|
كيف ننجو؟؟!!
محمد أبو قمر
الحوار المتمدن-العدد: 6520 - 2020 / 3 / 22 - 09:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كيف رأينا أخيرا أن الاجراءات العلمية وأن أبطال الرعاية الصحية قد صاروا أعلي صوتا وأن أفعالهم وقراراتهم ونصائحهم قد داست علي خرافات العجوة والحبة السوداء وصارت هي الفاعل الأكثر جدارة وبطولة وفاعلية في مواجهة الوباء ، غير أن ذلك لا يعني أن الخرافة قد استسلمت ، ولا يعني أن ثقافة عقلية علمية حداثية قد بدأت تأخذ مكانها بديلا عن الخطاب الغيبي الذي يدعي احتوائه علي حل المشاكل كافة وعلاج الجوائح كافة والإجابة علي الأسئلة البشرية كافة ، فكل ما يحدث الآن هو تراجع تكتيكي للخطاب الغيبي الخرافي ، حيث وجد سدنة هذا الخطاب أن فيروس كورونا أقوي من العجوة ، وأن العسل لا يمكنه مواجهة شراسته ، وأن هذا الفيروس المميت من الممكن أن يبتلع حبة البركة فيكبر ويتضخم وتصير الفضيحة أكبر من الاحتمال ، فكان لابد لهم من التراجع ، ثم البحث عن طرق أخري للحفاظ علي الموقف الثقافي والفكري والعقلي ميت كما هو ، مع إفساح المجال للإجراءات العلمية وإلي رجال العلم والطب لكي يزيلوا من أمامهم هذه الغمة التي زنقتهم في وضع محرج وربما يتحول هذا الوضع المخجل إلي مزنق فاضح ، وكان لابد لهم حينئذ أن يسلموا بصحة الاجراءات والقرارات التي اتخذتها السلطات التنفيذية بالتعاون مع أالأجهزة الطبية والمؤسسات المتخصصة في هذا المجال ، لكن لكي تظل أقدامهم علي الأرض ثابتة ولكي تكون أياديهم ممدودة داخل عقل ووجدان الأمة ولكي يكون صوتهم يرن كما هي العادة في أفئدة الناس راحوا يربطون بين إصابة الشخص بالفيروس وبين قدره المكتوب باعتبار ذلك من المسائل الإيمانية التي رسخ خطابهم في أذهان الناس كونها من الأشياء المساوية للإيمان بوجود الله - ولك أن تعود في ذلك المعني إلي خطبة الجمعة الفائتة لوزير الأوقاف في مسجد التلفزيون - ، ثم بدأوا يربطون بين شفاء بعض المصابين وبين العسل والحبة السوداء وترديد بعض سور القرآن القصيرة ، وذكروا التمر واللبن وبعض الأدعية التي تختص برفع البلاء ( إرجع لما قاله محمد حسان يوم 18/3)......كان ذلك فقط مجرد حشر لمفردات الخطاب الخرافي في عملية مقاومة الفيروس للحفاظ علي وجودهم حيا في ضمائر الناس أثناء عملية الانسحاب التكتيكي الذي وجدوا أنفسهم مضطرين إليه لكي يمكن لهم بعد انحسار الكارثة إثبات أن العلم لم يكن يمكنه تحقيق النجاح إلا بإرشاداتهم ونصائحهم وما في الدين من وسائل لا يمكن للعلم إنجاز أي شيء بدون اتباعها. وأظن أن الجميع قد استمع إلي محاولة بعض أصحاب هذا الخطاب تصوير أن الحجر الصحي بصورته الحالية هو اختراع اسلامي ، وأن البشرية لم تأت بجديد ، أو ليس في إمكانها أن تأتي بشيء لم يفعله المسلمون من قبل ، وكم من داعية تحدث عن أن النقاب هو كمامة إلهية ، وأن الكمامة الحالية ما هي إلا مسخ مشوه من الكمامة المقدسة التي فرضها الله وقاية من الأمراض ومن الفتنة ، وطالب أحدهم بفرض هذا النقاب علي الرجال إسوة بالنساء إلي أن نتخلص من الوباء ، وقد سمعت داعية يقول في خطبة الجمعة الفائتة إن الاستنشاق في الوضوء كان القصد منه قتل الفيروسات . كل هذه المحاولات هي مفردات من الخطاب الذي يجاهد لإثبات أن كل ما يفعله العلم الحديث هو أخذ ما في الاسلام ثم إدعاء أنه من المخترعات أو من المكتشفات الحديثة. من الطبيعي أن كهنة الخطاب الغيبي الخرافي الذين يعتاشون ويربحون من ترويجه لن يرفعوا أياديهم مستسلمين ويخسرون أوضاعهم الاجتماعية ومكاسبهم المادية وشهرتهم وقداستهم والتفاف المريدين حولهم وتطلع الناس إلي وساطتهم وإلي إرشادتهم التي توصلهم إلي أعلي المراتب في الجنة ، لن يتنازلوا عن ملكيتهم لعقل وضمير الأمة أو عن سطوتهم علي مصائرها ، لقد رسخوا واقعا ثقافيا وفكريا أتاح لهم التحكم في مسيرة المجتمع المصري وتوجيهه الوجهة التي يريدون ، وأزاحوا من طريقهم كل الوسائل الثقافية والمعرفية التي كان من الممكن أن تجعل وجودهم هامشيا ، وهم ليسوا علي استعداد أبدا للعودة إلي وضع يسمح للمجتمع المصري التحرك في اتجاه مغاير لمشيئتهم ، ولن يسمحوا لفيروس حقير بأن يغير شيئا في بنية الغياب التي رسخوها طيلة سنوات النكبة الكبري ، والملاحظ أن بنية الاعلام المصري بمختلف فصائله قد تشكلت خلال هذه السنوات بطريقة منسجمة تماما مع هذا الخطاب وهي التي تعتبر سنده الأكبر في إحكام قبضته ، وفي هذه النقطة بالذات يجب الإشارة إلي أن قرار إغلاق المساجد والكنائس لم يكن أبدا قرار أي من رجال الدين في مصر ، وأن الطريقة التي تم إعلان هذا القرار بها تدل دلالة قاطعة بالنسبة لي علي الأقل علي أن نفوذ رجال الدين في مصر قد صار أضخم من اللازم ، وإذا كانت مصر تريد حقا أن تنجو فإن فيروس كورونا هو فرصتها الآن وليس وليس غدا وعليها إذن وهي تبذل جهدها العقلاني المضني للتخلص من هذا الوباء أن تفصل هذه العلاقة المشبوهة بين الاعلام وهذا الخطاب وحينئذ فقط سيكون من السهل عليها أن تتحرر من كل وباء.
#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صاحب المعالي
-
من غير لف
-
قول علي قول
-
بعض مصادر الاختلال
-
حالة حب مصرية
-
الرسالة
-
مأساة الذوق العام
-
يا ابيض يا اسود
-
إلهي ما يوعي يرجع
-
حتي المسبحة!!
-
الحلوة
-
ليست صيني ولا تيواني
-
مثقفون وعلماء
-
حرب بلا بنادق
-
الجميلة واللص
-
جذر واحد
-
رفع المبتدأ وشنق الخبر
-
الجميلة فيوليت
-
الكذابون
-
أنا لا أعرف
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|