|
الغزالي بين من الإختزال والإسهاب ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6522 - 2020 / 3 / 24 - 17:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/الجاذب هنا ، أن بعض تسويق الأفكار المسطحة من بعض أوساط قارئين فكر الغزالي والذين اختصروه في خلاصات مختزلة ، تعتبر فرصة لإعادة قرائته مجدداً ، فما بال ايضاً التفسير الإختزالي التى أشاعته المناظرات الثنائية ، إذن لم يبدأ الإختلاف بين العلمانيين والأصوليون في العصر الحديث أو في قرن الخامس الهجري ، بل قبئذ حاولوا المعتزلين تأسيس الفكر الذي يطالب بضرورة الفصل بين الدولة والدين ومازال الخلاف قائم حتى هذه الساعة ، وقد أنقسم علم الكلام إلى مفاهيم متعددة لكن المفهوم الثابت عند ابن خلدون يتطابق مع ما هو عند الغزالي ايضاً ، ففي المقدمة الخلدونية يشير صاحبها على أهمية علم الكلام للدفاع عن الإعتقادات وإقامة الحجج الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة والفكر الإنحرافي وقد كان القرضاوي كتب كتاباً تحت عنوان ( الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه ) بالطبع جاء إنتاجه بعد سلسلة مناظرات أجريت مع مفكرين علمانيين ، لكن في الحقيقة وابتعاداً عن التخندق ، جميع المناظرات كانت إصطفافية لم تخضع إلى الآية القرانية التى تمثل الحرية في الإسلام ( لكم دينكم ولي دين ) بل هناك مقولة للعقاد تقول ( التفكير فريضة إسلامية ) إي أن التفكير حق مشروع لكل مفكر ، ولأن العلم على الأغلب يمهد للمتعلم في الوصول للحقيقة كما كان الحال مع النبي إبراهيم ( صلى ) وبالتالي كانت دائماً الحوارات تدور في حلقة التشريعات ، على الرغم أن مسألة الإيمان تختلف عن مسألة الشريعة ، لأن بإختصار ، من لا يؤمن لا يمكن الخوض معه بالتشريعات وبالتالي الشريعة مرحلة تأتي بعد الإيمان ، التى تتحول إلى قانون إجتماعي نافذ بين المؤمنين بالطبع بعد الإتفاق حول جوهر الإيمان .
أهمية ابوحامد الغزالي ليس لأنه أسس بعلم الكلام جداراً منيعاً لأي تسلل جديد لفلاسفة العرب أو لأنه بمعنى آخر قضى على تناسلهم . بل من يقرأه بطريقة محايدة ، ومتجردة من القراءات التاريخية سيجد أن ذلك الذي شاع عنه غير صحيح ، وأنا شخصياً وبعد وقت طويل من المطالعة والبحث والتفتيش ، من المفترض لأي بحث علمي أن يعتمد ببساطة على قراءة كتب الكاتب وهذا يتطلب بالدرجة الأولى وثانياً وعاشراً قرائتها عدة مرات ومن ثم قراءة النقديات التى قرأتها ، ويتخلل ذلك ايضاً قراءة الفقرات مراراً وقياسها بين فقرات الكاتب وناقديها ، وبالرغم من موقف الغزالي من التراث الاروسطي في الإسلام الذي يسمى بالفلسفة العالمية أو الفلسفة في الإسلام ، لكن يبقى هو لا سواه يعتبر من أهم مفكرين العرب والمسلمين ولحد كبير بالخليفة ( للإيمان المستقيم ) لدى المسلمين لعدة قرون ، بل لم تكن كتابته الهدف منها استبدال القرآن بالتفكير العقلاني ، صحيح أن في زمانه كان هناك إزدهار لتراث الفلسفة الإغريقية بين علماء المسلمين كأبن سينا وابن عربي وغيرهما ، إلا أن الحقيقة ايضاً ، أن هذا التراث أنتقل من الخطاب الفلسفي إلى الخطاب علم الكلام ، وبالتالي كان للغزالي الدور الأساسي في هذا الإنتقال ، من الفلسفة إلى ما يسمى بالتراث الكلامي وهو تراث عقلاني ، وطالما كانت تلك الفترة منتعشة بترجمات كتب فلاسفة اليونان ، وبالتالي سمحت لعلماء العرب والمسلمين أن يتوسعوا في قراءتها ونقاشاتها وأسهموا في تعميمها ، التى خلقت ظروف إضطرارية للمناظرات الكلامية والتى قامت بهدف إقامة الحجة والأدلة العقلانية ، وهنا تختلف نظرتي في تقيم الرجل نظرة تقليدية ، التى تبسط المسألة في قول الكثير بأن الغزالي قضى على الفلسفة العربية بكتابه تهافت الفلاسفة .
دون أدنى شك ، لقد أعتمد الغزالي على الآية القرانية التى تقول ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ) ، لقد ترك الرجل كتابان همان أنتقد وفند فيهما أفكار وأقوال العديد من الفلاسفة العرب ومن أهمهم الطبيب والفيلسوف ابن سينا المعروف في الغرب بإسم افيسينا ، وهذان الكتابان ، مقاصد علم الفلسفة والذي مهد لكتاب تهافت الفلاسفة لم يقرأن جيداً ، بل أغلب النقد كانت بناء على قراءات إختزالية ، وبالتالي جاءت القراءات على هذا النحو ، أحدهم قرأ البداية والآخر يقرأ النهاية وخرجا بنتيجة بأن هذين الكتابين ليسا هما إلا دحض للتراث الفلسفة ، بل العكس تماماً ، في الواقع ، لقد كانت مقاصد ابوحامد الغزالي من كتابة كتبه ، فتح باب النقد للتراث الفلسفي وكسر المحظور .
بوصلة أخرى في إحكام هذه الإختزالات ، بدت عارضة ، لكن الغزالي ترك ايضاً رسائل باللغة الفارسية والتى خاضت في الكوزمولوجيا ووفرت إضاءات حول النشوء والتاريخ وتطور الكون ، وكيف بدأ خلق الكون وكيف ايضاً كان يوفق بين موقفين متناقضين من أجل الحرص على عدم التنفير ومراعة أصول النقاش وترسيخ مبدأ الحرية في إستماع للرأي وإسماع الرأي ، على العموم ، الأغلبية في الغرب يعتقدون بأن الكون عبارة عن إنفجار كبير كما يشار له علمياً تحت مسمى ( البيغ بانغ ) ومن ثم توسع وتطور من الجسم الأولى الذي يسمى ، بالركيّن كأحد مكونيين أساسيين للمادة ، والذيوترينو ، كمكون أصغر من الأول لكنه يخلو من الشحن الكهربائية وبالطبع الجزيئات والذرات وجسيمات ، وبالتالي الجسميات تستجيب بطريقة ما لقوانين السببية ، وقد ارتبط خلق الكون في الحقبة القروسطي ( القرون الوسطى ) بالتفكير بشكل كبير بكيفية تفاعل الله مع خلقه وتأثيره عليه ، لأن بإختصار ، الموت هو خلق من مخلوقات الله وهنا تأتي النقطة التى تعتبر الأهم ، لكن يبقى التساؤل الذي يخوضه الإنسان ، كيف يخلق الله خلقه ، وهو السؤال الأكثر إثارة الذي أهتم به الفلاسفة والعلماء من الجانبين .
بالطبع الخلافات الفكرية التاريخية تركت ظلالها على العقل البشري وبات الإجتهاد شيء رئيسي وواجب علمي ، لأن عدم الإجابة سيعزز الجواب التلقائي بالنفي أو بالاستسلام ، لهذا تم تطوير نظرة إسلامية تسمى ( بالمذهب المناسبة أو الخلق المتجدد ) إجمالاً وبشكل مختصر ، أقول بأن هذه النظرة تقوم على أن الله يخلق كل شيء خلقاً جديداً في كل لحظة ، أي يمكن للمرء أن يتصور من خلال فهم أولى ، ومن ثم التفكير بالكون على هذا النحو ، كأنه فيلم ، وبالتالي العالم يواصل الإنتقال من صورة إلى أخرى مع كل لحظة بذاتها ، يخلق خلقاً جديداً ، هذه رؤية أولى ، وايضاً هناك في المقابل رؤية أخرى وأقرب لإستيعاب الناس في الغرب ، لأنها أتت من أعمال الفيلسوف أرسطو ، تلميذ أفلاطون ومعلم إسكندر الأكبر ومنظر لحملاته وواحد من أهم مفكرين الغرب ، والتى تعترف بوجود القوانين السببية التى تحدد كيفية تفاعل الأشياء من بعضها البعض في هذا العالم ، وبالتالي تلك القوانين السببية هي من صنع الله. والمادة وكل شيء ايضاً صناعة الخالق ، إذن الله يخلق بواسطة القوانيين السببية .
إذن ، ليس هذا الإنقسام بالإنقسام العابر ، أو ليس من الصواب أن يكون إختلافاً ثانوياً بالمعني الفكري والأسلوبي على الأقل ، لقد سجل التاريخ إنقسم واضح بين الفلاسفة لفمهوم علم الكوزمولوجيا ( Cosmology) ، وبالتالي يتضح بأن الغزالي أيدّ الرؤيتين لأهداف تخص بتفكيره ، أي أنه تبنى ما يسمى الخلق المتجدد كما أسلفنا ، بأن الله يخلق كل شيء خلقاً جديداً في كل لحظة ، وايضاً تبنى الرؤية الأخرى التى تقول بأن الله يخلق بأسباب ثابتة من خلال إستعماله للقوانين السببية ، ليصل الخالق للنتائج التى يرغب بالوصول إليها ، وبالرغم من أن جميع من قرأوا الغزالي يعتقدون بأن الرؤيتين عنده متناقضتين ، إلا أن في حقيقة الواقع ليس كذلك ، على الأقل بالنسبة لي أعتقد هكذا ، بالنسبة للغزالي كان الشيء الأهم لديه إخراج الفلاسفة من مربع الإعتقاد الخاطئ ، المتمثل بآراء متجذرة ، بأن الكون عبارة عن انفجار كبير ( البيغ بانغ ) أو الانفجار العظيم ، بلا عظيم ، وبالتالي كان الكون في حالة حارة شديدة الكثافة الذي أتاح له التمدد ، أي أشبه بالقنبلة النووية ، وربما هذه النظرية تصلح للنهايات وليست البدايات ، تماماً كما هو حال القنبلة الذرية ، وبالتالي كان همه الوحيد حسب فهي لمقاصده ، إثبات لهم بأن الله هو خالق كل شيء سواء من خلال الخلق المتجدد أو كونه مركز البداية لكل تغييرات السببية .
ومن جانبي ، من يمتلك القابلية على تبصر الحقيقة لا يتجه إلى أكنافها ، بل لقد فكر الغزالي بطريقة عصرية جداً ، في حين كان يشاع في أوساط عصره بأنه واحد من الأشخاص الذي استطاعوا هدم العلوم الإسلامية من خلال انتهاكه للفسلفة ، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً ، واخيراً أعتقد ، أفضل من وُصفَ ابوحامد الغزالي ، أبن تيمية ، عندما قسمه بين الشافعية لفقه الشافعي وإلى الصوفية لأبي طالب المكي في مساجلته للمتفلسفين الصائبين من أجل الوصول للمطلوب ونيل المقصود ، أي أنه أراد محاكاة كل فئه كما تفهم ، وانتهى الأمر به بالصحيحين ، وبالتالي كتابات ابو حامد الغزالي ليست من السهل لمراقب عادي قرأتها ، فما بل القارئ العابر ، لأنها تحتاج إلى عالم لديه معرفة بأصول الحديث وأصول في منابع الفلسفة . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغزالي بين الإختزال والإسهاب ...
-
الخطوات الاحترازية عامل أساسي في تقليل الإصابات ...
-
الذكرى التاسعة لانتفاضة الشعب السوري ..
-
لا خطر يعادل خطره ...
-
التعرف شيء والإدراك شيء آخر ...
-
الفيروس عموماً يعشق الجبلة الطينية ...
-
التجربة وحدها كفيلة بإنقاذ البشرية عندما تعجز من إيجاد الدوا
...
-
الحب الفاسد / هل هو مستجد في روسيا أم ناتج عن سلطات تعاقبت ع
...
-
الخضوع والخنوع يمهدان لحدوث الكوارث ...
-
دراسة المسبب طريق لكشف العلاج
-
الثقة وحدها تبّني الإنسان والدولة ...
-
فيروس كورونا الأهم حتى إشعارٍ آخر ...
-
مؤتمر الخامسة لحركة فتح علامة افتراق بين الماضي والمستقبل ..
-
مصر الناهضة / أمام تحدي التكامل بين الجغرافيا والاقتصاد والت
...
-
الأرض لم تعد قادرة على بلع عبث الإنسان ...
-
العقيدة الإغتيالية في رسم بياني / من الواقع إلى الخيال ومن ث
...
-
حالة الترهل التى تعيشها حركة فتح ...
-
نتائج الانتخابات الإيرانية ، الإقصاء أكثر مع ارتفاع إيقاع ال
...
-
بعد ما شبعهم الشعب شتماً ، عادوا السياسين إلى سياسة التسول .
...
-
الشيطان الاكبر ونبته الشيطاني ...
المزيد.....
-
مصمم يتخيل فندقًا من -مكعبات الثلج- في وادي -طيب اسم- بالسعو
...
-
وزير الخارجية اللبناني: نرفض الحرب وبلادنا تعاني من أزمة تهد
...
-
تقرير يوضح التحديات والفرص أمام الجيل القادم من المانحين في
...
-
-ولدا معًا وقتلا معًا-.. الغارات الإسرائيلية اليومية تستمر ف
...
-
مراسلتنا: دوي صافرات الإنذار واعتراض القبة الحديدية رشقة صوا
...
-
خبراء أمريكيون يحذرون من رد روسيا إن تعرضت لقصف أوكراني بموا
...
-
إيران لا تريد ضمان أمن حزب الله
-
معرض -ADEX-2024- للصناعات الدفاعية يكشف عن أحدث النسخ لمسيرة
...
-
روسيا تختبر غواصة جديدة حاملة للصواريخ المجنحة
-
معرض جديد في أمستردام يكشف عن روائع الفن البرونزي الآسيوي
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|