نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 1575 - 2006 / 6 / 8 - 08:17
المحور:
الادب والفن
(1)
أسترق لي وحدي بعض التمرد من ذاتي عليها،مغافلا نذرها ذاتها لتكون لكِ وحدكِ.
ما يجري ليس إراديا وإن كان واعيا، تتقدم موضوعيته على إدراكه، لذته بساطته رغم تعقيد صياغته.
إنه الجمال الجامع في لوحة واحدة أنوار الرغبة وظلال العقل، متاهات الدهشة وفلسفة القوننة وإدراك اللامعقول.
إنه شيء خاص بي ، إنه حبي غير القابل للانتزاع أو التوريث أو الهزيمة.
هكذا أجدني أخفق في كل استراقة ناجحة.
غموض هذا الحب أو هذا الشعور، يتمشى كالخمر في مفاصل حياتي اليومية،حتى أنت تستسلمين لألغازه،أو ربما لا تكترثين لحلها، كما الفراشة إزاء كيمياء الرحيق.
(2)
من تلك الاستراقات أن أتحدث عن سواكِ.
حين لا تظهرين في صيغة المخاطب، تكونين أكثر حضوراً فيما يبدو غياباً، لأنكِ تكونين المتكلم، في وقت متأخر اكتشفتُ هذه الحقيقة اللاشعورية، وأدركتُ أن ما كان يحجبها عني غرور الذكورة الذي لم تجف منابعه رغم أني أحببتكِ.
هذه الحقيقة تقول : أنا لست أنا ، أنا صورتي في مرآة هي أنتِ، أنتِ ضميرا المتكلم والمخاطب.
(3)
حزنتُ مرة لأن أحدهم شتمني قائلا: "أنت لا شيء، هي كل شيء " .
كلما تذكرت هذه الحادثة أضحك من نفسي التي لم تميز آنذاك بين الحقيقة والشتيمة، وتالياً بين الحكمة ومنبعها.
الآن أقول حسبي ذلك، حسناً أو ليس حسناً ، أنا لا شيء، أما أن أكون أنتِ ، فأنا كل شيء، وكم يروق لي هذا الشعور، بل كم يسكرني هذا الحلم، أن تصل شفافيتي إلى لا شيء في الوقت نفسه الذي أنا فيه كل شيء.
(4)
حتى وقت قريب لم أكن أفهم لماذا تسكنني فكرة الانتحار ، بل لو حاولت إحصاء تجلياتها سوف أحتاج زمناً وأنفاساً وذاكرة تفوق ما لدي كما تفوق سفن الفضاء المحراث الروماني.
لا أعني أني أفهم الآن لماذا لم تبرح أعماقي تلك الفكرة، لكني أدعي أني لم أقدم عليها بسببكِ، فقبل أن نلتقي كان في الأعماق اللاواعية موعد غامض مع مجهول، كان توقي إلى لقائه أقوى مني، حتى هذه اللحظة مازال غموضه يسحرني كأنه مازال غابة عذراء ، تجذبني وتنبذني بدقة بالغة،فأبقى في مدارها كما الأرض تهرول حول الشمس.
(5)
إنكِ قدري الذي حتى في أشد لحظاته قسوة وسفاهة، أحببته.
كنتُ أعتبر جنسكِ حبي، حتى ظننتُ أني أحببتكِ ، لأنكِ منه، لم أصدقهم (وما أكثرهم) أني كنت أمشي على رأسي.
كنتُ أعتبر جنسكِ أحد رموز العالم المقدسة، وحظوتكِ تشرق بنور هذا الاعتبار.
الآن أرى أعماقي بنوركِ وكما منزلة جنسكِ لدي إزاء العالم، منزلتكِ أنت إزاء جنسكِ.
الآن أصدق أني كنت أمشي على رأسي.
نور الدين بدران
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟