أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أسماء عبدالواحد الكامل - تقرير محاضرة بعنوان جدلية التنمية والثقافة في المتن السوسيولوجي للأستاذ إدريس بنسعيد















المزيد.....


تقرير محاضرة بعنوان جدلية التنمية والثقافة في المتن السوسيولوجي للأستاذ إدريس بنسعيد


أسماء عبدالواحد الكامل

الحوار المتمدن-العدد: 6520 - 2020 / 3 / 22 - 03:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تقرير محاضرة بعنوان جدلية التنمية والثقافة في المتن السوسيولوجي
إعداد أسماء عبد الواحد
باحثة في سلك الدكتوراه بجامعة ابن طفيل القنيطرة


استهلت جامعة ابن طفيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة يوم الجمعة 28/02/2020 الدورة الربيعية، بمحاضرة ألقاها الدكتور الأستاذ: إدريس بنسعيد، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، والتي كان موضوعها حول "جدلية التنمية والثقافة في المتن السوسيولوجي"، وتم التنسيق لهذه المحاضرة من قبل طلبة الدكتوراه في مختبر علوم الانسان والفلسفة والمجتمع تحت إشراف الأستاذ عبد الغني شفيق، وبدأت المحاضرة بكلمته الذى حاول من خلالها الترحيب بالأستاذ وعرض أهم الأعمال والمؤلفات التي قام بها برفقة أعلام السيسيولوجيا كالأستاذة رحمة بورقية والأستاذ المختار الهراس، وأضاف بالتذكير بأهم مشاركات الأستاذ في مجموعة من المؤتمرات الوطنية والدولية وأكمل الأستاذ قائلا ’’نشر أستاذ بنسعيد مجموعة من المقالات وأنجز العديد من الدراسات لصالح مؤسسات وطنية ودولية، فضّله كبير على أجيال عديدة من الباحثين في العلوم الاجتماعية بشكل عام وعلم الاجتماع على وجه الخصوص، أنا واحد من جيل أستاذ بنسعيد، أستاذ مؤطر، جدي أستاذ حامل لتواضع العلماء لم يبخل طيلة مساره العلمي على طلبته والباحثين بما يتوفر عليه من خبرة ومعرفة، أسّس مجموعة البحث في الدراسات السوسيولوجية، إلى جانب الأستاذ المختار الهراس وإلى جانب باحثين آخرين، وله الكثير من الإسهامات في مجال التدريس والتأطير، في هذا اللقاء المبارك اختار الأستاذ بنسعيد أن يحاضر في جدلية التنمية والثقافة في المتن السوسيولوجي وهو موضوع له راهينيته، مرة أخرى سنشكره جزيل الشكر ولن أطيل كثيرا الكلمة لكم أستاذي’’.
بدأ الأستاذ محاضرته بالشكر الذي خصه للطلبة والطلبات، وكان يبدي اهتمامه للاستماع إليهم أكثر، وقال بما أن الأمر يتعلق بمحاضرة هناك مجموعة من الخواطر التي أريد أن أتقاسمها معكم.
يتضمن العنوان عدد من القضايا الكبرى مثل التنمية والثقافة والمتن السوسيولوجي هذا المزيج يعيدنا إلى طبيعة العمل السوسيولوجي، فالسوسيولوجيا هي علم ليس له موضوع محدد بل هي علم فيه تطور، التطور في انشاء مواضيعه وتحديد مفاهيمه، وبالتالي فإن هذه العلاقة التي تكون بين الباحث والسوسيولوجية في كثير من الأحيان تكون علاقة سلسلة، ولكنها في كثير من الأحيان مضطربة ومتوترة عند ظهور أزمات معرفية مثلا، وهذا الذي يجعل من الموضوع السوسيولوجي في حالة تحول مستمر، إما لأنه لم تعد له نفس المعاني ونفس الدلالات والديناميات التي تم الاشتغال عليها منذ 20 أو 30 سنة مضت، أو أننا أصبحنا أمام وضعيات جديدة تقتضي منا الاجتهاد لإعادة تجديد موضوعاتنا وإعادة انتاجها سواء على المستوى النظري أو على مستوى المناهج وطرائق
البحث، فالسوسيولوجيا ونظريات السوسيولوجيا مند بدايتها كانت تتأرجح بين حدين أولا: ارتباطها بالمجتمعات التي أنتجتها وتاريخ هذه المجتمعات، وثانيا: قدرتها كعلم على الاشتغال والابداع والعطاء في مجتمعات غير مجتمعاتها أي "مجتمعات الأصل".
وهذا يقتضي منا التفكير في بعض العناصر التي تخص البحث السوسيولوجي، لأن أهم ما يتهدد البحث السوسيولوجي هو الإغراق في التنظير، والرجوع إلى نظريات ومحاولة اسقاطها وجعلها مطابقة للواقع، أو أن يتحول الخطاب السوسيولوجي من خطاب علمي الى خطاب عام وهو ما وصفه الأستاذ بالتهديد الأخطر، أي يتحول الخطاب إلى خطاب ليس له ضوابط ، يحلل يعمم بكيفية تفتقر إلى الضبط، وذلك لأن النتائج السلبية لتحليل السوسيولوجي إذا لم يرتبط بضوابطه يكون أعمق وأخطر من غياب كلي لهذا التحليل، وبالتالي نجد أنفسنا أما عدد كبير من المساهمات والكتابات والأبحاث التي تتحدث عن كل شيء بينما هي لا تتحدث عن شيء، وتنتج خطابا يتناقض مع أوليات البحث السوسيولوجي.
إذا عدنا إلى الإمكانيات الأولى لظهور التحليل السوسيولوجي سنلاحظ أنها كانت مرتبطة بتحولات وقطائع جعلت موضوعه ممكنا، في القرن التاسع عشر، يشير الأستاذ هنا إلى أنه لا يميل إلى إعطاء تواريخ محددة أو أسماء أشخاص محددين ويستكمل حديثه عن سيرورة التفكير السوسيولوجي الذي أصبح ممكنا بعد أن سجل هذا العلم مجموعة من القطائع، وهى التي نقلت السوسيولوجيا من مركز العلم إلى العلم وهى انتقالات معروفة في تاريخه، يذكرببعضها:
القطيعة الأولى: وهى الفصل بين الشخص والمؤسسات، فالتحليل السوسيولوجي لم يكن ممكنا ولا يقترب من دائرته العلمية إلا إذا ابتعد عن الأشخاص واهتم بدراسة المؤسسات وتحليلها، فالسوسيولوجيا هي علم دراسة المؤسسات.
القطيعة الثانية: وهى الفصل بين الرأي والعقيدة "الظن" العقيدة التي تحيل في معناها العام على مفهوم الدين ولكن ليس الدين فقط بل كل ما يرتبط بمبدأ مؤسس يميل إلى قدسية لدى الأفراد.
عندما ظهرت السوسيولوجيا ربما أصبحت العقائد موضوعا من موضوعاتها ولكن طريقة اشتغالها اعتمدت بالأساس الاشتغال على الرأي وليس على العقيدة، لأن العلم نسبي ومتغير أما العقيدة فهي ثابتة ومطلقة، وبرغم من وعى الكثير من الباحثين في العالم العربي بشكل عام أو المغرب بشكل خاص، بالأزمة التي يعاني منها التفكير السوسيولوجي إلا أنها تنادي لتأسيس علم قائم على عقيدة الدعوة، بما يعني بناء علم اجتماع اسلامي الذي يتقيد بضوابط الإسلام أو حدوده، ومن هنا أشير إلى أن المشكل ليست في العلاقة بين علم الاجتماع والاسلام على وجه التحديد، ولكن المشكل هو بين علم جوهره نقدي وظني بالأساس وبين دين ككافة الأديان الأخرى طبيعته هو نقاء العقيدة وصفائها وصلاحيتها لكل مكان وزمان، لم يكن لسوسيولوجيا أن تتأسس دون هذا الانفصال، فالعقيدة قد تكون موضوع الدراسة السوسيولوجية، سواء في الأنتربولوجيا أو سوسيولوجيا الأديان ولكنها لا تتأسس على عقائد بل تتأسس على آراء.
كذلك فيما يخص مفهوم المجال بالنسبة للجغرافي يدرس المجتمع باعتباره محدد في رقعة جغرافية معينة هذه الرقعة هي ما يتعارف عليه بمفهوم المجال، أما الباحث في السوسويولوجيا، يدرس المجال كمجال ويدرس تفاعل الإنسان مع المجال الذي يعيش فيه أما دراسة الأصول ودراسة الأعراق والإنسان والجينولوجيات، فقد تحول هذا الموضوع إلى النظر السيسيولوجي ولكنه لا يعتبر عنصر مؤسسا لتحليل السوسيولوجي فإدخاله يؤدي إلى اضطرابات وتناقضات نتائجها معروفة.
القطيعة الثالثة: والأساسية هو أن الناس عندما يعيشون في بقعة جغرافية محددة فهم يدخلون في علاقات كثيفة فيما بينهم ولكنهم ينتظمون داخل مؤسسات، فنتيجة التحولات التي عرفتها المجتمعات التي ظهر فيها العلم أصبح التركيز أكثر فأكثر على دراسة المؤسسات، أما العلاقات فهي تفاعلات داخل المؤسسات يعني أن المؤسسة هي الأصل والعلاقات لا يمكن أن تفهم إلا داخل المؤسسة، وبالتالي أشار الأستاذ أن هذه القطائع كانت ضرورية لأجل تأسيس علم الاجتماع وثانيا لانفصال العلم عن العلوم الأخرى مثل علم السياسة، التاريخ، الأخلاق والفلسفة الاجتماعية سابقا، ويزيد أن هذه التطورات حدثت عبر امتداد زمني طويل، بالإضافة إلى هذه الانتقالات وهذه القطائع اتجهت المجتمعات الأوروبية في مرحلة التأسيس مع ماركس، سبنسر ودوركايم إلى وضعية جديدة وهى الوضعية التي يسميها سبنسر بوضعية التمايز، وهو أن الإنسان يعيش داخل المؤسسات وينسج علاقات تنتظم من خلال أربع مستويات:
1. المستوى الاقتصادي.
2. المستوى الاجتماعي.
3. المستوى السياسي.
4. المستوى الثقافي.
كل مستوى من هذه المستويات له قواعده الخاصة وعلاقاته المميزة له فمثلا: المؤسسات الاقتصادية نواتها الصلبة هي الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية، ولكنها تتأثر بالثقافة والسياسة والعلاقات الاجتماعية، أما النشاط الاقتصادي للمجتمع بصورة شبه كاملة يتم داخل المؤسسات الاقتصادية، نفس الأمر بالنسبة للمؤسسات الاجتماعية، السياسية، والثقافية.
يعني تقريبا هذه هي الصورة أو الخطاطة العامة للتفكير السوسيولوجي كما ظهر وكيف تطور، ليس دائما بهذا التركيب وهذه الكيفية ولكن هذه هي المقدمات الأساسية التي بنى عليها العلم.
إذا نأتي إلى اللحظة التي حاولنا فيها دراسة مجتمعاتنا انطلاقا من السوسيولوجيا كعلم، كانت البداية مع الفرنسيون الذين درسوا المجتمع المغربي بأدوات سوسيولوجية، وهذا ما أنتج لنا السوسيولوجيا الكولونيالية بأدواتها وطرائقها، وهى مفيدة كإرث سوسيولوجي يستنطق الخصوصيات المحلية ولكن بالنسبة لنا كباحثين سوسيولوجيون نحن بعيدون الآن عن إشكالاتها، لأنه عندما أراد الفرنسيون استعمار المغرب، كانت فرنسا أمام تجربتين سابقتين وهما استعمار الجزائر ومدغشقر التي كانت كلفتهما المادية والبشرية ثقيلة وباهظة جدا، ولذلك عند محاولة استعمار المغرب قاموا بتوظيف آليات أخرى ومن بينها السوسيولوجيا والأثنوجرافيا، لتفادي الخسائر مجددا، والبحث في الكيفية التي يمكن فيها الاستلاء على هذا البلد بأقل تكلفة بشرية ومادية ممكنة، وضمان استيعاب السكان للاستعمار أو على الأقل الحصول على قبول جزء من المجتمع.
لذلك فإن الأسباب المنتجة لسوسيولوجيا الكولونيالية وإشكالاتها لا تعنينا، أما بالنسبة للمدرسة السوسيولوجية بعد الاستقلال طرح السؤال من قبل الباحثين حول الكيفية التي يمكن من خلالها دراسة المجتمع المغربي؟ وهل يتم اعتبار السوسيولوجيا علما قائم الذات و صالح لكل مكان؟
الإجابة تتطلب التفكير في انتاج سوسيولوجية مغربية وانتاج مواضيع جديدة باهتمامات جديدة، ولكن باستعمال آليات ومناهج التحليل السوسيولوجي دائما، هذا ما أعطى ما يمكن تسميته بالسوسيولوجيا المغربية التي اشتغلت وأعطت ورتبت أولويات وتوصلت إلى نتائج مهمة امتدت إلى ما بعد الاستقلال.
ومع نهاية القرن 20 وبداية الألفية الثالثة حدثت في المجتمع المغربي بشكل خاص وعلى مستوى العالم بشكل عام تطورات كثيرة، تفاعلت مع السوسيولوجيا والسوسيولوجيا تفاعلت معها وفي المغرب كذلك تتفاعل معها ولكن في نظري لابد من طرح السؤال التالي لتأسيس فعلي للموضوع : وهو هل وصلنا الآن إلى مرحلة يمكن اعتبار علم السوسيولوجيا علما واحدا وهل يمكن تطبيق نظرياته وأولوياته بنفس الطريقة على العالم ككل أم أننا لازلنا نظرا لتطورنا أمام بعض الخصوصيات التي تنتظر منا التأني وتتطلب منا إعادة طرح الأسئلة؟.
ليس هناك مناسبة أو حدث محدد لطرح السؤال ولكن نسمع ونتحدث عن نموذج تنموي جديد وكما نسمع عنه نعرف جيدا أنه نموذج قد فشل، واستنفذ المحاولات المختلفة التي كان يسعى من خلالها إلى التنمية، في هذا الإطار يتعين على السوسيولوجي أن يطرح سؤال التنمية، ويسأل هل نظريات التنمية كما هي قادرة على الاجابة سوسيولوجيا على هذا السؤال؟
بالاطلاع على الأدبيات المتعلقة بالموضوع والنظر إلى النقاشات الدائرة حوله نجد أن الخطابات الآن هي خطابات تتميز بمجموعة من المميزات أبرزها: التوجه الذي يرى أن التنمية جوهرها اقتصادي وأن أغلب المشاكل التنموية التي يعرفها هذا المجتمع هي مشاكل اقتصادية ترتبط بالثروة وتوزيعها، بالتشغيل والبطالة، صعوبات الولوج إلى هذا النموذج الاقتصادي كباحث، يحتاج السوسيولوجي فيه أن يلعب دور الخبير ويكون مدعو إلى تفسير الاحصائيات وتحليلها ودراسة التوجهات العامة لاقتصاد و البنيات الاقتصادية، بحيث لا يؤخذ رأيه كسوسيولوجي بمعنى كباحث بل دوره هنا هو تحليل المجتمع والسعي إلى إعادة تركيبه نظريا وبكيفية جديدة تمكن فعلا من تحقيق التقدم والوصول إلى المفتاح السحري للتنمية.
وبناء على التوجه الاقتصاداوي للتنمية الذي يشير الأستاذ أنه يتناسى الميكانيزمات الأساسية التي كانت معروفة في السبعينات والثمانينات في أمريكا لاتينية، نقاشات أبانت عن وضعيات التخلف بالرغم من تحقيق التقدم والسير في طريق التنمية إلا أنه هناك فجوة شاسعة بين مستويين المستوي الأول: وهو مستوى النمو والتكاثر نقص عدد السكان، يزداد الناتج الفردي، ازدياد عدد كيلومترات طريق، تجهيزات وبنيات تحتية عصرية بحيث نجد أنفسنا أن الجانب الاقتصادي، والمؤسسات الاقتصادية في المجتمع تتطور ولكن دون ان ينعكس هذا التطور على المستوى الفكري، الثقافي والسياسي إذا نكون هنا أمام تطوريين لا متكافئين بمعنى تطور في المؤسسات الاقتصادية ولكن المؤسسات الأخرى الاجتماعية، الثقافية والسياسية تعاني من مشاكل أساسية، مثلا نلاحظ أن الفئة الأكثر حيوية في المجتمع المغربي لم تتأثر بانعكاسات النمو الاقتصادي، فهي فئات لازالت مقصيه، ليست مقصيه من العمل والشغل فحسب، ولكنها مقصيه من البنيات الاجتماعية و السياسة وصوتها غير مسموع فيما يتعلق بالثقافة، وبالتالي تتكون وضعية الاختلال، وبهذا فإن الاستمرار في البحث عن نموذج تنموي ببعده الاقتصادي والتنموي فقط، سيزيد من تعميق وزعزعة المؤسسات والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
المجتمع المغربي له مجموعة من الخصوصيات وشغل هذا النقاش حيزا واسعا في الثمانينيات، شارك فيه عدد كبير من الباحثين السوسيولوجين، ويتحدث هذا النقاش عن حدود التحليل السوسيولوجي بمعنى هل هو واحد أم أن لكل مجتمع خصوصياته، فالمجتمع المغربي في نظري المتواضع مثلا له مجموعة من المميزات وهذه المميزات في نظري المتواضع لازالت حيوية ودينامية في هذا المجتمع.
أولا: لم نصل بعد في مجتمعنا المغربي الى مرحلة التمايز التي تشتغل فيها النظرية السوسيولوجية بمعناها الأصلي، ولا يمكن أن تنجح فيها النظرية الاقتصادية أو النظرية التنموي، فنحن لم نصل بعد إلا إلى مراحل أولية من التمايز بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي وما هو ثقافي، في كثير من الأحيان نجد أن الباحث عاجز عن الاجابة عن سؤال بسيط، ألا وهو هل المؤسسة التي أنا بصدد دراستها مؤسسة اقتصادية، سياسية، اجتماعية أو ثقافية ربما في مجتمعات أخرى هذا السؤال غير وارد، ولكنه وارد في مجتمعاتنا.
إذا اخذنا الثقافة سنجد أن الثقافة البنية المهيمنة والبنية المحددة للنشاط الاجتماعي بالكامل مثلا عندما تم استعمار المغرب الوعي الوطني تشكل في بداية ثلاثينات القرن الماضي والذي لم يتمثل الاستعمار كاعتداء اقتصادي بل كاعتداء ديني واعتداء لغوي فالمهدد هو الدين الاسلامي "السبب في نظري المرجعية الدينية " واللغة العربية، فالحركة الوطنية كلها استطاعت أن تجند نفسها تجنيدا سياسي انطلاقا من شعار ثقافي بالأساس حتى ما بعد استقلال المغرب سنلاحظ أن الهزات السياسية والاجتماعية في المجتمع المغربي هي غالبا شعاراتها وتوجهاتها ثقافية بصفة والتي لعبت دينامية كبيرة وخلقت ازمات وخاصة بعد استقلال المغرب.
أواخر السبعينات ظهر عنصر ثقافي آخر وهو عنصر الدين وخاصة علاقة الدين بالقيم وعلاقة التنمية بالدين الاسلامي وبالسياسة والأخلاق الأمر الذي أدى إلى ظهور حركات اسلامية ونقاشات قادتها هذه الحركات سواء أكانت هذه النقاشات معها أو ضدها، نقاش كبير جدا تعلق باللغات، فالمجتمع المغربي مجتمع متعدد وهذا التعدد هو واقع معاش وأصبح واقع سياسي أيضا، وخاصة مع دستور 2011 وهنا نتسأل ما هو مكان كل لغة وهنا لا نقصد مكانتها في النظام التعليمي ولكن ما هو موقعها في آليات التقرير الاقتصادي وآليات التقرير السياسي؟ وماهي العلاقة الموجودة بين النخبة واللغة ’’الكفاءات’’؟ ما هو موقع اللغة العربية والأمازيغية؟ ما هو موقع اللغة كتأثير على النظام الاقتصادي والسياسي ؟.
الصراع والنقاش حول اللغة الوطنية هو صراع سياسي وثقافي، في نظري تعتبر اللغة العربية هي المفتاح الاساسي والضروري لنمو الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا، ويشير الأستاذ إلى أهمية اللغة العربية ويؤكد أنه لم يعرف أي مجتمع من المجتمعات المتقدمة التنمية والتقدم بلغات غير لغتها الأصلية، إذا هل نحن الآن نتجه إلى التلاقي في مجتمع واحد ونموذج تنموي واحد أم إلى الاختلاف؟ رئيس قوات الاتحاد الوطني الشعبية 1959 في كتاباته أشار إلى هذه المسألة وقال: إذا استمرت المدرسة المغربية وإذا استمرت صناعة النخبة السياسية بهذه الطريقة فإننا سنتجه إلى صناعة مجتمعات متجاورة فيما بينها ولكنها متباعدة في نفس الوقت، مجتمعات نخب مستفيدة اجتماعيا واقتصاديا، ومجتمع آخر مخفي مجتمع لا يتكلم، يعني هذاك وقت كانت فيه اختيارات سياسية حازمة وهو قد انتبه إلى مصطلح لم يكن رائجا في ذلك الوقت وهو مفهوم الرابط الاجتماعي هذه الوضعية الآن نلاحظ أن الرابط الاجتماعي مهدد ويميل إلى التفكك.
دعوة لسوسيولوجيين الحاضرين الآن أن يطرحوا السؤال التالي وهو: كيف يمكن أن نتصور نموذجا تنمويا حقيقيا؟ في نظري من الممكن أن نعطي رأينا انطلاقا من منظور ميكروسوسيولوجي، أما من المنظور الماكرو بمعنى مانعني به إعادة انتاج المجتمع نظريا، فأعتقد أنها من المهام الأساسية التي تتطلب المزيد من البحث والجهد، أولا: بالرجوع إلى كلاسيكيات التنمية مع جورج بالندييه وغيره، والتدقيق في مفهوم التنمية الشاملة، أما إذا كانت في قطاع واحد أو منطقة واحدة فهي ستبقى قاصرة وغير مكتملة، وسيؤدي بذلك إلى تفكك الرابط الاجتماعي وارتفاع منسوب التوترو ظهور مشاكل عميقة.
قضايا متجددة في المجتمع المغربي لابد من الاشتغال عليها مع استحضار البعد الثقافي، القضايا المتعلقة بالمجال، دراسة التطور اللا متكافئ بمعنى تقدم اقتصادي وتأخر على مستوى البنيات، مما أدى إلى زعزعة المجالات القروية (انتشار المجال) ، سيطرة التساقطات المطرية وتأسيس البنيات الزراعية للمجال القروي، و تحولها إلى مجالات ضغط، الفقر، البطالة وصعوبة الولوج إلى المدرسة يؤدي إلى ظهور وضعية جديدة، فالمجتمع عادة تكون غالبية مؤسساته مهيكلة، والباقي غير مهيكل وما نلاحظ الآن فنجد أن ماهو مهيكل في المجتمع يميل إلى اللا هيكلة ليست الاقتصادية فقط ولكن حتى الاجتماعية والثقافية.
الظواهر الجديدة حلقتها الضعيفة هو بعدها الثقافي، مثلا ابتداء من احصاء 74 تحول المغاربة إلى 51 حضريين ولكن ما معنى تحولنا إلى حضريين.
نلاحظ ظهور مئات من المدن الصغرى والمتوسطة، مدن تشبه الفطريات تتميز بأنها ممتلئة من الأسفل، الهجرة القروية والتحركات السكانية، ولكن عند الوصول إلى مستوى اقتصادي أو ثقافي أو سياسي، تفرغ من الأعلى بمعنى لا يوجد فيها نخب اقتصادية ولا اجتماعية ولا ثقافية ظهور واقع جديد يستحق الدراسة، وهومدن بدون نحب، بدون آليات واستراتيجيات لخفض التوتر.
بمعنى أن المدينة الكولونيالية القديمة تصبح جزيرة منهجية ولكن الحزام المحيط بالمدن تصبح مجالات اقصاء، أحزمة وصفها الأستاذ بأنها أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن هناك من تقصيه من النشاط الاقتصادي وهناك من تقصيه سياسيا.
مجالات تباينات فقدت الرابط الاجتماعي والثقافي، فهي لا تعيش من القيم والتنظيمات المجالية القروية ولاهي تعيش من قيم وتنظيمات مجالية حضرية وتصبح مجالات منتجة للتوتر، كما هي مجالات متفجرة بمعنى هي مجالات خالقة للتطرف (ديني، اجتماعي، السياسي)، والأهم أنها تؤدي إلى ظهور لغة جديدة لا يمكن العيش في هذه المجالات إلا باستخدام هذه اللغة الجديدة وهى لغة العنف داخل هذه المجالات، ظهور العنف يرتقي إلى مستوى اللغة والبر ادغم ويصبح ضروري للعيش، إذا قضايا جديدة لا يمكن أن تحلل اقتصاديا ولابد من التفكير في القضايا الثقافية.
تعتبرالمجالات الصحراوية في المغرب كذلك، مجال مهم لدراسة والبحث و بالرجوع لتاريخ المغرب ستلاحظ ما قاله بلاندييه أو غيره عن علاقة هذه المجالات بالسلطة، بأنها منتجة للسلطة و الحركية الاجتماعية والسياسية، قضايا لا يمكن للسوسيولوجي الصغير أن يقاربها مقاربة جديدة إلا بإدخال العناصر الثقافية من أهم هذه المواضيع : المرأة والنوع، والقضايا المتعلقة بالنوع الاجتماعي رهانا قوية ولكنها ليست رهانات حسابية، المساواة تساوي الرجل والمرأة تأسيس لنوع اجتماعي ثقافي.
دراسة قمت بها مع الأستاذ شفيق عبد الغنى أثارت العديد من الهواجس، بحيث اتضح أن الصراعات الأساسية داخل أوساط الشباب ليست صراعات دينية أو عقيدية، ولكن هي صراعات تتعلق بجسم ومكان المرأة في الفضاء العام وأن الصراع حول الحجاب هو أساسي جدا وحيوي بالنسبة لفئة واسعة اكثر من خلافات سياسية أو ثقافية أو دينية.
ملاحظة أخري: هو أن الحجاب قبل الاستقلال كان اختيار سياسي واختيار ديني حركي واضح، ولكنه بدأ يتطور إلى أن أصبح اختيارا ثقافيا، الفتاة تلبس ما يحلو لها أحدث صيحات الموضة ولكن الفرق بن هذه وتلك هو "الفولار".
إلى عهد قريب فئة لم تكن معروفة وهى فئة الشباب، قبل 40 سنة مضت كن نعرف فئة الأطفال، الكبار، والنساء، أما فئة الشباب كفئة مستقلة بالنسبة للعالم ككل وبالنسبة للمغرب بشكل خاص هو أحدث فهذه الفئة هي لازالت فئة غير معروفة المعالم في المجتمع المغربي وهى فئة واسعة ، وأهم مميزتها هو يأسها من البنيات الاقتصادية، ويأسها وعزوفها واحتقارها للبنيات السياسية، ويأسها من المدرسة والنظام التعليمي، شراء التعليم، وبالتالي تلجأ إلى عالم افتراضي الانترنيت وهو عالم حيوي بقوانينه وسننه.
وأكثر من ذلك ظهرت مجموعة اجتماعية استراتيجية وهى فئة المراهقين بفعل تغيراتها البيولوجية المعروفة تكون منفلتة من كافة الضوابط ، دراسة واحدة في المغرب حول المراهقة والمراهقين، بينما تعتبر فئة المراهقين الآن هي أخطر الفئات الاجتماعية داخل المجتمع المغربي، وأزمتها هي بالأساس أزمات ثقافية وأزمات سياسية، حتى من الناحية الاقتصادية هي الأكثر مستهلك لا للقيم ولا لرموز وحتى للسلع، مجموعة من القضايا الجديدة التي لا تشتغل فيها السوسيولوجيا بل الخطابات الصحافية، الاشتغال صعب عليها لأنها تتطلب اعادة النظر في المؤسسات الاجتماعية، والبحث في ماهية المؤسسة المهيمنة التي تستطيع أن تعطي الدفعة الاجتماعية والدينامية الاجتماعية.
ويختم الأستاذ كلمته بالقول "بالنسبة لي اجيال السوسيولوجيا لابد لها من التفكير في اعادة انتاج موضوعات سوسيولوجية ، هم أتمنى أن يبقى مستمر ألا نطمئن أبدا إلى اليقين، ونحاول طباعة أسئلة جديدة لأن هناك آفاق جديدة وقارات غير مكتشفة لابد من التنقيب عنها بالاستعانة بالمدخل الثقافي سواء كان دينيا او اجتماعيا.



#أسماء_عبدالواحد_الكامل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخدير أم تحديث الشخصية الليبية في عهد العقيد معمر القدافي؟
- تخدير أم تحديث الشخصية الليبية في عهد العقيد معمر القذافي؟


المزيد.....




- العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب ...
- وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات ...
- احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر ...
- طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا ...
- الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
- بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
- Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى ...
- بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول ...
- إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
- روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أسماء عبدالواحد الكامل - تقرير محاضرة بعنوان جدلية التنمية والثقافة في المتن السوسيولوجي للأستاذ إدريس بنسعيد