوحّش الرأسمالي الذي تتعارض فيه أنانية الميسورين مع مستلزمات التضامن الاجتماعي، ليس بهذا المعنى وحسب، بل حتى بالمعنى الأصلي الذي يحيل إلى مجتمع سار فيه الرجال وكلٌّ منهم يحمل مسدّسين على خاصرتيه.
هكذا فقد أدّت بداية انتشار الوباء في الولايات المتحدة إلى هجوم الناس ليس على أسواق الأطعمة وسائر حاجات الانكفاء في المنازل، وليس على الصيدليات بغية التزوّد باحتياجاتهم الطبّية وما يظنّونه مفيداً في الوقاية من الوباء، ليس على المخازن والصيدليات إذاً وحسب، بل وبالدرجة الأولى على متاجر الأسلحة! طبعاً ليس أحد من الجنون إلى حدّ الاعتقاد أنه يستطيع ردع الوباء باقتناء السلاح، فمغزى الهجوم على متاجر الأسلحة في مجتمع المشاهدة بامتياز هو في التخوّف من تحقّق سيناريو هوليوودي آخر، سيناريو انفراط عقد الدولة إثر كارثة كبرى، بيئوية أكانت أم نووية، وعودة المجتمع إلى قانون الغاب، لكن بأسلحة فتّاكة حديثة.
هذا ويصعب التفضيل بين النموذجين الكابوسين، أللهمّ إلا بحكمة الفيلسوف الإنكليزي لوك الذي ردّ على تفضيل نظيره الأقدم هوبس للاستبداد على قانون الغاب بالتأكيد على أنه يفضّل أن يواجه أفراداً متناثرين يستطيع التصدّي لهم عند الحاجة على أن يواجه جمعاً منظّماً من الأفراد بإمرة فرد واحد لا يستطيع مقاومتهم. والحقيقة أن مصلحة البشر تكمن في نبذ المفاضلة بين الكابوسين (مثلما فعل لوك نفسه) والنضال في سبيل مجتمع يقوم على الجمع بين التضامن المجتمعي وصون الحريات الفردية، مع إعطاء الأولية للمصلحة الجماعية كلّما اختلفت عن مصلحة الأفراد، أو مصلحة بعضهم بالأحرى.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأديان بين الفائدة والضرر
- البشرية والوباء والاشتراكية
- وباءٌ مضاد للثورة؟
- المملكة السعودية وحرب النفط
- مهمة مستحيلة: الأمم المتحدة والملف الليبي
- تصدّياً للحملة العالمية على المسلمين
- تحية لشبيبة السودان الثورية
- أردوغان ومخاطر لعب الشطرنج مع بوتين
- هل فشلت اتفاقيات أوسلو أم نجحت؟
- أرادها نتنياهو “فرصة القرن” فهل ينتزعها الفلسطينيون؟
- دعهم إذاً يأكلون الكعك…
- تكامل الأدوار بين تركيا وروسيا
- لا أمريكا ولا إيران…
- 2019 وداعاً…
- دراسة الدولة والثورة في المنطقة العربيّة من منظورٍ ماركسي
- البلطجة الفكرية وخدّام الاستبداد
- حكم آل الأسد: رفعت نموذجاً
- تحية لشعب إيران الثائر والمعارضة الوطنية
- الطائفية بوصفها سلاحاً أيديولوجياً
- الثورة على أصحاب المليارات


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - بين قانون الغاب والشمولية