|
العفو الملكي
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6530 - 2020 / 4 / 6 - 16:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بذرائع مختلفة مثل الاكتظاظ الذي تعاني منه سجون المملكة السعيدة ، استغل النظام قضية وحْش كرونا ، ليعلن في سابقة كانت منتظرة ، إلاّ من عميت بصيرته ، او كان يُمني نفسه بأحلام اليقظة ، العفو ، سمّاه استثنائيا ، عن 5654 سجينا كلهم من سجناء الحق العام ، وضمنهم بعض مسجوني الحركة التكفيرية / السلفية الذين اعلنوا ثوبتهم بعد المراجعات التي قاموا بها بتعليمات مشروطة من قبل النظام ، أي ربط إمكانية ، وأكرر إمكانية اطلاق السراح ، بالتبرؤ من الاطروحات التكفيرية المتطرفة القديمة ، والاقرار بالبيعة للنظام ، والاعتراف له بالمشروعية الدينية ، والاعتراف ببإمارة المؤمنين . لكن الذي لم يكن المشتغلون بحقل ( حقوق الانسان ) يتوقعونه ، ولا غيرهم من المتدخلين المختلفين الذين رفعوا مطالب اطلاق سراح المعتقلين ، وركزوا على أصحاب الحراك الريفي ، انّ لائحة العفو ، لا تتضمن ولو معتقل واحد من مجموعة الحراك ، ولم تشمل طلاب مناضلي النهج الديمقراطي القاعدي / البرنامج المرحلي ، كما لم تشمل المسجونين الصحراويين وعلى رأسهم مجموعة إگدزْ ، ولم تشمل منتمون الى التيار الشوفيني العنصري المسمى بالحركة الامازيغية ، ناهيك ان اللاّئحة تجاهلت الصحفي حميد المهداوي ، ومجموعة رصد ، وتوفيق بوعشرين ، وكل المسجونين فاضحي الفساد كلبداحي ، ولم تشمل لگناوي ، ومحمد بودوح ، وادريس بوطرادة .... لخ النظام المغربي بمبادرته المقصودة هذه ، عندما اطلق سراح معتقلي الحق العام من المجرمين ، واستثن من اللاّئحة ، انفصالي الريف ، ومعتقلي الرأي ، وفاضحي الفساد المنتمين لحركة 20 فبراير ، ومناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، والطلبة الصحراويين ، وطلبة الحركة الامازيغية ، ومجموعة إگدزْ ...لخ ، فهو كان يوجه الرسائل الواضحة ، وليست المشفرة في كل الاتجاهات ، والتي أساسها " أنا السيد السائد " ، والجميع " مسود " ، كما انه وبخرجته هذه التي فاجئت قصيري النظر ، رفع التحدي في وجه الجميع ، وابان عن حقيقة صادمة للجميع ، انه هو وحده " مْضوّي لمْكانْ " ، والباقي وبدون استثناء مجرد ملاحق له . وقد تجلت قوة النظام الضاربة ، عندما استغل مصيبة الوحش كرونا ليحولها الى خدمته بطريق فني ، وبمباركة ورضى الجميع ، الذين صفقوا له على ما سموه " بمجهوداته الجبارة في التعارك مع الوحش كورونا " الذي سيفتك بهم وبعائلاتهم ، فحين يلجأ هؤلاء الذين يدعون معارضة النظام ، وعلى رأسهم " جماعة العدل والإحسان " ، و " النهج الديمقراطي " الذي أعلنت شبيبته استعدادها لوضع نفسها رهن إشارة وزارة الداخلية ، الى النظام ليحميهم من الوحش كورونا ، أكيد ان النظام سينتشي فرحا ، وسرورا ، لأنه وحده ، وبدونه، وحشْ الجايْحت الكحْلة كورونا ، غَادي يضْربْ ، وسيفتك بالجميع . وما يوضح تجبر النظام واشهار عضلاته ، وما يؤكد قوته التي لم تكن له بهذا الحجم في السنين السابقة ، انه رغم المسيرات التي نظمت بالدارالبيضاء ، وبالرباط ، ورغم المسيرات التي نظمت بأكثر من بلد اوربي للمطالبة بطلاق سراح المسجونين ، ورغم محاولة تدخل بعض الحكومات الغربية كهولندة في قضية حراك الريف ، فان النظام لم يكن يعرها ادنى اهتمام ، أي كان يعتبرها كأنها لم تكن أصلا ، وهو ما كان يبدو على طريقة تصرفه ، وتدبيره للملف باستقلالية عن كل الضغوطات الخارجية والداخلية ، فكان يدبر الملف حسب مصالحه الآنية والقادمة ، واستغلاله للظرف الذي في جانبه ، لتصفية حسابات سياسية مع المعارضين له ، فالنظام ينزعج مِمّنْ ينافسه التمثيلية الدينية ، وينكر عنه إمارة المؤمنين ، ولا يعترف له بالبيعة أساس حكمه ، لأنه هنا ينافس مشروعيته للحكم بعد ان نجحت الدولة المخزنية من إزالة هذا التنافس الذي نفخت فيه العصبية القبلية ، كما انه ينزعج ممن يفضح خروقاته المتكررة والمتعددة لحقوق الانسان ، كالنهج من خلال الجمعية المغربية لحقوق الانسان . ان الزمن الحالي هو زمن النظام بدون منافس ، وما دام النظام يشعر بقوته الضاربة ، فهو لن يتوانى في الاستبداد بمعارضيه ، ومناوئيه الحقيقيين ، ولن يتردد في احتقارهم ، وارجاعهم الى سابق عهدهم الأول عندما شرعوا في ممارسة السياسة ، وخططوا للوصول الى الحكم . ان تركيز لائحة النظام في العفو على مجرمي الحق العام ، واستثناء لائحته من مسجوني الريف ، وكل أولئك الذين رفعت العديد من الجمعيات ، والمنظمات مطالب اطلاق سراحهم ، هو تحدٍّ لهؤلاء الذين يتهمهم بالكذب ، وبخدمة اجندات خارجية لا وطنية ، ومن ثم يكون بتصرفه هذا يلحق بهم الاهانات تلو الاهانات المسترسلة ، والمتعاقبة . وعندما تقرأ خطاب المتوكل عضو الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان ، الذي القاه بعد اعتقال ياسر نجل أمين الجماعة السيد العبادي ، تستنتج منه الاستسلام ، والانبطاح ، ومد يد الصلح للنظام الذي يتجاهل بالمرة وجود شيء يسمى " العدل والإحسان " ، وهو نفس الاستسلام يلاحظ في تغريد حسن بنجاح حين يدعو النظام الى الاعتبارات الإنسانية في اطلاق سراح المعتقلين ، والسؤال : منذ متى كان النظام المعروف بحقده على معارضيه ، يتصف بالاعتبارات الإنسانية ، حتى يتفاعل مع مطلب معارضيه الذين هم في اسوء واضعف حال ، وهو في اوج عطاءه ، وقوته الذي زكاها التفاف الرعية حوله ، خوفا من وحش كورونا ان ينهشهم لحماً وعظاما ؟ ان من كان يعتقد انه بمقدوره الضغط على النظام القوي ، وتخويفه بسلاح البيانات الراشي ، لإطلاق سراح المعتقلين من جميع الاتجاهات ، والتيارات ، سيكون واهما ، او سيكون مقامرا بالبيانات التي لن تضغط ابدا على النظام ، او انه يجهل بالمرة طبيعة النظام ، ومنه طبيعة الدولة التي لا ترضخ للضغوطات كيف ما كانت ، فعندما لا تؤثر مسيرات اوربة ، ولا مسيرات الدارالبيضاء ، والرباط المطالبة في إطلاق سراح المعتقلين ، وحين يستمر النظام في اعتقال المدونين ، والمعارضين ، وفاضحي الفساد بمحاضر بوليسية مطبوخة ، فكيف سينتظر البعض ان تشمل لائحة العفو معارضي النظام من كل الاتجاهات ؟ وان ما يؤسف له ، ان مطالب كل المشتغلين بمادة ( حقوق الانسان ) الذين هم كمشة أصابع يد غير مؤثرة ، عند تركيزهم على اطلاق السراح ، فهم تدرعوا بالخوف من الوحش كورونا الذي سيفتك بالمعتقلين السياسيين ، والانفصاليين ، ومعتقلي الرأي من الصحافيين ....لخ ، وتناسوا معتقلي الحق العام المسموح للوحش كورونا الفتك بهم لوحدهم . وهنا كيف الخوف من الوحش كورونا على حياة المسجونين الواردين في مطالب اطلاق السراح ، وليس الخوف من الوحش كورونا على معتقلي الحق العام الذين لم يَرِدوا في مطلب اطلاق السراح المقدم من قبل كل المشتغلين بمادة حقوق ( الانسان ) ؟ فعند التمييز بين المواطنين في مطلب اطلاق السراح بسبب الوحش كورونا ، فالنظام بدوره طبق الاستثناء في اللائحة التي شملت المفرج عنهم من معتقلي الحق العام . ان النظام القوي والمسيطر ، وفي وجود ساحة فارغة إلاّ منه ، لن يتراجع في سياسة تدمير المعارضين لنظام حكمه ، ولن يتراجع في التنكيل بهم ، والحاق الاهانات بهم وبعائلاتهم ، فبالنسبة للنظام ، انه بعد ان خاض صراع الوجود وانتصر فيه ، فهو وحده السيد في ترتيب أمور البيت كيفما يشاء ، وكيفما يحلو له ، وباعتماد استراتيجية النظام " ولوْ طارتْ معْزة " . النظام القوي لن يطلق سراح المسجونين الواردين في مطالب إطلاق السراح ، وبهذه السهولة في التصور ، ومن يحلم بذلك سيكون واهماً . ان الحالة الوحيدة التي قد تشكل ضغطا قويا على النظام ليستجيب لمطالب اطلاق السراح ، هو ربط مطلب اطلاق السراح بنزاع الصحراء ، كطرح تهديد فصل الصحراء عن المغرب بدمقرطة النظام ، ومن بين شروط الدمقطرة تصفية الجو السياسي بإطلاق سراح المعتقلين ، او ان يصدر تهديد من اقوى رئيس دولة دونالد ترامب ، مثل رفض جورج بوش الاب استقبال الحسن الثاني في قضية نانسي Nancy زوجة الملازم الطويل المعتقل بالسجن الرهين " تزمامارت " ، او ان تكون للمسجونين الإرادة والقوة للدخول في اضراب غير محدود عن الطعام ، وبدون ماء ولا سكر ، وفي جميع السجون ، ويبدأ المسجونون في السقوط تباعا ، وهنا أكيد انْ حصل هذا الاضراب ، وبدأت الناس تتساقط ، سيؤثر كثيرا على النظام ، لأنه من جهة سيتسبب في الصمة الكبرى التي ستتطور الى انتفاضة ، او عصيان عام ، ناهيك عن تدخل واشنطن ، والاتحاد الأوربي ، والأمم المتحدة . لكن ، الآن لا احد سيتدخل ، لان الجميع مشغول بالخوف من الوحش كورونا التي نزلت على النظام المغربي ، كهبة ، وعطاء وزرق لم يكن منتظرا من السماء . ان الوحش كورونا خذم النظام المغربي من حيث لا يحتسب ، فجعل منه هو السيد السائد ، والجميع مسود .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاسلام السياسي
-
البربر
-
جايْحت كرونا ونزاع الصحراء
-
ماذا بعد كورونا / فيروس
-
منذ متى كان قرار وزير الداخلية قرارا ملكيا صرفا ؟
-
جايْحتْ كورونا
-
الأمين العام للأمم المتحدة ونزاع الصحراء
-
تفكيك وتحليل الدولة المغربية
-
المرأة والجنس في المجتمع الرأسمالي
-
حرب الراية
-
أمريكا / حماقة
-
جبهة البوليساريو تتمتع بتمثيلية قانونية بسويسرا
-
الرئيس الموريتاني يؤكد الاعتراف بالجمهورية الصحراوية
-
كيف يفكر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني
-
النموذج التنموي
-
الأزمة الاقتصادية هي أزمتهم وليست أزمتنا نحن
-
ماذا يجري ؟ الجزائر / المغرب / موريتانية / السعودية / قطر /
...
-
وزيرة الخارجية الاسبانية لا تعترف بالجمهورية الصحراوية / هل
...
-
في المغرب هناك فقط الملك
-
الجمهورية الصحراوية ستحضر كدولة ذات سيادة اللقاء القادم بين
...
المزيد.....
-
أوكرانيا تتعمق أكثر في الأراضي الروسية.. وهذه الإجراءات التي
...
-
-الغموض المتعمد-.. مصدر في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة من ال
...
-
هل تمتد سيول السعودية إلى مصر؟
-
الصحة في غزة تصدر تحديثا لبيانات ضحايا الحرب
-
اليابان في حالة قلق بعد أول تنبيه -للزلزال العملاق-.. ما تدا
...
-
في السودان، أمطار تهطل في غير موسمها تفاقم معاناة السكان
-
-تاس-: القوات الأوكرانية تنسحب من بعض مواقعها على محور بوكرو
...
-
علاء الدينوف: قوات كييف خططت للاستيلاء على محطة كورسك النووي
...
-
-حادث كبير-.. تسرب كيميائي في بريطانيا
-
الخارجية الروسية: أوكرانيا بهجومها على كورسك أوقفت الحديث عن
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|