|
حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 1
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6512 - 2020 / 3 / 12 - 20:49
المحور:
الادب والفن
عامان كان يجب أن ينقضيا، قبل أن تختبر رابعة صحة كلام صديقتها بشأن قوة الحب القاهرة. وإذاً، صار في العائلة مراهقة جديدة بأعوامها الخمسة عشرة. لكن الفارق مع حالة الصديقة نظيرة، أن الحبيب لم يكن رجلاً متزوجاً مثلما أن رابعة ما كانت بعدُ خطيبة لأحد. منذ البداية، توجس قلبها من إمكانية تكرار قصة أخرى، أكثر قدماً؛ قصة عمتها الراحلة، زَري، مع ابن جيرانها من آل كرّي عيشة. لم تكن بلا سند مخاوفها، بما أن الحبيبَ هوَ الابن الوحيد لذلك الرجل: بَدو، كان صديقَ شقيقها حسينو، واعتادا الاجتماع كل مرة في منزل أحدهما. كون عمل حسينو ليلاً، بينما الآخر مبتدئاً في سلك الدرك، اضطرهما ذلك لتوقيت اللقاءات بعد الظهر. أحياناً، كانت رابعة هيَ مَن تفتح الباب لصديق شقيقها. لهفتها على استقبالته، كانت ترسم بسمة ملغزة على طرف فمه. وهذا ما أحنقها في مستهل الأمر، لأنها عدته دلالة على النظر إليها كفتاة صغيرة السن. رويداً، تغيرت طريقة نظرته إليها وراحَ يتجاسرُ على التمعن في قسماتها. لكن ما لم تأخذه في حسبانها، فتحتاط له، هوَ أنّ عيناً سوداء كانت قد وضعتهما تحت المراقبة. مع ولوج الحاج حسن في نفق الشيخوخة، أضحى سلو يتصرف في الدار كأنه السيد المطلق. من خلفه، كانت هَدي تشد من أزره وتحرضه على أفراد أسرته. في ذلك الوقت، كانت عيشو قد انتقلت مع بناتها للعيش في دار والديها على أثر التحاق رجلها بثوار ريف المدينة. على عكس والدتها، المؤثرة السلام ولو على حساب أعصابها، كانت امرأة خلّو تجابه الأخ المتجاوز حدوده وكذلك تلزم زوجته حدّها. ما جعل هذه الأخيرة تتحين الفرصَ للانتقام، ولو عن طريق تلفيق قصة تمسّ شرفَ الأسرة. ثم قدمت الفرصة على طبق من فضة، لما لاحظت هَدي من مكانها وراء نافذة حجرتها كيفَ تستقبل رابعة صديقَ شقيقها بلهفة ثم يمكثان برهة يتخاطبان بلغة العيون. عند ذلك، دمدمت هَدي من بين أسنانها بحقد: " لقد فُضِحتُ من لدُن آل حج حسين، لأنني كنتُ أنتظر حبيبي أمام باب الدار. ولم يكفوا عن الأقاويل بحقي، حتى بعدما تزوجنا. وابنتهم هيَ ذي، يعلم الله ما يُمكن أن تفعله لو لم يردعها أحد! "؟ *** " برو "، كان في تلك الأيام يعمل في نول يملكه ويديره سلو، وكان مكانه في حجرة مستأجرة من منزل آل علكة في أسفل الزقاق. هذا الشاب، كان يتسم بخلق بسيط حد السذاجة، كما أن قسامته كبيرة وعلى شيء من قلة الانسجام. هذا مع أنه ينتمي لفرع ذي سطوة من عشيرة بارافي، وكان يمت بالقرابة لضابط الدرك أحمد، الذي سبقَ وعلمنا إسهامه في محاولة اغتيال غورو قبل ثلاث سنين خلت. كان سلو يعطف على أجيره، كما دأبَ على تكليفه جلبَ أشياء من المنزل بما فيها الغداء. وقد فكّرت بالشاب الأجير زوجةُ المعلّم، لما قررت توجيه ضربة مؤلمة لمَن تعدّهم خصومها اللدودين. ذات ليلة، زحفت هَدي نحو مجلس زوجها كي تفح في سمعه: " عُدني ألا تثور وتتسبب بفضيحة، لو أنني أخبرتك بما في جعبتي " " ما الأمر يا امرأة، تكلمي؟ "، قالها سلو وهوَ يرفع رأسه عن المسند المحشو بالقش. حدثته عندئذٍ بما زعمت أنها بداية علاقة غرامية بين شقيقته الصغرى وابن جيرانهم، مختتمة القول بنبرة تتصنع الحرص على شرف الأسرة: " أمثالها من الفتيات يجلبن العار للأهل، إذا لم يتم في سرعة زواجهن ". بينما كان الرجل يكز على أسنانه حنقاً وتوعداً، استدركت امرأته: " العريسُ موجودٌ كما آمل، وأنتَ تعرفه وتثق به. إنه برو، شاب طيب ومجتهد فضلاً عن أنه من عائلة كريمة " " حسناً، لحين أن أتدبر الأمر عليكِ أن تتكتمي على القصة "، قال ذلك وقد لاحَ أن داخله هدأ قليلاً. في اليوم التالي، كانت عينا سلو على درب الزقاق من خلال باب حجرة النول المفتوح. كان الوقت بعد الظهر، ويعلم أنه ميعاد مرور مَن أضحى بمثابة عدوه. لكنه بالطبع لم يكن يرغب بفضيحة، بل شاءَ تبصير الشاب إلى أن قصته كُشفت. أكثر من مرة، طرد مثل هذه الفكرة: " لعله يحب رابعة، ويرغبُ بالزواج منها. فأنا دفعني الحب إلى أحضان امرأة متزوجة، فانتزعتها من رجلها! ". ثم يراجع نفسه، مع فكرة أخرى: " مهما يكن الأمر، فإنه أساء لشرف أسرة صديقه. كما أن رابعة يجب أن تدفع ثمن طيشها، كونها هيَ من شجعته على ذلك المسلك الشائن ". بعد نحو ساعة، اعترضَ طريق بَدو ليخاطبه بازدراء لكن بصوت هادئ: " لم أكن أتوقع منك خيانة جيرانك، الذين اعتبروك كابن لهم " " ما هذا الكلام الغريب، أرجوك؟ إنني لا أفهم ما تعنيه "، رد الشاب المكتسي قيافة الفرسان. قاطعه الآخرُ بالقول: " ثمة من شاهدك تقف مع شقيقتي الصغيرة، وأكثر من مرة أيضاً " " إنني أعتبرها بمنزلة أختي الصغيرة، مثلما أن حسينو له نفس النظرة لأخواتي البنات حينَ يزور منزلنا وتستقبله إحداهن "، قالها بَدو وقد اكتست سحنته بشحوب الغضب لكرامته. " منذ هذا اليوم ستقطع الزيارات بينكما؛ أقولها بصفتي شقيق حسينو الكبير! "، كذلك جاء الرد القاطع. مضى الشاب بخطى شبه مترنحة، وكان يعدّ ما جرى أشبه بكارثة لو لم يُسرع في تلافي آثاره.
* مستهل الفصل الثالث عشر/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدام بوفاري، في فيلم لكمال الشيخ
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني عشر
-
حديث عن عائشة: الفصل الثاني عشر/ 2
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني عشر
-
جريمة كاملة
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل الحادي عشر
-
فردوس الفقراء
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل الحادي عشر
-
جريمة مجانية
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل العاشر
-
حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 2
-
حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 1
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل التاسع
-
حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3
-
صراع على العيش
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن
-
حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2
-
حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 1
-
مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة
المزيد.....
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|