التجربة وحدها كفيلة بإنقاذ البشرية عندما تعجز من إيجاد الدواء ...

مروان صباح

الحوار المتمدن-العدد: 6516 - 2020 / 3 / 17 - 18:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

/ ليس سواها بل وحدها العزلة التى توفر قراءة الأزمات بشكل جيد ، وذات يوم ليس ببعيد ، وهو ضارب في عمق التاريخ ، حيث يتشابه مبدئياً بيومنا هذا ، لقد أطاحت إحدى رسائل المتبادلة بين ابوعبيدة الجراح وعمر بن الخطاب ، عامل الخليفة على بلاد الشام رضي الله عنهما ، اللثام عن تعرض المنطقة إلى طاعون قاضي ، ولقد نصح آنذاك أمير المؤمنين ابوعبيدة بالخروج لكن الرجل آبا إلا أن يواجه مصيره مع من أصابهم الهلاك ، فوقف وخطب خطبته الموجزة وقال ، ( أيها الناس إنّ هذا الوجع رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، وإنّ أبا عبيدة سأل الله أن يقسم له منه حظه .

من حيث المنطق الأبسط أو حتى الإدراك التبسيطي الذي يقتضب البواطن الغامضة إلى المسلمات الهشة ، كان منطقياً أن يفرض على نفسه عزلة يتجنب العدوى ، لكن رحل بالطاعون ومع الطاعون ، وقد هم الناس آنذاك ، واستخلفوا الصاحبي معاذ بن جبل كأمير عليهم وعاملاً لأمير المؤمنين ، فقام ايضاً مخاطباً أهل بلاد الشام وعلى نهج صاحبه الجراح ، لكن اثناء خطبته الشهيرة أصيب ولده عبد الرحمن بالطاعون قبل أن يُصيب الأب وعندما تحركوا الناس بدفنهما ، أولوا شؤون أمرهم لعمرو بن العاص ، فالرجل كان النبي محمد ( صل الله عليه وسلم ) قد خصه بمقولته الخاصة ( أسلم الناس وآمن عمرو ) بل عرف عن ابن العاص بذكائه وآرائه الثاقبة بل ايضاً يطلق عليه صفة الكاهن ، فوقف خطيباً في الناس وقال بإختصار شديد ، أيها الناس إنّ هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتجبلوا منه في الجبال وخرج الناس إلى الجبال إلى أن رفعه الله عنهم ، وقد بلغ عمر ما صنعه ابن العاص من حسن التدبر وهذا يفسر أن الفيروس كائن متحرك ، متنقل ، لا يُرى بالعين ، لكنه يعيش على النفس وبنفس ينتقل من إلى ، وبالتالي تضليله وقطع عليه الطريق بالعزلة ، أمر يرتقي للنجاة .

كما يبدو أن العالم بأسره يعش نهايات مراحل وبدايات عصور ، عرف الطاعون بين الناس من أكثر الأوبئة فتكاً ، بل يطلق عليه بالموت الأسود وبالتالي ليس من جديد سوى فضلية التذكير بتجارب من تعاملوا سابقاً مع الطاعون الذي يعتبر الأكثر ذكاءً بين الأوبئة ، فهو لا يرحم إذ وجدَّ قواعد قابلة للانجرار معه ، فليس من السهل السيطرة عليه .

وهذا يفسر لماذا الملكة إليزابيت ملكة بريطانيا أنتقلت من قصرها باكنغهام وسط العاصمة اللندنية إلى قلعة وندسور في غرب لندن كإجراء احترازي وبالتالي أخذت برأي ابن العاص في واقعة الطاعون الشهيرة في عمواس ، في نهاية المطاف يعتبر طاعون عمواس ليس سوى إمتداد لطاعون جستنيان والذي حصد من خيرة صحابة رسول الله ، وهذا ايضاً يشير بأن الإجراءات الوقائية مثل الحجر على المصابين وعزل عامة الناس والحرص على عدم التجمع في الأماكن العامة أو الاحتكاك والمخالطة ، جميعها تعتبر خطوات تساهم بحصره وعدم انتشاره ، وايضاً الاستمرار بالتطهير والتعقيم للمرافق العامة والتجمعات والمركبات النقل وغيرها ، جميعها أمور تحد من الانتشار وتضعه في خانة التراجع حتى يجدوا العلماء مضاد يستطيع قتله قبل قتله للناس .

ولعل من الخير للحكومات وفي هذه الظروف العصيبة والثقيلة والمجهولة ، استخدام الجيوش من أجل فرض قراراتها بشكل حازم وايضاً في تأمين عمليات التطهير والتعقيم والمحافظة على الأمن ، وبالتالي الثابت عندي شخصياً وحسب تجاربي المتواضعة ، وما هو أكثر أهمية لدي ، من الضرورة للحكومات أن تستخدم الملاعب الرياضية ( المفتوحة ) وأن تقيم مستشفيات ميدانية أفضل من استخدام المنشآت المعمارية ، لأن الجراثيم والفيروسات بطبيعتها تعشعش في الجدران . والسلام

#مروان_صباح (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات