أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - مزقت شراعه رياح الشك حتى أرسى على شاطئ الايمان*















المزيد.....

مزقت شراعه رياح الشك حتى أرسى على شاطئ الايمان*


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 6525 - 2020 / 3 / 28 - 16:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عصفت به رياح الشك، أخذت شطرًا كبيرًا من حياته، كغيره من الفلاسفة ممن مرت بهم تلك الرياح العاتية، وبعد أن هدأت تلك الرياح، وانجلت غيومها فأرست سفينة شكله على شاطئ اليقين، ليعود الى ايمانه الذي وجد فيه الطمأنينة والراحة النفسية، فعاد ليمارس حياته الايمانية المبنية على الدين المسيحي وكقديس كاثوليكي، وكفيلسوف لاهوتي يؤمن بالكتاب المقدس وبما جاء به من تعاليم، واعتبر أن تعاليم ذلك الكتاب هي التي ستفضي به الى الملكوت الاعلى، وذلك هو المستقر الاخير. كما خلص بالنتيجة الاخيرة.
وما أشبه حياة هذا الرجل بحياة الفيلسوف الخيميائي جاكوب بوهمي (1575-1624)، من الناحية الايمانية، الرجل الذي لم يدخل المدارس ولا الجامعات، فقط كان يقرأ ويتأمل في الكتاب المقدس، لأنه كان من اسرة موغلة بالفقر بل تكاد أن تكون معدومة، كون والده كان يعمل اسكافيا لترقيع الاحذية الممزقة، المهنة التي تدر على اسرته الصغيرة ما يسد قوت يومها، فأورث ولده هذه المهنة البسيطة جاكوبي، ولم يطرأ على بال هذا الاب أن ولده سيصبح ذو شأن كبير في الاوساط الفلسفية والفكرية، بل وحتى الصوفية.
ولا نلوم اوغسطين على ايمانه هذا، لأن لكل انسان اختياره الخاص به، في قضية الايمان او عدم الايمان، ويعود ذلك لثقافته ولثقافة عصره وللبيئة التي عاش فيها. وقد ادرك اوغسطين ذلك عن اعتقاد راسخ بنتائج قبلها بنفسه.
مولده
ولد القديس اوغسطين(354- 430) في طاجسطا من اعمال نوميديا، والتي هي اليوم ما تسمى بـ سوق الاخرس من اعمال الجزائر. وكان ابوه يدين بدين محلي، - وقبل كان وثنيا - واما امه فكانت مسيحية، بحيث ربت ولدها على محبة المسيح، حتى تغذى بهذا الدين فاشتد ساعده، لكنه ما كانت ترضيه تلك التعاليم ولا الطقوس العبادية. فغادر هذا الدين وطفق يدين بالديانة المانوية.
والمانوي هو الذي يؤمن بالمانوية كدين ويثبت أصلين أزليين للعالم: هما النور والظلمة. ثم اتسع معنى المانوية من بعد ذلك اتساعا كبيراً حتى أُطلق على كل صاحب بدعة وكل ملحد. بل انتهى به الأمر أخيراً إلى أن يطلق على من يكون مذهبه مخالفاً للمذهب المخالف، أو حتى من كان يحيا حياة المجون من الشعراء والكتاب ومن إليهم. وقد كتب الأستاذ هانز هينرش شيدر فصلاً ممتعاً من أصل هذا اللفظ واستعماله عند الكتاب. كما يذكر ذلك الاستاذ احمد امين في كتابه "فجر الاسلام".
العودة الى الايمان
ولى أوغسطين وجهه صوب روما، اختاروه استاذا للبيان في ميلانو، اخذ يختلف الى الكنيسة الكاثوليكية، فانصت جيدا الى القديس وهو يشرح الكتاب المقدس، وينتقد بشدة التعاليم المانوية، هزته تلك المواعظ، فشعر في قرارة نفسه، أنّ عرض شرح الكتاب المقدس اقرب للعقل واودع للراحة النفسية. فقطع صلته بالمانوية وهجرها مليا. لكن الحيرة باتت تمزق فؤاده، الى اين يتجه؟، لا يدري. وقع بين يديه – اثناء هذه – كتاب "المقالات الاكاديمية" لشيشرون. وفي هذا الكتاب مواقف كثيرة للشكاك، اهتز موقفه، راح ينصاع لتلك الشكوك، كما نوهنا. لكن شك اوغسطين لم يتناول وجود الله من عدمه، لأن الرجل كان يتعقد أن وجود الله قضية بديهية، ومفروغ منها، لأن الله الهم عباده بهذا الوجود، فراح الكل يقر بهذا الوجود، فهو اذن لم يشك بذلك طرفة عين. فعاد الى تعاليم الكنيسة، واعتقد أن فيها تعاليم تشير الى ذكر المعاجز والى وجود الانبياء، فتيقن أن هذا الدين هو نجاته للوصول الى الضفة الاخرى، وهي الخلود الدائم بعد الممات.
فوخزة الشك هذه (ودعونا نسميها بهذا الاسم) قد مر بها الفيلسوف المسلم الغزالي، كذلك فيما بعد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، ثم عاد الى حظيرة الايمان، وقال مقولته الشهيرة أنا افكر إذن أنا موجود، معتبرا التفكير قاعدة اساسية من قواعد الوجود، ودليل صارخ على وجود مهندس لهذا الكون.
أوغسطين والغزالي
أمين الريحاني في كتابه "الريحانيات" يعقد مقارنة بين الغزالي والقديس أوغسطين، يعدهما من كبار الأساتذة في علم الكلام الذي هو مصدر كل هذه التفاسير والشروحات، على أن روحانياتهما الصافية المجيدة لَتشفع بما جاءا به اهل التفسير. ومن الغريب أنهما يتشابهان في كثير من طباعهما وأطوار حياتهما، فالغزاليُّ مثل القديس أوغسطين كان في أيام حداثته في ضلال مبين على ما يقول، فقد جاء في كتابه «درر القرآن» هذا الكلام الجميل في فئة من الناس. «لم يدركوا أشياء من عالم الأرواح بالذوق إدراك الخواص ولا هم آمنوا بالغيب إيمان العوامِّ، فأهلكتهم كياستهم، والجهل أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء وكياسة ناقصة، ولسنا نستبعد ذلك، فقد تعثرنا بأذيال هذه الضلالات مدة؛ لشؤم أقران السوء وصحبتهم حتى أبعدنا الله عن هفواتنا ووقانا من ورطاتها.» أما القديس أوغسطين فعد إلى كتابه الذي يُدْعى «الاعترافات» تجد في كل صفحة من صفحاته شيئًا من هذا الجهر المدهش المفيد. وقد قال الغزالي- مشيرًا إلى علم الطب وعلم النجوم وعلم الهيئة والحيوان إن هذه علوم «ولكن لا يتوقف على معرفتها صلاح المعاش والمعاد» ولكنه قال أيضًا: كما يستحيل الوصول إلى اللب إلا من طريق القشر، فيستحيل الترقي إلى عالم الأرواح إلا بمثال عالم الأجسام.
شكه لا ينكر العناية الالهية
وكما يذكر يوسف كرم أن شك أوغسطين لم يتناول وجود الله وعنايته بالمخلوقات، إذ كان يرى وجود الله أمرًا بديهيًّا أو كالبديهي، فعاد ونظر في الكنيسة فرأى فيها علاماتٍ أربعًا تدل على أنها من عند الله: ففيها تتحقق نبوءات العهد القديم، ويتمثل الكمال الروحي، وتصنع المعجزات، وهي قد انتشرت بالرغم مما لقيت من عنت هائل، فآمن أن النجاة في الكنيسة، ولكن إيمانه لم يبدد شكوكه، فقد كان مترددًا في إمكان اليقين.
شغلته اوغسطين مسألة الخير والشر كثيرًا، اذ كان قد بنى فلسفته على الاسس والتعاليم الافلاطونية، فهو افلاطوني المذهب، لكنه يفسر الافلاطونية على تعاليم الكتاب المقدس، ويحسب أن تلك التعاليم لا تخالف الكتاب، كما فعل ابن رشد ذلك خصوصًا كتابه "فصل المقال فيما للشريعة من اتصال" اذ اعتبر ابن رشد أن الشريعة الاسلامية جاءت منسجمة مع مبادئ الفلسفة، فهناك اشارات واضحة في القرآن وآيات صريحة دعتنا الى التفكير والتفكر، والتدبير والتدبر، الى العقل والتعقل، بحسب ابن رشد.
بغضه لأبيقور
ابيقور الفيلسوف اليوناني المادي، الذي تأثر في فلسفته معظم الماديين في عصرنا هذا وقبل عصرنا هذا كذلك، بما فيهم ماركس صاحب المدرسة الماركسية الحديثة. وابيقور هذا ينكر الله انكارا مطلقا بل ايمانه بالطبيعة ايمان لا يضاهيه ايمان آخر، أوغسطين قرأ فلسفته، واطلع على آرائه فكان يحتقره احتقارًا شديدًا، كما يذكر يوسف كرم، ويعجب-أوغسطين- كيف أمكن لرجل يدعي الحكمة أن ينكر النفس وعظمتها وعلوها على الطبيعة المادية إلى حد أن يجعل منها أمة للجسد، وكيف جرؤ أن يزعم أن اللذة الجسمية هي الخير الأعظم ولا سعادة إلا سعادة الشهوات الجسدية، إن التجربة لتدل على أن اللذة لا تسعدنا، فالحواس لا تقنع أبدًا بما تناله منها، ولكنها تطلب المزيد دائمًا وتتمرد على الحياة، وهنا يستشهد أوغسطين بخبرته الشخصية، فقد كان أبيقوريًّا في فترة من شبابه، فهو يتكلم عن بينة، يستشهد بالعقل فيقول إنه يرى أوضح رؤية أن الجسد مرتب للنفس، لا أن النفس مرتبة للجسد، فخير ما يملكه الجسد، أي النشاط والجمال والحس، ليس آتيًا منه هو، بل من النفس منبع صفاته وعواطفه، ومركز هناءه وسعادته، والنفس هي الجزء الأهم في الإنسان، وهي التي يجب مراعاتها عند تحديد الأخلاق.
وأخيرًا رحل عنا هذا الفيلسوف الذي فاض ايمانا بخالقه في 18 آب 430 عن عمر يناهز 75 عاما، تاركا لناً اعظم كتابين في الفكر الانساني والفلسفي معا، هما: الاعترافات و ومدينة الله، وغيرهما.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم السعادة لدى الخيام *
- عمر الخيام متصوفاً(1)
- عمر الخيام متصوفاً(2)
- هل يصح الجمع بين الدين والعلم باسكال فعل ذلك!؟
- الانتحار فلسفة أم يأس من الحياة؟
- متظاهر.. مسرحية قصيرة من فصلين
- مصير قطيطة!
- ثورة التوك توك(1)
- رئيس القرية والعارف الفاهم
- الموسيقى الحزينة: والله يا زمن
- من خرافات صاحب كتاب (حياة الحيوان الكبرى)(3)
- من خرافات صاحب كتاب (حياة الحيوان الكبرى)(2)
- أصل الانسان حمارًا وليس قردًا
- نظرية الخلق ودور الشيطان (بدأ الحوار)
- نظرية الخلق ودور الشيطان (لقاء القمة)
- قصة الخلق ودور ابليس(عاجل)
- منهجية كمال الحيدري في نقده الموروث الشيعي
- الفيلسوف الذي طمئنا: أنْ لا نخاف الموت
- فلسفة الموت
- أنهم يبغضون التفلسف


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - مزقت شراعه رياح الشك حتى أرسى على شاطئ الايمان*