فراس سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1574 - 2006 / 6 / 7 - 10:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتب الأستاذ ياسين حاج صالح الباحث و المفكر السوري مقالاً هاماً , نشرته صحيفة الحياة بتاريخ21 -5 -2006 بعنوان ( من" العروبة أولاً" و " سورية أولاً" إلى آفاق الوطنية الدستورية ...) أثار فيه عدداً من المسائل المتعلقة بالعروبة و الوطنية السورية و رفض العروبة كعروبة وضرورة التفريق بينها و بين العروبة المستبدة .... هنا بعض الردود السريعة على المقال :
- سورية أولاً , أمر طبيعي بعدما كشفت عقود من الأزمات و الكوارث المتتابعة عجز "العروبة أولاً " أو الوطن العربي أولاً عن بناء دولة وطنية عادلة راعية لمواطنيها , و بعدما أصبحت القومية تستدعي التنازل عن كل الحقوق المواطنية باتجاه ألغاء المواطنية و الحقوق إلى أن تمّ إلغاء الأنسان ذاته بحجة القومية المقاتلة للعدو , ما يسمى بالصراع العربي الأسرائيلي , و لا غرابة في أن البلدان العربيان الأكثر تضرراً و انتهاكاً للحقوق الأنسانية كانا البلدان المحكومان من نظامين بعثيين .
- القومية العربية كانت كارثة لبلد مثل العراق لأن هذه النظرية غزّت الشوفينية البعثية و العربية ضد المجموعات العراقية الأخرى ( أكراد , آشوريين , تركمان , سريان ..) فانتهى العراقيون لاعتبار العراق أمة نهائية بدلاً عن كونه بلداً في أمة عربية . و هذا ما سيصنعه لاحقاً الأسلام السياسي في السودان حيث تمّ أقحامه في الحكم و الدستور الأمر الذي أدى إلى حرب أهلية و طرح قوى غير اسلامية لفكرة الأنفصال .
- العقل القومي العربي البعثي خصوصاً يمكن أن يكون كارثياً بالنسبة لسورية لأنه يقوم على اللغة و العرق و بهذا فهو يخرج كل من ليست العربية لغته الأم من الإطار العربي و من ثم – هنا الكارثة – من الإطار السوري لأن السوري في العقل القومي العربي هو عربي فقط ؟! و هكذا فاعتبار هذه المجموعات الثقافية السورية غير عربية و من ثم غير عربية سورية أدى إلى اعتبارهم من قبل العقل السياسي البعثي الحاكم و الثقافة القومية العربية السائدة في سورية كمجموعات لاجئة إلى سورية لا حق لها في الجنسية السورية أو العيش بشكل طبيعي ( مازال الأكراد يبنون بيوتهم ليلاً و بالسر ) و مواطنين من الدرجة الثالثة .
- أخراج الأكراد و الآشوريين و الأرمن و التركمان السوريين من الإطار العربي ليس بمشكلة كبرى لكن إخراجهم من الإطار السوري هو المشكلة لأنه سيؤدي لاحقاً إلى طرح فكرة الأنفصال أو الحكم الذاتي .
- يقول ياسين حاج صالح حول الكتابات المعادية للعروبة أنها " لا تنتقد النظام الأستبدادي للعروبة بل تنتقد العروبة ذاتها " و نعتقد أن هذا صحيح لأن العروبة تماهت مع الأستبداد في ذهنية المثقفين السورينن والعراقيين على الأقل , و لأن العروبة كما عرفناها تعطل ليس تكوين الوطنية السورية و لكنها تعطل تكوين كل الهويات الوطنية للدول العربية .
- التعصب الوطني السوري يساعد على حل المشكلة الطائفية و الأثنية و النزعة القومية و الشيوعية( فوق وطنية ) .
- كان من الممكن الأستفادة من نزعة التعصب التي غزّاها النظام السوري تجاه لبنان بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان باتجاه تكريس عصبية سورية , أكثر من تعصّب سوري تجاه لبنان بحد ذاته , و الحقيقة أن التعصب و التمييز القطري و المناطقي كان موجوداً في عزّ قوة العروبة و القومية العربية في سورية لاسيما عند البعثيين السوريين في مناطق دون سواها بسبب طغيان الشعور الطائفي و الفئوي , حيث كان البعث غطاء لهم للاستمرار في السلطة .
- بدلاً من تعصب ضد الآخرين و هو ما غذّته السلطة تجاه لبنان و يغذيه من هم خارجها تجاه العروبة , لا بد من العمل على عصبية سورية متوجّهة نحو الذات , فلا وطنية سورية دون عصبية سورية , لسبب بسيط هو أن العصبية دافعة و دينامو للعمل الوطني , و العصبية تقوم على الحب , بينما التعصب ضد الآخرين يقوم على الكره , و الحب أو الميل تجاه موضوع الحب هو ما يدفع إلى العمل و تقديم التضحيات في سبيله, بينما الكره الموجّه إلى آخر لا يدفع لحب الذات و العمل لبناءها إلا بشكل مؤقت و بطريقة ضحلة و هامشية لأنه ناشئ عن رد فعل .
- كي لا تكون سورية أولاً قائمة على مكوّن استبدادي , لا بد من أن تقوم على معطيات الحداثة سياسياً و اقتصادياً و فكرياً , و هذا لن يكون أبداً إلا على أساس النزعة السورية التي لا يخالطها أي نزعة أخرى لا عروبية و لا دينية و لا عالمية .
- ستبقى القضية السورية عند العروبيين السوريين هامشية أو في مركز ثان إلى أن يتبنوا سورية أولاً , و هذا يعني أنه لا أولوية لحل المشاكل السورية من حريات و مواطنية و جنسية و منهج عملي لاستعادة الأراضي السورية المحتلة لتبقى هذه المسائل السورية معلقة إلى الأبد و هو نهج النظام السوري الذي يتعلّق بالقضية القومية للحفاظ على استمراره في السلطة , بينما لا منفعة حقيقية لهؤلاء العروبيين السوريين - و بينهم معارضين و أحزاب معارضة – سوى أنهم يؤمنون أيماناً عقائدياً بالعروبة .
- العروبة في رأينا لا يمكن أن تكون سوى قضية ثقافية , شعور بالأنتماء الثقافي إلى مجموعة ناطقة بالعربية و بينما هي لدى البعض شعور بالأنتماء إلى مجموعة ناطقة بالعربية و تدين بالأسلام و هي لدى فئة ثالثة شعور بالأنتماء إلى مجموعة ناطقة بالعربية و تدين بالأسلام و تعتقد بالأنتماء إلى جذر عرقي ينتهي عند مؤسسي السلالة العربية عدنان و قحطان ؟!
- نعتقد أن حل المشاكل السورية المستعصية كلها , سياسية و اقتصادية لن يتم إلاّ بعد حل الخلاف بين اصحاب الهوية العروبية و اصحاب الهوية السوريّة باتجاه اعتبار الهوية السورية أولوية ليس بالمعنى الوطني السياسي لكن بالمعنى الثقافي أيضاً .
- إن تشتيت الذهن السوري في قضايا خارج سورية كان السبب في تأخر سورية على كافة المجالات و كان فعلاً سلطوياً بعثياً بامتياز متعلق بالديماغوجيا السلطوية لتأبيد تحكمها بالمجتمع السوري و تخليفه لتأبيد تحكمها بالسلطة .
- النزعة السورية و الوطنية السورية تقوم على العصبية السورية الموجّهة نحو الذات حيث تكون سورية بالنسبة للسوري هي المركز , و هذا لا يعني أن تقوم هذه الوطنية على التعصب ضد الآخرين إلا بما يفيد تغذية هذه الوطنية السورية باتجاه فك الأشتباك مع أية قضايا ثقافية أو سياسية تعيق تكوين الوطنية السورية .
- بعد تكوين هذه الوطنية السورية هوية و انتماء و دولة و ثقافة , تعمل الدولة السورية و المؤسسات الثقافية السورية لإقامة أفضل علاقات مع دول الجوار والعالم .
- الوصول إلى تكوين الهوية السورية و الوطنية السورية لن يتم بهدوء و سلام بل عبر صراع فكري و عملي طويل الأمد لوجود معوقات ضخمة اعتقادية و سياسية , و بشكل عام لن تقوم الوطنية السورية إلا في مجتمع حر حيث يمكن تبني الأفكار و الدفاع عنها بحرية و أمان و مسؤولية
- في كل الحالات لا نعتقد الوصول إلى الوطنية السورية – كما في الوطنية الفرنسية أي تماهي الأمة بالوطن , بحيث تتحول سورية في أذهان السوريين إلى أمة و ليس مجرد وطن ينتمي إلى أمة عربية – دون صراع ربما يكون دموي في مرحلة ما أو يمر بمخاض حرب أهلية , لاسيما إذا نظرنا إلى تكوين الأمم أو الأوطان في التاريخ .
- وطنية سورية معادية للعروبة لا يمكن ان تكون ديمقراطية او دستورية , هذا صحيح لأن جزء مهم من السوريين بعد تكوين الهوية السورية يمكن أن يبقى على خياره العروبي , لكن دستور و ممارسة ديمقراطية يكفل بحرية الفكر و الأنتماء و الممارسة السياسية على أن لا يخل بالهوية السورية أو الوطنية السورية .
- يقول الأستاذ ياسين الحاج صالح أن " السورية، كما العروبة، تزداد عقيدية كلما ضعف مكوّنها التعاقدي " و هذا صحيح و هي مشكلة ناجمة عن غياب العقل الديمقراطي لغياب الديمقراطية عن الوضع السوري موضوعياً لنصف قرن ( منذ الوحدة السورية المصرية1958) و لهذا التاريخ دلالته , فلقد غابت الديمقراطية منذ اختار السوريون - أغلبيتهم على الأقل- الأندماج سياسياً و قانونياً " في العروبة" و تخلوا بسذاجة و طيبة قلب عن "قطرهم" السوري لصالح "وطنهم" العربي .
- إن الخيار الديمقراطي لا يبدو حتى الآن جاداً في سورية لدى النظام و لدى طيف واسع من المعارضة العروبية , طالما لم يتم اختيار الوطنية السورية كانتماء اول و أخير للسوريين بما فيهم هؤلاء في السلطة و المعارضة .
- العقد الأجتماعي يأتي لاحقاً بعد تحول العقيدة السورية إلى خيار وحيد للسوريين في النظام و المعارضة و مكون للهوية الوطنية . العقد الأجتماعي يأتي في المرحلة الثالثة بعد العقد الوطني السوري و بعد الديمقراطية .
- نقول مرحلة ثالثة لأنه يبدو أن الديمقراطية و ما ينتج عنها أو يلازمها من عقد أجتماعي أصعب بكثير من تحقق الأتفاق على الأنتماء الوطني السوري .
- حول الأنفلات الوطني السوري من الهم العربي لاسيما الأقليمي , لا تستطيع سورية أن تشتغل في الموضوعات العربية بشكل أيجابي فاعل إلا بعد تكوين الوطنية السورية الديمقراطية , و هي إن اشتغلت سابقاً عبرب نظامها البعثي أو مجموعاتها العروبية السياسية فقد كانت إما اشتغالات سلبية ساهمت في تعقيد الأوضاع العربية كما في لبنان و العراق و حتى في فلسطين مؤخراً , و إما كان اشتغالها العربي و لو كانت محصلته أيجابية فقد كانت على حساب القضية السورية و في جوهرها الأنسان السوري معيشة و حريات ...
- نحن ندعو الأستاذ ياسين الحاج صالح و كل المفكرين السوريين إلى بذل الجهد المعرفي في معرفة الوقائع الأجتماعية السورية ومراكمة المعارف الإثنولوجية والسوسيولوجية والتاريخية حولها , كما يطلب الأستاذ ياسين و هو من بين المفكرين و الكتاب السوريين الأكثر قدرة و نشاطاً, فمعرفة الواقع و مراكمة المعرفة باتجاه تحويلها إلى مبادئ فلسفية و حقوقية دستورية هو سبيل الوصول إلى وطنية سورية ديمقراطية غير عنصرية .
#فراس_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟