|
تآكل الدولة الوطنية العربية..ونهوض القوى الشعبية!!(2)
خلف الناصر
(Khalaf Anasser)
الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 6 - 14:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
((لكن هذا النهوض الشعبي سيأخذ عدة وجوه بعضها إيجابية وأخرى سلبية.. وقد تكون على الوجه التالي: أولاً: بروز قوى وطنية ومقاومة شعبية! ثانياً: قوى رجعية وفاشية دينية مقاتلة! ثالثاً: عصابات السلب والنهب والقتل!)) (من ج1)
ومثل هذا النهوض الشعبي بشقيه الايجابي والسلبي سيبرز حتمياً عند ضعف الدولة الوطنية ، وعند عجزها أو تخليها عن أداء واجباتها كدولة وطنية مستقلة ، ليملأ تلك الفراغات التي عجزت الدولة عن ملئها.. وهذه حالة ايجابية تجعل من الجماهير الشعبية هي الحارس الذي يصون مقومات الدولة الوطنية ـ باعتبارها كياناً وطنياً وليس سلطة حكومية ـ ويحفظها من الانهيار الشامل والمدمر! لكن ـ وبكل أسف ـ ترافق هذه الحالة الإيجابية وبصورة شبه حتمية حالات سلبية جداً ، تتمثل ببروز وظهور قوى فاشية يمينية راديكالية ذات إيديولوجيات متطرفة ـ كالقاعدة وداعش ومثيلاتهما مثلاً ـ تعمل على هدم الدولة والمجتمع معاً ، وكذلك تبرز معها مجاميع وعصابات للسلب والنهب والقتل الجماعي ، ومستعدة لتأجير خدماتها لمن يدفع أكثر بغض النظر عن هويته وهدفه النهائي ، حتى لو كان يريد تدمير الدولة والمجتمع!
وجميع هذه الحالات الايجابية والسلبية تظهر معاً ، وتتسلل من خلال ثقوب لشروخ كبيرة أخذت تغطي جسد الدولة الوطنية ـ العربية الحديثة خصوصاً ـ وتملأ من قبل [قوى من خارج الدولة ومؤسساتها الرسمية] بعد ظهور معالم الشيخوخة المبكرة على أنحاء جسدها كله ومفاصلها الرئيسية أعمالها اليومية ، فتحاول تغطية شيخوختها المبكرة هذه بمظاهر كاذبة من القوة ودكتاتورية قاهرة وقبضة أمنية حديدية ، وتصبح كالمتصابية التي تغطي بشرتها الشائخة بقشرة رقيقة من المساحيق والاصباغ ونفخ الشفاه ، لتغطي هي أيضاً عجزها التام وفسادها الشامل الذي غطى كامل جسدها! وهذه مظاهر حتمية يلجأ إليها عادة كل نظام سياسي أو دولة عاجزة بعد انتهاء عمرهما الافتراضي ، أو كأنظمة سياسية من الطراز العتيق التي انتهى دورها ومهماتها فتجاوزها الزمن ، وأصبحت من الماضي البعيد الآيل للسقوط! ***** وقد ظهرت هذه الشيخوخة المبكرة وجميع هذه الظواهر المرضية على جميع الأنظمة العربية ، بعد جملة وقائع كبرى شهدها الوطن العربي وجواره الإسلامي ، ولم تستطع هذه الأنظمة العربية معالجتها أو التكيف مع متطلباتها الحتمية.. وتتمثل الوقائع بــ : أ) هزيمة حزيران المروعة عام 1967 : وانكسار الحلم العربي بالوحدة والتوحد والعدالة الاجتماعية والتقدم الحضاري! ب) رحيل عبد الناصر المفاجئ عام 1970 : وغياب الاجماع العربي على أي زعيم عربي من بعده ، وظهور جيل من الزعماء العرب (الكذبة) المغامرين الباحثين عن المجد الشخصي كصدام حسين مثلاً ، والذي قام بحربين مدمرتين طلباً للزعامة ولمجده الشخصي! ت) ظهور أنور السادات : وقيامه بالردة عن النهج الوطني الذي ارساه عبد الناصر والاتجاه نحو أميركا والغرب والصلح مع العدو وعزل مصر عن أمتها العربية ، واخلاله بالتوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني وفي داخل كل قطر عربي! ث) الحرب العراقية الإيرانية : كنتيجة لمغامرات قام بها صدام حسين بحثاً عن الزعامة وعن مجده الشخصي ، فبدأت بها أولى معالم التفكك العربي! ج) حرب الكويت : التي قام بها صدام حسين أيضاً ، واجهز بها على فكرة "الأمن القومي العربي الجماعي" وبدأ بعدها انهيار النظام الرسمي العربي بأكمله ، وبحث كل نظام عربي عن مصالحه الخاصة بعيداً عن العرب الآخرين ، والاحتماء بالغرب الاستعماري وجيوشه وقواعده العسكرية ، التي ملأت الخليج العربي أرضاً وماءً وسماءً ومعها وكثيرٌ من الاقطار العربية الأخرى .. صغيرها وكبيرها! ح) حرب أفغانستان عام 1979 : وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الاشتراكي بتأثير تداعياتها ، وبروز ما عرف في حينها باسم "الأفغان العرب" أوائل تسعينات القرن الماضي وعودتهم لبلدانهم العربية لــ "يجاهدوا فيها".. فبدأت بهم دورة وموجة كبيرة من العنف الدموي والقتل الجماعي ، وتبلورت من خلال هذا العنف الدموي أفكار وتنظيمات اسلاموية عنفية.. كــ [القاعدة.. وداعش.. ومئات الاسماء المشابه] والذي بدأ بهم ولم ينتهي بعد ، وإلى يوم الناس هذا! خ) الثورة الإيرانية عام 1979 أيضاً : وتأثيراتها الجوهرية في الواقع العربي والحراك الجماهيري ، واسقاطها للنظرية التقليدية التي تقول: ((لا ثورة بدون حزب ثوري)) واحلالها .. للــ [الجماهير الثورية محل الحزب الثوري في صنع الثورة]!
***** لقد تجمعت كل هذه الأسباب والوقائع الخطيرة والجوهرية وتداخلت في بعضها ، فأدت إلى اضعاف الدولة الوطنية العربية الضعيفة أصلاً بنيوياً وواقعياً ، رافقها نهوض عربي شعبي كبير ـ وأخذ يحل محلها تدريجياً في الدفاع عن الوطن ـ تمثل: بالثورة والمقاومة الفلسطينية في البداية ، ثم بالمقاومة اللبنانية عام 1982 والتي تمكنت من تحرير بيروت وكل لبنان من الاحتلال الصهيوني في ذلك العام نفسه ، ثم فرض الهزيمة على الصهاينة وتحرير كامل جنوب لبنان من قذارتهم عام 2000!
وهذا النهوض الشعبي الكبير كان يقابله دائما تدهوراً وتفككاً لمعظم الأنظمة العربية ، فكانت هذه الأنظمة العربية ـ ومنذ تلك التواريخ ـ تنحدر وتتفكك باستمرار وتغوص في وحول الضياع أكثر فأكثر ، ففقدت ـ نتيجة لهذا ـ استقلالها وإرادتها الوطنية بعد أن ملأت أوطانها بالقواعد العسكرية الأمريكية والغربية و "التطبيع" العلني مع الأعداء الصهاينة لحماية نظمها المتهرئة ، والتحالف معهم ضد إرادة شعوبها وضد قوى مقاومتها الشعبية وحركات تحررها الوطني ودول الجوار الثورية ، وهي في الأصل أنظمة لا تعرف إلا أن تخضع وتخنع وتنهزم ، فمقاومة الأعداء ليس من طبعها ولا من طبيعتها ولا في أجندتها!
وبينما وصلت الأنظمة العربية إلى هذا الضياع والتيه الكبير ، كانت الجماهير العربية وقواها الحية تواصل نهوضها حتى وصلت إلى ذلك الانفجار الكبير والثورات العربية العارمة بداية العام 2011 , والذي لا زال صداه وموجاته الارتدادية تتردد بقوة في العراق ولبنان والجزائر والسودان بشكل متواصل ، وبشكل متقطع في أقطار عربية كثيرة أخرى! ***** ومهما قيل ويقال عن تلك "الثورات العربية".. كالقول: بأن هذه الثورات كانت نسخة أخرى من "الثورات الملونة" التي صنعتها الولايات المتحدة في أوربا الشرقية: كـ "ثورة البرتقال" في أوكرانيا و "ثورة الورود" في جورجيا و "ثورة الزعفران" في ميانمار و "الثورة القرمزية" في التبت .......الخ! أو اعتبارها إحدى التكتيكات التي اخترعها البروفسور الأمريكي (جين شارب) صانع "الثورات الملونة" أو للملياردير اليهودي (جورج سورس) ، وهذه جميعها تكتيكات اعتمدتها الإمبراطورية الأمريكية الأنجلو سكسونية لتصفية مناوئيها ، بالطرق السلمية والعصيات المدني والاحتجاجات والمظاهرات الكبيرة وشل الحياة العامة والخاصة..............الخ كبديل مجرب عن الجيوش والاحتلال والعنف وقتل الناس ، بعد أن خابت جيوشها وانهزمت في كل حروبها التي خاضتها: في فيتنام والعراق وافغانستان والصومال.........الخ!
وحتى لو اعتبارنا كل هذا صحيحاً ، وهو صحيح مائة بالمائة لجميع الثورات الملونة المذكورة ، والتي أطاحت بأعداء الولايات المتحدة في أوربا الشرقية ، لكن هذا لم يكن صحيحاً بالنسبة للــ "الثورات العربية" ، لأنها منذ بدايتها قد أطاحت باخلص حلفاء الولايات المتحدة وعملائها المعروفين في المنطقة العربية ، أي نظامي (زين العابدين بن علي) و (حسني مبارك) ، وهذا ما يخالف طبيعة ووظيفة تلك "الثورات الملونة" والاهداف الأمريكية المرجوة منها ، لكن يمكن اعتبارها من تلك الثورات الملونة وتتوافق مع أهداف الولايات المتحدة : o عندما أطاحت بنظام العقيد القذافي بالتعاون مع حلف "الناتو"! o وبمحاولة اطاحتها بالسلطة الوطنية السورية ونظام الرئيس (بشار الأسد) ، بإشعالها لما يسمى بـ "الثورة السورية" الدموية المدمرة والمشتعلة منذ ما يقارب التسع سنوات ، وتجميع كل إرهابي العالم في سورية! o وبخلقها للفوضى ـ الفوضى الخلاقة ـ العارمة التي خلفتها تلك الثورات في عموم الوطن العربي ، وكانت الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني هما الجهة الوحيدة التي استفادت منها!
ومرة أخرى مهما قيل ويقال عن تلك "الثورات العربية" ، وحتى وإن صدق مضمون "الثورات الملونة" عليها وكل هذا قيل في حقها ، تبقى في جوهرها (ثورات) تعبر عن حجم المعاناة التي يعانيها المواطن العربي والمجتمع العربي والشعب العربي برمته في واقعه الذي يعيشه ، وعن حجم المرارة التي يستشعرها هذا الشعب في أعماقه من أنظمته السياسية الحاكمة ، وعن مدى الذل والهوان الذي يقاسيه على أيديها .. وفي الجوهر الأعمق ، فإن هذه الثورات العربية تعبر عن رفض الاستلاب الداخلي والعدوان والاحتلال الخارجي والهزائم العرية المنكرة ، والمتكررة منذ ألف عام!
ومرة ثالثة مهما قيل ويقال عن تلك الثورات العربية ، فهي في التحليل النهائي من تلك "الثورات تاريخية الكبرى" التي غيرت وجه العالم ، كالثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الصينية: فالثورة الفرنسية بقيت مشتعلة ـ بطرق مختلفة ـ لعدة قرون ، حتى جعلت فرنسا في النهايةً واحدة من الدول العظمى في هذا العصر ، أو هي كالثورة الروسية والثورة الصينة أو ثورات الشعوب الكبرى الأخرى ، التي صححت تاريخ شعوبها ومساراتها ووضعتها على طريق التقدم والتطور الحضاري الشامل ورفاهية العيش!
فالثورات العربية هي ثورات من هذا النوع ، فهي ـ رغم عثراتها الكثيرة والخطيرة ـ هي ثورات تصحيح تاريخي كبرى ، وستبقى مشتعلة ـ بطرق مختلفة أيضا ـ إلى أن تصحح جميع مسارات العرب التاريخية ، وحتى تصحح الوضع العربي برمته! فطريق الثورات ليس مفروشاً بالورود وليس مستقيماً دائماً ، إنما هو متعرج وقد يعود إلى الخلف ألف خطوة ، قبل أن يأخذ مساره الصحيح ......... وهكذا هي الثورات العربية!!
#خلف_الناصر (هاشتاغ)
Khalaf_Anasser#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تآكل الدولة الوطنية العربية..ونهوض القوى الشعبية!!(1)
-
((صفقة القرن)): حصيلة عمل منظم لأكثر من مائة عام!!.....(2 وا
...
-
((صفقة القرن)) ليست مصادفة: إنما هي حصيلة عمل منظم ومخطط لأك
...
-
((علقوا لي المشنقة!!*)) ..... (2-2) والأخير .
-
((علقوا لي المشنقة!!*)) ..... (1-2)
-
أســطـــورة أفـــريـــــقــيــة*!!
-
للثورات الشعبية شروطها الموضوعية؟! .... (النسبة الاجتماعية ا
...
-
الانتفاضات الشعبية دائماً: مطلبية في بدايتها ، سياسية في وسط
...
-
من فرعون إلى السيسي إلى عبد المهدي إلى جميع الحكام العرب: ((
...
-
الكيان ، تركيا ، إيران .. مشاريع في الميزان؟!(3 ب).. المشروع
...
-
الحكمة الجزائرية : قفوا لهم (اسبوعياً) بالمرصاد!!
-
الكيان ، تركيا ، إيران .. مشاريع في الميزان؟!(3 أ).. المشروع
...
-
الكيان ، تركيا ، إيران .. مشاريع في الميزان؟!(2 ب)..جذور الم
...
-
الكيان ، تركيا ، إيران : مشاريع في الميزان؟!(2 أ)
-
الكيان ، تركيا ، إيران: مشاريع في الميزان؟!...(1)
-
جيش بلاستيكي (لا يقهر)!!؟؟
-
ثوار الخليج النجباء/ على جدار الأحداث/9
-
أهي الحرب العالمية الثالثة.. ونحن لا نعرف؟/على جدار الأحداث/
...
-
أس؟؟ئلة بريئة جداً؟؟/على جدار الأحداث/7
-
حقائق التاريخ وأكاذيب البشر؟!: على جدار الأحداث/6
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|